الجمعة ١٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
أكتوبر الفرح من عام التَّغيير
بقلم رشا السرميطي

الفنَّانة رشا السرميطي في حوار مع أحمد جلاجل

 مبدعة فلسطينيَّة، جمعت في حروف اسمها معنى الحريَّة، ورسمت من خيوط الشمس صورة لظبية رشيقة الخطى. تقفز عبر الوقت وتتنقل في عمرها ما بين مناخين وبيئتين. ملأت مواسم الدفاتر بصور جميلة، وبكلمات زاهية، أفاضت على ربيع آمالها حكايات حرَّة، كما الفراشات، تباهي الورود في ألوانها وعطورها. طوَّعت الرِّيشة المغموسة في حبر النَّبض، فأخذت تتراقص متباهية فوق الزَّهور الملَّونة لأحلامها اليانعة. الفنانة رشا صاحبة القضية، التي لم تكف يوماً عن النضال ومقاومة آفات اليأس، يوم أقسمت بأن لا تنتمي للهزيمة أبداً، فراحت تسبق الزَّمان والمكان؛ كي تحقق آمالها، وأحلامها، حتى انتهت الرحلة، وآن للزرع أن يحصد غلالاً أبت إلا أن تجعل منها باقات زكيَّة التَّاريخ بمناسباتها الملونة، فكتبت بعبير السَّعادة ذكريات خالدة، لا تدرك إلاَّ بالرضا وحسن الظَّن بالله.

 عندما سُئلت الكاتبة أن تعرِّف القرَّاء عن رشا، قالت:

سألوني من أكون؟ والحرف ناطق في عالم السكون. لست سوى إنسانة، بالحب، والعمل، والأمل، مؤمنة بسعادتي.

مقدسيَّة الميلاد، والنَّشأة كانت نابلسيَّة. نهلتْ من العلم ما لا يكفي لسدِّ جوعها، وعطش الزَّهرة التي تفتحت في داخل روح تلك الإنسانة للمعرفة والاكتشاف، وما بين التعرُّف والإعتراف، مازالت فقيرة الإلمام في هذا العالم الذي طغى به جبروت أسلحة الجهل الفتّاكة، في شعوبنا العربية، على نور العلم، وانطفأت أضواء الحق، في ظل إنارة مصطنعة، جيئت بها من دول الغرب، وفرضت إشعالها في شوارع أوطاننا، وممرات مدننا، وأزقة طرقات حياتنا.

درست علم الإقتصاد، وتعلّمت بالقلم كيف تقتصد بعمرها سنوات ضيَّعها الغير بلا عنوان، فحملت على عاتق أملها عهداً بأن ترسو سفن أحلامها، وأشرعتها البيضاء، بعد طول السَّفر، في حضن عينيّْ ذاك الرجل.. مرآة الرُّوح

  من أيِّ مدينة تندرج أصول عائلتك – آل السرميطي؟

ما بين نابلس والقدس لي حكايات عظيمة.

الأولى: خمسة تكدَّست، وانكمشت، لا ألم، ولا لوم، ولا قلب يهدأ عن خفقه إليها، والأنين يعتلي قمم شهقاته الملتاعة منذ أربعة وستين عاماً بنكبة، ونكسة، وانتفاضة، والقضيَّة لم تزل معروضة للبيع في المزاد العالمي علناً. سمٌّ وضعوه في عقولنا، وأسكتوا الشِّفاه والألسنة، فبقيت الأقلام تعيش نزاع الأرض، وتستجدي صلاحاً آخر يحرِّر القدس شعباً ووحدة وفكراً. بلا تشاؤم أفصح عن رأي شخصي! فيه تذَّمر لا تأمُّر، والدال بقيت دوداً يأكل كل ميِّت. والموت حق على الأحياء كما الأشياء، والذِّكريات ستموت يوماً. الموت نهاية لكل بداية؛ هنا توقَّفت. أما الثَّانية: فكانت مدينة الحبِّ، وما بين جرزيم وعيبال، هناك الهياكل والظلال، لصور عديدة لا تُنسى - مهما أُخفيت - بعيداً عن العين، ستبقى لها في القلب موسيقى خاصة، والعقل يزخر بخرائط الحنين إليها.

بقيَّتنا هناك في المهجر، يتنفَّسون هواء الغربة، وتحملهم أجنحة الحنين بأمل ويأس على مرِّ السنين، بعنوان شاسع المعنى، وضيق المساحة. بألم تخز به الثَّواني ساعاتها، وينقضي العمر، ويبتعد الصَّحب، ويصير الأهل غرباء.

سكنت نابلس، وسكنت القدس أيضاً. والآن أقيم في مدينة القدس، وأنعم بالتجوال في زقاق البلدة القديمة، وأتنغَّم والطُّيور على صوت الأذان مرفوعاً من قباب المسجد الأقصى، نرفرف على سور القدس، ونشدو لحن الحريَّة. لي شرف الصَّلاة في مساجد زهرة مدائن فلسطين- القدس، وكم أهوى رؤية الأقواس والحضارة الشامخة رغم أنوف الإحتلال العالمي.


  أما المجالات التي تبرع بها الفنَّانة رشا:

الكتابة، فهيَ كاتبة وأديبة فلسطينية، تكنَّى بــ " عاشقة الورد ". تخفي شخصيتها الفذَّة مسيرة حياة لطالما مُلئت بالكفاح، وخوض غمار الألق والإبداع في كافة ميادين عطاءاتها وإنجازاتها الحياتيَّة. هكذا، نشأت إبنة فلسطين، رافضةً إنتمائها يوماً للهزيمة، فاستنهضت عزائمها مواجهة كافة التَّحديات لبلوغ الحياة الكريمة، بفضل ما أُوتيت من دعائم أحلامٍ راسخات، لم تنأى عنها روحها يوماً لتصبح واقعاً منغمسة به. حكت لنا عبر سنوات عديدة من النِّضال عن قصة الهويَّة الزَّرقاء، وأكملت لنا هواجس التعرُّف عن معاناة المقدسيِّين، داخل جدار الفصل العنصري، حتى صدحت حروفها عالياً في أكتوبر الفرح من عام التَّغيير بما كتبتْ:

“أنا لا أريد بطاقة زرقاء ولا خضراء

وقضيَّتي ليست لونيَّة

سلوا التاريخ عنِّي

أنا امرأة كنعانيَّة

فلسطينيَّة حرَّة وأبيَّة

وأقيم هناك.. في القدس

حيث يموت الفلسطيني حيَّاً”

 وبما يخص نتاجها الأدبيّ، حدثتنا قائلة:

أنتجت عبر سنوات عديدة - كنت بها مرتحلة - في دروب الفن المتنوعة، الكثير من الأعمال النثرية، التي نُشرت في المنتديات الثَّقافية، والملتقيات الفكرية، والعديد من المواقع والمدوَّنات والصُّحف الإلكترونية منها والورقية.

أصبحت مراسلة لمجلة ديوان العرب الثَّقافية، ومن الصحف الإلكترونية التي نشرت بها: صحيفة العرب، دنيا الرَّأي، صوت فلسطين الحُّر، المثَّقف، ومجلتيّ ديوان العرب، ومرايا، وغيرها.

 وعن هواياتها، استفاضت:
كما هويت الرسم والتصوير الفوتوغرافي، وأتقنت العمل بالأشغال اليدوية، كأعمال التطريز التراثي الفلسطيني، والنقش على النُّحاس، الرسم على الزُّجاج، وصناعة الحليّ الفلسطيني، إلى جانب العديد من الأعمال التي تعتمد في إنجازها على الإبداع في استخدام مخلفات البيئة.

 وعندما كان سؤالها عن حكايتها مع فن الخط العربي، أجابت قائلة:

لديّ مع الخط العربي هواية وحكاية، ولأنَّ "حُسن الخط أحد الفصاحتين"، فقد التفتُّ لجمالية هذا الفن من خلال مدير أعمالي: " الفنان حسام الخاروف" . حيث برع في تخطيط العديد من كتاباتي، ورسمها بخطوط متنوعة، منها: الديواني والثلث وغيرها.

حسام.. اليد الخفية التي تسهم في نجاح رشا، وتطوير خطواتها قدماً، وازدهار أعمالها. هو الشَّمس الشِّتائية التي تبعث الدفء في عالمها، وتبثّ روح التشجيع، وأكسجين الشَّجاعه، كي لا تتوقف رغم كل العقبات. وعندما يغيب الواقع عن حقائق الأشياء، ويوضع الإنسان الغير مناسب في مكان غيره، حينما يسَّلط الضوء على الزاوية الخاطئة، فتنعكس الصورة القبيحة، وتطغى الظواهر على بواطن المواقف، ويخفى على العابرين آلام الفن الفلسطيني- لا عدل ثقافيِّ وأدبي وفنيّ في وطني- إلى جانب ما يقدِّمه لها الأهل والأصدقاء، من الدَّعم والمؤازرة.

رشا بدأت بتوجيه من حسام للتدرب على كتابة الخط العربي الجميل، ولديها ورق تقوم بصناعته، من خلال فن الصَّبغ، حيث تقوم بتلوين الورق الأبيض وتحويله لورق معتَّق كما البردى، من خلال أصباغ طبيعيَّة كالشَّاي والكركم والقهوة، وأخيراً تقوم برشُّه بمادة حافظة وتكتب عليه.

 وعن تصاميمها الفنيّة كان لها قصة كفاح وتحدٍّ كانت لافتة، عاشتها الفنَّانة رشا، التي قامت بتصميم ما يقارب (الخمسون) غلافاً، لأدباء وكتَّاب من الوطن العربي، مع أكثر من دار نشر بارزة. خاب أملها مع دور النشر الفلسطينية وأودى بمآل همتها في التصميم نحو رغبة في التوقف وعدم الإستمرار، وفي تعقيب ورد بيننا أضافت:
أن تكون دار نشر في الوطن العربي، يعني أن تصير حملاً وديعاً حتى يوقِّع الكاتب إتفاقاً معك، فتتحول فجأة لذئب، وتنهش أرجاء الكاتب المالية، والنَّفسيَّة، وكذا، الأدبية. تحفظت عن ذكر العديد من القصص التي عاصرت تفاصيلها، وقالت أكتفي بالصَّمت، وقد وأشادت بنداءاتها لوزارة الثَّقافة وذوي المسؤولية بالتَّحرك لحماية الأدب الفلسطيني، والنَّهضة بالأقلام الفلسطينية، محلياً، قبل تجنيدها خارج الوطن، من غيرها، من أولي النُّفوذ.

  • يمكن متابعة أعمالها في « مجلة ديوان العرب الثَّقافيَّة » و «مدونتها على مكتوب» أو من خلال صفحتها على الفيس بوك، كما أنَّها تنثر عطر حروفها في رابطة أقلام الأدبية «عندما يجتمع الفنانون في ضروب الأدب»، حيث كان من آخر نشاطاتها، التعاون مع د. أسامة عثمان، محاضر اللغة العربية في جامعة القدس المفتوحة، والفنان حسام الخاروف المبدع في فن الخط العربي.

وفي تعريف لها عن «رابطة أقلام الأدبيَّة» قالت: نحن صفحة ثقافية، تُعنى بالأدب، والأقلام العربية في الوطن العربي. نسعى لتضافر جهود المثقفين، في أروقة الأدب كافة، بغية الإرتقاء بالكلمة العربية.

 ما هي النَّشاطات التي تقوم بها رشا إلى جانب إهتمامها الجلي بالفنون؟

كان للعمل التَّطوعي نصيباً لا يمكن إغفاله في حياتها العمليَّة، فانخرطت به بمشاركتها مع المؤسسات الشبابيَّة، والجمعيات الخيريَّة، التي تسعى للرقيِّ بالمرأة الفلسطينيَّة، وتمكين قدراتها، وتوظيف طاقاتها، بما يدعم مسيرة بناء المجتمع، وكذلك، توظيف طاقات الشباب والأطفال بما يعود بالنَّفع على الأمة الإسلامية.

 وقد أنهت اللِّقاء قائلة: كم كان الصَّبر جميلاً في حكايتنا!
لحنين الأمل وحروفها اشتياق.. ولذاك الرَّجل، الذي روى جذور رغائبي بالحياة، حتى عادت كلماتي نديَّة، وأنبتت مرة أخرى، وأورقت نصوصاً مزهرةً، في عمرٍ جديد، يحمل عناقيد الأمل، وينثر رحيق السَّعادة على أسطر حكاياتي، شكراً لن تُحصى. وأكتفي بالله خير وكيلٍ، كفاني وسيكفينا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى