الاثنين ١ آذار (مارس) ٢٠٠٤

مقارعة الاحتلال

سميرة اسحق علي ابو خالد ـ الخليل ـ فلسطين

من مدينة خليل الرحمن من حمى الحرم الإبراهيمي الشريف أكتب مذكراتي التي أعتز بها وأزهو، لدى تعييني في هذه المدرسة تلقيت الخبر كالصاعقة لكان إيماني بالله والقدر هدأ روعي وقلت " سأحمل روحي على راحتي وأقاتل بها جند العدى، ورأس مالها قراءة الفاتحة على روحي وعمل بوستر والصورة جاهزة.

في أول يوم زرت به المنطقة كان حظر التجول مفروضا وقوات الاحتلال الغاشمة تلاحق المارة وتطلق النار بكل اتجاه وكذلك قنابل الغاز الخانقة وشاركنا بالركض من جهة لأخرى والاختباء من عيون الغزاة حتى انطلقنا كالسهام من باب المدرسة الرئيسي ونحن عاجزات عن التقاط أنفاسنا واستندنا إلى جدار بناية المدرسة لتهدئة الروح وتمالك النفس ريثما فتحنا الأبواب ودخلنا القلعة الحصينة الشامخة في وجه الاحتلال ومن هنا بدأت المقارعة.

قيل لنا بان التجول مسموح فاخترقنا السوق القديم عبر القناطر ووصلنا إلى نقطة العبور أمام الحرم الإبراهيمي الشريف فاستوقفنا ومنعنا من الدخول بحجة أن التجوال للأكل وليس للتعليم واتصلنا بالمشرف المسؤول عن الطوارئ في التربية واعدا بالتنسيق مع الارتباط والوجه الآخر للسماح لنا بالمرور وجمعت الطلبة والطالبات المتواجدين ونظمتهم لتعليمهم ما نستطيع وقد رافقتني ثلاث زميلات في هذه المهمة منتظرات الفرج لكنه ذهب ولم يعد.
وذات يوم عاودنا الكرة للمرور ولدى اقترابنا كأن بركانا قد ثار ليلقي بحممه على المتواجدين بالألفاظ النابية والكلمات البذيئة التي تقشعر لها الأبدان والصياح المدوي كالرعد والإهانة بين الحين والآخر وإلقاء القنابل علينا واللحاق بنا والنيل من الأولاد الذكور بالضرب المبرح بالأيدي والأجل وأعقاب البنادق واقترب مني وعلوت بصوتي ماذا فعلنا؟؟ نطالب بحقنا في التعليم ونصر على ذلك وهناك اتفاقية بالسماح لنا ولا شيء غيره وهنا ابتعد وأمسك بيد امرأة كانت واقفة بجانبي ولواها وعندها دوى صراخها من الألم واللهث بالدعاء للمولى عز وجل بإذلالهم والانتقام منهم وعندها لم ينته إصرارنا للوصول بل تحولنا إلى طريق عبر الأبنية الآيلة للسقوط وتسلق الجدران والدرج المعلق بالهواء والاستعانة بالجيران لارتداء بنطال للقيام بمهمة التنقل من سطح لأخر حتى وصلنا بعد جهد جاهد وعناء مرير وثورة عارمة على الاحتلال والاستيطان وإخواننا المسلمين والعرب النيام، وفي طريق العودة استوقفنا جنود الإحتلال للحفاظ على سلامتنا من قطعان الاستيطان نصف ساعة لتأمين سلامتنا ولملمت طالباتي نحوي وأخذت أهدئ من روعهن حتى يحل علينا الفرج ، فإذا بخمس سيارات للإحتلال تحضر وتنتشر في المكان وعندها سمح لنا بالمرور ، وما هو هذا المرور؟؟ فقط قطع الشارع الذي يبلغ عرضه أربعة أمتار والعبور في بوابة أناس مجاورين وصعدنا لدرج ينتهي بحاجز ارتفاعه متران ونيف تقريبا ليلقى بنا على سطح مجاور ومنه تنحدر إلى درج آخر مؤدي إلى الجهة الثانية تكون آمنة بإذن الله للإنصراف والوصول إلى مكان سيارتي وعندها قفز الأولاد أمامي وقفزوا إلى الناحية الأخرى وتناولت النساء وطالباتي واحدة تعاون الأخرى باللحاق بالأولاد حتى فرغوا من الصغيرات وبقيت الطالبات الصبايا حاولن ولم يستطعن عندها أحضرت النساء المتواجدات في البيت برميلا أزرق بلاستيكي لتسهيل المهلة ولم تفلح الطالبات بالتسلق وعندها استشطت غضبا وثرت على الإحتلال والأيام السوداء التي نعيشها ، مجرد طريق آمن نفتقر إليه ما هذا المآل؟ وإلى متى هذا الحال وأنا لا أرتدي بنطالا للقيام بهذه المهمة، وعندها عدت أدراجي مزمجرة في وجه جنود الإحتلال وطلبت منهم إطلاق النار وفعل ما يحلوا لهم وأننا سنمر من الطريق المؤدي إلى باب الخان وسوق اللبن مهما كان، وعندها أوعز القائد المسؤول بأن يفسحوا لنا ويسمحوا بالمرور وتأمين سلامتنا وحمايتنا، وعندما تخطينا عشرة أمتار فقط توجه إلى ناحيتنا ثلاث مستوطنين يحملون السلاح ووجهوه نحونا وعندها ملأ الخوف والرعب قلوبنا وكادت الطالبات يطرحن أرضا وأنا كذلك إلا أنني تظاهرت أمامهن بعدم الخوف وأتحدث إليهن وأطلب منهن الجلد ومواصلة المسير وتكاد أقدامي لا تقوى على حملي واجتزنا المحنة ووصلنا إلى مدخل سوق اللبن إلا أننا اعترضنا سلك شائك على عرض السوق وحاولنا إزاحته أو رفعه لنتمكن من العبور إلا أن مجندة لعينة صرخت بنا :...لولولو... ورفعت يدها وهوت على إحدى المرافقات وعندها صرخت في وجهها:- القائد سمح لنا بالمرور واسأليه ، أشهرت السلاح علينا وعندها تحولنا إلى طريق أخر مسدود عبر الأزقة والقناطر والبنايات المتهدمة وصعدنا السلالم والأسطح حتى بر الأمان، وبقينا على هذا الحال إلى أن ضيق الاحتلال الخناق وسد جميع السبل وأقام بوابات حديدية مغلقة على جميع منافذ البلدة القديمة وعندها استمال عبور هذه المنطقة إلا وقت ما يريدون هم لنا بالمرور من خلال منفذ عرضه نصف متر فقط ما بين الحائط ومكعب إسمنتي يليه الشارع الرئيسي المغلق بحبل حديدي وسلم يتحكمون به لدى مرور سيارات تابعة لهم.

ما بين الفينة والأخرى يقتحم جنود الاحتلال فناء المدرسة ويطرقون الأبواب لإخلاء المدرسة وعدم الدوام وإن كان القادم يتحلى بأخلاق حضارية نناقشه بالعدول عن طلبه والبقاء، وإن كان فاقدا لإنسانيته وأخلاقه نسلك طريقين الأول بالحيلة ووعده بإخلاء المدرسة خلال دقائق ونحكم إغلاق الأبواب والأفواه لعدم صدور أي دليل لوجودنا في المدرسة حتى نجتاز المحنة ونواصل مسيرتنا التعليمية وإن أصر على الإنصراف وإلحاق الإيذاء بنا ننصاع لهجمتهم ونغادر قلعتنا الشامخة آملين بزوغ فجر جديد أفضل مما سبقه.

ذات يوم لدى انصرافنا واجهنا أمرا تعسفيا يمنعنا من مغادرة المدرسة وإحكام الطوق حولها وكلما أطل رأس فتاة أو برز قدمها من باب الساحة انطلقت الشتائم والتهديدات والوعيد على أثرها تتعالى صرخات الطالبات من الفزع والرهبة وما هو المصير لهذا اليوم؟ وعندها اتصلنا بمديرية التربية طالبين النجدة والمساعدة، وبالارتباط العسكري والمدني الفلسطيني والصليب الأحمر والتواجد الدولي المؤقت والإذاعة المحلية لطمأنة الأهل على بناتهن وأننا على استعداد لتأمين سلامتهن ووصولهن إلى بيوتهن وبعد ساعتين من الوقت حضرت سيارة الصليب الأحمر وتحدثوا إلى الجنود المتواجدين بضرورة انصرافنا وبعد مداولات طويلة سمح لنا بالإنصراف وعندها انطلقت الطالبات كالسهام ما بين باكية مذعورة ومقعدة على كرسي متحرك وما أن وصلنا نهاية الشارع إذ بأمهات الطالبات الفزعات لإنقاذ بناتهن من براثن الجنود وقد استوقفن على قارعة الطريق واستدعوا مجندات لتفتيشهن وضربهن وإزالة أغطية الرأس عنهم وتحدثت مع المسؤول في الصليب الأحمر وهو رجل أجنبي عن ذلك وضرورة تخليص الأمهات إثر انفعال الطالبات ونحيبهن على أمهاتهم لدى رؤيتهم ، وعندها سارع إلى إنقاذ الموقف وبعد نصف ساعة من الجدل سمح لهم بمغادرة المكان مصطحبات فلذات أكبادهن وإنهن يضرعن للمولى عز وجل بتفريج الكرب وتغيير الحال والتوجه بالشكر والثناء لي وللصليب الأحمر، وصب اللعنات على كاشف سترهن ومسبب المشكل والأزمات لهن والفرحة المشوبة بالحقد تملأ قلوبهن.

وفي يوم تالٍ واجهنا متعنتاً عربيا يخدم في صفوف قوات الاحتلال ما يسمى بحرس الحدود منعنا من الوصول إلى المنطقة المؤدية إلى أماكن سكنانا وقد تدخل جندي احتلالي "جيش نظامي" وقال : انتظري خمس دقائق حتى نتيح لكم الانصراف أي بعد الاستئذان من المسؤول عن ذلك وعندما انهال عليه المتعنت بالشتائم والألفاظ البذيئة باللغة العربية والعبرية ويرد عليه الجندي هذه ليست أخلاق جيوش ولا تعامل إنساني ويجب إتاحة المجال لهن بالمرور والآخر يكيل عبارات الإهانة بشتى صنوفها،عندها توجه إلينا وقام بضرب النائبة على كتفها ودفعها للإنصراف وردت عليه بدفعه بكلتا يديها، وعندها استدار نحوي فرفعت يدي صارخة في وجهه لا تلمسني ومثلما أكلمك بذوق كلمني ورد علي... لماذا الإساءة إلينا نحن لا نسيء إليكم ، وعار كبير عليك ما تفعله بنا عوضا عن تأمين سلامتنا والحفاظ على كرامتنا خذ عبرة من اليهودي يا حقير. عندها قال: حجه .. أنا مجنون وما بعرف شو بقول . فرددت عليه:ابق جنونك "خلي جنك" على حالك يا واطي، لأن دمك العربي لم يعد يجري في عروقك، توجهت فورا إلى التربية لإعلامهم بالأمر ، وبعدها لمكتب الارتباط المدني والعسكري، وحررنا شكوى ضده، وقد أجريت الاتصالات بين الطرفين وأبدى المسؤول عنه أسفه واعتذاره للإهانة التي بدرت منه للهيئة التدريسية أمام طالبات المدرسة ووعدنا بمعاقبته.

وفي اليوم التالي اقتحم هو وأصحابه فناء المدرسة وهم سبعة أفراد تجولوا في الساحة وقد أحكمنا إغلاق أبواب البناية لخوفنا من الانتقام أثر الشكوى المقدمة ضدهم والتقطنا صورة لهم من باب الإحتراز إلا أنهم سرعان ما انصرفوا.

وفي اليوم الذي تلاه صباحا ونحن متوجهات إلى المدرسة اعترضنا لمنعنا من الوصول ووجدت قوات التواجد الدولي على مقربة مني وتوجهت لأخت مصرية لدينا سابق معرفة للاستنجاد بها للتوسط والسماح لنا بالمرور وتناقشنا وعلت أصواتنا إثر إصرارهم على عودتنا من حيث أتينا للنوم في بيوتنا لأن المنطقة تخضع لمنع التجول وأثرنا التنسيق مع الارتباط الفلسطيني ومديرية التربية للسماح لنا بالدوام دون جدوى واستشاط غضبا، ورفع السلاح والأيدي لمحاولة ضربنا وإطلاق النار علينا إلا أنني طلبت من زميلتي تركه لجلافته وصلافته وسأسلك طريقا آخر دون ملل أو كلل من مقارعتهم وهذا يزيدنا إصراراً لمواصلة مسيرة الكفاح وبعد عشرة دقائق طرق الباب فإذا بأخ لبناني يعمل مع التواجد الدولي المؤقت يطلب مني تأمين سلامة انصرافنا من المدرسة لأن جنود الاحتلال طالبوهم بتفريغ النقطة خلال عشرة دقائق ورددت عليه : لم نذهب بعد طول العناء والمعاناة للوصول وأترك لهم المكان بسهولة لا سنبقى في الدوام وإذا ضيقوا الخناق علينا حينها سنتصرف كما يليق بالموقف وغادرنا متمنيا لنا السلامة.

وساعة الإنصراف فوجئنا بكلاب ضخمة كالنمور تختال في الطريق ودب الرعب في قلوبنا والتصقنا بالحائط إلا أنها اتجهت نحونا وقطعنا الشارع إلى الجهة الثانية إلا أنها تابعتنا... فما العمل يا الهي؟؟ ما هذه الوحلة؟ فأدرت بوجهي فإذا بهم يضحكون علينا متلذذين بإيذائنا وعندها صرخت بأعلى صوتي ما هذا؟ يا أوباش إلا تخشون الله بهذه الطفلات ما ذنبهن جميع الحقوق مسلوبة منهن... العيش بأمان، التعليم، المعالجة، اللعب ، الذهاب والإياب وحتى رؤية الشمس.

ويوم قتل المتطرف ناتي خليفة باروخ جولدشتاين في التطرف والحقد وازدراء العرب، كان الوضع رهيبا، ومنع التجول بقوة حفاظا على العرب من سطوة المستوطنين ومع هذا بقينا قابعات في قلعتنا الصامدة لكن لحظة العودة منعنا من المغادرة واتصلنا بالتربية لمساعدنا والاتصال بمؤسسات وطنية وأجنبية لكن لم يلح في الأفق أية بارقة أمل وبعد طول انتظار أطلت برأسي من الباب أتطلع يمينا ويسارا مستطلعة هل من جند أو مستوطنين فإذا بأصوات تجلجل كالرعود " روخ البيت" تنحدر من عل ولم أرى مصدرها فاشرأبت عيناي من كل اتجاه ولم أهتد ولاح طرف حافة مستوطنين فأخذت الأرض محكمة إغلاق الباب وتسحبت إلى داخل البناء واعتليت الطابق الثاني استوضح الأمر فإذا به يقف باب المدرسة، فتوجست خيفه وأخذ قلبي في الخفقان بأن شرا ينتظرنا، وما هي إلا دقائق حتى زالت الغمة وهدأ روعنا وعاودنا الكرة بمحاولة المغادرة، فإذا بشرطيين من شرطة الاحتلال عند أول الدخلة فرفعت يدي صارخة: سليحا ... ريجا ... ملوحة بالقدوم إلينا .. فرفضا وأشارا بالتوجه إلى ناحيتهما هرولت مسرعة فإذا هما عربيان وسألا ما بك؟ فقلت : أرجوكما تأمين خروجنا من المدرسة فقط خلال خمس دقائق فقال : إلى أين؟ فأشرت إلى الجهات التي ستسلكها الطالبات والمعلمات فقالا لي: هذه وهذه سأساعدكم ، ولكن هذه وهذه لا نستطيع خشية عليكن من غضب المستوطنين، لأن اليوم ستجري مراسم دفن الشيطان الرجيم إلى حيث ألقت، وسيكون ذلك على عاتقك ومسئوليتك وفي هذه اللحظات توافدت حافلات المستوطنين التي تخالها كالشرر المتطاير كأنها ستهوى بي غير عابئة بتعليمات الشرطة بالعودة من هذه المنطقة وعدم المرور حتى سيارة الإسعاف المجردة من الرحمة والإنسانية، كادت تدهسني من شدة سرعتها لولى رحمة الله ولطفه وركضي للناحية القصوى من الشارع وخلت أحد المستوطنين في إحدى السيارات تململ يمنه ويسره بأنه يستل مسدسه ليصوبه نحوي لأني الوحيدة في المنطقة خارج البيوت من رهبة الموقف وغذيت الخطر نحو المدرسة لأنقل الخبر لزميلاتي الفاضلات والتداول لتنظيم وترتيب أمر المغادرة على جناح السرعة والانسلال دون أن يشعر بنا أحد لأننا سنمزق صمت المنطقة ونحرك سكونها بتأمين سلامة وصول الفئات التي تقبع بيوتهن ضمن المنطقة الحرجة عند أقارب أو زميلات عبر الأزقة والأسطح المخفية.

وذات يوم توافدت الطالبات باكيات نائحات ولدى استفساري عن السبب تبين أن جنديا خسيسا لا أخلاقيا قابعا في منعطف بباب المدرسة يتصرف تصرفات لا مسؤولة مع الطالبات، الأولى طلب منها خلع مريولها فرفضت فطلب منها رفعه حتى يفتش بنطالها. والثانية أدارت بوجهها على الحائط وهددها أن استدارت سيربطها بالجيب العسكري ويجرها عبر الشوارع وأخذ يفتش بنطالها ويطرح محتويات حقيبتها أرضاً.

والثالثة فتح أزرار مريولها منطقة الصدر ورحمة الله إنها كانت ترتدي تحته بلوز ثقيل والرابعة من جزعها تعثرت به وهو منطوي أرضا ولم تدري أنه جندي مسلح إلا عندما دخلت نبوبة سلاحه خلال بنطالها من ناحية القدم وأحست ساقها به وحينها ازداد ذهولها ونهضت تنفض كتفها وثيابها من الأتربة التي علقت بها ، والخامسة، والسادسة، لغاية الخامسة والعشرون كان يفتش جسدها ويتحسس صدورهن وهو يضع لثاما أسودا على وجهها، وعلى هذه الأحداث توجهت مع السكرتيرة والنائبة وزميلتين اخرتين إلى مركز الشرطة القريبة منا لإبلاغهم بهذا الاعتداءات اللاإنسانية مع هؤلاء الطفلات وطلب منا التعرف عليه بعد إعطائهم الوقت والشكل والهيئة التي شاهدته بها الطالبات ووعدوا بعدم تكرار ذلك.

وفي يوم آخر بعد انتهاء فعاليات الصباح ولا زلت ممسكة بالميكرفون فإذا بصوت يستنجد ويناديني بالاسم فقلت : لبيك أختاه وهرولت مسرعةً فإذا بزميلة تركض وخلفها جندي لئيم يلحق بها يريد منعها من الدخول للمدرسة وعندما رأتني استأنست وتنفست الصعداء واستوضحنا الأمر فقال: خمسة دكيكة ولا ولد بدي أشوف فأجبت، ما في ولا ولد كلهن بنات صغار لا حول ولا قوة لهن وغير مزعجات ما الداعي لذلك ؟ فقال كله بروخ خمسة دكيكة بس وأصر على أخذ حقيبة المعلمة كرهينة لديه فأشرت لها بعيناي بما معناه الرفض "لا تعطيه" واقتربت منها متناولة حقيبتها منها لا لا عيب عليك. وواصل إصراره ففتحنا الحقيبة وأخرجنا منها بطاقة الهوية فأخذها وقال : سأبقى هنا حتى تخلو المدرسة فاستفسرت من زميلاتي أي الشعب حضورهن أقل عددا في ذلك اليوم فقلت سأستغني عن تلك الشعبة وأخرجها مع المعلمة حيلة على الجندي المحتل والباقي يتابع المسيرة التعليمية إلا إذا لم يقتنع يكون تصرف آخر، وهاتفت قسم الطوارئ في المديرية وعرضت الفكرة عليهم ، فقالوا كما ترين فأنت سيدة الموقف وإذا رحمة الله هلت علينا فرأينا بباب الساحة مجموعة من أعضاء حركة السلام يجادلون اللئيم وأخذ ينظر إلى طالبة معاقة حركيا، حضرت للتو على كرسي متحرك فاستذنب نفسه وكأن ضميره أنبهه فأعطى بطاقة الهوية لأجنبي من حركة السلام فشكرناهم ودعوناهم لاحتساء الشاي أو القهوة لكنهم رفضوا وغادروا المكان متمنين لنا السلامة.

وذات صباح لم تنشر أشعة الشمس خيوطها الذهبية في أرجاء المعمورة بعد، توجهت للعمل سيرا على الأقدام سارحة الذهن بجدول الأعمال لهذا النهار ودخلت البلدة القديمة مخترقة أول قنطرة تؤدي إلى طريق مسقوفة وعلى حين غرة رمقت شيئا ما يقف بمحاذاة كتفي فتسمرت في مكاني وجال نظري مستديرة للخلف فإذا بآخر يقبع في زاوية مظلمة والاثنان يصوبان السلاح نحوي مع الارتباك الذي اعتلى وجهيهما دون حراك أو همس فقد حل الخوف بي وارتجفت أوصالي، لكن في بعض الأحيان علينا أن نخفي خوفنا حيث كان الصمت مطبقا مثيرا للوحشة في النفس ولا رابع لنا في المكان سوى سلاح الإيمان بالله العلي العظيم .وبعد هنيهة تململ الاثنان وأخذ أحدهم يضحك ضحكة صفراء وعندها قلت مشيرة بيدي شوفي شوفي لا بد خوفي فرد بهمسات عبرية فسرتها لم نطلب منك شيئا ولماذا هذا التوتر وحدقت بهما مليا وأشحت بوجهي عنهما متعكرة الدم لكن الإنسان يزداد قوة مع الغضب وواصلت المسير فإذا بثلاث طفلات متوقفات عن بعد فتحدثت إليهن لا تخفن هيا واصلن السير فإذا بهن يحذرنني من آخرين يفتشون الأمتعة والهويات وما تراءى لهم، فرددت عليهن ما علينا لا أحمل شيئا فإذا برجال وشبان وأطفال ينتظرون بطاقاتهم وحقائبهم التي يلقى بمحتوياتها أرضا
فاندفعت غير عابئة بهم ولا ملتفتة إليهم مكمله طريقي بخطى ثابتة يستوقفني أحد منهم والظلام يلف المكان سوى بصيص ضوء ينبعث من فتحة عبر الجدار وقلت في نفسي يكفيني المشهد الأول لم يهدأ روعي بعد وإذا بمجموعة أخرى كأنها أعمدة دخان أو أشباح بلون الرماد تتجه صوب الداخل والخارج وهذا يوم لا حظر للتجول فيه فكيف يوم حظره.

سميرة اسحق علي ابو خالد ـ الخليل ـ فلسطين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى