الثلاثاء ١٢ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم رشا السرميطي

أنت لم تقصِّر، لكنَّهم مقصرُّون!

أعذرني أيُّها السَّهم، ما اعتدت منِّي تسديد الكلام، ولم أخنك! أيا حبري، يوم عاهدتك على صياغة الصِّدق مني، ليكن ميثاق حوار بيننا، نرابط به لأجل الكلمة الشَّريفة، وعشَّاق حروفها، فوق أسطر الكتمان. لعمرِّي على غير الصَّراحة والوضوح لا أفترش كي أنام، ولابدَّ في المجهول، أنَّك لن تنصفني. عبارات أنت تجهلها، أو بقيَّة للكلام كبلَّها قيدُ الكفِّ بالحرمان، ولست تعرف ما لم تكتبه الخناجر على صدري بلا أقلام، ولا رأيت آثار أقدامهم التِّي دنَّست عجز المكان، وما جُلدتَّ بسياط الحقيقة أبداً في كهف لحظة، ضيَّعتُ بها الأمان.

بكيت على حالنا، وإنثال الدَّمع منصبَّاً يغسل بدفئه وجه الورق، في شتاء عمر قارص، عصفت به أفكار الأرق عابثة بهدوئي، بلا شريك يعينني على ثقل حملي، وحسبي مولاي لا يظلمني. كان وهم كلينا، ولم نكن كما كنَّا حذرين، عندما انتصرت الغفلة علينا، يوم نسينا دفع الثَّمن مسبقاً، وركبنا بساط الريح، متجولان فوق مدن أحلامنا، وكم ظنَّنا بأنَّ الحياة مليئة بالطيِّبين.. حتَّى خابت ظنوننا، وكثر الخبيثون بيننا! محال أن نعرف النَّاس، قبل تجربتهم في الشدَّة والرَّخاء! فلا تطالب قلمي مزيداً، ولا تستقرئ من سكون الحرف ضجيجاً عتيداً.

كانوا متسلِّقين إليك من خلالي، كذبوا وقالوا: أنَّ الممكن لن يستحيل، وبي، كان القرب متتالياً، حتَّى بلغت، فعرفت، وليتني لم أبالي. وكيف للنَّبض أن يسهب في البوح مزايدة، أصدرت بحقِّها مرسوماً محرَّماً، وفي حضرة السُّكوت منهيٌ عن الكلام، وأين الصَّفح! أيا نفسي، إذا ما بقيت سنابل الوجع تكبر سهولاً في داخلي، والألم مدحوراً في الصَّدر، ما هزَّته مناجل النِّسيان؟
دعني أخبرك بأنَّ أحاديثنا، ما كانت مريضة. لقد زرعنا طريقنا في الحبِّ والأحلام، وصفاء النَّوايا وحسن الإقدام، وأخذنا بالصِّدق نروي جنائن الحديث بوئام، لكنَّنا عند الحصاد، تفاجأنا ببور الكلام. أتظنُّها مواسم أنضبت آمالنا، ولها علينا حقُّ الإحترام؟ أم أنَّها آفات تفتك بالغرام! أليسَ الهوى أصل الحوار، والحسد مذموم أيُّما مدار، والحديث بين أطرافه محببٌّ.. فلماذا الصَّمت بهذا المقام؟ وما الذي جرى لنا وبقيَّة الأسقام؟

لا عليك، دعك من الحدث والمحدثين، فلقد أطبقت شفاهي في حالة من الغثيان، ولن أتقيَّأ الحرف مصفرَّاً بعد الآن. سوف أداوي تلبِّك ما لم تهضمه معدة أذناي، من الأقوال والأفعال، كي أنسى، وربما لا أنسى، فلا أسمدة قد تنقذ محصولنا، ولا مانع لدي من قبول خسارتنا هذا العام، فبعض الخسائر مكاسب، صدِّقني! ولا تسل الأوراق أن تعوِّضنا ما تكبدنا فقدانه من الأفكار. لنا عزاء في الهجر والحزن، أنَّنا في الشَّدائد عرفنا بعض الأسرار، وانكشف الزِّيف عن المزَّيف، حتَّى وُضح لنا وجهه الحقيقي، عارٍ بلا ستار.

أنت لم تقصِّر، لكنَّهم مقصرون! ولأنَّك لا تعرفهم، وأنا التي أصبحت أعرفهم، دعني أكتب إليك، وأقول: لا شيء قد يغضبني أكثر من الكذب، والإستماع لحديث البرمائيين من البشر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى