الجمعة ٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٦
أهم محطّات الدراما التاريخية السورية

من الزير سالم لملوك الطوائف ..

محمد يسري

كانت معرفتي الأولى بالدراما التاريخية السورية في عام 2000، وقتها أتيحت لي للمرة الأولى أن أشاهد وأتابع المسلسل السوري (الزير سالم) من تأليف وكتابة ممدوح عدوان ومن إخراج حاتم علي.

كانت تجربة متابعتي لهذا العمل تجربة غريبة ومثيرة في الوقت ذاته ، فللمرة الأولى أشاهد مسلسلاً تاريخياً غير مصري، أتذكر أني وجدت صعوبة كبيرة حينذاك في فَهم اللكنة السورية كما أني لم أكن مستعداً في ذلك الوقت لتغيير الشكل النمطي الذي تعودت عليه في تلقي العمل الدرامي التاريخي العربي ، ذلك الشكل الذي أستقر في ذهني ومخيلتي من جراء متابعتي السابقة للأعمال الدرامية التاريخية المصرية التي كانت منتشرة في القنوات التلفزيونية المصرية مثل مسلسل الفرسان ومسلسل الأبطال ، ناهيك عن الأعمال التراثية مثل السيرة الهلالية والأعمال الدينية التاريخية مثل مسلسل الإمام الطبري والإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان .

ولكن بعد متابعة عدد من حلقات الزير سالم، وجدت نفسي وقد انجذبت بشكل تلقائي للعمل وأصبحت حريصاً على متابعته ومشاهدته خصوصاً بعدما اعتادت أذني على وقع اللغة العربية الفصحى ذات اللكنة الشامية التي يخاطب بها أبطال المسلسل بعضهم بعضاً.

ولم ينته شهر رمضان في ذلك العام إلا وقد عرفت أني أصبحت أسيراً لذلك النوع من الدراما التاريخية، وتأكدت أن مسلسل الزير سالم قد أضحى بمثابة بوابة عبور لي لمعرفة الوجه الآخر من الإبداع الفني التاريخي السوري.

وفي عام 2001 تابعت مسلسل صلاح الدين الأيوبي، ذلك العمل الضخم الذي قام بتأليفه د. وليد سيف وأخرجه حاتم علي، حينها تأكدت أن شغفي بالزير سالم لم يكن مَحض صدفة وان إعجابي بالدراما التاريخية السورية – الذي تحول إلى هَوَس في ما بعد – لم يكن إعجاباً مؤقتاً.

في مسلسل صلاح الدين تأثرت جداً بالنص والسيناريو والحوار، فلم يكن د/وليد سيف في هذا المسلسل يكتب سيرة بطل إسلامي كبير وحسب بل كان يؤرخ لفترة من أصعب وأكثر اللحظات الحرجة في تاريخ الأمة الإسلامية، كما إن تجربة حاتم علي الإخراجية في هذا المسلسل كانت تزداد صقلاً وجودة وامتيازاً.

ومع إبداع الكلمة وكفاءة الإخراج، كانت باقي عناصر العمل الفني تزيدني انبهاراً فوق انبهار...فالتصوير والإضاءة والمكياج كانت تزيد العمل قوة ويقربونه جداً من تقمص روح العصر الذي جرت فيه أحداث المسلسل ...كما أن الموسيقى التصويرية للمبدع طاهر ماميللي قد أضفت على المسلسل أصالة وروحاً خلاقة إلى أبعد حد.

وفي العام نفسه، أعلنت شركة (سوريا الدولية للإنتاج الفني والتوزيع) عن نيتها لإنتاج رباعية درامية تاريخية أندلسية تحكي فيها المحطات الرئيسية لتاريخ الأندلس من الفتح إلى السقوط.

وكم كانت فرحتي كبيرة عندما عرفت أن الشركة المنتجة قد أسندت تأليف تلك الرباعية للمبدع وليد سيف كما أسندت مهمة الإخراج لحاتم علي.

في رمضان عام 2002، بدأت أذاعة أولى أجزاء تلك الرباعية بعرض مسلسل (صقر قريش)، والذي تناول سيرة عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الذي إشتهر في التاريخ ب (عبد الرحمن الداخل)

تناول المسلسل تلك الرحلة الملحمية للداخل وكيف إستطاع الهروب من تعقب العباسيين الذين وصلوا إلى السلطة عام 132 هـ ...وكيف استطاع أن يدخل الأندلس فيخضعها لسلطانه ويقيم بها دولة أموية جديدة وأن يعيد إحياء دولة آبائه الغابرة في المغرب بعد أن سقطت وانتهت في المشرق.

أما في عام 2003، فكانت الحلقة الثانية من الرباعية حينما تم عرض مسلسل (ربيع قرطبة) الذي تناول قصة محمد بن أبي عامر المنصور...ذلك الفتى الذي إستطاع أن يستخدم طموحه ومواهبه وكفاءته النادرة في أن يصل إلى أعلى مراتب السلطة في الدولة الأموية ...إلى الحد الذي جعل المؤرخين يطلقون على حقبته إسم (الدولة العامرية) بالرغم من استمرار وجود الدولة الأموية.

وفي عام 2005 كانت الحلقة الثالثة من الرباعية حينما تم عرض مسلسل (ملوك الطوائف) الذي تناول قصة تشرذم المسلمين في الأندلس وتحول الدولة الواحدة إلى دويلات منفصلة ومتناحرة مما أعطى الفرصة لصعود نجم وقوة ممالك الشمال النصرانية الإسبانية المتحفزة.

لم تكن تلك الأعمال الثلاثة أعمالاً عادية، ولم تكن مجرد مسلسلات قد تم إنتاجها بغَرَض الترفيه وإعطاء الدروس والمواعظ والحكَم بل إنه يمكن أن نعتبر أن كل عمل من تلك الأعمال كان عملاً سياسياً فكرياً بامتياز، فكم من سؤال صعب قد تم طرحه فيها وكم من قضية فكرية قد تمت مناقشتها.

فإذا ما أردنا أن نناقش تلك الأعمال من وجهة نظر سياسية نقدية وجدنا أن د/وليد سيف قد طرح عدداً من الأسئلة (المسكوت عنها) في تلك الفترة والتي لم يكن من الممكن أو المتاح أن يتم طرحها بشكل مباشر وصريح في ذلك الوقت.

كان وليد سيف يسقط الماضي على الحاضر ويسقط الحاضر على الماضي بشكل فريد ومتميز بحيث أن المتتبع الجاد لتلك الأعمال يجد أن الماضي وقد أصبح متجسداً في حاضره.

عن علاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة الحاكم بالسلطة ...عن الإختلاف بين المثال والتطبيق وكيف يتحول الثائر الحالم المطالب بالديموقراطية والمساواة إلى ديكتاتور مستبد إذا ما وصل إلى السلطة

هل الحق والحقيقة شيء واحد؟ وهل هما وجهان لعملة واحدة؟

هل ما يحدث في قصر الحاكم هو ما يطلبه رجل الشارع؟

هل هناك طريق واحد للوصول إلى السلطة؟ فاذا ما كان هناك طريق واحد ...فهل هو طريق صقر قريش الذي اعتمد في الأساس على أسمه ونسبه أم أن الطريق هو طريق المنصور بن أبي عامر الذي وصل إلى ما وصل إليه بعدما كان مجرد فتى بسيطاً من حصن (طرش) خامل الذكر معدوم النسب؟

هل الحق الإلهي هو الطريق أم العصبية القبلية والفتوة والمَقدرة الفردية؟وما السبب في ضعف الدولة وانهيارها وتراجعها أمام أعدائها...هل السبب يكمن في ديكتاتورية السلطة؟ فلماذا إذن كانت الدولة الإسلامية في الأندلس قوية في عهود الداخل والناصر والمنصور ولماذا ضعفت في عهدي المعتضد والمعتمد، رغم إن جميع تلك الشخصيات التاريخية كانت شخصيات ذات نزعة سلطوية ديكتاتورية لا أثر للشورى والديموقراطية فيها.

وأمام كل تلك الأسئلة تجد نفسك أمام تاريخ الأندلس الغابر تشاهد أوقات العَظَمة والقوة والسلطان ثم بعدها تطالع أزمان الضعف والتردي والخذلان، فما تملك إلا أن تنظر إلى حاضرنا وواقعنا المؤلم الذي يشبه كثيراً أوقات أفول نجم المسلمين في الأندلس.وما زلت حتى الآن أنتظر خبراً أو معلومة تفيد بإنتاج الجزء الرابع المتمم للرباعية ...ذلك الجزء الذي يحكي قصة السقوط الأليم لغرناطة حاضرة المسلمين الأخيرة في الأندلس...ذلك الجزء المعَنوَن بــــ (خريف غرناطة).

محمد يسري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى