الأحد ٢٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩
بقلم الحسان عشاق

الشكام

الخروف المشوي يشد الانتباه، ترتجف الأيادي، تتحلب الأفواه، يجلس الشكام بين الضيوف، عيناه مشدودة إلى اللحم المحمر، تغوص في أعماق مفاصل الخروف، قبل أن يحضر النادل الشواء في صينية كبيرة، لم يكف عن الثرثرة واستحضار مواضيع تافهة لشد الانتباه، شقشقات أثقلت كاهل الرؤوس،يعرفون انه مخبر، يتعاون مع الأمن، لا يخجل من عرض الخدمات على الأجهزة السرية، طمعا في نيل الرضا والطبطبات،متعهد وقفات احتجاجية، يستجيب لتصورات وتوجهات رموز الفساد،كلما تعرض النظام للهجوم من الداخل والخارج، تفتح الصناديق السوداء، يستدعى المخبرون والقوادون والشحاذون، حراس المعبد، تدفع الأموال بسخاء، يشحن البيادق في الحافلات والسيارات، وجبة غذاء وعلبة سجائر،ثمن شراء الذمم، الشكام بارع في هذه الأمور،يصطاد الضحايا بسهولة،يعدهم بالمزايا من جهات عليا، الطماع ألعوبة في أيدي الكذاب، رأس فارغ يغرق في التعفن والرياء والكذب والنفاق،ينقل الأخبار، يفشي أسرار الناس، يفبرك ملفات ويطلق التهم،يتهدد ويتوعد،في وعيه المخروم يحلم بالسلطة، أن يكون مركزا للقوة والجاه، تنفذ له الأوامر، السمع والطاعة يا مولاي، تقبل له الأيدي، تفرش له الأرض بالورد والياسمين، تهتف باسمه الطوابير الطويلة، يجلس مع علية القوم، منفوخ الأوداج، يضع ساقا على ساق.، يطلق العنان للكلام المجاني.يفرح عندما تلتقطه عدسات المصورين.

 انظروا إنني هنا

المتحلقين السبعة حول المائدة الكبيرة، يتلفعون بالصمت، لا يريدون التورط في المشاكل، ينظرون اليه بغضب ونفور، يخاطبونه في الخيال بان يصمت، يشتمونه، يبصقون عليه، (كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة...كرام إذا عدوا وثــامنهم كلب) رحم الله دعبل الخزاعي، يراقبون من حولهم، القاعة الكبيرة تغرق في الأجساد، الضجيج يرتفع، ضحكات هنا وهناك، سوق أسبوعي حقيقي،أنواع من البشر، عرض أزياء، الولائم المجانية تجدب الحشود، وطننا وليمة كبيرة للصوص والخونة، الوليمة طقس مخزني متوارث، تقاس به درجة الوعي، وتخدر العقول لاستمرار عبادة الأصنام، أطبق صمت جنائزي على القاعة، تدخل اليد في شرائح اللحم، تمزقها، يخرج قطعة في حجم رأس قط، يدفعها في الفم، يبلعها بدون مضغ، يأكل بشراهة، ترتفع الأنفاس، تحمر العينان وتجحظ، يتصبب عرقا، يتوسع البطن، ينتفخ، يحمر الوجه، تتدسم الأيدي،يطوي أكمام القميص حتى ما فوق المرفق، يفتح حزام السروال، يشعر بشيء من الراحة، الجلساء يأكلون بروية وتلذذ، لا صوت يعلو فوق صوت المضغ والبلع والتجشؤ، البطنة تذهب الضمير، تحيل الإنسان إلى حيوان مفترس، يستلذ بالنهش والقطع والافتراس، اختفى الخروف المشوي في رمشة عين، لم يبق سوى الهيكل العظمي المفكك، يطير طبق الكسكس والدجاج والفواكه والمياه الغازية،يتململ فوق الكرسي، يارجح البطن بحثا عن أماكن لم يصلها الطعام حتى يكون الشحن كاملا، في بعض المرات لا يكتفي بحشو البطن بل يحمل بقايا الطعام في أكياس، يتحرك بتثاقل روماتزمي، الكرش تسبقه، يتنفس بصعوبة شديدة، انحنى أمام الصنبور ليغتسل، تصفر المؤخرة الكبيرة، تخرج ريح كريهة، تتسلل إلى الأنوف.يتذمر بعض الأفراد ويلعنه آخرون سرا وعلنا.

 سد فمك هذا راه شكام

 راني عارفو

في الوطن العربي، تستنبث النواطير في جميع الأمكنة، شبكة من الجواسيس تحصي الحركات والسكنات، لا يريدون أن يتسلل الفكر والمعرفة إلى الجماجم، الاختلاف في الرأي ممنوع، علينا ان نكون نسخا كربونية، أدمغة طيعة كما يشتهي النظام،الوعي يهدد المناصب والكراسي، يشعل الفتنة قال الإمام من فوق المنبر في خطاب يوم الجمعة، المساجد في الوطن أبواق لتوجهات الحاكم،اغلب المواضيع عن الحيض والنفاس، ووجوب طاعة أولي الأمر، الجدال خارج المسموح به ممنوع، يعد رجسا من عمل الشيطان، (الدين أفيون الشعوب) مصدر قوة الأنظمة العربية، في المساجد تبدأ عمليات غسل الأدمغة، حشوها بالترهات الدينية، كلما كان الإمام متمكنا كان الغسيل فعالا، ولان الأمر غير مجدي بعد دخول أطراف أخرى إلى الحقل الديني، لا باس من تفريخ العسس والمخبرين من نفس العجينة، لكل فصيل نواطيره، لحراسة الأحلام، ومنع التفكير في الغد المشرق، الشكام ولد من رحم الربيع العربي، اندس بين المناضلين، تربص برموز الحركة الجماهيرية في المدينة، ينقل الأخبار لأولياء النعم، لإجهاض الثورة ضد الفساد والريع، منع خيوط الشمس من غسل وجوه الفقراء بهواء الحرية،و هبوب الرياح التغيير المنعشة، ليتعافى المقهور والمعتل،لا احد يعرف كيف تم تجنيده، كان مجرد بائع للأدوات المدرسية، يجلس في المقهى المقابلة للدكان، يتحلق حوله المنبوذون و النصابون و الشواذ والعاطلون عن العمل، والده كان مخبرا في قطاع التعليم،ورث عنه العمل المريب والمشبوه، من شابه أباه فما ظلم، الخيانة فيروس ينخر التنظيمات وحركات التحرر، كل فشل وراءه خائن وعميل، يبلس ألوان الطيف السياسي،يندس في كل اللقاءات النقابية والحزبية والحقوقية، في الحفلات والأعراس، في المآتم والولائم، تستوي الفرحة والترحة في الوعي المتكلس، أصبح وجها مالوفا، في السابق كان يتعرض للضرب والبصق، ترفع ضده شعارات نابية، يهرب كلما أحس بالخطر، خوفا من حفلات الجلد.

- الشكام مالو مشطون بغا ادي لخبار سخون

الهاتف لا يكف عن الرنين،يتكلم بدون توقف، يعطي الأوامر، يقدم النصائح،يسب ويشتم، يستحضر أسماء... يبقر البطون، يسمل العيون، يدخل الخصوم إلى السجون، متمكن من تصدير الوضاعة والخسة، يستلذ بنشر صور غزوات الأكل والشرب حتى التخمة في شبكات التواصل، الانبطاح عملة مقبولة في زمن السفالة والغدر والطعن من الخلف، من السهل أن تكون تابعا ولكن من العصب أن تكون صاحب مواقف ومبادئ، في بضعة أشهر أصبحت للشكام شبكة من المخبرين في اغلب الأحياء، يتواجد باستمرار في المسيرات الاجتماعية، يتباهى بالمأكولات الفاخرة المجانية، يطوف على الأعيان، يستعطي بعض الدراهم، انه نتاج مرحلة الصراع المرير بين الشعب والنظام، بين الفكر الكوني والرجعية، النضال الجماهيري سيصبح من الذكريات، جميع محاولات نفخ الروح في الإطارات الميتة باءت بالفشل، فقد المواطن الثقة في الأحزاب والنظام،الخذلان أصاب الأحرار بالصدمة وغرقوا في متاهات اللامبالاة والأنانية، أنا ومن بعدي فليأتي الطوفان، شعار المرحلة في الوطن العربي، انتهى زمن نضال القضايا العادلة.

 الو نعم اسي راه كيهزو شعارات ضد النظام

مع مرور الزمن تحول الشكام إلى محترف في اقتناص الأخبار وجمع المعلومات، لم يعد يعتمد على كتابة التقارير والأسماء، يوثق المظاهرات والمحاضرات بالكاميرا الخفية، يلبس لكل مناسبة لباسا، يختار الرفقة بعناية من المهزومين والغارقين في الضياع، ازداد وزنا، وجنتاه تشبهان نافخ النفير، يمشي متمايلا مترنحا ككفتي ميزان في مهب الريح، تجذبه رائحة الشواء، ينتظر بشوق ولائم المخزن، ومواسم التبوريدة، الولائم يجد فيها ذاته، يشبع الوحش المتربص بين الضلوع، لا يهم أن يحصل على الدعوة أم لا، يفرض نفسه، التواجد بين علية القوم يزيده قيمة ومكانة، يرفعه إلى درجة التقديس في أعين الأتباع و الجواسيس الصغار، لا يجد حرجا في استعراض فتوحات الأكل، والتقاط الصور مع الأعيان والسياسيين ورجال السلطة، يحنط الأطباق الدسمة، دجاجات محمرة، خرفان مشوية تقطر دسما، فطيرة محشوة بالسمك،وفواكه لم يرها من قبل،بطيخ وعنب في فصل الشتاء، تتهيج البطون والعقول،تتحلب الأفواه الجائعة،المطحونة بالخبز البائت و المسلوقة براريد الشاي، يسافرون عبر أجنحة الخيال، يشتهون هذه الأطباق، مستعدون لفعل أي شيء لإرضاء القائد الملهم.

 خصك تبقا تدينا معاك نعمرو كروشنا بالطعام المخزني

 خليكوم بعاد حتى تجي الوقت

 واش حنا ما نستهلاوش

 المخزن ما زال ما تيق فيكم

يخاف من المزاحمة، يخاف بروز تلميذ من القطيع أنجب منه، تشكامت أصبحت عملة رائجة، إنها أشبه بتجارة الرقيق الأبيض، الفرق الوحيد أن تاجر الرقيق يبيع اللحم البشري والشكام يفرمل نسمات الحرية، مع كثرة الشكامة فالأجهزة الأمنية تختار الذكي وسريع الفهم بغربلة الأخبار المهمة، والقادر على الاندساس وسط أعداء النظام والمتطرفين من أصحاب اللحي، يتذكر جيدا كيف تعرض للتأنيب من الجهاز،حين ابلغ عن خبر غير صحيح، مضمض الصورة في ذهنه وانزلقت التفاصيل دفعة واحدة، جلس في المقهى قرب نشطاء يساريين، فطنوا لأمره لكنهم تجاهلوه، شرعوا في الحديث بجدية عن الزيارة السرية التي سيقوم بها معارض سياسي إلى قرية في الضاحية، قبل أن ينهوا الكلام، تسلل بخفة إلى الخارج في فرح طفولي، هاتف الإدارة وزودهم بالخبر المهم،في المساء تلقى وابلا من السب والشتم،كان ينتظر تنويها وهدية، خاب أمله، اكتشف أن الأمر مكيدة مدبرة بإحكام،عليه أن يحتاط، الناس ليسوا بالغباء الذي يتصور، تعلم الدرس جيدا، وقرر أن يجتهد ويتفانى في العمل،ويظهر نبوغه وتفوقه،يتذكر كيف شارك في نصب كمين لأحد الشباب،يتاجر في الممنوعات، استدرجه إلى مقهى خارج المدينة، لحظات قليلة، داهمه رجال الأمن، كبلوه ورموه في السيارة الموشومة،كذلك فعل بمبحوث عنهم آخرين، يعرف كيف يصطادهم، ستحصل على وسام من المخزن.

 وسام السخط من درجة عفريت

كهذا مازحه احد الأتباع،مستواه التعليمي المتدني يقف حجر عثرة أمامه، لا يستوعب النقاشات والجدالات، يكتفي بتسجيل عدد الحضور و الوقت، والمتدخلين في الندوة...علينا رفض العيش في وطن يحكمه الاستبداد و الفساد والطغيان،علينا محاربة الفوارق بالتوزيع العادل للثروة، كلام كبير يشدخ الأدمغة، تهيج القاعة بالتصفيقات،المحاضر يضرب على الوتر الحساس، بيننا خونة وجواسيس، أزلام النظام القمعي و الوحشي، لكننا مستمرون في النضال، تصيبه الطلقات في كامل الجسد، يرتبك، يعرق، ينشف الحلق، تتلوى الأعناق، العيون الشامتة تحاصره، يعرونه قطعة قطعة، تركب الشكام الحيرة، تعتريه رعشة ممزوجة بالذعر والفرح في ذات الآن، بداخله يتأرجح الندم والامتعاض،يشعر بالرعب من القادم، التآليل التي تشوه وجه الوطن ستزول،لكل شيء تافه نهاية، اختار مند البداية الغوص في الدناءة والحقارة، يأتيه صوت من الأعماق، يعيد إليه التوازن النفسي للحظة، يتنفس الصعداء.

 أنت تخدم الوطن ضد الأعداء

لا يعرف أي وطن يخدم، وطن الفقراء، أم وطن الأغنياء...؟ وطن يموت فيه الناس بالجوع والمرض وداخل السجون، أم وطن تنفق فيه الملايير على حفلات الرقص والمجون، أسئلة كثيرة عميقة تحاصره، تستفزه، تغرقه في المجهول...؟ لا يمكنه التراجع، يخاف من ردة فعل المخزن، ولا يمكن صوم الولائم، يدور في حلقات مفرغة، لا يمكن أن ينسحب يحمل جينات الخيانة بين الضلوع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى