السبت ٨ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم ظافر مقدادي

حكايات ابن آدم..

الحكاية الثالثة: الخروج

كأنّ النهرَ دربُكَ في المجرّة. يجرّكَ حبلُها الصرّي بعيداً عن مَن حَملتْ بكَ تسعاً. تسعى في سلةِ قشٍّ رحماً بديلاً يرحلُ بكَ بين المُنجّمين. تفتح فمَكَ لحليب دربِ اللبانة فتبكي حنيناً حين لا تجد صدرَ الحليب.

لم تنزلق من رحمِ أمكَ لتجد حريتَكَ عرشاً مُذهّباً، بل لتذهب مُجنّداً في حروب شمشون وتدافع عن عبوديتكَ. عبوديتُكَ بقاؤك. فتعبّد في غارٍ يُطلّ على الوادي، ونادي بالرقيق جُنداً لرب الجنود. رُبّ أمٍ لكَ لم ينكحها أبوك، ولكن حبلك الصرّي يشدك الى الرحم الأول. مُذ أوّلَ الكاهنُ رحيقَ الزهرِ مَنياً مُنِيتْ أمك بالفجيعة. سيرعاكَ بعد ذلك كوكبٌ في المجرة تراءى لربِ الجنود امرأةً، فهامَ بها.

في غارِكَ المُطلّ على وادي الملوك ستأتيكَ الوصايا لتتحرر من هدير النيل الجارف. ستَهدِر دمَ ابنِ النيل وتهيم على وجهكَ في دهاليز الشريعة. وتُشرع قلبَكَ لراعيةٍ في القَفر. سترعى قطيعَ أبيها مَهراً لاختها الكبرى، وتقتطع من عمرك سبعَ سنينَ اخرى لتحظى بسبع بقراتٍ سِمان بعدَ حظّك بالعجاف.

كيف ستعبر البحر؟ لا جسرَ للعبور. ارفعْ عصاكَ لينتصب الموج، وامضِ بالجندِ عبر نفقِ الأنبياء الى التيه الكبير. أنتَ الآن حرٌّ، ولكنّ حَرّ الطريق أطالَ عليكَ الطريق. واطرُقْ بابَ الغارِ في الوادي المقدس يأتيكَ الدليل. كدّسْ الألواحَ في خيمة أخيكَ العابد للعجل الذهبي كي لا يضلّ السبيل.
ماذا ستفعل بهذا الجيش الجائع في الصحراء؟ ستطلب من رب الجنود أن يُطعم شعبَهُ المختار، وستختار له الانضباطَ العسكري وعلومَ الحرب شريعةً: مَن لا يَقتُل يُقتَل، ومَن لا يَستَعبِد يُستعبَد، ومَن لا يُحرّر لا يَتَحرر. حَرّمْ عليهم أكلَ لحم الخنزير.. ولا تَطهُ عجلاً بلبنِ أمّه. ستقدّم العجلَ قرباناً للرب الجائع المُتعطش لرائحة اللحم المشويّ. وتُؤسس معسكرات للعصابات، وتُعلن الغزوَ صلاةً لرب الجنود. ستقتل شعباً لتُحَرر شعبك، وتستوطن أرضَهُ عِوضاً عن حضن أمك. فامضِ بالغُزاة الى نهايات الدم المسفوح للعهد.

(آرامياً تائهاً كان أبي) يقول المزمور المقدس. والآراميّ أكرمَ أباكَ ووهبَهُ مطرَ الخصبِ إلهاً، فلماذا استجَبتَ لتعاليم رب الجنود؟!. كان بوسعكَ أن ترفع الصلوات لإلهِ المطر وتَنعم بالأرضِ الحُبلى بالسمنِ والعسل. ولكنك افتتحتَ شريعتَكَ بالغزو ورائحة الولائم. مَن يعبدُ بعلاً يحصدُ زرعاً، ومَن يعبد ربَّ الجنودِ يغرق في الدماء.

تنتهي على جبلٍ محروماً من حنان أمك والوطن الموعود. سيدُقّ تلميذُكَ المُخلّصُ أسوارَ المدينة حيث علّقتْ الزانية رايتها الحمراء بلون الدم النازف من الجليل الى الخليل. سيقرأ سيرَتَكَ خزريٌ في بازِل، وسيُحيي الوعدَ إكراماً لجلالة الملكة.. أمِكَ الثالثة. يُعيدُ الخزريّ سردَ الحكاية. يخرج بشعبك من قبضة آريٍ في الأرضِ الشقراء. ويرِقّ لضحايا الهولكست قلبُ الآراميّ، ويدفع ثمنَ جريمةِ غيرهِ مرتين.
سيتقوقع شعبكَ في حارات الفقرِ في بادول خوفاً من بطشِ قيصر. وسيقطن مَن هادَ من ابناء الخَزَر حوضَ الراين. سيأخُذُهم السيل الجارفُ بصكوكِ الغُفران. سيَخون مَن خانَ الشهيدَ المصلوبَ دمَ العهد.. وينسابُ الدمُ مياهً حمراءَ في حوض النهر. وتُزَلزلُ أقدامَ الفرسان أرضَكَ الموعودة. صدّرتَ لهم الوصايا العشر فعادوا إليكَ بتروسٍ عليها صليب.

أما آنَ لنا أن نكفُر بوصايا القتلِ لربٍّ غَيور؟!. الربُّ غَفورٌ لا يُبيح دمَ خَلقِهِ بسيفِ رسول. ألهذا ضاعَ تابوتُ العهد؟!. سيتبعكَ رسلٌ وأنبياءٌ يمتطون وحياً من السماء، ويسّتلّون السيوفَ باسمِ آلهةٍ تتصارعُ على بشرٍ ليعترفوا بها، ويتخذون من بنات العبادِ سبايا، ويتبادلونهُنّ هدايا، ويرفعون قبّةً فوقَ الصخرةِ حيثُ إختفى تابوتُ عهدكَ مع الرب. يتبادلُ الأنبياءُ الأدوار.. والشريعةُ هي الشريعة والسيفُ هو السيف.

سيرفعون الكتب المقدسة راياتٍ على رماحٍ او رؤوسِ صواريخ. ويُصرّحُ مَن تعمّدَ بدماءِ العَهدِ مُنقضّاً على بابلَ إنتصاراً لأبناءِ السبي. سيتطايرُ لحمَ الحضاراتِ شظايا، وسيتظاهرُ الأنبياءُ بحُسنِ النوايا. ويُعلن مَن عبرَ طقوسَ العبورِ تصديرَ ديمقراطيةٍ لم يفهمها.

سيخرج عن وصاياك بعضُ ابنائك يُشعلون قبساً للتنوير. مَن لا يتحرّر من وهمِهِ لا يُحرّر الواهمين. سيحرّرون عقداً بشرياً بدلَ تعاليم رب الجنود. لا فضلَ لأعجميّ على عربيّ ولا ليهوديّ على مسيحيّ ولا لأبيض على أسود إلّا بالإلتزامِ بالعقد الإجتماعي. سيفصلون شريعتكَ عن الدولة.. الدينُ لله والوطنُ للجميع. سيتحفّظ على العقدِ كهنةٌ في المعابد يدّعونَ أن الأرض مُكعّبة الشكل.. ألهذا حَرّمتْ الآلهة على آدم الأكلَ من شجرةِ المعرفة.. وإبنُ آدمَ مسحورٌ بها؟!.

سيكتشفُ كاهنٌ أن الحريةَ كثيرةٌ على ابناءِ آدم، فيستلّ الشريعةَ قيداً للعبيد. ويُعيد تعبيدَ الطريقِ الى بيوتِ الآلهةِ المُتصارعة على صناديقِ الاقتراع. سيَقترِع الناخبون في الانتخابات لصالحِ المُرشّحِ القدّيس... ومَن يُنافِقُ أكثر يحصُد الأصوات.. ويُمسَح مَلِكاً في الهيكل الابيض.

الحكاية الثالثة: الخروج

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى