الأحد ٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٨
بقلم سماح خليفة

ذاكرة قيد الموت

من نافِذة القدرِ أطلّت بوجهها العابق بالحياةِ ورأسها المثقل بالأحلام، عيناها الدافئتان، ابتسامتها الملونة بألوان قوس قزح.

ترقُبُ نساءَ الحيِّ ينسجْنَ أثوابَهنّ من فرحٍ وحكايات، يطرّزنها بالأمل، يمشْطنَ شُعورهنّ بأناملَ خضراءَ تُزهرُ على مفرقِ غيمةٍ هطلت حُباً؛ فدثّرت أجسادَهُنّ بِمعطَفِ الصّبر.

حبةُ خالٍ في وجهِ الصّباح هي، قُبلةٌ في جبينِ الكون، تخطو بموسيقى هزمت صخبَ الموتِ الثّائرِ في شرايينها، الغائرفي دمها القاني.

في كُلِّ رحلةٍ شَيّدت مُدناً لبناتِ الحيّ، حاكت قصصاً للحُبِّ على ظهرحصانٍ أبيضَ بعفويةِ سربِ الطّيور المُعلّقِ بضحكاتها المُتتابعة.

صنعَتْ من سنابلِ القمحِ المُشرقَةِ بينَ يديّ والدها ذاكِرةً من حُبٍّ، وأوردَت قوافلَ العِشقِ الأبديّةِ على ساقِيةِ الخُلود.

هزَمتْ غولَ الحرب، لَثمَتْ جِراحَ الأبطالِ الماثِلةِ قُلوبهم في عيونِ الفاتِنات، لكنّهم استأثروا حضنَ الارضِ الأكثرَ دِفئا.

حارِسةُ السعادةِ هي، على خصرِها الممشوقِ نبتت فراشاتٌ بأثرِ الشمس.

تبتسمُ فيفيضُ النّهرُ، وترقُصُ على ضفتيه ظبيةً شاردة، ثم تبتسم فيتفجّرُ الكونُ أغنيةً على شفاهِ أنثى، والأرض أهازيج فرح.

تبتسم فتُبرِفقُ الأحلامُ وتُرعِدُ المغامراتُ؛ فيقتاتُ الجوعى خيرا لفظَته الأرضُ من أحشائِها بعدَ طولِ مخاض.

تبتسمُ فتنهالُ في وجهِها ضحكاتُ أطفالٍ قذَفَتهمُ الحربُ على قارعةِ الطّريق؛ فألبَسهم الفقرُ ثوبا أخرقَ لِجوعٍ كافر.

خبّأت أحجارَها في صندوقها الوردي، شقّت بابَه قليلا بعد أن رسمَت خيالاتٍ لأبناء الحيّ الذين رحلوا وتركوا لحبيباتِهم رسائلَ مضمخةً بدمائِهم المختومةِ بختمِ الدّمعِ الذي لم يجفّ حتى اليوم.

عقدَت صفقةً أبديةً مع الحياة، تقلّدَت دفّتَها وأطلقَت أشرِعتَها ووجّهَت مركبَها.

لكنّها... نسيَت أن تسحَبَ رملَ الموتِ من تَحتِ قَدمَيْها


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى