الخميس ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٦
حديث أدبي:
بقلم فاروق مواسي

جولة مع القالب الأدبي

«ولقد ذكرتك و...»

من الصور الشعرية الممتدة نجد صورًا فيها حركية وتخيل معًا، فيها حالة التذكر ومواكبة لصورة الواقع، وفيها الأمنية أو وصف لحالة مستجدّة مع إعطاء المسوّغ لذلك.
مما ينسب لعنترة في معلقته قوله يخاطب عبلة:

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فودِدتُ تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم

هذه هي الصورة الشعرية الممتدة والموحية، فالرماح والسيوف اشتدت عليه، والخطر محدق به، والدم ينهل أو يقطر من جسده، ومع ذلك وفي هذا الوقت العصيب- ساعة البأس ذكر حبيبته، فودّ أو همّ بتقبيل السيف، لماذا؟

لأن السيف لمع كأسنانها التي تطل من ثغرها المتبسم، فالتداعي استحضر الذاكرة، فكان هذا المزج مع الواقع، وكأنه يريد أن يقول منذ البدء إن أسنانها بيضاء تلمع في بارقها كالسيوف، وهو يريد تقبيل هذه السيوف لأجلها، فلو قال ذلك مباشرة لما كان هذا الإيحاء الذي جمّل الصورة- ولكنه وفي معمعان المعركة حضرت محبوبته في خيالها، فينسى القتال للحظة، فيقدّم هذه الصورة التي امتدت في تركيب متفاعل بين الماضي والحاضر.

مثل هذا الشعر المبدوء بـ "ولقد ذكرتك" كثير، ومنه نماذج عدة في (ديوان الصبابة) لابن أبي حجلة، أذكر منها:

ابن رشيق القيرواني:

ولقد ذكرتك والطبيب معبس
والجرح منغمس به المسبار
فشغلتنى عما يليق وإنه
ليضيق عن برحائها الأقطار

غير أن الشعراء المتأخرين كتبوا على غرارها، وبنوع من الدعابات، وكأنها نوع من المعارضة:

حفني ناصف:

ولقد ذكرتك والحمار معاندي
فوق الحديد وقد أتى البابور =(القطار)
فرأيت شخصك في الخيال يشير لي
فسعيت نحوك وانجلى المحذور

وقال آخر:
ولقد ذكرتك والحريق بمنزلي
وصراخ مَن حولي يرجّ المنزلا
فوقفت أشكو نار حبّك باكيًا
وأراك من شوقي إليك تخيّلا

وأختم بهذه الصورة التركيبية الماجنة من شعر أحد اللبنانيين:

ولقد ذكرتك والقرامي جمّة
والنار من حولي تزيد شرارا
فودِدتُ أني خلف ظهرك قاعد
وودِدت أنك تنفخين النارا

نرجو ألا تشتعل النار أكثر في هذه الصورة الممتدة!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى