الجمعة ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٥
بقلم عائشة الخواجا الرازم

بين «أبو سمرا»، و«أخو خضرا»

ظلت المرأة طوال العصور هي الإصبع الأخضر للحياة! وظلت المرأة في المجتمعات هي صاحبة اللون الأخضر وصانعة اللون الخصب في البيت والأرض والملابس والمؤونة في مخزن الأسرة ! ولم يتدخل الرجل في إلغاء أي لون من تلك الألوان التي تبتكرها المرأة ! وظل على حياديته وقبوله لإبداعها اللوني دون هدم لألوانها !! وفعلاً سيطرت المرأة على الحياة اللونية الكاملة ، وأعتقد أن أروع البراهين وحالات الإقناع لقبول الرجل بألوان المرأة هي تخضير الحياة ، فأصبح بسبب اعتماده على إبداع المرأة في تلوين الروح المبشرة بالأخضر يتجنب التدخل في لون الثياب التي ترتديها ، ولون الأثاث الذي تقتنيه بفلوسه وعرقه الساخن ! فيفرح حين يشاركها الدفع ولا يشاركها الاختيار إلا نادراً !! وحين تقف في وجهه رافعة عنقها في محل الأثاث مبدية قدرتها هي.. وهي وحدها على القرار باللون ، فإنه غالباً ما يبتسم متفرعناً ومزهواً أمام التاجر بأنه ( حاج مطاوع ) وبأنه لا يرفض للمدام قراراً !

وتلك لعمري أجمل سمات الرجال الذين يسعدون أمام الآخرين بإفراطهم في تدليل زوجاتهم وأمهات أولادهم، وبأنهم يمنحونهن السلطة والقرار والحرية في الاختيار مدى الحياة ! وكثير منهم يضيفون بأنهم لا يرفضون لهن طلباً مهما صغر أو كبر ، من مبدأ (عز زوجتك خضرا ، بتصير الحياة خضرا ) ومن مبدأ ما أهانهن إلا لئيم وما أكرمهن إلا كريم ) ... ! ولذلك سميت النساء كلهن بخضرا !!!

وخضرا لا تعني اللون الأخضر فقط بقدر ما هي مكنونات الحياة والروح الوثابة المتألقة في النفس المعزوزة !!! وشبهت المرأة بالأرض من منبعث الخصب والعطاء ، وبأنها مورقة الخير على الجميع ! وشبهت المرأة بالشجرة في كل مكان في العمر الاجتماعي ! فانتشر الأخضر حتى في الحروب حين كانت النساء تغطي الرجال بالشجر والعروق الوارفة ، لتحميه من العدو ، فصنعت المصانع ملابس العسكر الحربية وموهت الآلات الحربية باللون الأخضر المتشابه مع لون الغابات والبساتين ، وتطور الأمر للطائرات المقاتلة والدبابات وأغلفة الرصاص فأصبحت تصبغ باللون الأخضر !
وحتى هنا لم يجفل الرجل من اللون الأخضر ويحاول التقليل منه في بيته وفي حياته، وتطور اللون الأخضر إلى راية للإسلاميين أنفسهم ، وانطلقت أغنية الخضر الأخضر من ذاكرة النسيان ،! وحتى زيارات النبي الخضر لشرعيتها وروعة طقوسها الدينية واكتسابها لصفة اللون الأخضر ، عتمت عليها إسرائيل،وبدأ اللون وتراجع اللون الأخضر منتكساً رغم حاجة المجتمعات إليه !
فأصيبت الدنيا بمقتل من الجفاف والعطش وموت الأخضر المتمثل بالشجر واستبداله بالحجر ! ونبتت في الورق دراسات تفيد بموت الأخضر لموت الأنهار والجداول وينابيع المياه الثرية القراح ! ولم يتبق للون الأخضر سوى لون السلاح ... !!!
وأصبحت الحروب وصراعات الشعوب تسمى بحروب المياه ! ولا ننسى أن هيمنة الحريق والموت والتعذيب والتدمير قد اسهمت كلها في تسويد لون الحياة والأرض ! ، وان العدو الغاشم دوماً يهدف في أولوياته لحرق الشجر واجتثاث الأخضر كما تفعل إسرائيل في حربها ضد أهلنا في فلسطين ! فحين تنوي تلويع القلوب في كل لحظة تجتث بجرا فاتها الشجر !! ومع الانزلاق القاتم للأرض، امتقع وجه الأخضر وتجهم أمام اللون الأسود !! فأصبح الأسود هو سيد الساحة ، وأجمعت النساء على ارتداء الأسود ، فاكفهرت الملابس وأصبحت موضة الروعة الزاهية في اللون الأسود ! وسر السواد في الحياة المحروقة في جميع الأبعاد، ينبع من الاعتداء الهائل على خضرة الحياة اليانعة في النساء والأرض !! !
وارتقى اللون الأسود على حالة الاقتصاد بعد تعملق الدنيا بالفقر والحاجة والاحتكار فأصبح اللون الأسود سيد الساحة ، لترتديه النساء الجميلات وغير الجميلات ليظهر مفاتن الجسد البض من منطلق ( والضد يظهر حسنه الضد ) فانطلقت الأسواق الاحتكارية تصبغ توجهاتها وواجهاتها باللون الأسود ( وظهرت السوق السوداء )
واحتل الأسود في الألوان ميادين الاقتصاد وأصبح أشهر الألوان في مجال الاقتصاد ! والذي تصبغ به الأسواق كأحد مكونات الاقتصاد، وذلك عند الحديث عن الأسواق السوداء التي تتم فيها عمليات البيع والشراء في الظلام، وأعتقد في هذه الأيام أن الأسود أصبح ال( السوفت وير للعمل الرائج الأسود في السوق السوداء ) وذلك لأنه راج بعيداً عن القانون والعرف السائد!! ولان الأفراد والتجار الذين يستغلون المجتمع هم أفراد يقال فيهم نفوسهم سوداء !
وفي هذه الأيام العصرية ، حاولت دور الأزياء ودور الديكور التخفيف من اللون الأسود في دهانات وديكور القصور التي بني اغلبها على مبادئ الاحتكار والسوق السوداء ، والبيوت التي تزينها الألوان العشوائية ليقال فيها ( coooool (وبقيت النساء في القرى والمخيمات والبدو والبادية فقط هن اللواتي يحافظن على اللون الأسود ، لعدم انتقال الرفاه والراحة لحياتهن الشقية ! وهذا يعبر بالطبع عن الحالة السيكولوجية للوضع الراهن عند الفقراء المستهدفين بالسوق السوداء !
وفي الحقيقة انه لو بحثنا عن اللون السيادي للنساء لوجدنا أنهن يمثلن دون منازع سيادة اللون لقسوة الحياة وشظف العيش واحتمال المؤثرات اللونية المتراكمة خلال العمل في البيت وبيت الشعر والمزرعة وخلال التخزين والجري وراء الماشية ولقمة العيش فوق الصاج والطابون وحول حطب المواقد ! لعثرنا على حياة كانت خضراء يسطر عليها اصحاب نفوس احتكارية سوداء قاتمة !!
وهذا اللون الأسود والذي جلس متربعاً مكان اللون الأخضر هو من نتاج تجار الدم الأحمر في السوق السوداء ... ولو قمنا بدراسته جيداً ، لوجدنا أنه أنه لون الحياة الكئيبة المكفهرة ولون الإنتاج البائس ، ولون القسوة ولون العذاب وهو بالطبع لون الحزن في الحداد على الأحباب عند كل الشعوب !!
وقد تم تعزيز هذا اللون الأسود برجل يكون سيداً للبيت الأبيض يعمل على تلويع شعب فلسطين ويحرق الأخضر واليابس بشعلة الدم الأحمر الذي جلبه للبيتالأبيض ...!
ونرى الأخضر ينحدر ولم يعد أحد يسمي ابنته خضرا !!! لترتفع مناحة سمرا يا سمرا على جباه الناس


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى