الثلاثاء ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٣
بقلم عايدة نصرالله

حزن أحمد

أحمد طفل فوق العشرين. لم يكره أحدا ولم يحقد على أحد. لم يعرف الشوك من الورد، لم يفرح بمواسم الزيتون والحصاد. لم يع ألعاب الأطفال، وكان إذا ناديته، ابتسم ونظر إليك نظرة بلهاء وسألك.."ما الساعة؟".

في كل صباح، ظهر، عصر ومساء. يسألك أحمد: "ما الساعة؟". أحمد لم ينعم بأحاديث الجدة، لا "نص نصيص"،ولا "الشاطر حسن"ولا ليلى الحمراء"… ولكنه إذا ما ناديته، ابتسم وسألك:"ما الساعة؟!".

وكنت أنت، يا أنت، تنظر إليه مبتسما أو غاضبا أو ناهرا له:-"غبي". ويبتسم أحمد مرة أخرى، لكنه ينكفئ على عقبيه وفي عينيه نظرة غائبة.

***

أحمد لم يعرف اللون الأحمر من اللون البني، ولم يعرف رغوة النبيذ. كما لم يدرك طعم العلقم. لكنه إذا ما رآك كان يسألك : ما الساعة؟!" وأنت كنت تبتسم أو تنهره غاضبا، وينكفئ راجعا… لم تدرك أنت، يا أنت لماذا كان أحمد يسألك عن الساعة. وفي أحد الأيام بكى أحمد بكاء مرا. عرف طعم الحزن الأول في حياته بعد أن عرف طعم الفرح الأول في حياته. بكى فرحه الأول، فرحه البكر يوم أن كسرت ساعة تأطرت على معصمه.

لم تنتبه أنت، يا أنت، لماذا سألك أحمد عن الساعة. لم يعد أحمد يسأل عن الساعة. لم يجد ما يسأل عنه. لكنك كنت تسمعه في الساعة العاشرة من كل ليلة يصيح - واحد - إثنين - ثلاثة…." كان يقولها كأنه ينهر على العالم. وكنت أنت، يا أنت تصيح به أن "اصمت". ولم يعرف أحمد الغضب، ولم يدرك السبب. وإنما كان يمارس عادته في الساعة العاشرة من كل ليلة. لم يعد أحمد يسألك عن الساعة، لكنه أصبح مع موعد آخر. فرح آخر وهو العد من الواحد إلى عشرة. وكنت أنت يا أنت تصيح به لتكسر فرحه. ولم يعرف الغضب. وفي يوم.بينما الجميع فرحون، بينما الجميع يقولون" العاطل الله لا يرده" نصب أحمد له "مناحة" وحلقة من الردح والندب. وسمع عويله في كل مكان وصرخ بأعلى صوته- مات… حبيب مات.. مات حبيبي. وجئت أنت، يا أنت شققت دربك وسط الحشد الناظر إلى أحمد مستغربا.وصرخت به: من هو هذا الذي تنتحب لأجله؟ استراح الناس منه." فقال لك أحمد: "حبيبي الذي اشترى لي لعبة الأثقال "

عندها عرفت يا أنت، ماذا كان يفعل أحمد في الساعة العاشرة من كل مساء. كان يمارس فرحه الثاني- هوايته. لكن من عطف عليه كان إنسان آخر- لم يعرف أحد عنه أنه كان الوحيد الذي أحب أحمد.لم يرحمه أحد- ولم يعرفه أحد. كان غريبا. لكن أحمد الذي لم يعرف أحدا- عرفه، بكى عليه.

أحبه أحمد.. وعرف فرحه الثاني وعرف حزنه الثاني. أحمد طفل فوق العشرين، لم يكره أحد، ولم يعرف الحقد على أحد، لكنه عرف الحزن والبكاء على أحد. وفي اليوم التالي وجد أحمد ميتا. لم يمش في جنازته أحد. لكن ثمة أحد كان ينتظره في الجهة المقابلة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى