الأحد ١٤ آب (أغسطس) ٢٠١٦
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

مصطفى عبد الرحمن الشاعر المبدع

من الذين قدموا لديوان الشعر العربى صفحات خالدة تميزت بالحس المرهف والرونق البديع والوطنية الجياشة الشاعر مصطفى عبد الرحمن وهو من مواليد في بداية شهر سبتمبر عام 1915 بشبرا النخلة مركز بلبيس بمحافظة الشرقية وظهرت موهبته فى مجال الشعر والكلمة فى سن مبكرة وفى عام 1932 أصدر الشاعر مصطفى عبد الرحمن مؤلفه الأول بعنوان وطنى قدمه الكاتب الكبير فكرى أباظة بقوله : المؤلف فتى صغير السن.. أبجدى التجربة فى عالم الكلمة.. دفع إلى بكتابه فأعجبت لا باللغة ولا بالأسلوب فحسب ولكن بالروح التى تسرى فيه من أوله لآخره وفى عام 1933 أصدر ديوانه الشعرى الأول بعنوان المصطفيات والذى أستلهم أسمه من الشوقيات لأمير الشعراء أحمد شوقى وفى ذلك منتهى الثقة بالنفس وبالموهبة وفى عام 1935 وخلال دراسته كتب قصيدة انطلاقا من النصب التذكارى لشهداء الحرية وقتئذ وكانت هذه القصيدة سببا فى خروجه من القاهرة إلى دمنهور ودرس هناك ثم كتب ديوانه الشعرى لحن الخلود الذى قدمه أحمد محرم وفى التاسع من شهر يناير عام 1939 جاء فى جريدة الأهرام : إن قصائد الشاعر مصطفى عبد الرحمن صورة شعرية رائعة تمثل قمة الوهج الرومانسى .. أنك تحس به من خلال كلماته وكأنه متصوف وهب الشعر حياته .. سابحا فى بحاره .. باحثا عن جواهره ليقدمها إلى المستمع نغما عذبا ولحنا آثرا.

بعد حصول مصطفى عبد الرحمن على البكالوريا عمل بالسجل التجارى بالقاهرة ولكنه لم يبتعد عن الشعر .. وفى عام 1941 كان تعامله الأول مع الإذاعة وكل الأغنيات التي كتبها في مسيرته الشعرية الأولى كتبها بالزجل وغنت ليلى مراد من كلماته وألحان محمد عبد الوهاب أروح لمين بس ياربى وغنت هدى سلطان من كلماته وألحان عبد الوهاب أيضا رجع الهوا تانى وعندما تم تكوين جمعية المؤلفين والملحنين شغل الشاعر مصطفى عبد الرحمن منصب السكرتير العام.
الشاعر مصطفى عبد الرحمن قد أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته المتميزة ونذكر ومنها ديوان المصطفيات الذي أصدره في بداية حياته وديوان لحن الخلود الذي صدر عام 1933 وديوان ليالي الشاطئ الذي صدر عام 1936 وديوان من أغاني الحياة الذي صدر عام 1939 وفى عام 1954 تزوج الشاعر مصطفى عبد الرحمن ورزقه الله تعالى بفاتن وإيمان وعلا وفى عام 1955 أصدر ديوانه الربيع ثم ديوانه أغنيات من القلب عام 1987وفي مجال الدراسات صدر له وطني وفنون رمضان وأغنية الكفاح وحق المؤلف والربيع في الأدب والفن والحياة وأناشيد لها تاريخ والشعر فى موسيقى عبد الوهاب والذى يعد وثيقة تاريخية فنية لكل أعمال الموسيقار محمد عبد الوهاب وعطاؤه المتميز.

حصل الشاعر مصطفي عبد الرحمن علي جائزة الدولة في الشعر ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1980 ونالت قصيدته يا حبيب العمر على الوسام الذهبي والجائزة الأولى من منظمة البحر الأبيض المتوسط الذي اشتركت فيه 26 دولة بينها فرنسا وأمريكا وإيطاليا واليونان وأربعة دول عربية هى المغرب و تونس والجزائر وليبيا .

الشاعر مصطفى عبد الرحمن أثرى الأغنية العربية بما قدم من قصائد تفيض رقة وعذوبة وأغنيات تمثل علامات فى تاريخ الموسيقى العربية على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان وقد عرفت الشاعر مصطفى عبد الرحمن وتعاملت معه عن قرب هو وشقيقته الأستاذة صفية رحمها الله التي كانت تقيم في مصر الجديدة وشقيقه الأستاذ سعد المقيم في ألمانيا وقد كتبت عن الشاعر مصطفى عبد الرحمن في كتابي الأول ملامح مصرية الصادر عام 2000 وماكتبته عن الشاعر القدير تمت ترجمته إلى اللغة الألمانية وأكثر من لغة أجنبية.

المتأمل لعطاء ومؤلفات الشاعر الكبير مصطفى عبد الرحمن يرصد إسهاماته الرائعة فى مجال الأغنية الوطنية التى عبرت تعبيرا صادقا عن آمال ومشاعر وخلجات الإنسان المصرى والعربى من المحيط إلى الخليج فمن ألحان محمد القصبجى غنت نجاة على قصيدة بلادى للشاعر مصطفى عبد الرحمن ونذكر منها :

الدم الثائر يفديك إذا ناديت هيا
نطلب المجد ونطوى عاديات الدهر طيا
نحن شعب طامح قد عاش فى الدنيا أبيا
قد أراد المجد أن يحيا كما شاء قويا.

ومن كلمات الشاعر مصطفى عبد الرحمن أيضا وألحان بليغ حمدى غنت نجاة الصغيرة :

عيشى يابلادى لكل الشعب العربى
عيشى ياغنوة روحى وقلبى .. عيشى يابلادى

ولأعياد الحرية كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن ولحن منير مراد وغنت وردة الجزائرية أبواب الحرية .. وفى شهر مايو عام 1954 شهد أبناء الوطن مولد صناعة الحديد والصلب.. هذه الصناعة التى تعد ركيزة من الصناعات التحويلية التى تساهم فى رفع مستوى المعيشة وقد ارتفعت المصانع الحربية وارتفعت مصانع الحديد والصلب ومع ارتفاعهما أرتفع صوت الفن فكتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن نشيد المصانع الحربية ولحنه محمد عبد الوهاب وشدت به المجموعة :

النور والحرية .. والعزة القومية
ح تصونها وتحميها .. مصانعنا الحربية
مش راح أقول لأولادى .. كنا وكان أجدادى
أنا ح أصنع لبلادى .. بعزم وهمة قوية.

ولأن الوطن العربى وطنا واحدا وهبطت فوق ثراه الرسالات الكريمة فأشرقت الأرض بنور السماء وتلقى الغرب منا أول درس فى الدين والعلم والفن والجمال ففوق الثرى الخصب من تلك الأرض المباركة نشأ إبراهيم عليه السلام وفى سيناء كلم الله تعالى موسى عليه السلام وفى فلسطين نشأ السيد المسيح عليه السلام وفى البيت الحرام نشأ رسول الإنسانية وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم .. هذا الوطن الذى يتوحد فى اللغة والدين والأرض والتاريخ والدم والعادات وبعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا فى 22 فبراير عام 1958 كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن ولحن الموسيقار محمود الشريف وغنت شادية يانسر المجد فقالت :

يا نسر المجد ياطاير مسا وصباح
فى مصر جناح وفوق سوريا الحبيبة جناح .

وعندما وقفت مصر مع اليمن فى ثورتها كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن ولحن أحمد صدقى وغنى محمد قنديل :
هب الشعب اليمنى وثار فى طريقه طريق الأحرار.
كما غنت المجموعة من كلمات الشاعر مصطفى عبد الرحمن والحان حسين جنيد نشيد الطيران :

نحن جند الفداء .. والنسور الإباء
فوق متن الهواء .. قد رفعنا الجباه
واحتللنا السما .. وبذلنا الدما
كى يعيش الحمى .. شامخا فى علاه
فوق هام السحاب .. نتحدى المحن
لانهاب الصعاب .. وعوادى الزمن
نحن فجر الرجاء .. نحن رمز الإباء
فارخصى يادماء .. ولتعش ياوطنى.

ولأبطال البحرية كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن وغنت فايزة أحمد بألحان عبد العظيم محمد :

رفرف ياعلم وطنى ياغالى رفرف ياعلمنا طوالى
على وطن النور والحرية راية امتنا العربية
أسطولنا عيونه سهرانه تحرس شواطئنا بأمانة
تحرسها وترد عدانا بعزيمة جبارة قوية .
وعند اتحاد الأمارات العربية كتب شاعرنا مصطفى عبد الرحمن :

لعز الخليج ومجد العرب سنمضى إلى يومنا المرتقب .

ومن كلمات شاعرنا مصطفى عبد الرحمن ومن ألحان فؤاد حلمى غنت سعاد محمد قصيدة صوت فلسطين وغنت المجموعة من ألحان محمد محسن يالا يا تونس كما غنت فايدة كامل من ألحان حسين جنيد من السودان كما غنت فايزة أحمد من كلمات مصطفى عبد الرحمن وألحان محمد سلطان يامنارا .

كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن رائعته هذه الصخرة ولحنها وغناها الفنان الراحل الموسيقار السوداني العاقب محمد حسن ومن كلمات هذه القصيدة أذكر قول شاعرنا مصطفى عبد الرحمن :

هذه الصخرة جئناها .. صباحاً ومساء
وروينا قصص الحب .. عليها سعداء
يا ترى ماذا الذي فرّق شملنا فبتنا غرباء.

الشاعر مصطفى عبد الرحمن كان يعتز بقيمة الكلمة وكان يرى أن العمل الفنى هو كلمة فى المقام الأول وقصته مع كوكب الشرق دليلا على ذلك فقد شدت بقصيدة واحدة له وهى أيقظتني ياطير ألحان رياض السنباطي ولكنه لم يكمل معها المشوار حيث قال لها : الكلمة أولا.. الكلمة أولا ثم اللحن ثم الأداء .. ويبدو أن ذلك لم يعجب أم كلثوم.

غنى عبد الحليم حافظ من كلمات الشاعر مصطفى عبد الرحمن في فترة الخمسينيات أنتِ إلهامٌ جديد ألحان دكتور يوسف شوقي وذاك عيد الندى ألحان ألحان حسين جنيد ويا إله الكون ألحان حسين جنيد وربيع شاعر ألحان محمد الموجي كما غنى سعد عبد الوهاب أنت ويايا وغنى سيد إسماعيل إلى عرفات الله وغنت شادية غنى ياقلبى وهنى قلبك ومدام بعادى وعجبانى واحشته..

من روائع الشاعر مصطفى عبد الرحمن قصيدة أشواق وقد ضمها ديوانه أغنيات قلب الصادر عام 1987 ونظرا لجمال هذه القصيدة لحنها وغناها الموسيقار رياض السنباطى وعندما سمع صوت ميادة الحناوي وهى تغني أغنية لسه فاكر التي غنتها أم كلثوم سحره صوتها ووافق بأن تغني قصيدته أشواق وكانت المرة الوحيدة التي سمح فيها رياض السنباطي أن يغني آخر أحد ألحانه التي غناها بصوته والمؤرخ الموسيقى فرج العنتبلى أطلق على قصيدة أشواق ( الآهات الكبرى ) وأذكر أننى عندما استمعت إلى هذه القصيدة لأول مرة حفظتها وشاء الله تعالى أن التقي بصفيه عبد الرحمن شقيقة الشاعر عندما كنت أعد لإصدار كتابى الأول ( ملامح مصرية ) وذكرت لي الكثير من المعلومات عن شقيها الشاعر مصطفى عبد الرحمن .
كما غنت عزيزة جلال قصيدة والتقينا التى لحنها رياض السنباطى ونذكر منها :

والتقينا.. بعد ليل طال من عمر الزمان
نسيته طلعة الفجر وجافاه الحنان
لم عدنا .. وألتقينا بعد أن فات الآوان
بعد إن لم يبق من أمسى سوى كنا وكان .

فى عدد شهر أكتوبر عام 1967 نشرت مجلة العربى الكويتية قصيدة بعنوان أمة الأمجاد للشاعر مصطفى عبد الرحمن فاختارتها الإذاعة المصرية لتغنيها فايزة أحمد بلحن محمد سلطان وفى السودان قرأو المجلة فأعجبوا بالقصيدة وقرروها نشيدا يبث عبر وسائل الإعلام السودانية المسموعة والمرئية وقام بتلحين القصيدة الثنائى السودانى محمد حميدة ويوسف أسمانى وغنتها المجموعة وتصادف أن استمع للقصيدة جعفر النميرى الرئيس السودانى فأعجب بالقصيدة وأتصل على الفور بالإذاعة السودانية وأمر بإذاعتها على الملايين من أبناء السودان وبعد يومين أصبحت على كل لسان بل ومن أبرز أناشيد السودان الوطنية.. وذات يوم كان الرئيس السودانى جعفر النميرى فى اجتماع مع طلائع الشباب وبدأ الشباب بأداء أمة الأمجاد فهب الرئيس السودانى واقفا وأدى مع الشباب أمة الأمجاد.. وفى هذا الصدد قال الكاتب السودانى السر أحمد قدور:

إن نشيد أمة الأمجاد الذى صاغه شعرا عربيا سهلا الشاعر مصطفى عبد الرحمن وقدمه الثنائى الوطنى السودانى قد أصبح من الأناشيد ذات الارتباط القومى بالوثبات التى حققتها ثورة مايو المجيدة فى السودان وتقول كلمات أمة الأمجاد :

أمتى ياأمة الأمجاد والماضى العريق
يانشيدا فى دمى يحيا ويجرى فى عروقى
أذن الفجر الذى شق الدياجى بالشروق
وطريق النصر قد لاح فسيرى فى الطريق
قبلة الأنظار ياأرض الهدى والحق كنت
ومنارا فى دجى الأيام للعالم عشت
أنت مهد النور .. مهد الفن والعرفان أنت
وستبقين ويبقى لك منا ما أردت
لاتبالى إن أساء الدهر يوما لاتبالى
قد صحونا لأمانينا .. صحونا لليالى
لك يا أرض البطولات ويا أم الرجال
ترخص الأرواح فى يوم الفدى .. يوم النضال
للغد المشرق يندى بالأمانى والعطور
أمتى .. سيري إلى المجد وجدى فى المسير
حققى بالعمل البناء أحلام الدهور
وأصعدي بالعلم والأخلاق للنصر الكبير
أصعدي يا أرض أجدادى وأمى وأبى
أصعدي يا قلعة يحرسها كل أبى
أصعدي يا مشرق النور لأغلى مأرب
أصعدي للقمم الشماء فوق الشهب
أمتى يا أمة الأمجاد والماضي العريق
يانشيدا فى دمى يحيا ويجري فى عروقى
أذن الفجر الذى شق الدياجى بشروق
وطريق النصر قد لاح فسيري فى الطريق.

كما قدمت فايدة كامل أغنية دهب القنال دهبي ومالي كلمات مصطفى عبد الرحمن وألحان سيد مكاوى .
يوم 6 أكتوبر 1973 الموافق 10 رمضان 1393 هجريا كان الملحن إبراهيم فارس في مبنى الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو وعلم بنبأ عبور قواتنا المسلحة قناة السويس واقتحام خط بارليف وكان معه الشاعر مصطفى عبد الرحمن الذي غمرته السعادة فجلس فى أحد أركان الاستديو وبدأ يكتب :

من جديد بنعلى إيد وياها إيد
مصر ياغالية ويااحلى نشيد
قمنا نبنى يابلدنا من جديد
مصر ياغالية وياأحلى نشيد
يابلدنا ياللى صحيتى الزمان
ياللى نورك كان لكل الكون هداية
إحنا قمنا نكتب بالإيمان
وبجلال العلم أيه بعد أيه .

على الفور امسك الملحن إبراهيم فارس العود ولحن الكلمات وتصادف وجود نجاح سلام فى إذاعة صوت العرب وعندما استمعت إلى الكلمات واللحن تحمست وبدأت تسجل الأغنية بمصاحبة الفرقة الموسيقية بقيادة الموسيقار سامى نصير.
تم تسجيل الأغنية فى استديو 43 إذاعة على الشريط رقم 68206 ر ومدة هذه الأغنية 3 دقائق و(50) ثانية وأذيعت للجماهير المصرية والعربية لتعد أوليات الأغنيات التى كتبت عن انتصارات أكتوبر وأيضا تم تسجليها بعد ذلك للتليفزيون وذلك فى السابع من شهر يوليو عام 1974 م.

كما كتب الشاعر مصطفى عبد الرحمن لانتصارات أكتوبر 1973 قصيدة بعنوان بطولات ونشرتها مجلة العربى الكويتية فى عددها الصادر فى شهر يوليو عام 1974 ونذكر منها :

عبرت تهتف باسم الله فاندفعت
خطاك للنصر ترعاك العنايات
والله ينصر من يدعوه ياولدى
وتستجيب بدعواه السموات .

فى العاشر من شهر أغسطس عام 1992 رحل الشاعر مصطفى عبد الرحمن إلى الدار الآخرة فرحمة الله عليه.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى