الأحد ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٤
بقلم إدريس ولد القابلة

النظام و المسألة الدينية بالمغرب

لقد تحدث الكثيرون عن قضية المسألة الدينية بالمغرب، فمنهم من تطرق إلى الخلفية الثقافية التي دأبت على استغلال الجهل و الفقر في هذا المجال، و منهم من تطرق إلى الاحتكار الايدولوجي للإسلام في الحقل السياسي، و منهم من اهتم بشرعنة العنف و الإرهاب و تغلغل المد الشيعي في الحركات الإسلامية المغربية، و منهم من تناول قضية الدين من زاوية منظومة إمارة المؤمنين، و منهم من حاول الدفاع على أطروحة التعددية الدينية بين المذهب المالكي و الأشعرية و الصوفية.

و الإشكالية الدينية ليست جديدة بالمغرب، تعود بعض عناصر الصراع بين الإسلام الرسمي للدولة و إسلام العموم إلى فترات متباعدة. و لعل أقربها ما حدث في النصف الأخير من القرن الثامن عشر بعد اشتداد الصراع بين الزوايا و السلطة المركزية حول النفوذ الديني. و مقابل ظهور المنافسة السلطوية للزوايا، معتمدة على السلفية (العودة إلى المنابع الأولى للدين) لجأت السلطة المركزية إلى الوهابية. و كان أول سلطان مغربي وظف الوهابية كوسيلة للنيل من شعبية الزوايا هو السلطان مولاي سليمان (1792-1822) الذي عمل على تبني انتقادات علماء الوهابية للممارسات الدينية المنحرفة للمتصوفة و الطرقية و هي الأساس التنظيمي المعتمدة عليه الزوايا. و في سنة 1811 حرر السلطان مولاي سليمان رسالة تليت في المساجد عبر أنحاء البلاد تحت عنوان رسالة ضد المواسم و البدع. إلا أن السلطان مني بهزيمة أمام الزوايا حينما لجأ إلى فرض التوازن السياسي من خلال دعمه المباشر للإيديولوجية الوهابية. و عرفت حرب السلطان ضد القبائل (معقل الزوايا) سنة 1818 هزيمة مشهودة حيث تم أسره مما فرض اللجوء إلى المصالحة الدينية و اعتماد توازن سياسي بين الإسلام الشعبي (الزوايا) و الإسلام الرسمي.

و في فترة الحماية حاول الاستعمار إذكاء نفس الصراع بين الوهابية و الزوايا لضبط خيوط اللعبة في اتجاه خدمة مصالحه و استدامة تواجده بالمغرب. إلا أنه تبين عبر التاريخ أنه كلما ابتعدت ظروف الصراع بين السلطة و جماعات الضغط الديني عاد المذهب المالكي إلى البروز باعتباره أساس الوسطية الدينية السائدة بالمغرب.

و مهما يكن من أمر يظل تناول المسألة الدينية بالمغرب مطبوعا بخاصيات ذاتية، إذ كل ظهور خلخلة في البنيات التقليدية المهيكلة للحقل الديني بالمغرب يؤثر مباشرة و بالضرورة على وظائف مؤسسة المخزن، لاسيما و أن هناك رمزية قوية مستمدة من الدين. كما أن بنية الملكية بالمغرب مرتبطة بالدين مادام هناك تداخل بين السلط الروحية و الزمنية، اعتبارا لكون الإسلام و الملكية صنعا المغرب. و كل هذا يقع ضمن واقع عام يتميز حاليا بأزمة للعقل الإسلامي و بظهور حركات إسلامية احتجاجية تسعى إلى تغيير الواقع استنادا على الدين و من أجل تطبيقه.

و هذا، في وقت يسجل فيه البعض أن المغرب يحاول حاليا أن يروم خلق حركية جديدة في الحقل الديني، و هذا ما أشار إليه البروز العلني لزوجة الملك و كذلك التحكيم الملكي في مشروع تعديل مدونة الأحوال الشخصية و قانون الأسرة.

إلا أن أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء طرحت من جديد الهاجس الأمني ضمانا لاستقرار المؤسسات، لا سيما مؤسسة إمارة المؤمنين و المؤسسات السياسية. إلا أن التصدي لجذور العنف و الإرهاب بالمغرب كشف جبهات أخرى لامناص من التصدي إليها، و التصدي إليها يستوجب أول ما يستوجبه عدم ترك المجال للهاجس الأمني ليحدد التصورات و الاختيارات و المخططات. و هذه الجبهات هي الجانب الاجتماعي و الجانب الاقتصادي و إشكالية التعليم و قضية الدين بالمغرب. و تزداد خطورة اعتماد الهاجس الأمني كأولوية في وقت أضحت إشكالية الدين مطروحة بوضوح أكثر من أي وقت مضى, سواء فيما يتعلق باحتكار الإسلام و توظيفه لأغراض سياسية أو تعلق بفصل الدين عن الدولة. علما أن النظام بالمغرب يعتبر أن علاقة الدين بالدولة محسومة في ظل تنصيص الدستور على أن المملكة المغربية دولة إسلامية و أن أمير المؤمنين مؤتمن على حماية الدين.

و من الواضح حاليا أن الملكية و الحقل الديني بالمغرب لن يكونا مثلما كان الحال عليه بالأمس، لاسيما فيما يرتبط بالنهج الجديد في التعاطي مع الحقل الديني. خصوصا و أنه منذ أن ظهر الحديث حول سياسة جديدة للتعاطي مع المساجد و الصحوة الإسلامية و الدينية، و هذا ما شارك فيه بعض الإسلاميين المقربين من المخزن. و ذلك لمحاولة التخلص من هيمنة الهاجس الأمني على تنظيم الحقل الديني بالغرب و الذي أدى إلى نتائج عكسية و مأسوية أحيانا كثيرة تعيش البلاد آثارها و انعكاساتها حاليا.و ما يعيشه المغرب اليوم في هذا المجال إلا نتاج طبيعي لسياسة وزير الأوقاف و الشؤون الدينية السابق الذي سعى لمواجهة تيار الشبيبة الإسلامية بعد أن ساهم بقوة من قبل في بروزها لمواجهة الحركة الماركسية اللينينية المغربية.

و قد تزامن تطبيق هذه السياسة في ظرف عرفت فيه عدة مدن مغربية انتفاضات من أجل الخبز و تحسين الأوضاع المادية المزرية. آنذاك بالضبط عملت وزارة الأوقاف على إرسال بعثات من الطلبة و الفقهاء إلى السعودية، و هناك تشرب هؤلاء بالمذهب الوهابي فكرا و ممارسة و قناعة، ليعودوا متشبعين بجملة من الأفكار دعوا إليها بعد عودتهم إلى أرض الوطن. و هذا ما أدى بدوره إلى تفريخ خطباء و وعاظ، لاسيما في مساجد الأحياء المهمشة، يدعون إلى مثل تلك الأفكار إلى أن بدأت البلاد تعرف ركحا دينيا متمردا غير خاضع للسلطة كما كان الحال من قبل. الشيء الذي ساهم في بروز إشكالية احتكارية الدولة للحقل الديني.

و هكذا بدأ تضييق الخناق على الحركات الإسلامية بالمغرب، لاسيما بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، و قد تم اعتقال ما يفوق 1000 شخص في إطار التحقيقات المرتبطة بتلك الأحداث، و قد امتد الأمر ليشمل بعض الأشخاص المحسوبين على الإسلاميين المعترف بهم (الإسلاميين الشرعيين). و في اعتقاد البعض، جماعة العدل و الإحسان مثلا، فان الحديث عن مشروع إصلاح تدبير الشأن الديني بالمغرب يظل مجرد ديماغوجية، لأنه في اعتقاد هؤلاء، أن المشروع العام (النظام) يقوم، سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا، على فصل الدين عن الشأن العام، أي فصل الدين عن الدولة و هو أمر لا يستقيم مع الإسلام.

في حين يستحسن البعض الآخر مبادرة الحكومة الرامية إلى تأطير الشأن الديني عبر إرساء توافق بين سياسة الدولة و تعاليم الإسلام و الالتزام المذهبي.

و هذا في وقت تعرف فيه المؤسسات الدينية الرسمية أزمة واضحة المعالم. و لعل من أبهى مظاهر هذه الأزمة البؤس المعرفي و العلمي - مازال الجميع يتذكر حرب البيانات المرتبطة بلعبة البوكيمون و الفتوى المرتبطة بها و قضية شرعنة القداس المقام بالرباط على أرواح ضحايا أحداث 11 شتنبر 2001 بحضور المسلمين و اليهود و النصارى-. و قد كشفت هذه الحرب بجلاء مدى التخبط الذي يطبع مؤسسات الإسلام الرسمي بالمغرب. كما أن أحداث الدار البيضاء الأخيرة أبانت هي كذلك انفلات المساجد، لاسيما مساجد الأحياء المهمشة، من قبضة الوزارة الوصية.

و يظل السؤال مطروحا : كيف يمكن حل إشكالية علاقة الدين بالدولة في المغرب؟ فلا يخفى على أحد أن الإسلام هو المرجعية الثقافية الأساسية في تكوين الهوية المغربية، إذ بفضله تمكن المغرب من الحفاظ على استمراريته ككيان عبر التاريخ. فالإسلام كان السند لمواجهة الغزاة و التحريض النضالي في مواجهة المستعمر. كما أن الاسلام ظل يحتل موقعا متميزا في الخطاب السياسي إذ ظل الشأن الوطني ممتزجا بالشأن الديني. إلا أنه بعد خروج المستعمر و بعد أن تتالت الاحباطات أضحى الإسلام من المستندات للتنديد بالواقع سعيا وراء تغييره. و قد تمكن هذا المد من البروز و الاتساع و الانتشار بفعل الأوضاع الاجتماعية المزرية و استفحال التهميش الاقتصادي و الاجتماعي و المعيشي لأوسع فئات الشعب المغربي التي ظل عددها يتزايد لتوسيع دائرة الفقر بمرور السنين و بفعل اتساع الأزمات المتراكمة. و بذلك أضحى الإسلام دائم الحضور في الصراع السياسي منذ منتصف سبعينات القرن الماضي.

و في هذا الصدد يعتقد البعض أن الشأن الديني بالمغرب هو من اختصاص كل المغاربة، و يجب أن ينفصل على العمل الحكومي، لاسيما استغلاله في ظرفية معينة لأغراض ضيقة. و في هذا الإطار يقترح هؤلاء ربط الحقل الديني بمؤسسة أمير المؤمنين عبر تأطيره من طرف مجلس وطني مستقل. لأن الحكومة نفسها لا يحق لها هي كذلك استعمال الشأن الديني بأي شكل من الأشكال.
و في هذا المضمار هناك أطروحة للباحثة المغربية آمال الوردي بعنوان "تنظيم الحقل الديني بالمغرب : العلماء نموذجا". و قد استهلت الباحثة أطروحتها بالإشارة إلى اجتهاد الدولة المغربية منذ الاستقلال على استثمار المرجعية الدينية من أجل إضفاء الشرعية على اختياراتها و توجهاتها، و كذلك عبر احتكارها لكل الرموز و الشعائر الدينية و تأويل النصوص الدينية. إلا أنه سرعان ما طفا إلى السطح تناقضا واضحا بين التكوين الفقهي التقليدي لعلماء المغرب و الطابع الحديث و العصري للإدارة الموروثة بعد الاستقلال. و بذلك ذهبت الدولة في اتجاه تهميشهم التدريجي من دواليب الحكم و الإدارة و بالتالي الاستغناء عنهم و عن دورهم و عن خدماتهم بعد التوجه نحو الاعتماد على أطر حديثة ذات ثقافة عصرية مخالفة لثقافتهم رأسا على عقب.

بالرجوع إلى التاريخ المعاصر للمغرب تبرز عدة محطات و أحداث كرست تهميش العلماء و اقضاءهم من دواليب الحكم و الإدارة. و ذلك منذ فجر الاستقلال، و في هذا الصدد يمكن ذكر منع الحزب الشيوعي المغربي اعتمادا على خطاب ملكي و محاكمة حركة العلماء البهائيين في سنة 1963، و هي حركة احتجاجية دينية. و منذ ئد سعت الدولة بالمغرب إلى ضبط الحقل الديني بالبلاد و ذلك عبر تأطيره بجملة من المؤسسات الدينية و ضبط و تحديد دور العلماء بالمغرب في تدبير المقدس اليومي بانسجام و تناغم مع السلطة السياسية و شرعنة اختياراتها. و هذا ما أدى إلى مأسسة وظيفة العلماء لجعلها مكلفة بحماية الأرثودوكسية الدينية. و قد نجحت الدولة في ذلك عن طريق ضبط مراكز إنتاج و إعداد علماء الدين لضمان احتواهم عبر إنتاج و إعادة إنتاج هذه النخبة داخل المؤسسات الرسمية و تأطيرها في تنظيمات تحسبا لأي انفلات (رابطة علماء المغرب، المجالس العلمية). كما أنه يمكن إدخال طبيعة التعامل مع جامعة القرويين في هذا الإطار العام إذ تم تحويلها إلى مجرد مؤسسة تربوية خاضعة لمراقبة الإدارة. و بذلك تحول العالم بالمغرب إلى مجرد موظف عادي ينتظر مرتبه الشهري تحت وصاية الإدارة كغيره من الموظفين بعدما كان من قبل يتمتع بالاستقلالية إزاء السلطة. و كان هذا التغيير تغييرا جذريا لدور جامعة القرويين و لمهمة العلماء بالمغرب، و هذا ما دفع جملة من العلماء إلى مغادرة الجامعة و التخلي عن التدريس فيها.

و عندما رأت الدولة أن غياب العلماء أدى إلى فراغ اعتبرت أنه تم استغلاله من طرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية، ثم بعدها من طرف حركة الشبيبة الإسلامية المستقلة عن الدولة، ففكرت في تجديد المجالس العلمية، و بذلك حاولت من جديد مأسسة دور العالم بالمغرب عبر إعادة تحديد وظيفته لمراقبة الحقل الديني و السياسي. و بذلك تكلف العالم المغربي بالتأطير الديني الهادف إلى صيانة وحدة الأمة على مستوى المذهب و العقيدة. و ذلك للتصدي للتهديد الذي كانت تمثله بما أسمته بالايديولوجيات المناوئة للإسلام و حركات الإسلام السياسي، و كذلك خوفها من تهديد العلماء أنفسهم. و كان أجدى و أفضل سبيل أمامها هو جعل هؤلاء العلماء مساعدين لها بتنصيبهم حماة للأرثودوكسية الدينية و ليس كحماة للشريعة أو كمجتهدين. و هكذا تحول علماء المغرب إلى أجراء قائمين على تدبير العبادات. و بذلك تميزت حصيلة المجالس العلمية على امتداد أكثر من عقدين من نشاطها و ممارستها بالعقم و الانحصار في بعض شؤون العقيدة و العبادات و بطريقة منفصلة انفصالا تاما عن مختلف مجالات الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، إلى درجة أن المجالس العلمية المغربية أضحت غريبة عن سيرورة المجتمع المغربي و على هامشها، رغم أنه من المعلوم و المعروف، لدى العام و الخاص، لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصل بين شؤون الدين و الدنيا في منظور الشريعة الإسلامية. و هذا كاف و زيادة لتفسير الدور السلبي لوضعية العالم بالمجتمع المغربي و تفسير عقم المجالس العلمية على امتداد مرحلة وجودها و إلى حد الآن.
و بذلك لا يمكن أن نستغرب إذا لاحظنا انحصار نشاط العلماء بالمغرب في المجال الفقهي التعبدي الصرف و بعدهم، بعد السماء عن الأرض، عن قضايا الفرد و الجماعة و الأمة، و بعد اهتمامهم عما تزخر به حياة المجتمع المغربي من معضلات و مستجدات عصرية لم تتح لهم الفرصة، الفعلية و المسؤولة و النزيهة، ليلقوا بدلوهم فيها و ليقلوا كلمتهم يصددها و يقترحوا حلولا ملائمة خاصة بها و تكون حلولا تتناسب و جوهر الإسلام. و هذا دون الحديث عن الضغوطات التي واجهتهم سواء من طرف الدولة أو من طرف عامة الناس الذين دأبوا على مطالبتهم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بدون قيد و لا شرط. و هكذا أضحى علماء المغرب بين نارين، فالسلطة تطالبهم بالدفاع عن شرعية لامشروطة و لا يمكن التشكيك فيها، و عموم الأمة تطالبهم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مهما كانت الظروف. أما فيما يرتبط بدور المساجد بالمغرب، فترى الباحثة آمال الوردي أن المساجد بالمغرب لعبت دائما دورا سياسيا، كما اتخذت كأداة لتنامي التيارات الإسلامية، إذ أصبحت لا تفتح إلا لأداء الصلوات الخمس و تم تعيين خطباءها و إلزامهم بإتباع توجيهات وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية. كما أن بناء و تشييد بيوت الله بالمغرب أصبح خاضعا لوزارة الداخلية في إطار ما أصطلح علية بالتنسيق بين الفرقاء و السلطان. و لم يقتصر الأمر على هذا الحد، و الاقتصار على هذه الإجراءات التنظيمية، و إنما تم تعيين قياد(رجال سلطة تابعين لوزارة الداخلية) في عمالات و أقاليم المملكة المغربية لتكليفهم فقط و حصرا بالربط بالتنسيق بين المجالس العلمية و السلطات و وزارة الداخلية، و مهمتهم الحقيقة غير المعلن عنها هي الضبط.

لكن بالرجوع إلى الواقع المعيش و على امتداد سنوات، يتبين و بجلاء أن كل هذه الاحتياطيات و الإجراءات المرتكزة بالأساس على اعتبارات أمنية محضة بفعل الهاجس الأمني و الرغبة في الضبط و احتواء الأماكن الشرعية و محاولة خلق خطاب ديني رسمي عبر تكوين و تعيين الخطباء و الأئمة لن تفلح في مهمتها لأنها اصطدمت بديناميكية المجتمع المغربي و التي كانت في عمومها مطبوعة بسيرورة مضادة انتجت علما و خطباء مستقلين عن السلطة، و بالتالي عملوا على إنتاج و بلورة خطاب ديني بديل ينافس الدولة منافسة قوية في المجال الديني.

و مع حلول العهد الجديد بدت رغبة واضحة في إعادة هيكلة الحقل الديني ضمن مؤسسة محددة الأهداف و التنظيمات، لاسيما و أن المؤسسات القائمة فشلت فشلا ذريعا في أن تكون مصدرا للاجتهاد قصد التصدي للإشكالات و الأسئلة المطروحة على ركح الواقع المعيش اليومي في مختلف المجالات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية بغية تحصين المجتمع من مختلف أنواع التطرف الفكري عبر إشاعة جوهر الإسلام القائم على الوسطية و الاعتدال و التسامح. و أول ما كان يتطلبه هذا هو محو الأمية - لاسيما الأمية الدينية- و رفع الخضار عن المساجد قصد المساهمة الفعلية في تنظيم الحقل الديني و فق منظور حضاري منفتح على قضايا و شؤون المجتمع و ليس اعتماد إصدار فتاوى من بروج عاجية مقامة على هامش المجتمع و خارج دائرة اهتماماته.

و مما يظهر فشل الدولة في التعامل مع الحقل الديني بالمغرب، أن خططها كانت بمثابة مجرد محاولة مأسسة هيئة العلماء بجعلهم مجرد أدوات لإنتاج و إعادة إنتاج نوعية خاصة من القيم الدينية و الرمزية لدحض كل ما من شأنه مخالفة خطابها الديني و لاسيما السياسي. و هذا يبين أن من أكبر الأخطاء اعتماد الاحتكار المؤسساتي للمعرفة الدينية. هذه الاحتكار ساهم في بروز ديناميكية قوية في المجتمع المغربي ترفض احتكار الدولة للدين و مؤسساته، كما ساهم هذا الاحتكار في جعل الحقل الديني أن يصبح مجالا لرهانات استراتيجية و هذا ما شكل خطرا كبيرا تلمسه الكثيرون منذ مدة.

و مما سبق يتبين أن مسالة تدبير الشأن الديني بالمغرب ليست قضية جديدة إذ ظهرت منذ ستينات القرن الماضي، إلا أن هذا التدبير كان يخضع لمعالجات ظرفية أو قطاعية في ظل غياب تصور شامل لإدارة الشأن الديني. لاسيما و أنه في عهد وزير الأوقاف السابق كانت مواقف الوزارة يشوبها الغموض و التناقض و أحيانا التنافر، مما يبرهن عن غياب أي تصور واضح المقاصد. و كان الطاغي هو التعامل الظرفي و الخضوع لعلاقات شخصية و مصالح شخصية. و يمكن لهذا النهج أن يكون قد ساهم - إضافة لما ذكر أعلاه- في صعود و تصاعد التيارات الدينية بالمغرب. لكن من الأكيد أنه على امتداد عقد و نصف على الأقل تم تجاهل هذه التيارات ثم الحركات التي انبثقت عنها، ثم اتخاذ مواقف الاقتراب و المهادنة و المداهنة بعد ذلك.

و بعد أحداث 11 شتنبر 2001، و خصوصا بعد 16 مايو 2003 تحولت علاقة المغرب بالوهابية إلى مقت باعتبارها تنتج الجماعات المتطرفة (السلفية الجهادية، الهجرة و التكفير، الصراط المستقيم، المجاهدون المغاربة...) كلها ذات علاقة بشكل أو بآخر بأحداث الجمعة الأسود بالدار البيضاء. كما أن موقف المغرب من الوهابية كان لمبررات دولية، لاسيما و أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت الحرب على التطرف الديني الموصوم بالإرهاب.

و في هذا الصدد يرى البعض أنه أضحى الوضع بالمغرب يتطلب إحداث جبهة دينية تجمع الدولة و جماعات الإسلام السياسي المناهضة للإرهاب (التوحيد و الإصلاح، جماعة العدل و الإحسان) في إطار توافق ديني سياسي لمواجهة العنف الديني، على غرار توافق نهاية التسعينات (1998) بين الملك الراحل الحسن الثاني و عبد الرحمان اليوسفي. إلا أنه يبدو أن الدولة لن تسمح باقتسام تدبير الشأن الديني بالبلاد، باعتبار أ، هذا الشأن من اختصاص إمارة المؤمنين و التي أضحى البعض ينادي بتحديثها.

و فيما يخص مؤسسة إمارة المؤمنين، ذهب البعض إلى طرح تطويرها في اتجاه الملكية البرلمانية العصرية و دولة حامية لكل الديانات، كما البعض نحو اختزالها في البعد المادي الزمني الصرف (حماية الثغور)، كما عبر عن ذلك مثلا محمد عابد الجابري.
و بالرجوع إلى المفهوم الإسلامي، ليس هناك مصدر تبث فيه الفصل الواضح و الصريح بين صفة القائد و الإمام، و هما الصفتان المجتمعتان في خليفة الرسول (صلع) و في خليفة الله في أرضه، يحكم بما أنزله الله و يرعى بهما شؤون عباد الله في دينهم و دنياهم على السواء.

و يرى البعض أن العلمانيين و بعض الإسلاميين يتشابهون في المطلب، فالفريق الأول يطالب بعزل الدين جانبا و الفريق الثاني يقول بفصل القيادة عن الإمامة.
و يعتقد البعض في هذا الصدد أن الإمامة تقوم على أسس تقليدية لا يمكن أن تسمح بالتحديث و الدمقرطة. و يرد عليهم آخرون بأن إمامة المؤمنين صمام أمان يحمي الملكية كقيادة للدولة من الخروج على ما أنزل الله، و الإمامة بالنسبة لهؤلاء تلزم باحترام ثوابت الدين و لا تقبل ما يعارض شرع الله، و بذلك يقول هؤلاء أن الإمامة تحفظ الملك من الخروج عما أنزله الله دون تكبيله عن التطلع إلى متطلبات القيادة الحداثية.

و يبدو أن هناك شبه إجماع ما بين الإسلاميين و العلمانيين بخصوص تحديث إمارة المؤمنين، إلا أن البعض يرى أن المطلوب ليس هو تغيير مؤسسة الإمامة و تطويرها لأنها في نظرهم ضرورة إسلامية، و إنما المطلوب في نظر هؤلاء هو ما يمكننا كمغاربة مسلمين أخذه من الآخرين دون أن نتخلى عن ثوابتنا و على رأسها وجود إمام واحد يضطلع بمسؤولية الحكم بما أنزل الله و إبقاء الحلال حلالا و الحرام حراما. و يرتكز هؤلاء في قولهم هذا على أن التحديث في ظل الإمامة كان دائما مطلوبا على امتداد التاريخ الإسلامي منذ عهد الرسول (صلع) عندما كانت الفتوحات الإسلامية متوالية و كذلك تلاقح الثقافات و الحضارات، لكن دون أن يمس ذلك بالشأن الأخروي اعتبارا لكون "القائد يجدد و الإمام يسدد" حفاظا على التوازن.

و بخصوص دور وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، هناك إجماع على ضرورة إعادة هيكلتها لتخليصها من الانزلاقات التي تم تكريسها في عهد الوزير السابق المدغري العلوي، و هي الآن في حاجة إلى إصلاح على أكثر من مستوى للتصدي للاختلال الذي ساد فيها. و لم تعد خافية الآن التداعيات السلبية للتجربة السابقة على امتداد سنوات، مما يدعو إلى إعادة هيكلة المجالس العلمية و إعادة تأهيلها و مراجعة هيكلة الوزارة برمتها، و إعادة النظر في أوضاع نظارات الأوقاف و التي الكثير منها أضحى بمثابة دولة داخل الدولة إذ أن القائمين عليها أحرارا يتصرفون فيها كأنها اقطاعات خالصة لهم، لا يخضعون لأية مراقبة من أي نوع و لا لأي متابعة و تتبع بالرغم من جملة من التصرفات المشبوهة. هؤلاء ظلوا يتصرفون في ثروات هائلة و عقارات شاسعة و مداخيل غزيرة بدون أي شفافية و لا ضوابط لا تتبع، و بدون حسيب و لا رقيب. و ظل الحال على ما هو عليه رغم ظهور ممارسات مريبة بجلاء و رغم تراكم الشكايات و المطالبات في هذا الشأن.

و في هذا الإطار قدم الوزيأن الشأنللأوقاف و الشؤون الإسلامية استراتيجية جديدة و تصورا جديدا، و هو تصور يقع ضمن الإطار العالمي لمحاربة الإرهاب و التطرف و يروم إعطاء نفس جديد للمشروع الديني لمنعه من الانزياح نحو التطرف و الانفلات.و في هذا الصدد يرى البعض أن الشأن الديني لا يتعلق بوزارة الأوقاف وحدها لاسيما و أن المغاربة يعيشون الآن في عالم منفتح، يفعل فيه تداخل المذاهب و الثقافات و الأديان و يجعل الاقتصار على المذهب المالكي من باب التمسك بأمور تاريخية لا يمكن التمسك بها أراد من أراد و كره من كره. خصوصا و أن الأسئلة المطروحة في عهد الإمام مالك لا علاقة لها بالأسئلة المطروحة اليوم. و من ضمنها تلك المرتبطة بالتطرف، إذ أن الإمام مالك لم يعالج هذه الإشكالية بالمفهوم الحالي رغم أنه كان له موقف من الخوارج. و الأخذ بمذهب مالك أو بغيره ليس كافيا لإصلاح الحقل الديني بالمغرب ما دام الأمر لا يرتبط فقط بالشق الديني الصرف و إنما يرتبط بالأساس بإرادة سياسية تجتمع فيها كل مكونات المجتمع المغربي من أجل إصلاح هذا الحقل، و ذلك من أجل تهييء الظروف الملائمة لإجراء هذا الإصلاح.

و يرى البعض أنه إذا اعتمدنا المذهب المالكي وحده كنهج لتطبيق الدين فإننا قد نقتل الدين، لذا وجب الأخذ بروح المذهب المالكي و كذلك بالاجتهاد و هذا أضحى ضروريا. فالنص القرآني قادر على تقديم مقترحات بامكانها تحرير الفكر الديني مما علق به على امتداد قرون ما دام الإشكال يكمن في ترسبات علقت به عفا عليها الزمان و تحتاج لإعادة نظر. و بالتالي فان الالتزام بمذهب ما لن يسمح بهذا الإصلاح لكونه سيظل يفرض أشياء لم تعد صالحة للناس حاليا.

و يظل أكبر إشكال بالمغرب، في هذا الصدد، هو اعتقاد فئة ما أنها تمتلك الحقيقة و أن إسلامها هو الإسلام الحق و غيره ليس أسلاما. ناهيكم عن اللخبطة التي من شأنها أن تبرز بين الإسلام الرسمي و الإسلام الشعبي و الإسلام الحركي.

و في هذا الإطار نجد أن المسألة محسومة دستوريا بالمغرب، إلا أنه هناك حركات إسلامية منافسة في الحقل الديني. و من هنا يمكن القول أنه بالمغرب إذا كان الملك يملك السلطة الزمانية فان الحقل الديني تتفاعل فيه الكثير من المكونات، فهناك مكونات النص الديني و هناك حاجة الواقع المرتبطة بهذا النص (ربط النص بالواقع) أي الاجتهاد. و المشكلة هي أن البعض يعتقد بأن هذه العملية إذا أشرف عليها الرسميون فقط فهي باطلة، و هذا يجرنا من جديد إلى إشكالية احتكار النطق باسم الإسلام، علما أن كل عملية اجتهادية تظل عملية نسبية قابلة للصواب و الخطأ. و في هذا الصدد يدعو البعض إلى اعتبار ما يسمى حكما شرعيا أنه يبقى اجتهادا بشريا، و هذا الاجتهاد قابل للصواب و الخطأ و ليس ملزم للناس بشكل نهائي و أزلي، و إنما هو اقتراح من طرف الجهة المجتهدة (شخصا كان أو هيئة) و هو اقتراح يمكن تصحيحه أو تجاوزه، سواء كان اجتهاد مالكي أو شافعي أو حنبلي أو من عالم القرن الواحد و العشرين أو غيره، ما دام أننا لسنا ملزمين أزليا باجتهادات تاريخ معين دون سواه، و إلا سنعلن على اغتيال الاجتهاد و الانفتاح. علما أن الظرف الذي ظهر فيه الإمام مالك كان مرتبطا بالقوة الإسلامية آنذاك، و بالتالي من الصعب قبول حاليا جملة من اجتهادا ته، من قبيل أن تارك الصلاة يقتل حدا مثلا. لهذا يبدو أن أنجع السبل هو أن يقوم الرسميون أو الوزارة الوصية بتأطير الحقل الديني في إطار حرية تسمح بنقاشات و حوارات خاصة بالحقل الديني دون إقصاء أي طرف و دون اعتماد أي نوع من أنواع الاحتكار في هذا المجال. و لعل مثل هذا التصور برز بشكل كبير عندما قام ثلة من العلماء بالمغرب بالتوقيع على نص الفتوى المحرمة لمشاركة المغرب في الحرب الأمريكية على الإرهاب، و حينها كان رد الوزارة الوصية عليها بعنف و صرامة.

و مهما يكن من أمر بالنسبة للمغرب حاليا، الأفضل هو التعبير في الضوء و أمام الملأ حيث يمكن الرد و الحوار و النقاش و ليس اعتماد القرارات في الظلام و الكواليس و وراء ستار ركح الواقع المعيش. و هذا يعني أن المغرب في حاجة إلى الحريات في المجال الديني، حريات مؤطرة و مسؤولة. لأن الشرعية لا تكتسب بالفرض و إنما تكتسب من خلال إعطاء الحرية. و هذه الشرعية أقوى و أمثن و أقدر على التصدي إلى أي انزلاق. و هذه الحرية لكي تكون مجدية هي في حاجة إلى تهييء فضاء علمي و ثقافي من أجل تجديد الفكر مادام لا يمكن انتظار أي جديد مهما كان في إطار اعتماد المطلق و غياب حرية التعبير في هذا المجال بالذات. فما يحتاجه المغرب اليوم بصدد الحقل الديني هو إصلاح ديني حضاري و ليس إصلاح احتكاري.

لقد ظل النقاش في الشأن الديني بالمغرب من الطابوهات الكبرى، رغم أن المغاربة متدينون، كما لو أنه لدينا رجال دين لهم وحدهم الحق في ذلك دون سواهم. فلا يحق لأي أحد أن يمنع الآخرين من المشاركة في تجديد الحقل الديني، فكفانا من احتقار العقول في هذا المجال، لأنه من الممكن أن توجد أفكار جيدة عند غير ما نسميهم برجال الدين، كما يمكن أن تكون لهم انتقادات قد تكشف خطأ اجتهاد رجال الدين - و الأمثلة كثيرة في هذا الصدد.

و تزداد أهمية تلك الحرية في وقت نعيش فيه أزمة دينية و أزمة ثقافية حادة، و هي في واقع الأمر جزء من التخلف العام الذي نعيشه على المستوى الحضاري، لاسيما و أن الاجتهاد توقف منذ زمن بعيد. و علينا أن نتذكر دائما أنه عندما كان العقل الإسلامي مجتهدا استفادت منه أوروبا قاطبة، و لا يخفى على أحد أن الإصلاح الديني بأوروبا نفسها قام بناء على اسهاملت ابن رشد و فكر الأنوار.

لقد أضحى من الضروري حاليا تفعيل الاجتهاد، و بالنظر إلى مدونة الأسرة يبدو أن هناك دفع بمسألة الاجتهاد إلى حدوده القصوى و الاستفادة من المذاهب الأخرى، إلا أن الانفتاح المذهبي، مع أحداث 16 مايو، قد يبدو متناقضا لاسيما و أن التهمة موجهة للاتجاه الوهابي الحنبلي الذي يعتبر مسؤولا إيديولوجيا عن تشكل جماعات العنف الديني المنفذة لتفجيرات الدار البيضاء. فلا يخفى على أحد أن المذهب المالكي يعتبر مذهبا وسطيا مثل المذهب الشافعي، في حين يعتبر المذهب الحنفي أكثر انفتاحا بين المذاهب الأربعة. و قد بدا من خلال قانون الأسرة أن الدولة حاولت الاستفادة من المذهب الحنفي، و هذا يعني الرغبة في عدم الاستمرار في التقوقع في المذهب المالكي، أي استنباط ما يمكن استنباطه من المذاهب الأخرى. فإذا كان هناك تصدي للوهابية من خلال استبعاد كل الأحكام المستنبطة من المذهب الحنبلي، و الاستفادة من المذهب الحنفي، فناك الحفاظ على أساسيات المذهب المالكي. و تزداد أهمية الشأن الديني باعتبار أنه كان دائما عنصرا أساسيا لضبط التوازن السياسي في المغرب.

فالسياسة قامت دائما على حفظ التوازنات. و الكل لازال يتذكر كيف كان تخلق الأحزاب السياسية و تتناسل قصد تفعيل مواجهة أحزاب أخرى، و نفس النهج ظل حاضرا بامتياز في تدبير الشأن الديني. و هكذا دأبت الدولة على تشجيع فاعلين دينيين في مواجهة آخرين، لاسيما باستعمال الصوفية و الإسلام السياسي و الإسلام السلفي، إلا أنه في السنوات الأخيرة أخرج الإسلام السلفي من الحساب في هذه التوازنات لاعتبارات خارجية أساسا، و باعتبار أنه لم يعد مرتبط بالتوازنات الداخلية، خصوصا و أنه أضحى ذي ارتباطات مع الخارج ابتدءا من إعلان تنظيم القاعدة على حربها ضد الغرب و ظهور السلفية الجهادية. و هذا ما تسبب في اختلال على مستوى التوازنات القائمة على امتداد سنوات خلت. ففي السابق كان حفظ التوازن على صعيد الحقل الديني تتم بين المذهب المالكي السائد و الاستعانة ببعض التيارات ذات التأثيرات الحنبلية لمواجهة و التصدي لتيار الإسلام السياسي.

و ما دامت الدولة المغربية اتجهت نحو تبني مشروع مجتمعي ديموقراطي حداثي غير منفصل عن الهوية الدينية، فقد اضطرت إلى تطعيم المذهب المالكي السائد باجتهادات المذهب الحنفي بغية تحقيق محاصرة مختلف التيارات المتطرفة المعتمدة أساسا على المذهب الحنبلي المعروف بتشدده. و هذا يعني أن الدولة حاليا و على صعيد الحقل الديني ليست بصدد تدبير تناقض بنيوي مع خصومها، و إنما هي بالأساس بصدد تطويق التيار السلفي الجهادي الشيء الذي سيفرض عليها تدبير التناقضات الأقل أهمية حاليا مع الجماعات الإسلامية التي لا تتفق مع أطروحاتها و تصورها. و يبدو في هذا الصدد أن الدولة يبحث الآن على تذويب خلافاتها مع الجماعات الإسلامية بغية محاولة تشكيل جبهة لمواجهة التطرف بالمغرب، لا سيما التطرف الذي تجسده السلفية الجهادية و التي يبدو أن لها امتدادات أكيدة داخل المجتمع، لاسيما وسط الشباب المغربي المهمش.

و يرى الأستاذ محمد ضريف من الضروري إدخال جماعة العدل و الإحسان في ذلك التوافق الديني لأنه لا معنى لإقصائها من الجبهة المعارضة للتيار السلفي الجهادي، لاسيما و أن لها فعالياتها الأكيدة في هذا المضمار. و بذلك يرى الأستاذ محمد ضريف أن تلك الجبهة الدينية يمكن أن تتكون من الدولة و جماعة العدل و الإحسان و البديل الحضاري و الحركة من أجل الأمة و حركة الشبيبة الإسلامية الحالية لاسيما و أن هذه الأخيرة بصدد مراجعة خطها السياسي و الفكري في اتجاه اتخاذ موقف واضح إزاء العنف و الإرهاب. و يعتقد ذ. ضريف أنه من السهل تكوين هذه الجبهة باعتبار أن جماعة العدل و الإحسان عرفت تحولا أساسيا في خطها السياسي و الفكري، و هي الآن بصدد القيام بمراجعات لتصوراتها، و هذا من شأنه تقريب الرؤى و التصورات لإحداث تلك الجبهة، لاسيما و أنه لم يعد بالامكان إنجاز توافق سياسي في المغرب بمعزل عن التوافق الديني.


مشاركة منتدى

  • مفاهيم ينبغي أن تصحح: الإسلام السياسي

    ذ. فتح الله أرسلان

    تسود الساحة السياسية مجموعة مفاهيم يحاول أصحابها إلباسها طابع "العلمية" والحياد بغاية التضليل، وهي إنما صنعت في مصانع من يكيدون للإسلام والمسلمين.
    ومن هذه المفاهيم عبارة "الإسلامي السياسي".
    إن عبارة "الإسلام السياسي" تتضمن، منذ بدء استعمالها، موقفا متحيزا وحكما مسبقا يقوم، في أساسه، على رفض الحركات الإسلامية ومعاداتها والطعن في آرائها واجتهاداتها وممارساتها.
    وللتذكير، فإن أول من اخترع هذه العبارة هم أنصار التيار "اللائيكي"، وخاصة في مصر، الذين كانوا ينظرون إلى الحركات الإسلامية على أنها حركات "تستغل" الدين من أجل غايات "سياسية".
    فعبارة "الإسلام السياسي"، لم تكن، في يوم من الأيام، عبارة وصفية محايدة، بل كانت، وما تزال، اسما على مسمى لا وجود له إلا في أوهام مخترعي العبارة، وفي نيات من لا يفتأون ينظرون إلى الحركات الإسلامية بمنظار الشك والإقصاء والاتهام والإدانة، ليس إلا.
    وملخص ما تفيده هذه العبارة هو أن الحركات الإسلامية تدعو وتمارس إسلاما "مبتدعا" يجعل السياسة من بين اهتماماته، أما الإسلام "الحقيقي" -حسب ما تفيده عبارة "الإسلام السياسي" دائما- فلا شأن له بالسياسة، وإنما شأنه الأخلاق والعواطف الذاتية المطوية في الصدور.
    إن مفهوم هذه العبارة يبين عن جهل بالإسلام فاضح وفظيع. والأفظع من ذلك هو فرض هذا المفهوم "العلماني" على جماهير المسلمين بكل الوسائل، بما فيها وسائل التزوير والمغالطة والتجريح والدعاية الكاذبة، والحال أن المسلم، حتى في أدنى درجات التعلم والثقافة، لا يفتأ يعتقد اعتقادا جازما وراسخا أن إسلامه، في أصوله وأحكامه وشرائعه وسننه وأخلاقه وآدابه، يشمل مختلف جوانب الحياة ومظاهرها، في الفكر والسياسة والاجتماع والاقتصاد والفن وفي غير ذلك من شؤون الإنسان الدنيوية والأخروية، المعنوية والمادية.
    ليس هناك عند المسلمين إلا إسلام واحد، والسياسة، فكرا وممارسة، جزء لا يتجزأ من أحكامه الشرعية، كما هو مقرر بالنص القطعي، قبل الظني، في القرآن العظيم كتاب الله وفي سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
    أما الداعون إلى إسلام "أخلاقي" محبوس في زوايا العواطف الفردية -على شاكلة النصارى- لا شأن له بالحياة العامة للمسلمين، وبالتالي، لا شأن له بالزيغ العقدي في "إديولوجيات" الحكام وسياساتهم، ولا شأن له بالحلال والحرام في برامجهم وقراراتهم، ولا شأن له بالمنكر والفساد في الإدارات وسلوكات المسؤولين، ولا شأن له بالانحرافات الأخلاقية والبرامج التفسيقية التي تغطي فضاء الإعلام العمومي ... الداعون إلى هذا الإسلام "الميت"، الذي لا أًصل له، لا في قرآن ولا في سنة ولا في رأي فقهي اجتهادي معتبر، إنما هم قلة القلة، وصوتهم في اضمحلال مع تصاعد مد الصحوة الإسلامية وانتشار صوت الدعوة الصادقة الرفيقة القائمة بالحق من أجل مجتمع إسلامي تسوده قيم الإسلام، قيم الحرية والعدل والشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقيم التراحم والتضامن والتعاون على البر والتقوى.
    إن رسالة الإسلام إلى العالمين، كما أرادها رب العالمين، وكما بلغها الرسول، صلى الله عليه وسلم، هي معقد آمال المسلمين في المستقبل. وهذه الصحوة الإسلامية الصاعدة اليوم مرشحة، بإذن الله، لتكون في طليعة القوى البانية لمجتمع العمران الأخوي الذي ما فتئت تهفو إليه قلوب الشعوب الإسلامية الواقعة اليوم تحت نير الأنظمة الجبرية والنخب اللائيكية.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
    بقلم: ذ. فتح الله أرسلان

    عرض مباشر : مفاهيم ينبغي أن تصحح: الإسلام السياسي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى