الأربعاء ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥
بقلم زكية علال

ذل مقيم .. وعزة عابرة

منذ زمن طويل لم أشعر بالعزة وأنا أنتمي إلى أمة كانت خير أمة أُخرجت للناس ، وكان من الطبيعي أن تجعل أفرادها شامخين، لكن حدث ما هو غير طبيعي وأذلّنا حكامنا على مر القرون .. منذ أن فتحت عيني على الحياة ومنذ بدأت أعي ما يدور حولي وماذا يمكن أن يمنح الانتماء للإنسان غير الرغيف ورغد الحياة . لم يحدث موقف عربي واحد ـ على امتداد سنوات عمري ـ يجعلني ألتفت إلى غيري فخورة بانتمائي.

منذ أن تفتّح وعيي على العالم القريب مني والبعيد عني وأنا أحس، بل، أجد أنّ دماءنا ماء يسيل في هذا الوطن العربي الممتد دون أن يبكي عليه أحد حتى من أهله ، وأنّ دم غير العربي ـ ولو كان وحشا يأكل لحم البشر ويرتوي من دمائهم ـ دم حار يجد من يحزن عليه وينتقم له ويجعل العالم كله يقف دقيقة صمت حسرة عليه.......

منذ صدمة الوعي الأول، وانا أرى أنّ قتل فرد غير عربي في غابة معزولة جريمة لا تُغنفر، وأنّ قتل شعب عربي آمن قضية فيها نظر ولابد أن ننتظر مجلس الأمن لكي يعقد دورته العادية ليبثّ في أمر هذا الشعب الذي فُجع أمنه، وشُرّد أطفاله. وإذا صادف وأن أقرّ هذا المجلس كلمة حق يقف لها الفيتو بالمرصاد، فتعلو كلمة من بيده الحلّ والربط، ويصمت من لا يملك حتى أمر نفسه ......

ما حدث صبيحة الأحد في باريس جعلني أتأكد أن الشموخ ليس قريبا، وانّ عمر الهوان سيمتد إلى أن يواريني التراب وأوّرثه لأولادي وأحفادي كما ورثته عن آبائي وأجدادي .. خمسون رئيس دولة في العالم يحجون إلى باريس ليقولوا لا للإرهاب، وبصوت واحد لأن مواطنين فرنسيين سقطوا برصاص غدره، والأدهى أن عباس كان يسير على بعد خطوات من نتنياهو، وعلى خط واحد وكأنهما على اعتقاد واحد لمفهوم الإرهاب، أو أنهما اتفقا أخيرا على مدلول كلمة " الإرهاب".. حَرْق غزة في نهاية 2008 ، وصائفة 2014 ليس إرهابا، بل هو حماية للحدود الأمنة لإسرائيل.. تدمير المنازل على رؤوس العائلات وطمسها تحت الإنقاض ليس إرهابا بل هو لعبة مسلية لليهود الذين يجدون نشوة في الرقص على أشلاء بشر يعادون السامية .. بكاء الأطفال والرضّع الذين شوههم رصاص الصهاينة، وفقأ عيونهم ونفذ إلى أحشائهم، وعبث بأجسادهم الصغيرة ليجعل منها خريطة بثقوب دامية، ليس إرهابا، بل اختصار للمسافة التي تفصل عن خريطة إسرئيل الكبرى، وهؤلاء الصغار ـ لو عاشوا ـ سيقفون في وجه هذا المشروع الذي قَرُب تحقيقه، ولهذا لابد من التعجيل برحيلهم .. فرْض الحصار على شعب آمن وتجويعه، وجعْله يعيش في ظلام دامس لعدة ليالي، ليس إرهابا، بل هو يشبه لعبة الغميضة، وعلى أهل غزة أن يُديروا وجوههم إلى الحائط، بينما اليهود يعبثون بقوتهم وديارهم وأولادهم وحدودهم قبل أن يصيحوا " افتحوا الآن " ليفتحوا على غزة وقد انعزلت على كل العالم ولم يعد يصلها شيئ مما تقتات منه، ولا حتى الدواء الذي يمنع المرض من أن يفتك بالجسد، ولا أمل لها حتى أن تعبر بمرضاها إلى الدول المجاورة لإسعافهم ..... كل هذا ليس إرهابا، وقتْل نفر من الفرنسيين على يد مواطنين فرنسيين جريمة ، بل إرهاب، ويجب على العالم كله أن يتضامن مع الشعب الفرنسي ويصرخ بصوت واحد " هذا إرهاب " ومن لم يفعل ذلك فهو إرهابي ....... إنه منطق عالم يسير برأسه مغروسا في الأرض ويرفع رجليه ليكشف عن نتانة النوايا .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى