الجمعة ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

القروي

منذ أن دخل بيتنا وهو يسأل عن صحتي وصحة أهلي وجيراني:

(كيف حالك؟ وكيف حال أهلك؟ وجيرانكم؟)

وأنا أطمئنه بأنني بخير والأهل أيضًا، ثم أشكره.

سألته كما فعل هو عن أهله وأقربائه، وعن غنمه وبقراته وحقله.

شكى من قلة المطر وأن الدغل شحيح وأنه مضطر أن يشتري الشعير ليعلف غنمه.

حين يتكلم تحس أنه لا يخفي عنك شيئا، يكشف لك كلما في قلبه وكأنه طفل بريء.

كلما عدل كوفيته البيضاء، لمحت شعره الذي حرقته الشمس فغيرت لونه من السواد إلى الاصفرار، فتبين لي شدة كدحه لغنمه.

ومن كلماته البسيطة ونبرته اللطيفة الصادقة رأيت بياض قلبه وطيبة نفسه.

وبعد الغداء، اقترحت عليه أن نتمشى على الشاطئ، فرد مرحبا:

رحم الله والديك، لقد ضقت من هذه الحيطان. خذني إلى ضفاف كارون.

وعند خروجنا، خرج جارنا، فسلم عليه وراح يصافحه بحفاوة ويسأله عن أحواله وأحوال أسرته وأخوته وأعمامه.
والجار متعجب مندهش من هذا الغريب الذي يصر أنه قريب.

سرنا نحو كارون، قلت له أن جاري الذي سلمتَ عليه للتو، لم أره منذ ستة أشهر؛ استغرب وكاد أن لا يصدق.

ثم أضفت له أن أجواء المدينة تختلف عن أجواء الريف؛ وأن الأواصر بيننا توشك أن تنعدم تمامًا.

هنا لا توجد زيارات كما توجد عندكم، أزور جاري من عيد الفطر إلى الفطر الثاني، وقد يزورني كل عيدين أو ثلاثة أعياد مرة،

وقد لا تعجبه دشداشتي أو كوفيتي ذات البقع السوداء والبيضاء أو تلك الحمراء التي إن تعممت بها اتهمت بالكفر، ولذا قد يهدم

جسور الجيرة تدميرا، فتنقطع الصلة فيما بيننا انقطاعا.

وبدأنا نتمشى على ضفاف كارون وكان مد شط العرب عاليًا، وقريبي يسلم على كل ذاهب وجاءٍ والكل يرمقه بدهشة.
حتى سمعت أحدهم يهمس لرفيقه: كأنه جاء من عصر الحجر!

وسمعت قريبي يهمس مع نفسه:

بهذه الصلة التي توشك أن تنعدم، كيف تطمعون أن تعبروا جسر النار وتدخلوا الجنة؟

وبعد أن تغدينا، قال في شيء من المزاح والجد:

لقد اشتقت إلى أهلي وجيراني وغنمي وحقلي، فاسمح لي أن أرجع.

ثم ودعنا وودع غربتنا ورحل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى