الثلاثاء ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم حسن الشيخ

القاص المجحد في الظل

لعل السؤال الأكثر ترددا على مسامعي، من قبل عشرات الأدباء الشباب هو: كيف أكون قاصا متميزا؟ وبموازاة هذا السؤال تطرح تساؤلات متشابهة: كيف أكتب قصة رائعة؟ ماهي سمات الروائي الجيد ؟ وكيف أكون مبدعا ؟ ماذا أكتب لكي أصبح أديبا ناجحا؟

وعادة ما أجيب على هذه الأسئلة بإجابة تبدو محبطة للكثير من السائلين (فلا حاجة لكي تكون مبدعا ناجحا إلا أن تقرأ وتكتب). وهذه الإجابة المختصرة، لا ترضي العديد من السائلين. فهم يرغبون باكتشاف سر مجهول، وراء عالم الكتابة و النجاح. والحقيقة أن لا أسرار وراء عالم الكتابة. أكتب ما تشاء بأسلوبك أنت. فهناك ملايين الأساليب الكتابية بعدد القاصين أنفسهم. وإذا ما تابعت قراءاتك، واستمريت بالكتابة، ستجد نفسك في نهاية المطاف، كاتبا ناجحا وقاصا مجيدا.

والقاص خالد المجحد كتب ونشر مجموعته القصصية (الخروج من الظل) عبر إصدارات نادي المنطقة الشرقية الأدبي. وتحتوي المجموعة على سبعة عشر نصا سرديا. هذه النصوص تتفاوت في طولها وقصرها. إلا أنها خلت من نصوص القصة القصيرة جدا. وتميزت نصوصه السردية، بلغتها الخاصة، وبمفرداتها، وأجوائها، محاولا فيها القاص أن يجد موقعه المميز بين كتاب القصة القصيرة المحلية.

في قصة (القادم العنيد) يحكي حكاية الزوجة المصدومة بشخصية زوجها. فقد كان الزوج مثاليا فبل زواجه، وتحول إلى إنسان عنيد وقاس بعد الزواج. وكتبها القاص بضمير الغائب. لأنه يحكي تجربة نسائية لامرأة تعبر عن همومها حينما عرفت الرجل حبيبا حانيا، ومن ثم زوجا قاسيا. وفي نفس السياق يكتب عن تجربة وهموم لامرأة أخرى. المرأة العاملة و المواصلات اليومية من منزلها إلى مقر عملها. قصة من صفحتين فقط، يصل فيها إلى أن المرأة لن تحل تلك الهموم، إلا عبر اقتناء سيارتها الخاصة بها. ويبدو أن القاص المجحد يحاول أن يعالج أزمة المواصلات، بالسماح بقيادة المرأة. وفي نص (الخروج من الظل) يرسم ملامح الزوجة المتسلطة. وفي هذا النص تداخل مربك بين الحوار والمنلوج الداخلي لكل من الزوج وزوجته المتسلطة. كتبها القاص بضمير الغائب حينا وبضمير المتحدث حينا آخر. محاولا التنويع في أدواته السردية وإبراز مهاراته الكتابية. وبعد الانتهاء من هذا النموذج النسوي. يبدأ في طرح نموذج المرأة (الأرملة) . ففي قصة (مهرجان التوت) نجد جمانة أرملة ترفض الزواج مجددا، وتعيش في حلم يقظة دائم مع زوجها شامان. والقصة التي كتبها بضمير الغائب، تخللها حوارات قصيرة تتناسب مع طول القصة. أما النموذج الأخطر للمرأة عند القاص خالد المجحد، فقد جاء في قصة (عاطلة عن الحب). قصة الفتاة التي اقترفت الخطيئة غير نادمة على فعلتها. فهذه الفتاة أقدمت على الخطيئة لحاجتها للحب، إلا أنها لم تجده، ولم تزل محتاجه للحب. والقصة طويلة نسبيا. وأعتقد إن القاص راهن كثيرا على هذه القصة. راهن على نجاحها. والأغرب أنها القصة الوحيدة التي كتبها القاص بضمير (الأنا) على لسان تلك المرأة. إلا أن محاورات القاص – المرأة – مع القارئ، وتوجيه الكلام له مباشرة، عدّها نوعا من التجريب الذي لم يوفق فيه. فلو حذف القاص تلك العبارات التي تخاطب القارئ صراحة، وتتحداه ألا يكمل القصة، لأصبحت أكثر واقعية وقبولا. باختصار أنها قصة عانس ارتكبت الخطيئة، وتعترف بها مخاطبة القارئ مباشرة ألا يتهمها ولا ينصحها بل ولا يكمل قراءة قصتها. وفي قصة (الراحلون) يكتب القاص المجحد قصة الفتاة الحلم الراحلة. ويتداخل التعبير السياسي و الديني و الاجتماعي بذكاء في قصة (قائدة الجيش) وهي حكاية الطفلة الصغيرة جلنار، الذي كتبها بضمير الغائب في محاولة لهتك ستر المسكوت عنه عائليا في علاقة الرجل و المرأة. وأخيرا كتب عن المرأة الالكترونية، في قصته (مركز الدائرة) فهذه المرة تخرج المرأة من لعبة (البلاي ستيشن) أنها المرأة الخيال.

تلك محاولات جادة من القاص خالد المجحد، لمعرفة أسرار النساء، من منظور آخر جديد. وبلسان الآخر. فقد تجنب القاص من استخدام ضمير الأنا، الذي لا يناسب – كما يظن – البوح بهموم وهواجس المرأة في مجتمعنا الرجولي. وكتابات القاص كانت على قدر كبير من الذكاء والفطنة. فقد أدرك القاص انه يكتب نصا سرديا، لا مقالة صحفية. فقد اكتفى بالتلميح بدلا من التصريح، واكتفى بالرمز بدلا من وضع النقاط على الحروف، واكتفى بالنهايات المفتوحة، بدلا من النهايات الصارخة. لذلك فقد نجح القاص إلى حد بعيد في إثارة ذهن المتلقي.

إلا أن القاص من جهة أخرى، لم يكتف بالكتابة عن المرأة وعلاقاتها الجدلية الاجتماعية. بل كتب عن الرجل أيضا وشبكة علاقاته الاجتماعية. في (موسوعة حب) حكاية الرجل السمين وعلاقته الروحية بالمرأة. وفي قصة (رجل ليوم واحد) هناك الهروب من الذات في محاولة الوصول إلى حرية مزعومة. وفي (مجلس الفقر الأزلي) محاولة جديدة لتناول موضوع الفقر من زاوية مختلفة. ونجد في القصة الحوار واللغة السهلة البعيدة عن التقعر. إما قصة (سؤال فوق العادة) فهي مناقشة هادئة لقضايا كبيرة مثل الجهاد و التعليم والإرهاب، يتجنب القاص فيها النهايات الصارخة، ويؤجل الإجابات على الأسئلة المطروحة. وفي قصة (عمدة الشكرية) نجد العديد من الإسقاطات الاجتماعية والسياسية بوضوح في القصة. وكان من الصعب اختزال الفكرة في قصة قصيرة، إلا أن القاص قد فعل ذلك. كتبها بضمير الغائب، وتجنب فيها النهايات التقليدية أيضا.

هناك الكثير الذي يمكن أن يقال عن قصص المجموعة، في بنائها السردي، وفي مضمونها الفكري: سرديا وضّف القاص أدواته الفنية ليكتب سردا قصصيا تقليديا، بعيدا عن الخصوصية إلا فيما ندر. وتميز هذا السرد الفني ببعده عن توظيف الحوار، و المنلوج الداخلي، والخيال. وفكريا، جاءت شخوص القصص، كشخصيات مأزومة، محبطة من واقعها. والحقيقة أن شخصيات الرجال والنساء في هذه المجموعة لم تستطع (الخروج من الظل) بل بقيت في الظل. ولا أظن هذا الأمر يعيب خالد المجحد، فقد أراد أن يكون قاصا ولم يرغب أن يكون مصلحا اجتماعيا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى