السبت ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٥
بقلم ريان الشققي

هنا... وهناك

لا أدري عنك وعنه وعنها وعنهم ولكنني أشعر (فرضيا) أنني إذا لم أراجع نفسي ولم أرجع وأتمسك ببعض الثوابت فسيجرفني التيار من هنا إلى هناك في الجهة الأخرى التي يمكن أن أرضى عنها كل الرضى عندما أصل إليها وأتقمصها أو تتقمصني، وذلك إما عنادا ونكاية بما هو هنا من التبعية والانكسار أو حقيقة وانبهاراً بما يكون هناك من الزخرف والتناغم الظاهر بين أسباب الحياة.

وهنا تحمل تبعات واقعية مظلمة على النفس وعلى الأرض، وهناك بأقصاه يمثل الانجراف الأعمى والمصيبة بالنسبة للأمة العربية والاسلامية، فما هنا وما هناك وما يكون بينهما، وأين ينتهي مفترق الطرق الذي طوق هذه المنطقة وحاصرها زمنا غير يسير وكأنه ليس له نهاية، فهنا يتمثل بهذه العقيدة الصالحة والتعليمات الربانية الرصينة ممزوجة مع تلك العادات المترسبة منها ما هو جيد ومنها مما عفى عليه الزمن، بالإضافة إلى أفكار محبوسة مكنونة لا تلقي للدنيا بالا سوى المصالح الفردية والتكاسل عن السعي للرقي بالمجتمع ثم العوائق الاجتماعية والعثرات الفكرية المكبوتة.

وهناك يتمثل بآفاق سريعة الوتيرة تحت حرية مزعومة وتفتح واسع نحو الحياة مما رسمه من سبقنا إلى فضاءات العلم وقوانين الحياة وحقيقة التصورات والمصالح الإنسانية المادية، ممزوجة بعطور من صنعهم وعادات من تصورهم وإبداعهم وأسس لا تبقي إلى الأخلاق المعهودة سبيلا، وقلب لحقائق راسخة عمن هو العدو ومن هو الصديق، ومصالح متبادلة تذعن للأقوى وتخفي من طريقها مبادئ كانت مسيطرة على العقول، وفي المقابل ما بين هنا وهناك يمكن أن يكون بذرة لما يطمح إليه الإنسان ويحلم به ويعمل على تطبيقه حسب قدراته وما تهيأ له من أدوات على الطريق الصحيح القويم دون الضرر أو الضرار ما أمكن، وهذا طريق طويل قد لا يكون له نهاية محددة لأن الوصول إلى الهدف يكمن فوق التصورات الحالية ويبعد أميالا عديدة عن محطة التزود بالعضلات المناسبة وبالروح الوثابة إلى الحقيقة، وهذا لا يمنع من التخلص من التبعات والمضي قدما إلى الطريق الذي يوصل ما بين هنا وهناك، والشعوب تحتاج إلى تقدم ورقي نحوالأفضل وليس إلى تغيير بالثورة والانقلاب لأن الأخير يهز الكيان ويتمخص عن أسس قد لا تحمد عقباها ولا تكمن صائبة في استمرارية الحياة نحو الأفضل للعباد بما يرضي رب العباد، وقبل أن نتحرر علينا الانسجام مع الحياة ومع أنفسنا ومع الدنيا والطبيعة. الطريق طويلة! طويلة!

استدرار. من الحكمة أن نتوخى الحذر ولا نجعل التطلع نحو الحرية شهوة آنية وغريزة جامحة نركبها ونطارد بها ، بل تحتاج إلى سهرات وتحليل ومتابعة متزنة في الطريق الصحيح والهادئ، فمقدماتها موجودة في الفكر والنهج عدا الوعي الناضج والتطبيق، ونرى بالمقابل أنهم يريدوننا أن نخاطبهم بأدب وديمقراطية أما هم فيخاطبوننا بالتهديد طوراً وبالنار والسلاح طوراً آخر، وأصبح الشرع من الضغوط ردات فعل لا منهج لها على المدى الطويل، وهل على من يريد التغيير مثلا أن يسلك الطرق السلمية فقط حتى يجمع أكبر عدد من الأصوات ويؤلب العالم على الصهاينة لانتزاع الحقوق المسلوبة عن طريق المؤسسات الدولية والإجماع الدولي، ومن جاء بالصهاينة إلا هذا العالم الظالم! ونبقى ننتظر الشفقة من الجلاد وسنبقى ننتظر إلى آخر فرد في الأمة.

تفكير نمطي. إذا ردَّ أحدهم كان من كان الصاع صاعين للعدو فأنا سعيد، هكذا يفكر البشر بالغريزة ولو كانوا لا يؤيدون الأسلوب. هذا تفكير نمطي سائد إن شئنا أو أبينا، ولا ننسى بأننا بشر ومحكومون بشكل جزئي بالعواطف والأهواء التي تسري على بني البشر من التشفي إلى الانتقام إلى الشماتة وغيرها من الصفات، ومن الممكن جدا أن يكون هناك فرق بين ما يعتقد الإنسان من تشريعات وقوانين وأحكام وبين ما يشعر به، وهذا ليس بمناقض للطبيعة البشرية وبالأخص في ظل تبعات الأحداث المتوالية والمتكدسة بسرعة البرق. مما لا شك فيه أن مهمة كبرى في عقل الإنسان ألا وهي الربط ومعه التحليل والوصول إلى قناعات قد لا تصله عبر محاضرة أو كتاب أو رأي من الآراء من المحللين. والربط هو من المهام المنوطة بالعقل والتي تطغى على الإنسان من خلال عقله الباطن دون وعي منه فتتطبق الأفكار وتتحلل ثم تنضج إلى قناعات وأسس، ولا تتغير هذه القناعات والأسس لحظيا وبسهولة فعليها أن تتراجع وتعيد التنضيد كما تراكمت وذلك بوجود الأسباب الي تجعلها تتراجع أو تتغير.

التفاعل المعاكس. قرأنا وعرفنا وتكلمت النظريات أن القوي يصدر أفكاره إلى الضعيف، ولكن من هو القوي ومن هو الضعيف، هل القوي من يملك زمام المبادرة العسكرية والتفوق العلمي والتقني والمادي، أم هو من يملك الثوابت الراسخة في المعتقد وإن كان في ضعف مادي، والمسالة نسبية ولا تقاس على مرحلة لحظية أو في مواقف محددة الأفق والأطر، سؤال مطروح لنرى هذه النتائج التي وصلت إليها حالة الواقع الآن فبدل أن ياخذ العالم (المتخلف) من مقومات العالم (المتحضر) مقومات التقدم والحضارة الحديثة تم نقل أساليب الأمن والقمع رويدا رويدا إلى مجتمعات لم تكن لتحكم بالأمن لفترات من الزمن حيث ساد الاعتقاد بأن مثل هذا التفكير ولى دون عودة وعفى عليه الزمان بعد الوصول إلى الرقي الفكري والمنظومات والتفاعلات الإنسانية المتبادلة.

المطبخ الخلفي عبء على الأحفاد. هؤلاء هم المحافظون الجدد جروا الأمة الأمريكية إلى حافة الهاوية في حرب معلنة عبر العالم أجمع وفي حربين متتاليتين، ولحظة بلحظة تنجرف هذه الحافة وتأخذ معها الشعب لأجيال عدة، والأمر ليس أمر حرب للتخلص من مجموعة صغيرة من البشر هنا وهناك، إنما حرب ثقافية بين خير وشر، وحضارية بين من يسيطر على مقدرات العالم، فهل هذا واضح للعيان، ربما لا ، فأين الخير وأين الشر، هذا هو مكمن الأمر في هذه القضية، ولا أدعي معرفة جميع ما يجب معرفته فالأمر قابل للنقاش وأخذ الآراء، أما الثوابت فلا مراء فيها في رأيي، ولي رأيي كما لغيري رأيه، وأرجح أن أجزم أن أي شخص في العالم العربي والإسلامي يؤيد أن الحرب على الإرهاب أخذت منحى لا يتفق مع الثوابت فهل هي فرصة وغنيمة كبيرة للانقضاض على القيم العربية والإسلامية بحجة التغيير، والإنسان هنا يقف في حيرة من أمره فيما يتعلق بالحرية وما هي الحرية التي يريدها: أهي حرية الاعتقاد والسلوك للجميع، فما يربد المجتمع بأصله وأسسه لا يجب أن ينتهي من أجل حرية مزعومة تقضي على الأخضر واليابس لكي تعطي أخضرا قائما على أسس واهية وأساليب مائعة ترقى بالجيب وتنأى بالأخلاق إلى أسفل سافلين.

استهدام. قامت حروب وحروب على مر التاريخ لأسباب مختلفة وأعذار متباينة إلا أنه لا يمكن للحرب هنا إلا أن تكون قبيحة قبح وجه هذا الاستعلاء الفاضح والعنجهية الخرقاء. وأنت لا تعادي حفنة من البشر فقط لكنك تعادي الأعراف البشرية السائدة والقيم الإنسانية الرائدة في دعوى الحرب على من هم ضد الإنسانية، وهل يكون الاحتلال البغيض والاستعمار السافر إلا استهداما ونقيضا للثوابت الإنسانية.

الإشكالية الكبرى. المعادلة المترابطة في فهم الحرية في العصر الحديث. المتراجحة الموزونة تتردد في الأوراق الإعلامية وعلى الشاشات وفي ذبذبات الإرسال والاستقبال. إنها تلك الحرية: الحرية تساوي التعامل والتطبيع مع إسرائيل! الانطلاق في الحياة الحرة المتقدمة تعادل عدم معاداة السامية! عفوا عدم انتقاد الكيان الصهيوني أو خدشه بكلمة. ومهما كان من إيجابيات قانون تصنيف الدول سنويا على أساس معاداة السامية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية حسب زعم بعض ناشطي حقوق الإنسان فإن هذه السابقة أسوأ من الفيتو الأمريكي المتكرر لصالح الكيان الصهيوني. لماذا ترتبط الحرية بالتعاون مع هذا الكيان، ألا نستطيع أن نجعل الحرية في مكان والتعامل مع هذا الكيان الغاصب في مكان آخر ، أم أن الطريق محفوفة بالمخاطر نحو أي ضوء في هذه الحياة، لماذا لا تكون الحياة منقادة بطريق إلى الأمام ولا تتعرج وتتفتق عن مفاجآت لا يحسب لها حسابا فتتعقد الأشياء والمسائل ويصبح الإنسان حيرانا أيها يأخذ ليفلح في الدارين أو على الأقل في إحدى الدارين.

العملاق. أراهم قالوا هل نوقظ العملاق ونلجمه أم أنه يتململ رويداً رويداً للوقوف من تلقاء نفسه فنسبقه إلى الصراع ونصرعه. لا تجرح العملاق، لا تغضب العملاق، لا تدوس على طرف ردائه، لا تتقمص دور المحرر والمنقذ من التخلف والهمجية، ويا ترى من يحرر من؟! هي النفوس الطرية والقاسية لا تدري من أين تنبع العقيدة، وتتطور السبل وتخرج المكنونات في سبيل الصراع الأبدي، وأنت لا تجرح الناس ولا تجرح العباد ولا تجرح الحدود ولا تجرح الأرض والأقطار فحسب، أنت تجرح عقيدة ودين سما وسما وأبى إلا أن يتم الله نوره رغم الأسى رغم الألم رغم أنواع العذاب، وهذه هي سنة الكون وإن اعتقدت غير ذلك وإن خططت إلى غير ذلك.

شكرا يهود، شكرا احتلال، شكرا على الهدايا القيمة، دبت الروح من جديد وتتوجت صحوة النفوس على الأخطار، والوعي بما يرسم لها وما يحاك ضدها، ألا يكفي هذا الدمار والمعاناة الإنسانية اليومية في فلسطين، ألا يكفي دعم الكيان الصهيوني اللامحدود، ومع هذا لم يكنّ البشر العداء للشعب الأمريكي لأن هذا الشعب لا يعرف ما هي الحقيقة فالشعب مغيب عن حقائق ومشبع بحقائق ليست بذات حقيقة، أما أن تقوم القوات الأمريكية نفسها التابعة للشعب والممثلين المنتخبين من قبل الشعب بعدوان وعدوان فهذا ما لم تعد تطيقه الشعوب الأخرى ولن تهدأ حتى ترى الأمور في نصابها من العدل والحرية الحقيقية.

إرهاب معلوم بالضرورة. مثلما ادعيت أنك تجفف منابع الإرهاب في العالم فعليك أن تجفف منابع الإرهاب العلني الذي تقوم به القوات الاسرائيلية في فلسطين المحتلة الجريحة وفي العراق المكلوم، فالجمعيات الخيرية حسب ادعاءات لا نعرف صحتها تبتز أموال بعض المسلمين بالعاطفة والإحسان لدعم الإرهاب، وأما الإدارة الأمريكية فإنها تبتز الشعب الأمريكي بشكل رسمي ومنظم في دعم مخططات إرهابية وعمليات تطهير عنصرية وإزاحة شعوب مثلما في فلسطين، فلا فرق إذا، فلماذا يشبعون البشر وطنيات وقوميات وإنسانيات وغيره وغيره ثم يأتون على مرادهم من الأمور والقضايا، هل هي القوة والعجرفة أم الاستعلاء والتمكين ، وهل هذا حتى حين؟!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى