الجمعة ١٦ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم حكيمة الحطري

المرأة والتنمية البشرية في منظومة إمارة المؤمنين

إن الهدف من توجيه سياسة محكمة نحوتحقيق التنمية البشرية للعنصر الإنساني ؛ جعله يعيش حياة كريمة آمنة ومستقرة بصفة مستمرة وعلى الدوام ؛ بغض النظر عن الجنس أوالعرق أوالطبقة ؛ مصداقا لقوله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
والتنمية البشرية عبارة عن توسيع خيارات الناس ليحصلوا على المعرفة
والدخل اللازم ، وكذا الاستثمار المربح لتحقيق هدفهم المنشود في إحياء حياة مديدة وسعيدة وكريمة . ومشاركة الناس في تحقيق التنمية البشرية تستدعي جهود كل الناس في المجتمع رجالا ونساء ؛ باعتبار أن الإنسان هوالعنصر الأساس والداعم لجهود التنمية . فالتنمية الحقيقية هي التي يعتمد فيها على جهود كل طبقات المجتمع وأفراده ؛ وفي هذا الصدد يمكن اعتبار مشاركة المرأة في بناء المجتمع ضرورة إنسانية لا غنى عنها ؛ وقد أكدت ذلك التوجيهات الإسلامية من خلال نصوص شرعية عديدة نذكر منها : قوله تعالى : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" وقوله صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال كما تم تأكيد ذلك من خلال المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.

واستيعابا منه للدور الأساس الذي يقوم به العنصر البشري في تطوير المجتمع نحوالأفضل ، وبصفة دائمة ومستمرة بادر أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله إلى الاهتمام بهذا العنصر الفعال ، فكانت أولى توجيهاته لتحقيق التنمية البشرية المستدامة الاعتناء بالعنصر الإنساني رجالا ونساء .

ومن هذا المنطلق جاءت الدعوة الملكية إلى توفير مستلزمات قيام المرأة بدورها في عملية التنمية ، وتوعيتها بحقوقها وواجباتها ، ودمجها في الحياة العملية وتمكينها من المشاركة في العمل مما يشعرها بكيانها وثقتها بنفسها ؛ بدءا بتعزيز دورها في مؤسسة الأسرة التي تعتبر المؤسسة الأولى لانطلاق حياة صحية جيدة للمجتمع ؛ إذا ما توفرت لديها الآليات الضرورية لتنشئة وتكوين العنصر الإنساني على وجه يجعله مواكبا للتنمية في مختلف مجالاتها : الاجتماعية ، والاقتصادية ، والثقافية ، والسياسية ....
ولما كانت المرأة تشكل محور دعامة الأسرة ؛ كان لابد من وضع السياسات ، والاستراتيجيات التي تساعدها على التفاعل مع التطورات الجديدة
واستيعاب التكنولوجيا الحديثة .

وإدراكا لأهمية المرأة ودورها في بناء الأسرة ؛ فإن الاهتمام بقضاياها جعلت ضمن أولويات مخطط التنمية البشرية ؛ باعتبارها المحور الرئيس في الحياة الاجتماعية ، إذ لا يمكن الحفاظ على أسرة مستقرة إلا إذا كانت المرأة واعية ومدركة لأدوارها داخل هذا الفضاء الفعال المنتج لأهم طاقة تعتمد عليها التنمية في تحقيق أهدافها المرجوة ؛ ألا وهي الطاقة البشرية ؛ فهي الأم المربية الأولى التي يعود إليها الفضل في زرع المبادئ والمفاهيم والقيم الإنسانية في نفوس الأطفال ؛بالنظر إلى أنهم صانعوالمجد في المستقبل . وأدوار المرأة داخل الأسرة لها صلة وطيدة بالتعليم والعمل والرعاية الصحية ، والتنشئة الاجتماعية ؛ وهذا هوالمصدر الأساس لتحقيق تنمية اجتماعية شاملة .
وإذا كانت الدعوة موجهة نحوتمكين المرأة من المشاركة الفعالة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؛ فإن ذلك لا يتناقض مع الدور الذي تقوم به داخل مؤسسة الأسرة من أجل تحقيق هذه التنمية من خلال تنشئة أفراد أسرتها ورعايتهم والعناية بهم .

وقد يتصور البعض أن صنع القرار إنما يختص فقط بالمجالات السياسية
والاقتصادية ؛ مثل التواجد في البرلمان ، أوالسلطة التنفيذية ، أوالعمل الاقتصادي ، أوالإسهام في القطاعات المالية الكبيرة وغيرها ؛ ولكن يمكن اعتبار تأثير المرأة في دوائر صنع القرار في المجتمع مقابلا لقدرتها على التأثير في القرار العائلي الخاص بأسرتها ؛ فدورها لا يقل أهمية عن صنع القرار التشريعي ، أوالتنفيذي . فالأسرة مؤسسة اجتماعية مصغرة تمثل الهيكل الأول لأوسع دوائر القرار المجتمعي ؛ ومن خلال ما تقوم به المرأة من أدوار داخل الأسرة يمكن رصد التقدم نحوالنهوض بالمرأة وتعزيز دورها ليس فقط على مستوى الأسرة بل على مستوى المجتمع أيضا .
وانطلاقا من هذا حرص جلالته على أن يكون من ضمن أولويات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دعم المرأة ، وإنعاشها قصد تسهيل مهمتها في الانخراط في عملية التنمية انطلاقا من بيت الأسرة ؛ باعتباره الفضاء الأول الذي تنطلق منه للمشاركة في الحياة العامة ؛ وذلك بتوفير مراكز للنساء تهيئ لهن تكوينات عديدة في ميادين شتى : كالمعلوميات ، والسكرتارية ، وإدارة المقاولات ، وكذلك الاستفادة من دروس محوالأمية ، والتربية الصحية والعائلية، والتربية على المواطنة ، والتوجيه النفسي والاجتماعي والقانوني.

وإيمانا منه بأن المرأة لا يمكن أن تندمج في عملية التنمية المستدامة من خلال دورها داخل بيت الأسرة ؛ إلا إذا هيئت لها الوسائل الضرورية لإعانتها على القيام بوظيفتها الأولى ، بادر جلالته إلى إعطاء أوامره السامية من أجل العناية بإنشاء دور للطالبات في مختلف المناطق المغربية. وفي إطار تشجيع
ودعم الأنشطة المدرة للدخل ؛ عمل جلالته على تدشين تعاونيات تستفيد منها المرأة من أجل رفع دخل الأسرة ، وتحسين وضعيتها الاقتصادية .

وكان للمرأة القروية نصيبا وافرا من الأنشطة الملكية التي تسعى إلى تأطيرها وتحسين وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية, وتمكينها من معارف واسعة في مجال الأنشطة الحرفية والتقنيات الحديثة ، وتحسين القدرات التربوية والتعليمية لديها .
ومع اعتبار مبدأ المساواة بين الذكر والأنثى مبدأ أساسيا لتحقيق الاندماج في التنمية المستدامة ؛ فقد تم توفير الآليات التي تساعد المرأة على قدم المساواة بالرجل ؛ على مشاركته في كافة الميادين بما يوافق فطرتها كأنثى ، وبما يلائم طبيعتها بصفتها هذه.
وتكريسا لمبدأ المساواة بين الذكر والأنثى بالمفهوم الإسلامي ؛ فقد صرح جلالته بوجود " ميادين يكون فيها حضور المرأة أكثر من حضور الرجل، وهناك ميادين يحصل فيها العكس ."

وحفاظا على الخصوصية الإسلامية ؛ أكد جلالته لبعض الجهات الغربية التي تنادي بالمساواة المطلقة بين الذكر والأنثى في كل المجالات بقوله: " لديكم في فرنسا وفي عدد من الدول الغربية الأخرى نقاش أيضا حول المساواة ...... لا أعتقد أن المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة يمكن أن تتحقق في يوم من الأيام ، ولكن ماذا تعني المساواة في الواقع ، إنها تعني الحفاظ على الهويتين الأنثوية والذكورية ؛ وذلك بصيانة كرامة المرأة والرجل معا .." .
ولعل أن التعديل الذي لحق مدونة الأسرة المغربية يعتبرأهم حدث كرس تطبيق مبدأ المساواة بما يحقق مصلحة الأسرة امرأة ورجلا وأطفالا. ولتحقيق هذا الهدف ؛ فإن جلالته لم يعتبر مدونة الأسرة قانونا خاصا بالمرأة وحدها ؛ بل قانونا للأسرة ، أبا وأما وأولادا ؛ وهذا ما أكده جلالته بقوله : " وبصفتنا ملكا لكل المغاربة فإننا لا نشرع لفئة أوجهة معينة ، وإنما نجسد الإرادة العامة للأمة التي نعتبرها أسرتنا الكبرى . " وتأكيدا لذلك صرح جلالته بما يلي : " .... فإننا بقدر ما نحمد الله تعالى على توفيقنا في إنجازها بما يتضمنه من إنصاف للمرأة وحماية لحقوق الأطفال ، وصيانة لكرامة الرجل ، نجدد التأكيد على أنها مكسب المغاربة جميعا ".
كل هذه الإرادة السامية كانت موجهة نحوتحسين أوضاع المرأة على جميع المستويات ؛ قصد تسهيل أداء أدوارها داخل الأسرة التي تعتبر الخلية الأولى لقيام المجتمع. وهنا يمكن أن نتساءل عن الأدوار التي تسهم بها المرأة في التنمية البشرية المستدامة انطلاقا من دورها داخل الأسرة ؟

يمكن للمرأة أن تقوم بعدة أدوار خدمة لعملية تنمية المجتمع وتطويره نحوالأفضل والأحسن بصفة مستمرة . وفي مقدمة هذه الأدوار نجد قيامها بدورها التقليدي المعروف والذي قامت به منذ القدم وساهمت من خلاله بشكل حقيقي وعملي في تنمية المجتمع ؛ ألا وهوالعناية بالأسرة بصفتها أما وربة بيت وزوجة . وهنا يمكن أن نطرح تساؤلا وهو: كيف يمكن للمرأة وهي تقوم بهذا الدور المهم أن تسهم في تنمية المجتمع وتطويره ،وجعله محققا لعيش رغيد ورفاهية مضمونة على مر الزمان ولكل الأجيال القادمة؟
دور المرأة في التنمية بصفتها أما .

حظيت المرأة بصفتها أما بمقام رفيع في الشريعة الإسلامية ؛ فصفة الأمومة لديها جعلتها تفوق الصفة المقابلة لدى الرجل من حيث التكريم والتقدير
والاحترام . وهذه المكانة الرفيعة التي حظيت بها المرأة كانت بسبب تأثيرها المباشر على تنشئة أولادها وتربيتهم . ولا يخفى على أحد مدى المجهود الجبار الذي تبذله المرأة وهي تقوم بهذه المهمة الصعبة التي عجز الرجل عن القيام بها
وأعلن استسلامه الكامل اتجاه عدم قدرته على تحملها .
فكان للتوجيه الإسلامي نحوتقدير الأم واحترامها ونيل رضاها- من خلال نصوص شرعية متعددة - مغزى عظيما.

يقول سبحانه وتعالى : ( حملته أمه وهنا على وهن .....).
وجاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أردت أن أغزووقد جئت أستيشرك ، فقال صلى الله عليه وسلم هل لك من أم ؟ قال:نعم ، قال : ألزمها فإن الجنة تحت رجليها . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : (أمك) قال : ثم من؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال: (أمك ) قال : ثم من ؟ قال : (أبوك).
فالمرأة بوحي من فطرتها كأم ، وبالنظر إلى غريزة الأمومة لديها سعت دائما نحوتحقيق الأفضل والأيسر والأجود لأولادها بصفة مستمرة . وربما تعدى مجهودها في تحقيق حياة آمنة ومزدهرة إلى أحفادها ، ولا شك أن القول المأثور : ( أعز من الولد ولد الولد ) خير دليل على أن المرأة كأم لا يتوقف دورها في العطاء عند أولادها ، بل يتعدى ذلك إلى أولاد الأولاد.

ومن هذا المنطلق يمكن الاعتراف بالدور المهم الذي تقوم به المرأة كأم في تنمية المجتمع بشكل مستمر من خلال عنايتها بأطفالها وتربيتهم ، وكذا تنشئتهم تنشئة صالحة لمسايرة مجالات التنمية المختلفة .
فعملية التنشئة الأولى للطفل تبدأ في حضن أمه ( ويخطئ كثيرا من يظن أن حكايا الطفولة التي تحكيها الأم لطفلها إنما يقصد بها التسلية ، لأن هذه الحكايات هي التي تشكل جزءا كبيرا من ثقافة الطفل وقيمه ومبادئه ، ونظرته إلى الناس والمجتمع . ولا شك أن عملية بناء شخصية الطفل هي جزء من عملية التنمية . وبقدر ما تكون هذه التنشئة صحيحة بقدر ما تستقيم عملية التنمية ذاتها وتحقق أهدافها على النحوالصحيح أيضا
إن التنمية الصحيحة للطفل خلال المراحل العمرية المختلفة تبدأ من خلال اكتشاف مهارات الطفل وقدراته ، ومواهبه والعمل على تنميتها وتغذيتها
وتطويرها , والاهتمام بتدريب الطفل على التفكير العقلي والابتعاد عن تكوين ثقافة هشة تعتمد على الخرافات ، والتصورات الخيالية غير المثمرة.
أضف إلى ذلك تنشئته على القيم الدينية والروحية ، وتأصيل العقيدة الإسلامية ، والخصال الرفيعة داخل نفسه.
كما تستطيع الأم أن تزرع في أطفالها حب الحركة والنشاط الجسديين باعتبار أن العقل السليم في الجسم السليم . فمن خلال التعود على الحركة الجسدية النشيطة تتأكد في الطفل الروح الرياضية التي تقوم على المنافسة الشريفة .

دون أن ننسى طبعا التنشئة على النزوع إلى القراءة والاهتمام بالجانب المعرفي بالبحث والمطالعة المستمرة ، لأن هذا يجعل الطفل مندمجا في عملية التنمية التي توفرها له أمه بأسلوب تلقائي وطبيعي . فالأم هي المدرسة الأولى التي يتعلم الطفل منها لغته الأولى والكثير من الأخلاق والقيم : فهي تساعده في نطاق بيت الأسرة على أن يكتشف نفسه ومحيطه ، فتمنحه الحنان والآمان
وتساهم بشكل فعال في تكوين هويته وشخصيته المستقبلية .
هذه مجرد إشارات ونماذج لما تستطيع أن تقوم به الأم أثناء تربية أطفالها ، ومن ثم إعدادهم بشكل جيد لأداء دورهم المهم مستقبلا في مسيرة التنمية .

وباعتبار أن العنصر البشري يشكل الثروة الحقيقية التي يعتمد عليها المجتمع في تنمية مجالاته المختلفة ، فإن المرأة والطفل يمثلان نسبة عالية من هذه الثروة الثمينة . ( فالمرأة إلى جانب كونها مسؤولة عن نفسها فهي مسؤولة أيضا عن النصف الآخر في المجتمع فمن هنا نجد أن ما نسبته فوق 75في المائة في المجتمع هم من النساء والأطفال )
دور المرأة في التنمية بصفتها زوجة وربة بيت .

يمكن للمرأة أيضا أن تشارك في عملية التنمية انطلاقا من دورها كزوجة
وربة بيت . فبالنظر إلى ما توفره لزوجها وأفراد أسرتها من الآمان النفسي
والاستقرار الذي يساعدهم على العمل والإنتاج ، فإنها تصبح مساهمة في تفعيل عملية التنمية بطريق غير مباشر ، وذلك من خلال اهتمامها بمنزلها بحيث تهيئه ليكون بيئة صالحة تشكل الخلية الأولى للمجتمع الصالح.
فالمرأة تربي الأجيال وتنمي فيهم حسن المسؤولية اتجاه البيئة ، وهي تتحمل مسؤولية إدارة البيت ، والتقليل قدر الإمكان من التلوث المنزلي ،
واختيار ما يناسب أسرتها من المأكل والملبس ؛ وهي بكل هذا تحافظ على محيطها عبر سلوك يمارس يوميا وبشكل تلقائي . فعلى المرأة تقع مسؤوليات بيئية كبرى باعتبارها ربة بيت تهتم بنظافة منزلها وتدبير شؤونه الاقتصادية من خلال حسن استخدامها للطاقة المائية والكهربائية ، واستعمالها للطعام ،
والتعامل مع المخلفات المنزلية . فهي مسؤولة عن توجيه أفراد أسرتها عن اتباع الأساليب السليمة في استخدام المياه والحد من هدره ، والاهتمام بحمايتهم من الأمراض ليتمتعوا بحياة صحية دائمة ومستمرة .
ومن جهة أخرى فهي تعمل جاهدة من أجل الحصول على وضع بيئي من خلال ما تقوم به من تزيين البيت ، فلا يكاد أي بيت يخلومن نباتات الزينة التي تملأ شرفات ونوافذ الغرف لتعطي جمالا وهدوءا ، وما أكثر ما قامت به المرأة منذ القدم للمحافظة على البيئة وسلامتها ، لذلك تبقى المرأة العنصر الأساس
والهام في عملية التنمية البيئية حيث يعتبر البيت المحطة الأولى في حياة أي إنسان ، فهي تقوم بترسيخ التربية البيئية لأفراد أسرتها وتنشئتهم تنشئة تؤهلهم للمحافظة على بيئتهم المحيطة ، كما تقوم بغرس القيم لحماية الموارد الطبيعية
والمحافظة على النظافة والتعاون من أجل البيئة .

كما يمكن للمرأة أن تسهم في تطوير التنمية الاقتصادية انطلاقا من دورها كزوجة وربة بيت . وهنا أتوقف لأطرح تساؤلا على المرأة نفسها فأقول : هل فكرت يوما أن تعدي الراتب الذي يمكن أن تتقاضينه نظير الأعمال التي تقومين بها في البيت كزوجة وربة بيت؟

لا شك أن وظيفة المرأة داخل البيت أسمى وأكبر من أن يتم التعامل معها على هذا النحو. إن الأمومة وحدها تعتبر وظيفة سمتها الأساسية العطاء وهي لا تقدر بأي ثمن إطلاقا . نفس الشيء بالنسبة للعلاقة الموجودة بين الرجل والمرأة في هذا الإطار ، إنها شراكة موثقة في كتاب الله إلى يوم الدين ، ومادامت كذلك فلا يمكن محاسبتها بهذا المفهوم . فالزوج لا يمكن أن يحاسب زوجته على الأكل
والشرب واللبس والعلاج وغيرها من الفواتير التي هومسؤول عن سدادها شرعا ، كما لا يجوز للزوجة أن تسأل عن مبالغ من المال نظير خدمة زوجها
وأطفالها ، فهي مهام موكلة بها شرعا . وقد تخسر المرأة إذا دخلت في حسابات الشراكة الزوجية انطلاقا من أن عقد الزواج شرع ليجمع بين شخصين ، ومن خلاله جعل الإسلام العلاقة الزوجية قائمة على المودة والرحمة والسكن . يقول تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) .
وقد حاول أحد المواقع حساب الأجر الذي ينبغي أن تتقاضاه المرأة المتفرغة لشؤون بيتها فوجد أنها تستحق حوالي 134 ألف دولار سنويا . لكن كيف تم حساب هذا الأجر ؟ قام الموقع بإحصاء الوظائف التي تقوم بها المرأة مثل : مديرة منزل ، مسؤولة حضانة ، أخصائية نفسية ، محاسبة ميزانية البيت ومسؤولة عن دخل الأسرة وإنفاقه بالشكل الأمثل ، مدرسة خصوصية فكل الأمهات تقريبا يجلسن مع أطفالهن للتأكد من أنهم يقومون بعمل واجباتهم المدرسية ، ومساعدتهم على فهم المسائل المدرسية ، ووظائف أخرى : من فض النزاعات والمشاجرات بين الأطفال وهي مهمة لا تنتهي ، تشجيع الأطفال على السلوك الجيد مع وضع الاعتبار لساعات إضافية ، والعمل في الأجازات الأسبوعية والسنوية ......

تخيلوا أن هذا العمل الجبار الذي تقوم به المرأة ولا تأخذ عنه أجرا ولا مقابلا ماديا كيف يمكنه أن يساعد على التنمية من الناحية الاقتصادية .
كما يمكن للمرأة أن تسهم في التنمية من خلال دورها الإنتاجي كمعلمة
وطبيبة ، وفي عدد من القطاعات الاقتصادية ، ومن خلال الأعمال التي تناسب طبيعتها وتحافظ على كرامتها والتي نهضت بها بنجاح.

وقد استطاعت المرأة المغربية أن تستثمر الفضاءات المهيأة لها من طرف الدولة لتسهم في مسيرة التنمية ، فأصبحت تظهر في المجال العلمي بصورة مشرفة ، وبمعدلات إنتاج مختلفة بعد ما تسلحت بالعلم والمعرفة وكونت ثقافتها التي تميزها وتمكنها من الانخراط في صفوف العمل التنموي بالمجتمع .

وفي الختام يمكن القول : إن الأسرة هي أفضل ضمان للوئام الاجتماعي
وبالنظر إلى ما تحققه الأسرة من إنجازات هامة على كافة المستويات المادية
والمعنوية ، وجب تدعيم حقوق أفرادها وإرساء ثقافة أسرية حديثة تقوم على المشاركة والتضامن والمساواة باعتبارها خلية أساسية في المجتمع .

لهذا وجب تكثيف الجهود واعتماد تنسيق محكم بين جميع الأطراف من أجل تحقيق مصلحة الأسرة ، وذلك بالعمل على تأهيلها للتعامل المتواصل مع محيط ثقافي واقتصادي .... لأن سرعة التحولات المعاصرة ، وشدة تأثيرها على المجتمع في ظل التطورات الحالية تجعل الأسرة في مواجهة تحديات متجددة تقتضي مواصلة العمل لتوفير الظروف الملائمة لحماية الأسرة ودعم قدراتها في التنشئة الاجتماعية والعناية بأفرادها وتمتين الروابط بين الأجيال.
فكان الاهتمام بالمرأة وتحسين وضعيتها داخل الأسرة ، وكذا مساعدتها على القيام بدورها على أحسن وجه ؛ من خلال فتح آفاق لإنعاشها وتكوينها وتوجيهها توجيها صحيحا ؛ من الأمور التي حرص جلالة الملك على جعلها ضمن أولويات استراتيجية تحقيق التنمية البشرية .

حكيمة الحطري : أستاذة أحكام الأسرة ، خبيرة دولية في قانون الأسرة
والنوع الاجتماعي ورئيسة فريق البحث في قضايا المرأة والطفل فقها وقانونا كلية الشريعة – فاس- جامعة القرويين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى