الاثنين ٨ أيار (مايو) ٢٠١٧

لؤي عمران ...كي لايعود دكتاتورُّ ثانية ً(3)

هـــاتف بشبــوش

في أبي غريب يتعرّف لؤي على مجموعة من السجناء ومنهم كما نقرأ في سطور الرواية أدناه:

(اقتربتُ من الشباك حاولتُ أنْ أجمع شتاتي وأحاول التّعرف عليه و هو يشيرُ لنفسه وبصوتٍ عالي يقول....ألم تتعرّف عليّ بعدْ أنا جارك لطالما التقينا عند بوابة مدرسة الرشيد أنا محمد السيد جاسم أبو الباجلة اشبيك ما عرفتني...اهتزّ جسدي وتجمّع شتاتي على غيرعادته حيث لم يتجمّع منذ زمن. إنّه محمد الجار الذي اختفى ولا يعلم عنه أهله شيئا ذلك الشاب اليافع ذو الستة عشر ربيعا الذي اعتقلوه لانتمائه لمنظمة العمل الإسلامية.... لمْ أر سيد محمد و رفاقه إلاّ بعد ثلاثة وعشرين عاما ولم أتعرّف عليه للوهلة الأولى عندما التقينا في عام 2003).

في الحجر يُعذّبُ بسام (لؤي) من جديد وهو محكوم بخمسة عشر عام، ثم تأتيه أمّه لزيارته لكنّه في وضعٍ مؤلمٍ من التّعذيب ...فيطلبون منه المساومة بين رؤيا أمه أو العمل معهم كوكيلِ أمنٍ و رفض لأنّه المناضل الحقيقيّ الذي لا تلويه الأعاصير. فتذهبُ أمّه ولمْ يرها وما عليها سوى أنْ تذهب للكاظم وتطلب الدّعاء لابنها وهذا دأبُ شعوبنا البسيطة وصدق ماركس حين قال (الدّين هو صرخةُ المظلومِ ).

في رواية لؤي نرى المتناقضات في طبيعة المجتمع العراقيّ والمجتمع الشرقيّ بشكلٍ عامّ حيث نرى من أنّ لؤي يُسجن لكونِه شيوعيّ وهذه بحدّ ذاتها تعني الكثير وخصوصا في مجال الدّين والتديّن، و هو في سجن أبي غريب و حين يزوره والديْهِ (أمّه وأبوه) ثمّ يعودان من زيارته يذهبان إلى الإمام موسى الكاظم لغرض طلب الرّجاء والدّعاء لابنهم كي يحفظه الربّ من الشّرور والأشرار، متناقضاتٌ عجيبةٌ غريبةٌ في داخل الأسرة نفسها لدى شعوبنا فنرى الأب متديّن لكن الابن ليس كذلك،فلا يستطيع أحدٌ أن يفهم هذه اللّخبطة الفكريّة حتّى كبار المثقفين. لكنّها ليست صعبة على رجال حكماء غيّروا منْ مصير شعوبهم في سير التقاليد و الاعتقادات على سبيل المثال (بوذا) قال بصدد ذلك (الكهنة والشيوخ ورجال الدين بمختلف تسمياتهم همْ أعداء الحقيقة وسلاحهم الوحيد هو اتّهام الباحثين عن الحريّة بالزّندقة).

قضيّة زيارة الأولياء هذه التي تطرّق لها الرّوائي لؤي لمْ تأتِ اعتباطا وإنّما أراد منها أنْ تكون رسالة معيّنة، لما لها من أثرٍ في نفسِ أبويه اللذين يحبّهما حبّا عميقا حيث نقرأ إهداء الرواية في الصفحة الأولى إلى أبيه، وهذه غريزة لا تحتسب ضمن المجهود الفردي والسّعي للحبّ و ما عدا ذلك فهو من الشواذ غير الطبيعية . ولذلك أستطيع التنويه في هذا المجال وأقول (إنّ صرخات المستغيثين تنطلقُ سريعة و لكنّ الاستجابة لها تأتي متأخرّة.......التّأريخ في زجاجة...رواية سويدية) ودليلنا على ذلك إطلاق سراح لؤي بعد سنين طويلة و طويلة،هذا إذا كان إطلاق سراحه نتيجة الدعاء والرجاء من قبل أبويه وليس نتيجة السياسة التي تلعب بنا كلعبة الأفعى والسلّم... وأحيانا يدبّ الجهل في الإنسان إلى حدّ الموت نتيجة الأميّة وعدم المعرفة الأكاديمية التي يجبُ أن تُعرض إلى الآخرين لغرضِ منعهم من الانجراف لوهمِ القدسيّّة المطلقة لوليٍّ منْ الأولياء بحيثُ نتّخذه طبيبا مداويا و شافيّا كما حصل لصديق لي من أهالي الحمزة الشرقي حينما كان مريضا ويتناول الدواء الذي وصفه له الطبيب لكن هذا قد ضاق ذرعا من الدواء فذهب إلى أحد الأولياء الصالحين و رمى الدّواء في شبّاكه وقال للوليّ (أنا جئتك هنا و أريدُ الشّفاء منك فأنت الطبيب الشافي والمداوي و لا غيرك) و رحل مطمئنا متأكّدا من شفائه على بركات رحمة الوليّ ...وفي الليل جاءني خبره من أمّه ...لقد مات صديقك .

في الرواية نشهد بعض المفارقات التي تحصلُ في السّجن والتي تشير إلى غباء السّجان والعاملين هناك ، حيث أنّ أحد السّجناء يقرأ من مكتبة السّجن كتابا لأجاثا كريستي ولأنّ لونه يميل إلى الحمرة عوقب عليه من أحد العرفاء الجهلة وهذا العريف ينطبقُ عليه ما قاله لينين (إذا سقط المرء أصبح شرطيا) وأنا أضيفُ شرطيّا غبيّاً..لأنّ شرطة اليوم في الغرب على مستوى عالي من الثقافة والمعرفة، بينما (لؤي) كان يقرأ شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف وهي الرواية الخطيرة والممنوعة آنذاك قد هرّبتها أحد الزوجات لزوجها السّجين لكنْ لونها ليس أحمرا فلمْ يُعاقب عليها السّجين الشيوعيّ لؤي.

يبقى لؤي في أبي غريب حتّى يأتي العفو العامّ في زمنِ فاضل البراك الذي كان مدير الأمن العامّة الذي أعدمه صدام حسين فيما بعد وبهذا يتحقّق ما قالته الطالبة الألمانية التي أشرنا إليها أعلاه (صوفيا شول ) التي قالت للمحقّق أنت اليوم تعاقبنا وغدا يأتي منْ يعاقبك فعلى الباغي تدور الدوائرُ .

يُنقل بسام مع بقيّة رفاقه السجناء من أبي غريب إلى الأمن العامة حيث يجد هناك عائلته و أبيه مع بقية العوائل لاستلام أبنائهم المفرج عنهم مع بعض المحاضرة لتخويفهم فيما لو تكلّموا بما لا يُرضي السّلطة آنذاك ، وبهذا يُصبح لؤي حرّا طليقا ليعيش الحياة مرّة أخرى ليلاقي عراقا مُدمّرا مُحطّما منْ جميع النّواحي لنقرأ ما تقوله الرّواية:

(خرجنا هذه المرة عيوننا غير معصوبة والأيدي غير مكبلة وسارت سيارة الكوستر باتجاه مدينة السماوة ،لم نكن لنصدق حتى حطت السيارة رحالها في شارع الإستقلال (باتا)،عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل. الشارع موحش وفارغ إلا من أولئك الذين يرتدون الزيتوني وكأنهم في إنذار، فكان سهلاً أن نلاحظ أنّ الحرب قد تركت بصماتها على المدينة وأنّ هناك صورا لشباب قد غادروا الحياة في الحرب المعتوهة التي افتعلها الدكتاتور).

أستطيع القول أن لؤي كان بديعا وأكثر بهجة ونضارة ومؤازرة لكلّ ما هو شفّاف يتعلّق بالحبّ لأمّه ولوطنه أو الحبّ الأزلي الذي من شأنه أن يجعلنا سعداء هانئين وهذه هي الحياة التي يجبُ أنْ تعاش في حلّها و ترحالها والتي قرأناها منطلقة من قلم لؤي نفسه لحبّ الوطن ورجاله الميامين الذين استشهدوا و بقي الرّصيف يشتاقُ إليهم لكونهم من السابلة الذين مرّوا فوقه وتركوا آثار أقدامهم وذكراهم وأحزانهم وبكاء ذويهم عليهم . مع العلم أنّ الحياة مهما طالتْ أو قصُرتْ فهي نسبيّة دائما لأنّ جميع بني البشر هم لاحقون بعضهُمْ البعض مثلما قالها عمر الخيام (وكم تساوى راحلٌ في الثرى غدا و راحلٌ منذ آلاف السّنين) ،هكذا هو مسرح الحياة،مهما طالت فترة بقائنا في هذه الأرض التي لا نعرفُ لماذا جئنا إليها إذا كنّا راحلين وإلى أين تسير بنا في دروبها الحالكة والهالكة (قل لي إلى أين المسير...في ظلمة الدّرب العسير...طالت لياليه بنا...و العمر لو تدري قصير).

ثم إنّ الحياة على خافقها شعلة منكّسة على الدّوام،فيها من العثرات التي لا بدّ لنا أن نحاكمها، العثرات الناجمة عن نظامٍ حاكمٍ أو صديقٍ أو حبيبٍ حاول الطّعن بنا مرّات ومرّات.

وفي النهاية يبقى المثقّف التقدميّ على غرارِ لؤي ورفاقه الآخرين شموسٌ ساطعةٌ مستمرّة تخيفُ الطغاة ورجال السّلطة (أتحسّس مسدسي عند سماعي كلمة مثقّف.... جوزيف جوبلز.. وزير أعلام هتلر)، هذا الرّجل قتل أطفاله الستّة وكانوا جميعهم يحملون حرف الهاء تيمّنا بهتلر ثمّ انتحر هو و زوجته لكيْ لا يُهانان من قِبلِ الرّوس ولكيْ يبقى حتّى مماته مناصرا للجريمة والمجرم هتلر، وهذا النوع من الرّجال همْ من المثقفين المتملّقين والمصفّقين والمؤازرين لرؤسائهم حتّى في الجريمة وقتل شعوبهم وما أكثرهم وهؤلاء هم الأخطر على الشعوب (لينين)، ومن أمثال هؤلاء عبد الرزاق عبد الواحد المجرم الذي مات وهو يشكُر ولي نعمته صدام، ثمّ وزير الإعلام العراقي المجرم محمد الصحاف.

السّجن مهما كان هو تحطيمٌ للنّفس خصوصا لسجناء الرّأي، لأنّهم الأكثرُ عناداً و إصرارا على الحبّ. همْ دائما على غرار ريتسوس الشيوعي الذي سُجن مرارا ولم يتوقّف عن نضاله في سبيل الحريّة والتّحرّر ، بلْ أكثر من ذلك راح يكتبُ لنا أجمل أشعاره الآيروتيك والحبّ الذي ظلّ عابقا بنكهتهِ الريتسوسية التي تُرجمتْ إلى كافّة لغات العالم.

ورغم مرارة الحياة التي تكبّدها وعاشها الشيوعيّ في السّجون و ما لاقاهُ منْ أهوالٍ لكنّه اليوم يُحسدُ على سُمعته ونزاهته وأخلاقه في كافّة مجالات الحياة، وأنا كاتب المقال و في وقتِ كتابتي لهذه القراءة، كنتُ أتحدث مع إحداهنّ في الماسنجر فقالت لي عن طريفةٍ أضحكتني كثيرا وقد حدثت قبل يومين فقلتُ حمدا لله أنّ الشيوعيّ هكذا تكون له هذه السّمعة التي نقلتها لي(سميّة)الفتاة الأربعينية الرائعة في هذه الحكاية أدناه:

(شيوعيّ من السماوة أراد أن يؤنب أخته لفعلها بعض المشاكسة فصار عصبيا،بينما صديقتا أخته تنظرانَ إليهما فيما يتشاكسان فقالت احداهما خطية سندس سوف يضربها أخوها، لنفعل شيئا ونوقفهما فقالت الأخرى..سميّة.....لا لا لا لا عيني سعاد لا تخافي سوف لن يضربها... لأنّ أخاها هذا شيوعيّ ... والشّيوعيون لا يَضرِبون.... بل يُضرَبون).

وفي النّهاية أعلنُ صرختي مع لؤي ورفاقه الشيوعيّين الذين نالوا الحريّة أو الذين استشهدوا فأقول ما قاله ُالشيخ جمال الدين الأفغاني (ملعونٌ في دين الرحمن..من يبني سجناً.. من يرفعُ رايات الطغيان ..ملعونٌ في كلّ الأديان ..من يهدرُ حقّ الإنسان ..حتّى لو صلّى أو زكّى.. أو عاش العمر مع القرآن).

هـــاتف بشبــوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى