الجمعة ١٦ آب (أغسطس) ٢٠١٣
بقلم مصطفى يعلى

أعشاب المستنقع...

من الطاهر الطويل: المغرب

خلال مدة زمنية امتدت لأربعة عقود، انكب الأديب المغربي الدكتور مصطفى يعلى على نسج عوالم قصصية غنية بخطى ثابتة وحس إبداعي مرهف ورؤية فنية ثاقبة؛ فكان من ثمار ذلك صدور أربع مجموعات قصصية: ‘أنياب طويلة في وجه المدينة’، «دائرة الكسوف»، «لحظة الصفر»، «شرخ كالعنكبوت»، بالإضافة إلى عدد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالسرد والقصص الشعبي.

وتكريماً لهذا المسار الأدبي المميز، صدر كتاب مشترك، يضم المداخلات التي قدمت خلال حلقتين دراسيتين نظمتهما شعبة اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة القنيطرة عن تجربة مصطفى يعلى القصصية، الأولى سنة 1996 والثانية سنة 2006. الكتاب موسوم بـ’أعشاب المستنقع: أبحاث في التجربة القصصية لمصطفى يعلى’، وساهم فيه الأساتذة: محمد أنقار، أحمد حافظ، محسن أعمار، فاطمة كدو، عبد الله بن عتو، زهور كرام، جهيد شداد، علي برعيش، محمد مشبال، وقام بإعداده وتنسيقه الأستاذ أحمد حافظ.

وقد تطرقت المداخلات إلى تحليل نصوص من ثلاث مجموعات هي: دائرة الكسوف (1980)، لحظة الصفر (1996)، شرخ العنكبوت (2006)، فتم التركيز على الموضوعات والتيمات الكاشفة عن بعض القيم الرمزية والتناقضات والعلاقات الاجتماعية المتوترة، والتحولات التاريخية للمجتمع، وخاصة في مرحلة حاسمة من تاريخ المغرب الحديث، وهو ما يمكن من مقارنة مواقف نصية بمشاهد من قصص إدغار ألان بو، وجي دو موباسان، ومسوخ بعض الشخصيات بنزوع المسخ في قصص فرانز كافكا مثلا.

كما ركزت المداخلات على المكونات الجمالية والفنية للنص من خلال استجلاء تقنيات الحذف والتكثيف واللعب اللفظي، ومخاتلات السخرية والانعكاس المرآوي وبلاغة التكرار والمحاكاة الساخرة وشعرية الاسترجاع. وهو ما يعني انخراط الكاتب في كتابة قصصية تجريبية مكنته من الاطلاع على جانب مهم من التراث العربي والإنساني، واستثمار بعض ما يزخر به هذا التراث من إمكانيات التخييل والتعبير والكتابة.

ُردفت المداخلات بحوار أجراه الأستاذ محمد مشبال مع القاص مصطفى يعلى، حيث قال هذا الأخير إنه جرب الاستفادة من بعض تقنيات البناء السمفوني والسيناريو والمونتاج والقصص الشعبي والتشكيل والتحليل النفسي وغيرها، كما هو ملموس في قصصه الأخيرة خاصة. واستطرد قائلا: ‘كنت أفعل ذلك بحذر، عن غير ما تفريط كلي في أصول الجنس القصصي خصوصا في ما يرتبط بالجانب الهرموني والدلالي، وعياً مني بانتفاء صفة الطفر إلى حد القطيعة أحيانا عند تشغيل الأشكال الفنية، دونما دوافع أو أهداف إلزامية نابعة من معطيات متشابكة تمس الواقع والذات والجنس الأدبي جميعا، لاسيما إذا تعلق الأمر بالتجريب من أجل التجريب، أو بموضة فجة تتستر بعباءة حداثوية مزيفة. لا بد من التبرير لأي تجريب.’

وأضاف يعلى: «إن التجريب الذي يحول دون إبلاغ الرسالة إلى المتلقي لهو تجريب مفتعل. وبكلمة أخرى، إن التجريب الذي لا ينتج أعمالا جيدة محكوم عليه بالسقوط. وعليه، إن الجودة وبلاغة التوصيل والإضافة المحسوبة، هي محك التجريب؛ في حين تظل الفوضى العابثة والألعاب البهلوانية التي لا دلالة لها تمثل حالة تلبس لإدانة لغة التجريب المترف.»

من الطاهر الطويل: المغرب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى