الأربعاء ٢٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

معركة السويس

حاولت استمرار إسرائيل إعادة هيبتها أمام العالم ورد القوات المصرية التى عبرت القناة ففى منتصف ليلة 23 أكتوبر 1973 وصل لوائين مدرعين إسرائيليين إلى مشارف مدينة السويس في الوقت الذى كانت فيه فرقة الجنرال ماجن تحاول عزل السويس عن العاصمة ورغم أن القوات الإسرائيلية فقدت نحو 200 دبابة أثناء تقدمها إلا أنها أصبحت مع نهاية ليلة 23 أكتوبر على مشارف السويس التى كانت على موعد مع التاريخ لتسجل واحدة من أعظم معارك الدفاع عن الأرض والكرامة ولتجعل من عتباتها مقبرة للغزاة.

مع الساعات الأولى من يوم 23 أكتوبر أدرك شعب السويس أن القوات الإسرائيلية على وشك مهاجمة المدينة ولذلك فقد أستعد كل من في المدينة للزود عن الأرض ولأن السويس لم يكن بها في ذلك الوقت أي وحدات عسكرية نظامية فقد أعتمد الأهالى على السلاح الخفيف وأصبح عبئ الدفاع عن المدينة على عاتق رجال الشرطة وأبطال منظمة سيناء العربية التى كانت تضم بين جنباتها مجموعة من أروع الفدائيين وفي اليوم نفسه أصدر مجلس الأمن قرارا ثانيا بوقف إطلاق النار على أن يبدأ سريانه اعتبارا من السابعة من صباح 24 أكتوبر 1973.

مع أول ضوء من يوم 24 أكتوبر بدأ العدو في دك المدينة بالطيران ثم اشتركت المدفعية في القصف في الوقت الذى بدأ الفدائيين في تنظيم أنفسهم ولاحظوا أن القصف يتحاشى مداخل المدينة فأدركوا أن العدو سيستخدم هذه المداخل في اقتحام المدينة وعلى الفور تم تعديل أماكن الكمائن وكما توقعوا بدأت الدبابات الإسرائيلية التقدم على ثلاث محاور :

محور المثلث وهو المدخل الغربي للمدينة ناحية الطريق الرئيسي القادم من القاهرة إلى السويس وامتداده هو شارع الجيش وميدان الأربعين.

محور الجناين عبر الطريق القادم من الإسماعيلية حيث المدخل الشمالي للسويس حتى منطقة الهويس ثم شارع صدقي ومنه إلى ميدان الأربعين.

محور الزيتية وهو المدخل الجنوبي لمدينة السويس من ناحية ميناء الأدبية وعتاقة بمحاذاة الشاطئ ويمتد حتى مبنى محافظة السويس والطريق المؤدي إلى بور توفيق.

قام الفدائيون بنصب الكمائن على المحاور الثلاثة فهناك كمين رئيسي وعدة أكمنة فرعية عند كوبري الهويس على امتداد محور المثلث وكمين رئيسي عند مزلقان البراجيل بشارع الجيش وبه أفراد من القوات المسلحة والشرطة والمدنيين بقيادة أحمد أبو هاشم وفايز حافظ أمين من منظمة سيناء العربية وفي ميدان الأربعين كمين آخر يضم محمود عواد قائد الفدائيين ومعه محمود طه وعلي سياق من المدنيين إضافة إلى عدد من الجنود ورجال الشرطة وكمين آخر عند مزلقان السكة الحديد بجوار مقابر الشهداء ويضم محمود سرحان وأحمد عطيفي وإبراهيم يوسف إضافة إلى عدد من الجنود ورجال الشرطة وكمين آخر حول ميدان الأربعين به عبد المنعم خالد وغريب محمود غريب من منظمة سيناء ومعهم آخرون وعند مبنى المحافظة كمين آخر يقوده نقيب شرطة حسن أسامة العصر ومعه بعض الجنود.

أصبحت السويس محاصرة تماما بفرقتين مدرعتين وقبيل بزوغ الصباح وسريان وقف إطلاق النار بدأت القوات المعادية التقدم ودخلت المدينة دون مقاومة وكانت خطة الفدائيين هى إدخال القوات الإسرائيلية الشرك ثم محاصرتها وهى نفس الخطة التى أستخدمها أهالى مدينة رشيد المصرية ضد حملة فريزر الإنجليزية عام 1807وبدأت الدبابات الإسرائيلية في السير بما يشبه النزهة داخل المدينة التى بدت خالية على عروشها حتى أن بعض الجنود الإسرائيليين نزلوا لالتقاط بعض التذكارات من الشوارع.

فجأة فتحت السويس أبواب الجحيم في وجه العدوان الإسرائيلي ودارت معركة طاحنة بين الفدائيين وقوات العدو وكانت أشرس المواجهات في ميدان الأربعين حيث واجه البطل محمود عواد ومجموعته رتل من الدبابات وقام عواد بإطلاق 3 قذائف على الدبابات وأنتقل الكمين الذى كان يتمركز عند سينما رويال لمساندة محمود عواد ومجموعته وفي الوقت الذى كانت تتقدم فيه دبابة من طراز سنتوريون العملاقة أعد البطل إبراهيم سليمان سلاحه وأطلق مباشرة ليخترق برج الدبابة وتطيح برأس قائدها الذى سقطت جثته داخل الدبابة ليطلق طاقمها صرخات مرعبة ويفروا مذعورين ومن خلفهم طواقم جميع الدبابات خلفها.

فتح الأبطال النيران على جنود العدو من كل شبر في ميدان الأربعين فأصيبوا بالذعر والهلع وتركوا الدبابات للبحث عن أي ساتر ولم يجدوا أمامهم سوى قسم شرطة الأربعين أما دبابات الموجة الثانية فقد أصابها الرعب هى الأخرى واستدارات هاربة وتصادمت مع بعضها البعض وأندفع أبطال السويس يصطادون الدبابات المذعورة وفي ذلك اليوم سقط أول شهداء السويس وهو البطل أحمد أبو هاشم شقيق الشهيد مصطفى أبو هاشم الذى أستشهد في 8 فبراير 1970.

بعد تدمير معظم المدرعات الإسرائيلية التى دخلت المدينة تركزت المعركة في مبنى قسم شرطة الأربعين بعد أن فر إليه جنود العدو وتحركت كل الكمائن لمحاصرة القسم وإطلاق النيران عليه من كل جانب وحاول الجنود الاستسلام لكن المحاولة فشلت ولم يعد أمام أبطال السويس إلا اقتحام القسم وجاءت المبادرة من البطل إبراهيم سليمان بطل الجمباز ومعه أشرف عبد الدايم وفايز حافظ أمين وإبراهيم يوسف وتم وضع الخطة بحيث يستغل إبراهيم سليمان قدراته ولياقته البدنية في القفز فوق سور القسم لكن رصاصة غادرة من العدو أسقطته شهيدا فوق سور القسم وبقى جسده معلقا يوما كاملا حتى تمكن الفدائيون من استعادته تحت القصف الشديد.
جاءت المحاولة الثانية من البطل أشرف عبد الدايم وفايز حافظ أمين اللذان قررا اقتحام القسم من الأمام وبعد أن تحركا تحت ساتر من النيران فتح قناة العدو النيران عليهما ليسقط أشرف شهيدا على سلم القسم ويسقط زميله فايز شهيدا بجوار الخندق داخل القسم.

فى مساء يوم الأربعاء 24 أكتوبر 1973 الموافق 28 رمضان 1393 هجريا انسحبت القوات الإسرائيلية خارج مدينة السويس وتركت قتلاها ومدرعاتها سليمة بالإضافة إلى المحاصرين في القسم وتمكن البطلان محمود عواد ومحمود طه من إحراق المدرعات الإسرائيلية خشية أن يتسلل إليها العدو .

بعد عجز القوات الإسرائيلية في احتلال مدينة السويس وأيضا الإسماعيلية قامت بحصار السويس 3 شهور وعشرة أيام وقطعت خلالها الإمدادات من مياه وطعام وشرب السوايسة من مياه الآبار وقسموا اللقمة بينهم وفي شهر فبراير عام 1974 كانت اتفاقية فصل القوات وفقا لقرار مجلس الأمن .

انتصرت السويس انتصارا باهرا وأصبحت مقبرة اليهود وقال الجنرال حاييم هرتزوج في كتابة حرب التكفير : ( إن الكتيبة المدرعة التى دخلت السويس من ناحية المثلث وكان عددها 24 دبابة قد قتل أو جرح 20 قائد دبابة من قادتها الـ 24 ) .

كان الرئيس السادات يحرص على صلاة عيد الفطر في مسجد الغريب كل عام بمدينة السويس تيمنا بنصر أكتوبر وقرر خلال اجتماعه بالقيادات السياسية والتنفيذية والإعلامية في إحدى المرات اعتبار يوم 24 أكتوبر عيد قوميا للسويس ونذكر أن الرئيس الأسبق مبارك لم يدخل السويس منذ توليه الحكم حتى تركه .

في عام 1974 قامت جيهان السادات بتكريم أبطال السويس ومنحت كل بطل شهادة توفير قيمتها عشرة جنيهات وفي عام 1984 قام محمد بكير محافظ السويس بتكريم الأبطال ومنح كل بطل شهادة توفير قيمتها عشرة جنيهات وفي عام 1994 قام مصطفى صادق محافظ السويس بتكريمهم ومنح كل بطل 150 جنيها وفي عام 2007 كرمهم هشام السرساوي محافظ السويس وقتئذ ومنح كل بطل 500 جنيها .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى