الاثنين ١٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٧

رواية «حرام نسبي» في اليوم السابع

رنا القنبر

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني رواية "حرام نسبي" للأديب المقدسيّ عارف الحسيني، الصادرة عام 2017 عن دار الشّروق للنّشر والتّوزيع في رام الله وعمّان، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها مجد عسّالي في 312 صفحة من الحجم المتوسّط.
وهذه الرّواية هي الثّانية للرّوائي الحسيني بعد روايته الأولى "كافر سبت" التي صدرت عام 2012 عن دار النّشر نفسها.

بدأ النقاش ديمة جمعة السمان فقالت:

بين الحرام النّسبي.. والعيب النّسبي

خطّ عارف الحسيني روايته من منطلق إيمانه باهمية دوره.

وثقته بقدرة قلمه على إيصال صرخة المقدسي إلى العالم.

"حرام نسبي" عنوان رواية مثير للجدل، هل قصد الروائي حرام نسبي أم عيب نسبي؟ الحرام له علاقة بالدين، فالحلال بيّن والحرام بيّن، أمّا العيب فله علاقة بالمجتمع وثقافته، فتنطبق عليه النسبية وفق المجتمعات وتطورها وحضارتها واعتقاداتها وعاداتها وتقاليدها. وقد أحسن الكاتب اختيار العنوان الذي بالتأكيد يفتح بابا للنقاش من الصعب اغلاقه، وهذا يسجل لصالح الروائي وروايته.

الرواية هي جزء ثانٍ من ثلاثية، كان جزؤها الأول بعنوان (كافر سبت)، ففي الجزئين لم يكتف الحسيني بالحديث عن القدس بشوارعها وأزقتها وعاداتها وتقاليدها ولهجتها، بل تحدث أيضا عن نسائها وطقوسهن، وعن شبابها المثقفين الذين يعيشون ازدواجية لا يحسدون عليها، فهم يؤمنون بشيء ويمارسون شيئا آخر، فموروث العادات والتقاليد لا زال يحكم.

تطرق الكاتب إلى ظروف القدس الاستثنائية، إلى عزلتها عن أخواتها من المدن الفلسطينية الأخرى، لامس ألمها، ولكنه لم ينس أملها، صوّرها بليلها ونهارها، وبالمتناقضات التي فرضت نفسها عليها وعلى مواطنيها، وثّق ما يحاول الاحتلال محوه مع الزمن. لم يكتف بأن يدخل القاريء البيت المقدسي الفلسطيني ويطلعه على عاداته وتقاليده، بل مسك بيد القاريء وأدخله بيت المحتل وعرّفه على عاداته وتقاليده ومعتقداته كيهودي، نصّب نفسه سيّدا، وآمن بأن الله خلق البشر جميعا ليكونوا عبيدا له.

خطّ الحسيني روايته من منطلق إيمانه بأهمية دوره، وثقته بقدرة قلمه على إيصال صرخة المقدسي إلى العالم. بادر في طرح قضية القدس التي من الصعب أن يستوعبها أو يشعر بمرارتها سوى من يعيش داخل المدينة المقدسة بتفاصيلها المعقّدة.

ما فاجأني حقيقة أن معظم الرواية جاءت على لسان امرأة، مع أن الرّاوي هو رجل. أفهم أن يتحدّث (الراوي الرجل) بلسان امرأة عن الواقع المعيشي في داخل مجتمعه بشكل عام، وهو بذلك يكون ضمن منطقة الأمان، أمّا أن يغوص في داخل النفس الأنثوية وأحلامها، طبيعتها الفسيولوجية والسيكولوجية والتقاط أحاسيس معينة والحديث عنها بهذا العمق وهذا الاتقان! فهذا لا شك أمر يحسب لصالح الكاتب. فالأمر ليس سهلا على الاطلاق، فمن المعروف أنّ التركيبة الفسيولوجية والسيكولوجية للمرأة تختلف كثيرا عن الرجل، وقد يكون هذا الاختلاف هو السبب الحقيقي وراء الخلافات الزوجية التي تؤدي إلى فشل العلاقة بينهما، وقد ظهرت مؤخرا ظاهرة الدورات المصممة من قبل علماء متخصصين بعلم النفس للجنسين؛ لدراسة طبيعة الآخر للحد من نسبة الطلاق التي ارتفعت نسبتها كثيرا في الآونة الأخيرة، مع العلم أن الحسيني متخصص بعلم الهندسة والفيزياء البعيد كل البعد عن علم النفس.

ما لفت نظري في الرواية أن الكاتب كان يكتب المشهد مرتين، الأولى من وجهة نظر الشخصية الأنثوية، وفي فصل آخر يعيد كتابة المشهد من وجهة نظر الشخصية الذكورية. وقد نجح بذلك أن يعطي كلا من الجنسن حقه. كان كل مشهد بوجهين، يحمل بعدا ثنائيا، فكنا نتعاطف مع الأنثى في المشهد الأول، لنكتشف عند الاطلاع على الوجه الآخر أننا ظلمنا الرجل. فنتوه بين الوجهين؛ لنخوض في جدال يعمّق رؤيتنا للمشهد، لنكتشف أنّ الأنثى والرجل سويا كانا ضحية الاحتلال.

حورية.. كانت تمثل شريحة من النساء المقدسيات.. مثقفة.. تحمل شهادة جامعية تعمل بها في مجال الاعلام المكتوب، معتدة بنفسها، ترفض أن يدوس كرامتها أي رجل، حتى ولو كان حبيبها.
كما كانت سميرة تمثل شريحة أخرى منهن، الشخصية الضعيفة المستكينة الخاضعة لزوجها كروم.. الذي يدوس على كرامتها وهي راضية بذلك غير معترضة.

وهناك رقية الانسانة البسيطة التي تعمل عند صاحب المصنع اليهودي، تركض خلف لقمة العيش، وتؤمن بكل ما يقول وليّ نعمتها، فهو العلّامة ومصدر المعلومات المؤكدة مهما كانت، وفي الوقت نفسه تكون ضحية استيلاء المستوطنين على منزلها وترحيلها من الحي.

أمّا (هو)، فقد كان يمثل الرجل المقدسي الفلسطيني التائه، فهو المثقف والمناضل الذي لم يجد له مكانا يحتويه. ولا عملا يجد نفسه فيه بعد خروجه من المعتقل، بقي في عزلته حتى آخر أيامه، لذلك استصعب الكاتب أن يطلق عليه أي اسما، فبقي "هو".. هو الرجل الذي تاه بين حبه وكبريائه وكرامته وقناعاته ونضاله وعلمه والجري خلف لقمة العيش، يتأرجح بين ما يؤمن به وما يفرضه عليه مجتمعه من عادات وتقاليد زرعته فيه ثقافته، فنمت في كل خلية من خلاياه وكبرت، ليعيش ويموت وهو غير راضٍ عن نفسه وعلى كل من حوله.

أمّا نبيه فهو يمثل شريحة متواضعة جدا من الرجال المقدسيين.. لذلك استحق أن يطلق عليه اسم "نبيه"

وينتهي الجزء الثاني من الثلاثية (حرام نسبي) نهاية مفتوحة، تزيد من تشويقنا إلى الجزء الثالث والأخير الذي سيتحدث عن مرحلة نعيشها حاليا، تصنعها يوميات المواطن المقدسي. ويوثقها عارف الحسيني بقلمه الذي يحمل نكهة العارف بخفايا الأمور، فهو المواطن الشاهد على ما يجري، علّ الأيام القادمة تحمل في طياتها القسم الأكبر من الأمل والتفاؤل والسعادة، يستعين بها أحفادنا ليعيشوا حياة أكثر أمنا وأمانا.

وقال جميل السلحوت:

القارئ لروايتي عارف الحسيني سيجد أنّ الرّواية الثّانية تأتي استكمالا للرّواية الأولى، فكلا الرّوايتين تتكلّمان عن القدس والمقدسيّين، بحيث أنّ الثّانية تشكّل جزءا ثانيا للأولى، مع أنّ كلّا منهما مستقلّة بذاتها، ويمكن قراءتهما منفردتين، وهذا يسجّل لصالح الكاتب وحنكته وقدرته على السّرد.

العنوان: جاء في صفحة 107 :" فلا يحدّثني أحد من بعد عن الصّحّ والخطأ، ولا عن المنطقيّ وغير المنطقيّ، بل حدّثوني عن الحرام النّسبيّ، الذي يتلاعب به الأقوى، ليفصّله على مقاسه، أخبروا أبناء المستقبل أنّ الحرّيّة هي لمن يستطيع امتلاكها وليست لمن يستحقّها". وهذا تفصيل للحكمة القائلة:"الحرّيّة تؤخذ ولا تعطى."

والقارئ الحاذق لروايتي عارف الحسيني، سيجد نفسه أمام أديب خاض مجال الرّواية بقوّة وتميّز منذ روايته الأولى، ولا يحتاج القارئ لذكاء خاصّ حتّى يعرف أنّ كاتبنا يركّز على مدينته القدس التي ولد فيها أبا عن جدّ، وترعرع في حاراتها وأزقّتها وأسواقها ومدارسها ومساجدها وكنائسها، وبالتّالي فإنّ القدس تسكنه كما يسكنها هو نفسه.

وفي رواية "حرام نسبي" وبالرّغم من أنّ الكاتب قسّمها إلى فصول، إلا أنّه أورد عشرات بل مئات الحكايات والقصص عن القدس وناسها، وتحمل هذه الحكايات في ثناياها تقاليد وعادات وأقوال وبعض الألفاظ المقدسيّة، عاشتها ثلاثة أجيال مقدسيّة من حوريّة الجدّة وابنتها اللتين جاءتا من الرّيف، وتزوّجت ابنتها من مقدسيّ، لتنجب ولدا وبنتا حملت اسم جدّتها "حوريّة"، ويلاحظ أنّ الجزء الأعظم من الرّواية جاء على لسان "حوريّة" الحفيدة، فهي "تبوح بما حملته معها عن الحياة والموت، عن الحبّ والزّواج، عن الفتاة والمرأة والرجل في مجتمع يعاني من قهر الاحتلال، وتذود عن حرّيّة روحها بكل ما لديها من عنفوان، فتنجح هنا وتفشل هناك، لكنّها تبقي الحبّ هاجسا وموجّها نحو الحرّيّة.

كما يلاحظ أنّ الرّواية رواية نسويّة بامتياز، ودور الرّجال فيها ثانويّ. وكأنّي بالكاتب يريد أن يطرح مسيرة المرأة المقدسيّة ومعاناتها من بطش الاحتلال، ومن سطوة المجتمع الذّكوريّ.

" والرّواية رواية مكان بامتياز، إذ نجد جلّ أحداثها في القدس القديمة وعقبة السّرايا والتكية، وتمتد إلى خارج السور في باب السّاهرة والشّيخ جرّاح وشارع صلاح الدّين والزّهراء وبيت حنينا."

وإذا كان المكان "القدس" يتعرّض للعسف والاغتصاب، فإنّ الإنسان هو الآخر يعاني، من تقاليد بالية تقيّده، ومن عسف احتلال يقيّد حرّيّته وينتهك حرماته وكرامته.

فحوريّة كانت تستمع مباشرة أو من خلال استراق السّمع في طفولتها لأحاديث "الآنسات" الدّينيّة، وحكايات النّساء في جلسات تعقد في بيت جدّتها حوريّة، فإنّها تربّت في حضن أب ماركسيّ، وتزوّجت من أسير محرّر يكبرها بسنوات، يعاني من البطالة، ليختلفا ويتطلّقا لاحقا دون أن ينجبا، ولتقع في ألسن النّاس وما يحيكونه من شبهات حول المرأة المطلّقة، خصوصا بعد بقائها في البيت وحيدة بعد وفاة أبيها، ولتقع لاحقا بغرام شابّ "نبيه" جمعتها به الصّدفة في طائرة أثناء عودتهما من رحلة إلى الولايات المتّحدة، ولم تنج من اعتداء المستوطنين عليها وعلى زائريها في البيت الواقع في الشّيخ جرّاح أحد أحياء القدس.

ويلاحظ أنّه جرى تغييب شقيق حوريّة، فبعد انهائه للمرحلة الثّانوية سافر إلى الأردن، ولم يعد حتّى أنّه لم يحضر جنازة أبيه، وفي هذا إشارة ذكيّة إلى هجرات أبناء العائلات المقدسيّة من مدينتهم واستقرارهم خارج الوطن.

ولم تقتصر المعاناة على حوريّة الحفيدة فقط، بل تعدّتها إلى زميلتها سميرة التي تزوّجت، وتمّ اصطحابها صباح زفافها إلى طبيب للتّأكد من عذريتها، ليتبيّن أنّ بكارتها من النّوع المطاطيّ الذي لا يزول إلا بالولادة.

وتطرّقت الرّواية بشكل سريع وذكيّ أيضا إلى موقف أبناء العائلات المقدسيّة من أبناء الرّيف ونظرتهم الدّونيّة لهم، فقد حذّرت الجدّة "حوريّة" عند زواج حفيدتها من أصول العريس القرويّة، رغم أنّها نفسها تنحدر من أصول قرويّة.

الأسلوب: اعتمد الكاتب في سرده على ضمير "الأنا" وجاء غالبيّة السّرد على لسان "حوريّة" الحفيدة، ورغم أنّ الكاتب قسّم روايته إلى فصول، إلا أنّها مترابطة، لتشكّل رواية متماسكة، لا ينقصها عنصر التّشويق.
اللغة: لجأ الكاتب إلى اللغة الفصحى والبليغة، ولم يلجأ إلى اللهجة المحكيّة المقدسيّة إلا قليلا، لتكون ذات دلالات بخصوصيّتها، لكنّ الرّواية لم تخلُ من بعض الأخطاء اللغويّة والنّحويّة.
وماذا بعد: تشكّل الرّواية إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة، خصوصا فيما يكتب عن القدس الشّريف.

وكتب محمد عمر يوسف القراعين:

رواية "حرام نسبي" للأديب المقدسيّ عارف الحسيني، الصادرة عام 2017 عن دار الشّروق للنّشر والتّوزيع في رام الله وعمّان، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها مجد عسّالي في 312 صفحة من الحجم المتوسّط.

الرواية مكتملة العناصر لغة وموضوعا، تعالج في مجملها مشاكل المرأة في مجتمعنا الأبوي الذكوري، وخاصة مشاعرها الداخلية، وهي تنتظر الشريك المناسب، الذي يقبلها مساوية له ولا ينفر من تميزها. ومع شمولية الرواية، إلا أنها قدمت لنا صورة مشوشة عن الزواج، فالتقليدي فيه كبت للمرأة التي يجب عليها القبول بالحرية النسبية، كما أن الزواج عن حب وتوافق لم ينصفها أي المرأة، لأن حبيبها لم يقبل أن تتميز عليه زوجته، فهرب إلى من تنجب له الأولاد.

وقد أعجبتني النسبية التي تظهر في معظم زوايا الرواية، كما تبدو في كل نواحي حياتنا. أنا ألجأ إلي النسبية ببساطة، عندما يسألني البعض عن الصحة والأحوال، فأجيب قائلا:

بالنسبة لسني أنا مْليح. وهذه عين الرضا، فلا أنسب للمطلق بل للمتغير. وأينشتاين شرح لنا نسبيته بشكل مبسط، كيف أن الشعور بالوقت أثناء انتظار دور الطبيب، يختلف عنه مع شلة أنس، مع أن الوقت هو الوقت. والحرام النسبي يظهر في بعض آيات القرآن الكريم، إذ تقول الآية الكريمة: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان".

فالخطأ نسبي بالحَلف بالله. والبعض يقول: اليمين بكسر الهاء غيره بعدم الكسر. وفي الحديث الشريف أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يطلب إقامة الحد عليه، فحاول أن يثنيه عن طلب التهلكة قائلا: لعلك قبلت، لعلك لامست...إلخ، ليكون الجرم مخففا.
وعودة للرواية، فالنسبية في كل شيء هي الخط الموجه لحياتنا، تقودنا منظومة المصالح ولا تردعنا مبادئ الصواب والخطأ، والحرية هي لمن يستطيع امتلاكها وليس لمن يستحقها.

والبطلة حورية تتحدث عن أبيها الملقب بالشيوعي، الديمقراطي الليبيرالي مع التحفظ والنسبية، الماركسي في الشارع، والذي لا يمارس خلاف ما تفرضه الرجعية المطبقة على مجتمعنا في بيته. وهذه ربما من أكبر مفارقات الازدواجية في السلوك. ونظرة الناس لشخص ما نسبية: فرئيسة تحرير المجلة نظرت لشكل حورية، المنهك من أعباء العيش، فعكس أمامها نموذجا لكاتبة حكيمة مجربة متمردة موهوبة في الكتابة، ربما بسبب شعرها الأشعث، وعدم اهتمامها بالمكياج أو انتقاء ملابسها بعناية، بينما هي في الواقع منهكة من تفاصيل الحياة اليومية، والحالة الرمادية لعلاقتها الزوجية.

كما أن هذا الوضع وخيبة أملها جعلها تصنف الهزائم لراحتها إلى نوعين: الأولى تنتهي مهما طال الزمن فيلتئم الجرح، والثانية لا تنتهي أبدا وتصبح عقدة غبية لا تتخطاها. والديمقراطية شيء نسبي عند سميرة، وهي أن زوجها مش رايح يتدخل فيها، بتفيق إيمتى ما بدها وبتجلي إيمتى ما بدها، المهم يكون الأكل جاهز عميعاد ترويحته.

أما النسبية التي لفتت انتباهي أكثر من غيرها في قانون الأحوال الشخصية، فتبدو ظاهرة في وثيقة الطلاق، من تمييز بين الرجل والمرأة، حيث تُبرئ المرأة زوجها إبراء تاما، مقابل أن يطلقها طلاقا تملك به نفسها، أي أنها أثناء فترة الزواج لا تملك نفسها، بينما هو يملك نفسه متزوجا أو مطلقا.

الرواية اجتماعية، ولكن المكالمة في الفصل الأول توحي بشيء من الحيرة والتشويق المعلق كما يقولون a novel of suspense، كما في الروايات البوليسية. فحورية تهرع إلى بيت حبيبها على إثر مكالمة، ولا نكتشف سر حضورها لتلقى النظرة الأخيرة عليه وهو على فراش الموت إلا في آخر فصل منها، وبين الأول والأخير فصول عدة.

وكتب ابراهيم جوهر:

إنها رواية الإنسان في القدس بروحه وأحلامه ولهجته وحصاره واغترابه ومصادرة بيته وبيت جيرانه. رواية التّحدّي الذي تقوده فتاة مقدسية فتتغلّب على المعيقات التي تعترض طريق حياتها وتصرّ على إثبات ذاتها وتحقيق أهدافها.

تمثّلت براعة الكاتب "عارف الحسيني " في الغوص إلى أعماق الشخصية نفسيّا وفكريّا فنقل "مونولوجها" مما قرّبها للقارئ فتعاطف معها وأحبّها لتقوده وهو مستمتع ليقرأ ما ترويه بضمير المتكلّم تارة، وبأسلوب اليوميات تارة أخرى.

وقد أجاد الكاتب الرّوي بضمير الأنا الأنثوية ليوصل رسالته التي تتناغم مع شخصيات "نوال السّعداوي" الأنثوية. كما بدا التّناص جليّا مع إبداعات آخرين بما أغنى الفكرة – الرّسالة.
هذه رواية تثقيفية تحتجّ على العادات البالية وتدعو للتّغيير بما يحمي النفس البشرية من الضّياع والذّوبان، فأسلوبها الجميل ومضمونها الصّادم بجرأة الطّرح وانتقاد المواقف يدعوان للتّفكير والتغيير .

وقالت هدى عثمان:

تبدأ الرواية بلغة سردية على لسان بطلة الرواية الشابة حورية في عشرة فصول، إلا أنه يحدث انعطاف إلى ضمير المنفصل هو في الفصل السابع ،ويبدأ الأسير بالحديث عن ظروف سجنه وأثره على علاقته مع حورية.

حورية هي بطلة الرواية من قرى القدس تروي قصة زواجها حين قدمت إلى القدس، وما عانته بسبب عدم حملها إلى أن تطلقت من زوجها الأسير المحرر رغم حبه لها، وثم رجوعها إليه في نهاية الرواية استجابة لندائه الأخير، وهو يحتضر، وعدم اهتمامها لرأي الناس بسبب علاقتها وارتباطها بحبيبها نبيه.

حورية هي الأنثى التي تثور، تتألم، وتنتقد العادات التي سمعتها من جدتها حورية وأُخرى عانت منها هي نفسها، فتعتبرها نسبيا حرام.

تقول حورية من خلال الرواية المجتمع تسوده النّسبية في كل شيء، هي الأنثى التي لا يفهمها العالم، فتنتقد الأُمور التي عانت منها كعادة انتظار العروسين خلف الباب، وانتظار الرؤية الشرعية لفض البكارة، واللجوء إلى مساعدة من إحدى النساء الخبيرات لتدليك الرحم من أجل تسريع الحمل، إلا أنها تفشل في الانجاب ويتم طلاقها من الأسير المحرر.

في الرواية يرن خلخال القدس بداية بالأماكن حيث أسوار البلدة القديمة، عقبة التكية، والسرايا، وثم خارج الأسوار، الأسواق والمحلات التجارية، المصرف، البريد والمقابر.

يرن بأسماء الشوارع وأحيائها الشيخ الجراح، بيت حنينا، شارع صلاح الدين، ابن بطوطة وغيرها.

يرن في صندوق المرضى، مكتبة البلدية، التأمين الوطني، وبيت العزاء، المحكمة الشرعية، السجن، المرور عبر حاجز الزعيّم، صور لهموم المواطن المقدسي من ضرائب مفروضة، وبيت مهدّد بالهدم لعدم وجود رخصة، وحتى الأغاني العبرية ترن في القدس، ويكون الكاتب صريحا في نقله لصورة من صور القدس من خلال الإشارة إلى مغازلة الشباب للبنات في الشارع، ولبس بعض الفتيات المحجبات للبنطال، وفي الرواية نشم رائحة مصطلحات عبرية، القبعة المنسوجة" الكيباة "و مصطلح" الحاريديم "اليهود المتشددين، وذكر عادات اليهود عندما يحتفلون بأبنائهم حين يصلون لسن البلوغ بحفلة يقيمونها ذات طقوص معينة
كما وذكر الكاتب على لسان حورية صورة استيلاء اليهودي على بيت رقية جارة حورية في البلدة القديمة من خلال إبراز شخصيتي تسفيكا ورونيت.

الرواية تمنح القارئ هوية معرفة للتعرف على ماهية الهوية الزرقاء، التي يستعملها الإسرائيلي والفلسطيني من القدس وداخل ما يسمى بالخط الأخضر.

كما ويشير الكاتب إلى جغرافية المستوطنات والتعريف بهبة النفق أسفل المسجد الأقصى. وتشير إلى أن المقدسي يتقاضى مخصصات تأمين للأولاد من قبل السلطات الاسرائيلية، ويمنحنا للتعرف على مضمون كتاب تحفة العروس الذي هو المرجع المهم للدخول للحياة الزوجية.

أشار الكاتب إلى أثر السجن على علاقة حورية وزوجها بعد أن جمعتهم الشاعرية وتفاصيل النضال ففرقهم الواقع وقهر الإحتلال.

أشار الكاتب لقضية الأسير المقدسي المحرر بصورة خاصة، وتعرضه لصعوبة وجود عمل، كما وأشار إلى قضية تهريب النطفة من السجن

رنا القنبر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى