الجمعة ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم حسين حمدان العساف

رد على تعقيبيْ دراسة ديوان (ذهولات)

ما كنت أعلم بالتعقيبين المتأخرين على دراستي ديوان ذهولات للإستاذ أحمد القادري المنشورة في موقع ديوان العرب إلاّ في وقت متأخر، أخبرني بهما أحد طلابي الأعزاء، ولم يخبرني بهما موقع ديوان العرب، وكان عليه أن يخبرني بهما من تاريخ نشرهما لأرد عليهما في ذلك الوقت، لذا فإن الموقع قصرمعي في هذا الجانب، وأنا عاتب عليه لهذا التقصير، على كل حال جاء التعقيبان متأخرين عن نشرالدراسة، وجاء تعقيبي عليهما متأخراً أيضاً.

وددت لو أنني رأيت في الردين تصويباً لخطأ أو كشفاً لثغرة في المقال أورداً لشطط ورد في الدراسة، إذن لكان التعقيبان نافعين لي، أستفيد منهما، وأشكرهما عليهما، لكنني وجدت فيهما ما ينم عن أن قراءتهما لدراستي سطحية، لاتفهم ما بين السطور فكيف تنفذ إلى ما أريده من خلف السطور؟ وهذه ليست مشكلة نص الدراسة، وإنما هي مشكلة قارىء النص، هذه مشكلة تعانيها النصوص الأدبية أو النقدية من القراء السطحيين الذين يسيئون فهمها. وأنا أعرف أن الدراسة النقدية الجادة التي لاتحابي صاحب النص المنقود، ولا تجامله غير مرحب بها من صاحب النص المنقود إذا كثرت مآخذها عليه، أو إذا وضعت النص في منزلة أدنى مما يريده صاحب النص.

وقد تنتهي الدراسة أحياناً إلى نتيجة يتبرم منها صاحب النص، فلا يرضى عنها إلاّ إذا كال الدارس على النص ثناء لا يستحقه، وأطرى عليه بما ليس فيه، وتخلى عن منهجيته وموضوعيته في دراسته، وعـذراً من المعقبين فإنني لا أستطيع أن أكون كذلك. ولا أدري ما إذا كان المعقبان شخصاً واحداً مثل دورمعقبين اثنين، جاء تعقيبهما في وقتين متتالين بينهما يوم واحد، يؤيد أحدهما ما يقوله الآخر، أم هما مؤلف ديوان(ذهولات) الأستاذ أحمد القادري نفسه متستراً خلف معقبين وهميين. وسواء كان هذا الافتراض صحيحاً أوقريباً من الصحة أو غير صحيح فإن زعمهما أنني تحاملت على مؤلف الديوان وحاقد عليه باطل من أساسه، لايستحق الالتفات إليه، فليس بيني وبين الأستاذ أحمد القادري ما يوجب هذا التحامل أو الحقد.

وأقول للسيد المعقب الذي سمّى نفسه خالداً من غيرأن يذكركنيته لأتعرف إليه، وهو يعتز أنه واحد من عـداد أجيال الطلاب الذين تخرجوا من بين يدي الأستاذ أحمد القادري: إذا أفضت دراسة ديوان مربي الأجيال إلى غير ما يتمناه أستاذك، ويرغب به أنصاره، إذا كان له أنصار، فهل في هذا إلغاء لدوره في تربية الأجيال أم أنّ شخصيته لا تكتمل إلاّ إذا سلم الآخرون له بلواء الشعر؟ وأنا أغبط الأستاذ أحمد القادري على فهم هذا الطالب الذي تخرّج من بين يديه لوظيفة النقد والشعر، هذا الفهم يدل على أن غرس الأستاذ أحمد بدأ يؤتي ثمره يانعاً شهياً، فـقـد زعم المعقب خالد:(أنّ هناك ظاهرة(منشرة ـ يريد أن يقول:(منتشرة) الآن أخطر من ظاهرة المتشاعـرين، وهي وظيفة من لا شغل له، ألا وهي ظاهرة النقاد، وهي مهنة من لا مهنة له، فالنقـد أسهل شيء على الإنسان، أمّا أن يكتب مثل هذا الشعر، فهذا مالا يقدره) النقد بنظر طالب الأستاذ أحمد سهل، بوسع أي امرىء أن يكون ناقـداًً، لا يحتاج إلى ثقافة أو دربة أو خبرة، فهو ليس بعلم ولا يهدف إلى البناء والإصلاح والتطوير إنما هو مهنة من لا مهنة له، يريد أن يقول: إن الناقـد لا يرتقي إلى منزلة الشاعـر، لأنه لا يستطيع أن يكتب الشعر، ويفهم من كلامه أنّ الناقـد لا يحق له أن ينقـد الشعر مالم يكن شاعـراً.

وهذه النظرة إلى وظيفة النقد ودورالنقاد قاصرة وجاهلة، تدعـو إلى إلغاء دورالنقـد في مختلف أوجه حياتنا الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها، وإذا طبّـقـنا فهم المعقب حفظه الله من كل سوء على أرض الواقع، لكان على صائغ المجوهرات أن لا يكشف صحيحها من زيفها إلا إذا صنعها بنفسه، وإذن لكنا ألغينا في هذه الحال تاريخ النقد من تراثنا، وجلّ نقاد الشعر القدماء والمحدثين ليسواشعراء، وأنا أعـترف للمعقب أنني لاأكتب الشعر، ويسعدني ان لا أكتب مثل هذا الذي أسماه شعراً. ويضيف قائلاً: إنّ هذا الشاعر يكتب الشعر لمجرد الشعر.
وإذا كانت وظيفة الشعر كما فهمها طالب الأستاذ أحمد القادري لمجرد الشعر دون أن يكون للشعر غرض يرمي إليه، هو المتعة والفائدة والهدف، فإنه يصير ضرباً من اللغو لا طائل منه، وهو يسيء بنظرته هذه إلى ديوان أستاذه الذي يتظاهر له بالتجلة والاعتراف بالفضل، فتكون قصائد أستاذه وفقاً لهذه النظرة لوناً من ألوان السخف لا يستحق القراءة، ويشيرالمعقب أخيراً إلى شعرالأستاذ أحمد بديوانه، فيقول: (كما أنها) وها الغائبة في أنها تعود على الشعر، وقد أنث المعقب المذكر، كما فعل أستاذه أحياناً في ديوانه، ولغة المعقب تكاد تكون لغة الأستاذ أحمد القادري) يقول: (كما أنها ليست قصصاً واقعية)، وليت شعري كيف عرف المعقب أن غراميات المؤلف في ديوانه ليست واقعية، وقد حدد المؤلف أوقاتها وسمّى أماكنها؟ ولو صدق المعقب أنه كان طالباً عند الأستاذ احمد القادري، فكيف عـرف أن غرامياته كانت غير واقعية لولا أنه اطلع على شأن من شؤون حياته الخاصة، فهل الطالب يطلع على تفصيلات حياة أستاذه الخاصة؟ نحن نجل معلمينا وطلابنا يجلوننا، ولكننا لا نعرف عن حيواتهم الخاصة، ولايعرف طلابنا عن حيواتنا الخاصة بمثل ما يعرف هذا المعقب عن المؤلف، فثمة حواجز من الهيبة بيننا وبينهم تحول دون النفاذ إلى شؤونهم الخاصة، وهي في الحقيقة لا تعنينا في شيء، وقد أكد لي المؤلف أنّ غـرامياته في الديوان هي واقعية ليست من نسج الخيال، فهل من الأدب أن يكذب الطالب أستاذه؟ أهكذا يقدرالطالب أستاذه الذي تخرج من بين يديه؟ أجرك على الله يا أستاذ أحمد من لباقة هذا الطالب وأمثاله، وعوضك عن غرسك هذا كل خير!! ليس الذي كتب التعقيب بطالب.

أمّـا المعقب الثاني الذي سمّى نفسه عبدالله دون أن يذكر هو الآخر كنيته، فيرى أنني أحسد المؤلف، يريد أن يقول (أغبط المؤلف) فعلام أغبطه؟ وماذا رأيت في ديوانه ما أغبطه عليه!! ويزعم أن مؤلف الديوان يتمتع بموهبة فذة، ربما يتمتع المؤلف بموهبة فذة كما يزعم، لكنها في غيرالشعر، وتمنيت لو أنني رأيتها في قصائد ديوانه، لكنت أشرت إليها، وهنأته عليها، ويزعم أنني ألجأ إلى المراوغة في أسلوبي، ولو أنه كان قارئاً جيداً ما قال هذا الكلام، ولكن الذي يروغ في أسلوبه من ينتحل شخصية طالب، ويتستر خلف أسماء وهمية، لا يجرؤ أن يرفع رأسه، ويعلن اسمه الحقيقي.

إنّ موقع ديوان العرب الذي تفضل، والشكر له بنشر دراستي، يدرك أهمية النقد في إثراء وتطوير حياتنا الثقافية والأدبية والفكرية والسياسية، ويفهم وظيفة النقد ودورالنقاد والشعر ودورالشعراء، ويفسح المجال للرأي والرأي الآخر من خلال التعقيب على كل مقال منشور حتى لو كان المعقب يخوض في جهله، لا يعرف كوعه من بوعه، ويحسب أنّ كل ما يلمع ذهب.

سورية/ الحسكة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى