الأحد ٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم محمد رشيد ناصر ذوق

إنسانية الإنسان بين النطق والكتابة

أخطا العديد من المفكرين و الكتاب عبر التاريخ القديم و الحديث ياعتبارهم ان إنسانية الانسان تتجلى بكونه حيوان ناطق.

فجميع الحيوانات و الطيور و حتى الحشرات هي مخلوقات ناطقة ، و لقد اثبت العلم الحديث هذه الحقيقة فلم تعد تخفى على احد.

نستطيع ان نتلمس هذه الحقيقة الجلية في آيات القران الكريم الذي يقول ((وَ وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ )) ، فالطير له منطق - ((حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لَا يَشْعُرُونَ)) ، و النملة تقول لغيرها من النمل ادخلوا مساكنكم ، مما يعني ان لها لغة تتخاطب بها ، من هنا نفهم ان كل مخلوقات الله لها لغتها الخاصة بها، فهي مخلوقات ناطقة و ليس الانسان وحده الناطق ، و ربما ايضا ينطبق عليها ما ينطبق على الانسان من لهجات و اطياف لهذه اللغة ، واختلاف بطريقة إخراج الاصوات ، فلغة الحيوان ايضا فيها ما يشابه هذا الترتيب ، ففي عالم الطير ربما يوجد لهجات عديدة للغة واحدة ( قوامها الزقزقة و الصفير و الطنين و غير ذلك ).

و الإختلاف في لغة ما بين ابناء هذه اللغة يسميه القرآن الكريم اللسان ، وهذا ما يعني طريقة النطق و اللهجة ((وَ مِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ )) ، فاللسان هو اللهجة التي يتم النطق بها لهذه اللغة أو تلك من لغات المخلوقات ، و اللسان يعتبر لون من الوان طيف هذه اللغة ، و كلما أقترب اللسان من اللغة الام – اشتد إعتداله بين جميع الالسن و اصابه وصف البيان ، و كلما ابتعد اصابه وصف العجمة.
((وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ))

أما انسانية الانسان فهي تتجلى فقط بقدرته على الكتابة و الرسم و في قدرته ايضا على استقراء – أو قراءة هذه الرسومات، و القران الكريم حدد هذه النقطة بشكل دقيق فقال (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )) لذلك يجب على الباحثين و الدارسين في العصر الحديث ان يتجاوزوا ما قال في موضوع اللغة ، ابن جني و غيره من(( أن اللغة خاصية إنسانية ترتبط بالإنسان دون الحيوان)).

لقد احتار أكثر الباحثين في هذا الباب ، فقال ابن خلدون مثلا (( تعتبر اللغة من جملة الصنائع لأننا نرى جودة الخط في المدن )) – فنسب جميع اللغة الى الجانب الانساني منها وهو الكتابة فقط و لكنه لم يستطع أن يحدد بشكل دقيق أن اللغة بشكل عام هي مجوع إشارات صوتية أو مرئية – عند الحيوان ايضا ، وأنها تتجلى في ارقى درجاتها مع الإنسان عندما تصل لأن تكون إشارات و رسومات مكتوبة ايضا يمكن للإنسان أن يقرأها ، مما يتيح له القدرة على التعلم وتوريث العلم- كتابة ً - دون أن يكون المعلم لهذا العلم على قيد الحياة.

إذا اللغة و طبيعتها و نوعها هي خاصية كل نوع من المخلوقات على حدة ، اي أن لكل امة لغة تتخاطب بواسطتها، زقزقة أو صهيلا او مواء ، و لا أعني هنا أن كلمة أمة تعني الامة العربية او الفرنسية بل أعني الامة الانسانية – اونوع من الطيور – أو نوع من الحشرات ، فما اتفق على انه اصطلاح القومية او الامة لا يعدو كونه شعب من شعوب امة معينة خاصيتها ان لها هدف ما من تجمعها هذا، أو ان لها صفات بيئية - بيولوجية معينة تجعلها مختلفة عن باقي الامم ، فلقد قسم الله تعالى المخلوقات الى أمم أمثالنا فقال (( وَ مَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ)) –
إذا في خلاصة القول نستطيع أن نعرّف الامة انها تجمع نوع من المخلوقات له خصائص معينة بها ، الانسان امة – ونوع من الطير امة – ونوع من الدابة امة ، كما أن كلمة أمة تعني انها تجمع مجموعة من اي نوع ما على أمر معين، يقول القرآن في ذلك ((وَ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ)) - فنسب هذه الامة لتجمع من الناس بهدف السقاية ، و ايضا قال الله تعالى مخاطبا تجمع رسوله و الذين معه ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) لانهم يتجمعون على الخير بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر ، فكلمة أمة إذا تعني تجمع ، فإذا قلنا الامة العربية لا يمكن أن نقصد بذلك نسلا أو سلالة ، أو مكان سكن مجموعة من الناس ، بل يكون معنى ذلك فقط من إجتمعوا على اللغة العربية لتكون لهم وسيلة البيان ، وهذا لا ينطبق فقط على الشعوب التي تسمى عربية بل يتعداه ليشمل عددا من الشعوب الأعجمية التي اتخذت من العربية وسيلة في بيانها ايضا، و نقصد هنا عددا من الشعوب الاسلامية و المسيحية و اليهودية الذين اتخذوا من العربية لغة بيان أو من الارامية- الارابية بمفهومها الواسع – لغة بيان ايضا، حيث أن مفردات هذه اللغة من اسماء الانبياء ، و اسماء لله الحسنى و الملائكة ثم الكثير من الكلمات المشتركة بين لهجات العالم القديم و الحديث، مما يجعل ذلك التحديد يشمل كل الناس .

إذا بما يختص بالعربية كلغة أو كلسان بيان ، فإن هذه اللغة اكتسبت خاصيتها من أن الله تعالى خلقها و علمها لآدم – الانسان الاول ، و علمها للملائكة و الجان أيضا و ارادة الله تعالى لها أن تكون اللغة التي يتخاطب بها مخلوقاته السامية، الانسان و الملائكة و الجان ، فهي لسان الالسن ، وكل ما جرى على السنة بني آدم من لهجات انما يعود باصوله اليها.

وما يجب ان نفعله تجاه هذه اللغة العربية التي جعلها الله تعالى بعد نزول القرآن لغة الصلاة ايضا – فلا تقوم صلاة بدون الفاتحة - وهذه اللعة هي نفسها التي كانت تسمى عند من سبقونا من المؤمنين باسم الارامية – الارابية ، بالإبدال اللفظي ، و التي كانت لغة الصلاة لديهم ايضا ، فالاعتقاد بها انها لسان البيان للإنسان هو الطريق الصحيح و السراط المستقيم الذي يقود الى توحد المفاهيم و القيم و الانسانية ، فنصل الى أن جميع لهجات هذه اللغة هي الالسن التي يتكلم بها جميع بني الانسان ، وان لها مركز و محيط ، فعلينا الالتزام بالعودة الى ضبط لغة المركز – صونا للفهم و البيان و التواصل بين بني الانسان .
وهذا لا يحتاج الى الجهد الكبير، أو الادمغة الجبارة ، بل كل ما نحتاج اليه هو الايمان بها والارادة في استعمالها في شتى نواحي الحياة كونها تجسد قمة العقل و لسان البيان .

إن اعتبار ميزان هذه اللغة و مقياسها هي رسالات الله تعالى الى البشر ، مما يعني بالنهاية انها لغة القرآن الكريم الذي هو آخر ما نزل من الوحي من الله تعالى ، فجمع بين يديه هذه اللغة الانسانية من اصولها الى فروعها، فجاء اعتقاد الكثير من المباحثين أن في هذا القرآن من كل لسان ، فمنهم من قال أن كلمات صلاة و صوم و رحمن .. و غيرها هي كلمات سريانية- ارامية ، و منهم من قال ان كلمة جهنم ...و غيرها هي كلمات عبرية ، و اخيرا منهم من قال بذهول ان في القرآن كلمات انكليزية مثل ...سراط ( Street ) و طريق ( track ) و قسطاس ( justice ) ... و غيرها مما يجعل من المؤكد أن كل هذه الكلمات ليست بكلمات ارامية أو عبرية أو انكليزية دخلت الى اللغة العربية بل إن العكس هو الصحيح قياسا بالمنطق السليم ، فجميع هذه الالسن هي لهجات لهذه اللغة العربية= الارابية= الارامية الام ليس إلا – وقولنا هذا بعد الذي تقدم لا يمكن ان ينسب الينا التعصب لقومية أو لهجة او مجموعة اثنية معينة بل انه القول الحق الذي فيه خير كل البشر
( الامة الانسانية الصفات، العربية=الارابية=الارامية اللغة ، الايمانية المعتقد بالله الواحد الخالق لهذا الكون بأكمله ، والدين الواحد لكل الانبياء).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى