الأربعاء ٢ أيار (مايو) ٢٠١٢
بقلم نور الدين علوش

حوار خاص مع الدكتور كمال بومنير

 -بداية من هو الدكتور كمال بومنير؟
 في البداية أود أن أشكركم على هذا الاهتمام بالشأن الفلسفي عموما وبالفلسفة النقدية على وجه الخصوص. ولا شك أنّ هذا الحوار سيفيدنا كأساتذة وباحثين ومهتمين بالشأن الفلسفي في الوطن العربي.

كمال بومنير أستاذ بقسم الفلسفة، جامعة الجزائر.من مواليد حي القصبة العريق بالجزائر العاصمة، تلقيت تعليمي ككل أبناء جيله، حصلت على شهادة الباكلوريا والتحقت بعد ذلك بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة الجزائر، حيث تخصصت في الدراسات الفلسفية وحصلت على درجة الليسانس، ثم على شهادة الماجستير، وكان موضوع الرسالة "البُعد الجمالي في فلسفة هربرت ماركوز" بتقدير مشرف جداً عام 2001، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة في عام 2007 بتقدير مشرف جداً في موضوع بعنوان "مسألة العقلانية التكنولوجية في فلسفة هربرت ماركوز"، ثم تدرجت في الوظائف الأكاديمية كأستاذ مساعد فأستاذ مكلف بالدروس، ورُقيت إلى أستاذ محاضر في مارس 2009. أما فيما يتعلق بأعمالي العلمية المنشورة، فقد صدر لي : "جدل العقلانية في النظرية النقدية لمدرسة "فرانكفورت منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم،بيروت 2010. "النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، من ماكس هوركهايمر إلى أكسل هونيث"، منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم، بيروت 2010، "ثيودور أدورنو، من النقد إلى الاستطيقا". (إشراف وتقديم)، الدار العربية للعلوم (بيروت) دار الآمان (الرباط)، منشورات الاختلاف (الجزائر) 2011."الطريق إلى الفلسفة.دراسات في مشروع ميرلوبونتي الفلسفي".(تأليف جماعي) منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم، بيروت 2009، "الجمالية المعاصرة الاتجاهات و الرهانات".(ترجمة) الدار العربية للعلوم (بيروت) - دار الآمان (الرباط)- منشورات الاختلاف (الجزائر)، 2011. أما بخصوص الكتب التي ستصدر لي عن قريب يمكنني أن أذكر لكم : "فلسفة الاعتراف.مقاربة نقدية لمفهوم التشيؤ" لأكسل هونيث (ترجمة وتقديم) "قضايا الجماليـة من أصولها القديمة إلى دلالاتها المعاصرة" (تأليف). بالإضافة إلى هذه المؤلفات والترجمات، لدي العديد من المقالات والدراسات المنشورة في مجلات أكاديمية متخصصة، تمحورت كلها حول قضايا ومسائل متعلقة بالفكر الفلسفي الغربي المعاصر على العموم (هيدغر، دلتاي، كاسيرر، ميرلوبونتي، الخ)، وبالفكر الفلسفي النقدي لمدرسة فرانكفورت على الخصوص.

سيدي الكريم انتم من الباحثين المتميزين, في المدرسة النقدية الألمانية وخاصة في فكر الفيلسوف أكسيل هونيث ممثل الجيل الثالث فما هي الأسباب والدواعي؟

لقد تميزت أعمال مدرسة فرانكفورت بقدرتها الفائقة على ممارسة الفعل الفلسفي النقدي لذلك نالت شهرة كبيرة في الحقل الفلسفي المعاصر، وخاصة في السنوات الأخيرة، بعد نشر أعمالها الفلسفية، وخاصة الأعمال أو النصوص التأسيسية التي عُرفت بها هذه المدرسة. لقد كنت مقتنعا منذ أن شرعت في قراءة هذه الأعمال والنصوص "جدل التنوير"، " أفول العقل"، "الجدل السلبي"، "الإنسان ذو البُعد الواحد" الخ، بأنّ ممارسة النقد الفلسفي والاجتماعي ضمن إطار فلسفي موضوعي، وبعيداً عن الرؤى الإيديولوجية المغلقة والمسبقة، يمكن أن يسهم في بلورة فكر فلسفي نقدي، لذلك كان من اللازم –في رأيي- توجيه سهام النقد إلى النظرية النقدية نفسها، ومراجعة العديد من مفاهيمها ومقولاتها ومواقفها الفلسفية و السياسية التي تمت صياغتها في فترة الثلاثينات و الأربعينات من القرن العشرين وقراءاتها ضمن سياقها التاريخي، وهذا ما قام ممثل الجيل الثالث لهذه المدرسة أكسل هونيث، وقبله بقليل أستاذه يورغن هابرماس، لذلك اعتنيتُ في السنوات الأخيرة بفكر أكسل هونيث، ولأسباب كثيرة يمكن أن أذكر لكم أهمها بالنسبة لي: أولا: يُعد هذا الفيلسوف أحد الوجوه الفلسفية البارزة في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد صدور كتابه العمدة "الصراع من أجل الاعتراف"، بحيث استطاع انطلاقا من نزعته النقدية وبحكم نشاطه الفلسفي العميق وانفتاحه على مختلف الفلسفات والعلوم الاجتماعية، ومحاولته الاستفادة منها، شأنه شأن باقي فلاسفة ومفكري مدرسة فرانكفورت الذين سبقوه، من مواكبة التحولات الفلسفية و السياسية والاجتماعية، و بالتالي من صياغة نظرية نقدية جديدة وتأسيس نظريته حول الاعتراف.

ثانيا: يمكن أن تقدم أعمال و كتابات أكسل هونيث، وخاصة كتابيه "الصراع من أجل الاعتراف" و"مجتمع الاحتقار. نحو نظرية نقدية جديدة " جهازا مفاهيميا ومنهجيا يمكن الاستفادة منه في مقاربة الشأن السياسي والقضايا الاجتماعية والمسائل الأخلاقية، وفي فهم العالم المعاصر على العموم و وواقعنا العربي على وجه الخصوص.ثالثا: ازداد الاهتمام – وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة- أي منذ 2007، في الحقل الفلسفي السياسي والاجتماعي والأخلاقي بمسائل و قضايا متعلقة بمفهوم الاعتراف قصد استثمار هذا المفهوم في معالجة وحل الكثير من الإشكاليات المطروحة في الحقل السياسي والاجتماعي لعالم اليوم.

 لكن ألا ترى معي بان الجيل الثالث لا يمثله فقط اكسيل هونيث بل هناك الفيلسوفة سيلا بن حبيب ؟
 هذا صحيح، ولا يمكن- في رأيي- تجاهل فيلسوفة اتخذت موقعا متميزا على الساحة الفلسفية المعاصرة في السنوات الأخيرة، كما أنها تُعد أيضا وجها فلسفيا في ما يُسمى اليوم بالجيل الثالث لمدرسة فرانكفورت.غير أنني أشير هنا إلى أن اهتمامي الأساس في هذه اللحظة منصب بالدرجة الأولى على أكسل هونيث، وأشتغل على نظريته التي تدور على الاعتراف كما تعرفون. وأعتقد أنّ لهذه النظرية أهمية كبيرة اليوم على الساحة الفلسفية، وفي النقاشات الدائرة اليوم في الحقل السياسي و الاجتماعي و الأخلاقي، وهذا بشهادة سيلا بن حبيب نفسها لذلك استطيع القول–وبكل صراحة- إنّ هاجسي اليوم هو بالدرجة الأولى، وخاصة حينما أرتب أولوياتي البحثية، هو دراسة فكر أكسل هونيث وترجمة بعض أعماله الفلسفية (وقد ترجمت لحد اليوم كتابا واحدا لأكسل هونيث كما أشرتُ إلى ذلك من قبل).

سيدي كريم الأطروحة الرئيسية لاكسيل هونيث اتضحت في كتابه الرئيس الصراع من اجل الاعتراف فما هي الخطوط الرئيسية لهذا الكتاب؟

لم يخطئ الباحثون المختصون في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت حينما اعتبروا صدور كتاب أكسل هونيث العمدة الصراع من أجل الاعتراف في عام 1992 بمثابة حدث فلسفي بارز في تاريخ هذه النظرية بعد كتاب يورغن هابرماس الحق و الديمقراطية. ويمكن أن نجد مبرر ذلك في كونه أهم كتاب عالج موضوع الاعتراف في الحقل الفلسفي السياسي والأخلاقي.و قد تُرجم هذا الكتاب إلى لغات كثيرة كالفرنسية و الانجليزية و الايطالية و اليابانية وغيرها من لغات العالم،و للأسف الشديد لم يُترجم –على حد علمي- إلى اللغة العربية إلى يومنا. لقد عرض هونيث فيه الأفكار و المفاهيم الأساسية لنظريته في الاعتراف، و التي يمكن تلخيصها على النحو التالي: إنّ كل مقاربة لمفهوم الاعتراف حسب هونيث- تستدعي العودة إلى كتابات هيغل. إنّ أهمية هذا الفيلسوف- حسب هونيث- ترجع إلى كونه أول من حاول دراسة العلاقات الاجتماعية بوصفها علاقات بين ذوات تسعى لتحقيق الاعتراف المتبادل، وهذا على النقيض من التقليد الفلسفي الغربي الذي كان سائدا في الحقل السياسي و الأخلاقي و خاصة لدى كلٍ من مكيافيلي وهوبز، وهو تقليد قام على فكرة الصراع المستميت والحرب الضروس بين البشر، والبحث المستمر عن الوسائل الأنجع لإشباع رغباتهم و حاجاتهم، داخل ما يسمى ﺒ"الصراع من أجل البقاء"، وهو صراع تتناقض فيه الرغبات والإرادات الإنسانية.ثم عمّق هونيث فكرة الاعتراف المتبادل الهيغلية استنادا إلى مكتسبات ونتائج العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع، علم النفس الاجتماعي، التحليل النفسي)، من خلال انفتاحه الفلسفي والعلمي على أعمال العالم الاجتماعي الأمريكي البرغماتي جورج هربرت ميد والعالم النفساني الانجليزي دونالد وينيكوث. إنّ هذه الأعـمال الميدانية قادرة–حسب هونيث- على فهم حقيقي لجملة الآليات الاجتماعية والبنيوية لعملية الاعتراف. لذلك يرى أن الاعتراف المتبادل كفيل بوضع حد للصراعات الاجتماعية القائمة على السيطرة و الهيمنة و الظلم الاجـتماعي، ومن ثمة يستطيع الأفراد تحقيق ذواتهم وفق ثلاثة أشكال أو نماذج معيارية متميزة للاعتراف هي : الحب و الحق والتضامن.

1– الحب: إن الحـب –حسب هونيث– هو الصورة الأولية للاعـتراف، إذ أنه يربط الفرد بجمـاعة محددة وخاصة الأسرة التي تمكنه من تحقيق مقصد أساسي يتمثل في الثقة في النفس.

2– الحق: أما الحق فهو ذو طابع قانوني وسياسي، بحيث يتم الاعتراف بالإنسـان كذات حاملة لحـقوق ما، ولهذا الاعتراف أهمية كبيرة لاكتساب ما يسمى احـترام الـذات.

3– التضامن: أما التـضامن فهو يحيلنا –حسب هونيث- إلى الصورة الأكثر اكتمالا من العلاقة العملية بين الذوات وهذا لتحقيق مقصد أساسي يتمثل في إقامة علاقة دائمة بين أفراد المجتمع، بحيث يتمكن كل الفرد أن يتأكد أنه يتمتع بمجموعة من المؤهلات و القدرات التي تسمح له من الانسجام الإيجابي مع ضعه الاجتماعي، فيحقق ما يسم بتقدير الذات.

غير أنّ تحقيق الاعتراف من خلال هذه الأشكال أو المستويات الثلاثة ليس أمرا هينا من الناحية الواقعية، إذ كثيرا ما يجد الأفراد أنفسهم أمام ما يسميه هونيث بالامتناع عن الاعتراف، والذي يأخذ بدوره ثلاثة أشكال أساسية تؤدي في نهاية الأمر إلى ما يسمى بالاحتقار الاجتماعي وهي :

أ- من الناحية الجسمية والنفسية: وهذا حينما يتم إلحاق الأذى أو الضرر الجسماني والنفسي لشخص ما، مثل حالة التعذيب أو الاختطاف أو الاغتصاب، وهذا ما يؤدي إلى فقدان الثقة في النفس.

ب- من الناحية القانونية: وهذا حينما يتم إلحاق الضرر للفرد حينما يتم استبعاده أو تهميشه من الناحية القانونية فلا يحصل على حقوقه لأسباب إثنية أو جنسية أو طبقية أو دينية (كحالات المغتربين، النساء، السود، الخ)، غير أنّ الملاحظ عندما نتحدث هنا عن حقوق الأفراد أو الجماعات فلا يتعلق الأمر فقط بعدم التساوي في الحقوق أو في التوزيع العادل للخيرات و الثروات و إنما يتعلق الأمر أيضا – من الناحيتين النفسية و الأخلاقية- بشعور هؤلاء الأفراد المهمشين أو المحرومين بالإهانة وهذا الشكل من الاحتقار يؤدي إلى فقدان الفرد أو الجماعة لما يسمى احترام الذات.

ج- من الناحية الاجتماعية: وهذا حينما يتم إلحاق الضرر للفرد عندما لا ينال الاعتراف الذي يستحقه بالنظر إلى مؤهلاته و قدراته و كفاءاته. فلا يحقق المرتبة الاجتماعية التي يستحقها، على غرار ما يحدث مثلا في مؤسسات العمل التي لا ينال فيها الفرد التقدير الاجتماعي اللائق به.و هذا الشكل من الاحتقار يؤدي إلى فقدان الفرد هذا التقدير، لذلك فإنّ معايشة الأفراد لتجارب الاحتقار الاجتماعي تؤدي لا محالة إلى صراعات اجتماعية وسياسية، يبحث هؤلاء الأفراد من خلالها على الاعتراف في مختلف أشكاله.

  سيدي الكريم هناك من ينتقد أطروحة اكسيل هونيث وخاصة الفيلسوفة الأمركية "نانسي فرايزر" فما هي أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما مع العلم أن لهما كتابا مشتركا اسمه ما هي العدالة الاجتماعية ؟
 في البداية أود أن أشير إلى أنّ كتاب "ما العدالة الاجتماعية؟ " من تأليف الفيلسوفة الأمريكية نانسي فرازر، وقد صدرت الترجمة الفرنسية لهذا الكتاب عام 2005، أما الكتاب المشترك بين نانسي فرازر وأكسل هونيث فقد جاء بعنوان "اعتراف أم إعادة توزيع؟ وقد نُشر بنيويورك عام 2003.

هذا، ويندرج النقاش أو السجال الذي دار بين نانسي فرازر وأكسل هونيث في سياق تطوير وتعميق نظرية الاعتراف قصد إدخال بعض التعديلات على هذه النظرية (وهذا هو موقف فرازر بصفة خاصة) حتى تتماشى مع التحولات الاجتماعية والسياسية الحالية، أما فيما يخص نقاط التشابه و الاختلاف بينهما، فيمكن أن نلخصها كالتالي: نلاحظ في البداية أن نانسي فرازر تتفق مع أكسل هونيث في القول بضرورة مقاربة الإشكاليات والقضايا المطروحة في الحقل السياسي والاجتماعي من خلال مفهوم الاعتراف الذي أصبح "براديغما" يمكن توظيفه في حل هذه الإشكاليات والقضايا ضمن سياقات الفضاء العمومي الاجتماعي والسياسي، أما فيما يتعلق بالاختلاف بين أكسل هونيث ونانسي فرازر، فيمكنني أن أشير إلى أنه يتعلق برؤيتهما للشروط (أو الأولويات ) التي يجب توفرها لتحقيق مطلب الاعتراف، ففي كتابات نانسي فرازر نلاحظ بشكل واضح اهتمامها بالشروط، أو بأولوية المطالب الاقتصادية والثقافية، التي لا يمكن تحقق مطلب الاعتراف إلا باعتبارها مطالب أو تطلعات محددة على المستوى المؤسساتي أو القانوني أو ما تسميه فرازر بــ"النماذج المُمأسسة. وبالتالي لا يكفي –في رأيها- دعوة الأفراد إلى تحقيق ذواتهم أو وجودهم الاجتماعي -كما يقول هونيث– من خلال أشكال الاعتراف (الحب، الحق، التضامن)، بحيث يستطيع هؤلاء الأفراد تحقيق ما يسميه بالثقة في الذات، واحترام الذات، ثم تقدير الذات. لذلك تؤكد فرازر على أهمية وأولوية الشروط الاقتصادية (إعادة توزيع عادل للثروات والخيرات) والثقافية (الاعتراف بالمهمشين لأسباب إثنية أو ثقافية أو جنسية) على الشروط السيكولوجية والأخلاقية (تحقيق الذات)، وتحذر من المبالغة في إضفاء الطابع النفساني للاعتراف الذي وقع فيه هونيث في رأيها.لذلك نستطيع القول إنّ الاختلاف الأساسي بين فرازر وهونيث يكمن في ترتيب الأولويات فيما يخص شروط تحقيق الاعتراف، هل تُعطى الأولوية للشروط النفسية والأخلاقية أم للشروط الاقتصادية والثقافية ؟ غير أنني اعتقد أنّ أكسل هونيث طوّر نظريته في الاعتراف في السنوات الأخيرة، وعمقها لتطبيقها على الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذا ما قام به في كتاب " مجتمع الاحتقار، نحو نظرية نقدية جديدة " 2006، ثم في كتاب " التشيؤ" 2007.

 سيدي الكريم انتم من الباحثين المتميزين في الفلسفة المعاصرة فلما ذا لا تهتمون بكتابات انطوني نغري واغامبيو وألان باديو؟
 لا شك أنّ لهؤلاء المفكرين مكانة كبيرة ومعتبرة في الحقل الفلسفي المعاصر، وخاصة في المجالين السياسي والاجتماعي، إلا أنني، وإن كنتُ قد قرأتُ بعض أعمالهم – وخاصة أعمال ألان باديو- فإنني اخترت في هذه المرحلة من مساري الفكري التركيز على أعمال فلاسفة مدرسة فرانكفورت، وخاصة أعمال أكسل هونيث، ولا أخفي عليكم أنني منشغل أيضا بأحد مفكري مدرسة فرانكفورت الذين لم يتم الاهتمام بهم من ناحية التأليف أو الترجمة عندنا، وأقصد فلتر بنيامين، وعلى كل حال سيصدر لي عمل حول هذا المفكر والناقد الأدبي الكبير عن قريب إن شاء الله.

اسمح لي انتقل بكم إلى المجال السياسي، فبعد الربيع العربي ما هو وضع الفلسفة اليوم؟
بصراحة لا أرى أنّ تحولاً أو تطورا ما ستعرفه الفلسفة في واقعنا بعد الربيع العربي، وذلك لأن الفلسفة لم تلتحم عندنا بالواقع المعيش، وليس من الضروري انتظار وقوع تحولات في الحقل السياسي حتى تعرف الفلسفة انتعاشا ما. كما لا يخفى عليكم بأنّ الفلسفة لم تأخذ عندنا مكانتها، من حيث هي في الأساس ممارسة أو فعل نقدي للواقع ومساره التاريخي وتحولاته المستمرة، وهذا لأسباب يتعذر علي التطرق إليها أو مناقشتها ضمن هذا الحوار، ومع ذلك وفي خضم هذا العجز الذي تعرفه الفلسفة عندنا اليوم، قبل وبعد الربيع العربي، فإنني اعتقد (ربما بسبب نزعتي التفاؤلية !)، أنّ ما أسميه أفق "ربيع فلسفي" قد ينبثق في القريب العاجل في عالمنا العربي والإسلامي، لما يزخر به هذا العالم من أقلام فلسفية واعدة.

 باعتباركم من الباحثين المتميزين في الفلسفة ماذا ينقصنا نحن العرب لننتج فلسفة نقدية تطابق زمانها ؟
 أعتقد أنه من الصعب تصور حصول هذا الأمر في الوقت الراهن، لأنّ تأسيس فلسفة عربية نقدية وتفعيلها في الفضاء العمومي العربي مسألة جد عويصة ومعقدة ومرتبطة بجملة من الشروط والآليات القادرة على تحويل إمكانات هذه "الفلسفة النقدية" إلى ما يغير واقعنا نحو خيارات جديدة يمكن أن تحقق نقلات نوعية في سياقات فضاءنا العمومي الاجتماعي والسياسي والثقافي والحضاري، ويبدو لي أنّ أهم هذه الشروط هي:

شروط معرفية –فلسفية.

ب- شروط سياسية- تاريخية.

ج- شروط ثقافية- حضارية.

فإذا توفرت هذه الشروط يمكننا –في رأيي- إنتاج فلسفة نقدية أصيلة وفعالة، تستطيع أن تسهم في تحقيق إقلاعنا الفكري والحضاري.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى