الجمعة ٣ أيار (مايو) ٢٠١٩
بقلم إسراء أبو زيد

حُبِّي وذِكرياتي ..الجزء الأول

عن أحداث واقعيّة

الجزء الأوّل

ثأر البلد الهادِئ

أكتب هذا في الذكرى الرابعة لثأر البلد الهادئ, إنّه الحادث الذي أوقَعَني بالحُبّ،
لم تكنِ الأمور دائمًا على ما يُرام ولكنْ للقدر دائمًا تدابير خاصّة، يُرسلنا الله دائمًا لأماكن لاكتشاف أنفسنا لنعلمَ مَن نحن؟ وماذا نريد؟ لا شيء يحدث مِن قبيل الصدفة.

كنت حديثة العهد بتلك البلدة حيث نُقلتُ إليها مُؤخّرًا, ولنلقى بها حكاية طويلة ونضالًا كبيرًا, قد يتسنّى لي أنْ أقُصّه لكم في وقت لاحق, على أيّ حال كانت المرّة الأولى التي أُغادر فيها القاهرة بعد أنْ أنهيتُ دراستي الجامعيّة بطِبِّ عَين شمس, فقد كنتُ مِن المُتفوِّقين دائمًا.
خاصّة بعد تخرُّجي بثماني سنوات وفشل زواجي الأوّل –فأنا مُطلّقة بالعشرين– ولا أحيا حياة طبيعيّة بالقاهرة، الجميع يتربّص بي, ولكنّي لم أكُن أعبَأ كثيرًا.

تمّ إرسالي في مهمة طبيّة بالصعيد وجه قبلي تحديدًا محافظة سوهاج, قرأت كثيرًا حول المحافظة ومدى بهجتها ومعالمها السياحيّة, ولكنْ عندما هبطتْ طائرتي بمطار سوهاج, أخبرَني جوجل أنّ المطار بجرجا ولكنْ فور وصولي علمتُ أنّه بين منطقتي الكوامل وجيهينة، واستقلَّيْنا الأتوبيس لوجهتنا دار السلام شعرت بأنّ الطبيعة بها كئيبة والشوارع بها حزن تشعر به, الطرق والأرصفة تخبرك عن صمت عميق غير مُفسّر.

أتصفَّح النوت الخاصة بي لأراجع ما جمعتُه مِن معلومات حول المدينة سوهاج، تتكوّن مِن 12 مركزًا، وتضمُّ 12 مدينة، و3 حيّ، و51 قرية رئيسة، و270 قرية تابعة، بالإضافة إلى 1445 عزبة ونجوعًا, تقع محافظة سوهاج في مركز متوسّط بالنسبة لمحافظات الصعيد، حيث تبعد عن القاهرة 467 كيلو مترًا.

يقسمها نهر النيل إلى جزأين: شرقيّ وغربيّ, وعن هذا فتمَّ مُؤخّرًا إنشاء كــوبرى جـرجــا دار الســلام الذي أنهى العـزلة بين الشــرق والغــرب.

أغلقَ النوت الخاصة بي وأسرح بخيالي مِن الشبّاك أُحدِّث نفسي عليَّ ألّا أُكَوِّن صداقات وأكتفي بالاستمتاع بوجودي بالمدينة بزيارة الأديرة والمعالم الخلّابة.

ورغبتُ أنْ أحيا وحيدة بين عملي وكتبي والسياحة فقط, ولكنّ قرارتنا ليستْ أمنيات, دائمًا للقدر تدابير أخرى.

أطالع دفتري مرّة أخرى عن مركز دار السلام، يقع المركز جغرافيًّا في الجنوب الشرقيّ مِن المُحافظة ويُعَدُّ مِن أكبر المراكز طولًا ومِساحة، ويحدُّه مِن الغرب نهر النيل، ومِن الشرق سلسلة جبال البحر الأحمر. وأهمّ ما يُميِّز دار السلام اتّساع رقعتها شرقًا حيث وديان قصب ووادي قنا، وهذه الوديان تمتدُّ إلى الغردقة. تتميّز قبائل المركز وفصائله بالتقارب والتعايش السلميّ قياسًا بالمحافظات المجاورة، النعيم ينتظرني هناك، أعلم ذلك.

وصلتُ في ذلك اليوم إلى السكن الخاصّ بي ونِمتُ مِن الإرهاق وتعب السفر ولم أُفكِّر بأيّ شيء آخر.

وبدأت حياتي العمليّة بعد ذلك وعن العمل ((بمستشفى السلام المركزي)) فكانَ يُحتِّم عليّ المُكُوث لأكثر مِن ثماني ساعات باليوم الواحد, خاصّة أنِّي كنتُ الطبيبة الوَحيدة, مرَّ شهر على هذا الحال, لم تكنْ لي الكثير مِن الصداقات ولم أسعَ لذلك, فكُنتُ أُحدِّث نفسي دائمًا بأنِّي سأُغادر هذا المكان النائي يومًا ما دون أنْ أرجعَ إليه ثانية.

وفي حقيقة الأمر أهل البلدة كانوا طيّبين جدًّا ولكنْ ظلَّ الفراغ بحياتي وبالأيّام التي قضيْتُها هناك, غير بعض الأكلات التي تعلّمتها، مثل الويكه, أمّا بالنسبة للعيش الشمسيّ فيبدو أنّ أسناني ليستْ قويّة بما يكفي لقضمة, ولكنّي استطعتُ قضم الجلاب والفايش و”السخينة” والدقاشة وتعني البلح الذي يسقط مِن النخل ولكنْ قبل نضجه، ويكون لونُه أخضر، ومذاقه الأفضل.

كثيرًا ما كانت تُحاول عائشة المُمرّضة أنْ تدمجني في الحياة حتّى لا أشعر بالوحدة، كثيرًا ما كانت تُحدِّثني عن أحداث الثأر هنا, تقصّ لي الحكايات وكأنَّ الأمر عاديّ وأنا أرتعبُ خوفًا مِن حكايتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى