الخميس ٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
سفينة الغيوم
بقلم إباء اسماعيل

انغماس جمالي في شعرية طفولية أنيقة

( سفينة الغيوم ) هوالديوان السادس للأطفال للشاعر محمد وحيد علي، صادر عن اتحاد الكتّاب العرب. يأخذ الشاعر قارئه الطفل إلى مناراتٍ إنسانية ومؤنسنة بروح الطبيعة، ترسمها رؤيا الشاعر الطفلية بما تحمل روحه الحالمة من نقاء وشفافية معبِّراً عن جوهر تجربته الخلاقة التي نمت وسمَت في عمق الطبيعة المغمَّسة بحس غنائيٍّ جميلْ.

منذ مطلع الديوان في قصيدته الأولى " أشجار بلادي" وإلى آخر قصيدة " موكب الطيور"، والحالات الجَمالية الخالصة تفتح في روح قارئه الطفل نوافذ مشرقة، يبعده فيها عن كل مايؤذي طفولته أويخدش فرحه وتحليقه الجميل.

في عوالم قصائد المجموعة، يبدولنا كالأب الحنون الذي يخشى على أطفاله لحظات الألم وشراسة الواقع، وملامح الضياع والتشرُّد، وصفير إنذار الحروب والخراب المحيط من حولهم، ويشدهم إلى حالات أمان وسلام نابضة بالتفاؤل والنقاء وحب الطبيعة والحياة. هكذا رسم بريشته الشعرية المرهفة أفق مستقبلهم عبر قصائد مشحونة بروح غنائية شفافة خالية من أية شائبة توتّر براءة قارئه الطفل أوتنفره من الشعر.

نلمس ملامح بعض تلك القصائد تنشد السلام كأغلى حلم يتوق إليه ليس فقط الأطفال العرب، بل كل أطفال العالم دون الوقوع في مطبِّ اللغة المباشرة، بل تداخلتْ في سياق القصيدة بعفوية وتلقائية، من مطلع الديوان في قصيدة ( أشجار بلادي) يقول:

مثل الشجرهْ،/ أبدأ دربي/ أكبرُ... أنمو/ ومعي كتبي.../ دربي الأحلى/ درب العلم /حلمي الأغلى /درب السِّلْمِ / ما أحلى أشجار بلادي / غرستها أيدي أجدادي؟!...

وفي قصيد ة ( النخلة) يؤكد حالة السلام الباعثة على فرح الطفل وحلمه الدائم بالمستقبل الأجمل:

وتبقى بلادي /بلادَ الجَمالْ.../وعند المساءِ / تجيءُ الطيورْ / تغرِّدُ تشدو/ لكلِّ البِطاحْ تقولُ: سلاماً / سيأتي الصباحْ...
وحتى آخرِ قصيدة في الديوان، ( موكب الطيور) يؤِّكد على زرع ثيمة ( السلام) في ذهن الطفل من خلال شدِّه إلى جمال الطبيعة التي عشقها الشاعر وتغنّى بها منذ أول قصيدة رصدتها أنفاسه الشعرية :

الصباحاتُ سلامْ/ ها أتى طير الحمامْ / والقطا خلف اليمام / شدّهُم دفءُ الربيعْ

ينقل الشاعر وحيد علي قُرَّاءهُ الأطفال إلى مناخات طبيعية غنيّة، ملوّنة ومتفاوتة مابين النخلة والغيمة والغابة والقمر والعصفورة والنسمة والحمامة البيضاء والسفينة والربيع.

يدخل في ملامح تلك القصائد حسّ جمالي وإنساني بالطبيعة يصل إلى حالة التقمُّص لها. حيث يتقمَّص الشاعر الكائنات التي يكتب عنها كأنما ينطق من خلالها على لسان قارئه الطفل. وفي ذات الوقت، هويستدرج طفولته ( الشاعرة) من خلال تلك القصائد وهوبهذا يصل مع قارئه إلى درجة التوحُّد في القصيدة مما يحفِّز في القارئ الطفل إنفلات خيالاته إلى المدى الأبعَد: يقول في قصيدة ( السفينة) :

فوقَ الماءْ /أُصْبِحُ... اُمْسي /فوقَ الماءْ / وأُصارِعُ أمواجَ البحرِ.../حتّى أمضي / نحوالبرِّ.. /سالمةً من كلِّ بلاءْ.../ وأنا بيتٌ للبحَّارْ / أطفحُ دوماً / بالأسرارْ...
أهدي البحرَ / غنائي الأحلى / يهديني سمكاً / ومحارْ.../في الآفاقِ /تلوحُ جزيره
يومضُ فيها / قصرُ أميره.. /هياّ... هيّا / فوق الماءْ /
وافتَح بابَكَ / ياميناءْ....

ليس غريباً بعد هذا كله، أن تصبح الألوان : الأبيض والأخضر والأزرق في الديوان، هي الطاغية على معظم القصائد. يتحسس من خلالها الطفل، الصفحة البيضاء والحمامة البيضاء والشمس والقمر والصباح والغيمة البيضاء، ويندرج اللون الأخضر بقوة في الأشجار والنخيل والغابة والربيع. ويتجلى الأزرق في الديوان عبر السفينة والإبحار.

ولعل أبرز قصائد الديوان ( أمي والشمس) التي تجلّت فيها الغنائية كأهزوجة . نتصوّر الأطفال يترنمون بها وهم يشبكون أناملهم الصغيرة ببعض في حلقة، يدورون دون توقُّف ويرددون:

يا شمسي / ياتفاحهْ/ هيّا نلعبْ/ في الساحهْ.../ تحتَكِ أرضُ مسرورهْ/ ضوؤكِ غطَّى المعمورةْ / ياشمسي/ يا تفاحهْ.../ يا شمسي / يا نوّارهْ / أهديكِ لأمِّي إسوارهْ /
أمّي يا شمسي الحلوهْ / نوركِ أبهى/ حبُّكِ أبْقى / وجْهُكِ يُرسِلُ أنوارَهْ...

..ويفتح الشاعر وحيد علي في ذهن ومخيلة الطفل باباً آخر ، وهوباب الدعابة المحببة والحوار الشعري القصير مما يقرِّبه من قراءة الشعر والاستمتاع به، بعيداً عن القوالب الشعرية الجافة والمواعظ المباشَرة. يتجلى هذا في قصيدتَي ( دفتر أمي) و
( الأرنب والسنجاب). يقول في ( دفتر أمي) :

ذاتَ صباحٍ / أعطتني أمّي دفتَرْ / قالتْ : فلتكتُب عصفورْ / فكتبْتُ عصورْ / قالتْ ضاحكةً / يا (أنْوَرْ): / أينَ ذهبْتَ بحرفِ الفاء؟!../ فكّرتُ / وقلَّبْتُ الأوراقْ / قلتُ: أخافُ إذا أكملتُ / حروفَ العصفورْ / أنْ يتركَ هذا الدفتَرْ/ ويطيرُ إلى الآفاقْ... / قالتْ عصفورٌ مكتوبٌ / ليس يرفرفُ / أويتأثّرْ / فاكتُبْ عصفوراً يا أنْوَرْ...

يؤكد الشاعر محمد وحيد علي حضوره الابداعي الغزير كمّاً ونوعاً أكثر فأكثر، بإصداره ثماني مجموعات شعرية للكبار وستة دواوين للأطفال. وبانتظار الأطفال أيضاً إصدار مجموعتين شعريتين جديدتين هما ( أحلام مضيئة) و( فراشة وأمنية) عن وزارة الثقافة السورية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى