الاثنين ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم بسام السلمان

رواية الجسد المستباح ـ القسم الرابع والأخير

اعتصر الأسى قلب أمي وهي تودعني ليس لأني مغادرها وهي تعلم أني سأعود إليها، ولكنها لا تثق بالأيام … قبلتني لمرات عدة وضمتني طويلاً … كطفل يذهب إلى مدرسته لأول مرة … وبكت أمي وبكيت … بكينا معاً وانتحبنا حتى بكت معنا كل طرقات الرمثا وأشجارها وحجارتها.
سوف أغادر الرمثا … المكان الذي عشت فيه مرتين وتغربت عنه مرتين…

ركبنا السيارة التي تنقل الركاب مرتين في الأسبوع … ولأني دكتور فقد حجز لي السائق المقعد الأمامي بقربه … وتحركت بنا السيارة ببطء وأمي تقف مودعة طفلها الذي لم يكبر ملوحة بيدها وقلبها ينبض بدموع عينيها.

تحتاج المسافة من الرمثا إلى عمان ثلاث إلى أربع ساعات تمر خلالها بقرى ومدن، وترى خلالها أناس يعملون في حراثة أرضهم أو زراعتها وآخرون يرعون أغنامهم.

عندما قدمت المرة الأولى قبل الأيام القليلة التي مكثتها كنت أتعجل السيارة للوصول إلى حضن أمي.

وهذه اللحظات تمر دقائق متناقضة، فتارة أريد أن أظل في الرمثا عند أمي أمسح دمعتها، ولحظات أخرى أريد أن أصل بسرعة لأرى أبي وزوجته التي حضنتني بدفئها كابن لها … وسناء التي لا أدري تزوجت أم لا؟ا …

الرسائل التي كانت تصلني من زوجة أبي كانت سناء تكتبها لها إضافة إلى رسائل سناء … ولكن في الأيام الأخيرة من دراستي لم تكتب لي بذاكرته وإنما بلسان زوجة أبي ولا أدري ما هي الأسباب.
آخر رسالة وصلتني بخط سناء كانت القنبلة التي فجرت غربتي وذاكرتي.

كانت الشرارة التي جعلتني أطير من باريس الغربة ذات السنوات السبع إلى الرمثا ذات السنوات الطويلة والغربة البعيدة …
كتبت زوجة أبي تخبرني عن أمي واستحلفتني أن لا أخبر أبي بأمر هذه الرسالة …
وقالت لي في الرسالة :
((أخبرك يا ولدي الذي لم ألده ولم أحبل به ولم أشعر بألم المخاض عند ولادته حتى ولا طلقة واحدة …
أنت بمكان ولدي ولكني لم أرضعك قطرة حليب واحدة ولم أسهر على راحتك خمس سنوات هي أهم سنوات في عمر الطفل … فأنا يا ولدي الذي لم يوقظني مرة واحدة في منتصف الليل جوعاً يطلب ثدي الحليب من أمه … أنا يا ولدي مع إنك لم تتوقف لحظة واحدة عن مناداتي بكلمة أمي … وأنا كنت أمك وأختك وأخيك وصديقك.
قد تستغرب لماذا اكتب لك هذه الكلمات في هذا الوقت الذي أنت فيه تعد العدة للعودة إلى وطنك وتحرق آخر أوراق غربتك وتعود إلينا دكتورً تغرب سنوات طويلة ودعنا قبلها شاباً يافعاً وعاد إلينا رجلاً كامل الرجولة.

اكتب لك وأنا متأكدة أنك لن تتغير من جهتي أو تنظر إليّ نظرة زوجة الأب التي تآمرت عليك لتنسيك طفولتك وذاكرتك …
أخبرك في هذه اللحظات عن أمك … أمك أنت التي حملتك تسعة أشهر وخاضت بك الآم المخاض وأرضعتك سنواتك الأولى.

من أين تبدأ حكاية الدمع؟ ومن أي وجع يطلع الألم؟ ولماذا يختصر الألم احتضان الأحزان يا ولدي … كانت أمك تختار الصمت عباءة لكلماتها وتتشح ببهاء الصبر … حكاية آلام أمك يا ولدي مع دموعها، لا تروى عادةً بالكلمات في لحظات الفجيعة التي تتسع وتصير أزمنة مديدة القامة، طويلة العناء، وشديدة المعاناة، والحكاية يا أغلى الناس … الحكاية كانت لامرأة دفع بها الحزن إلى حافة العجز حاملة معها سجلاً حافلاً كأنه شرفة تطل على إنجازات قام بها الزمن وإلى ما بثه دفتر حنون يضم صوراً لك ولزوجها ولأطفالها مكتوبة لامرأة أطلق عليها الجميع فاتنة الرمثا.

… هذه الجميلة الفاتنة كبرت على الكلام، ورواية سنوات الأمومة … بأفراحها وآلامها، بنجاحاتها وأمجادها والحزن الفائض الذي لم يفارقها … الحزن الذي تعيش معه من زمان … والبيت الذي تسكنه تقيم فيه مقبرة تجتمع حولها ذكريات وعتمات ونسيان.

صعبة هي الحكاية يا ولدي … وأصعب منها أن ترويها الأم التي ربتك وعلمتك …
إن الألم يأكل معي كما يأكل معها في صحن واحد … صحن الوجع … وانتظارات الأيام.
كانت مريم تظهر قوة في الاحتمال … ومناعة أمام جدوى الإفصاح عن المعاناة …
أي آلام هذه الآلام وأي أم تستطيع السير على هذه الجلجلة.
وكبرت الأحزان في قلب أمك … وصارت المقبرة تزين بالأشرطة البيضاء والورد الأبيض أكثر فأكثر … لقد استبيح جسدها كثيراً وتعبت ذاكرتها أكثر.
هذه كلمات أرويها لك حتى تعلم أني لم أتآمر عليك كزوجة أب بل كنت أمك التي منحتك حبها وأمومتها…

كانت مريم تعيش هذه الظروف بمرارة وكنا نسمع عنها الأخبار لا منها … أخبار لا تسر صديقا ولا عدوا … وختم الرضى حياتها وتركها وحيدة تعيش الغربة في قريتها وبين أهلها … كأنها عجوز في التسعين…
ربما تسأل يا ولدي لماذا أخبرك بهذا الآن وما هي الدوافع … لا أريد من ولدي أن يعرف هذا الأمر من غيري … لأنك لابد وأن تعرف هذه الحقيقة فتعتقد وقتها أني تآمرت عليك … وإذا علمت مني ففي هذه الأيام وأنت تحزم أمتعتك لتعود إلينا فإني أكون والله أعلم يا ولدي أديت تجاهك أمومتي ورعيتك في غربتك ولم أخف عنك ماضيك وذاكرة لابد لك من أن تعرفها.))

وصلت بنا السيارة إلى جرش … نسير ببطء شديد كالذاكرة تسير ببطء لا تريد أن تفارق الجسد …
جرش هذه المدينة العربية المارة من الزمن الذي لا يعرف له وقت ، جرش إحدى المدن العشر العظيمة التي حمت ممالك وإمبراطوريات ورسخت حضارة دول وفنون شعوب ..جرش مدينة عربية بحجارتها وشوارعها واعمدتها .
ولكن لماذا لم تكتب لي عن سناء؟ … سناء حبيبتها …
ولماذا سناء لم تكتب لي؟ وأبي لم جعلني أعيش يتيما كل هذه السنوات؟ أهو الحقد؟ … سامحك الله يا أبي.

قبلت يد أبي ورميت بجسدي في حضن زوجته أمي التي لم تدع لأبي فرصة لسؤالي عن صحتي …

بحثت عن أي شيء يخبرني عن غياب سناء من ذاكرة المنزل ومن ذاكرة الرسائل … بحثت عن أي شيء يخبرني بخبرها …

قالت أمي تريد الإجابة عن نظراتي الباحثة عن الحبيبة التي رافقتني في غربتي بسكناها بذاكرتي:

  ظل أن نبحث عن العروس.
  العروس؟
  نعم … ألا تريد أن تتزوج؟
انخفضت دقات قلبي كلها وارتفعت بصورة مفاجأة بزمن واحد وأحسست بالخوف يسيطر عليّ من رأسي حتى أخمص قدمي.
وزادت خوفي ورعبي:
 وجدت لك عروسا بنت حلال.
  بنت حلال !! وهل يوجد عرائس بنات حرام؟
  ستجد العروس التي تليق بك.

سأجد العروس التي تليق بي … وعروس بنت حلال … أشعر أن هناك أمرا عظيما وراء هذه الحروف الحزينة … بعد عودتي من بين أحضان أمي.
كنت آمل أن أجد حضنا آخرا غير أمي يتلقاني حضن سناء … لماذا بنت حلال؟ لماذا ليست سناء؟ أتكون الرسالة التي كتبتها أمي بخط سناء له مدلول آخر؟ … أتكون انسحبت لتتركني لأمي أعيش معها سنوات أحتاج فيها إلى الأمومة وقد أنسى فيها أي شيء آخر … كانت آخر جلسة مع سناء قبل سفري للمرة الأخيرة وكانت المرة الأخيرة التي أقرأ رسالة بخطها وفكرها … توقفت عن الكتابة لي نهائياً ولم اسمع عنها خاصة في الفترة الأخيرة … كانت الجلسة الأخيرة أكثر صراحة من أي مرة أخرى.

سألتني سناء بعد أن شربنا وجلسنا وحدنا فوق تلة تطل على عمان وترى منها كل عمان الواقعة على سبعة جبال عظيمة … أسواقها، مساجدها، كنائسها …
عمان حلم عربي يريد أن يتحقق كله عربي وذاكرته عربية مليئة بالأجساد العربية التي حطت فيها تريد الخير …
نرى الناس وهم يسيرون فرادى وجماعات …
قالت سناء بعد أن رفعت عينيها الجميلتين:
  أخبرني … حدثني عن النساء.
  أنت النساء كل النساء من ألفها إلى يائها، أنت حواءي التي ولدتني وأنت هاجر التي رعتني وحيداً في صحراء مقدسة تبحث لي عن ماء وطعام … فوجدت الأمان والحلم والطفولة بحبك لي.
  أريد أن أعرف عنك كل شيء، عن غربتك التي لم تحدثني عنها ولم تكتب لي أحرفها وكلماتها، عن الذاكرة المخبأة في جسدك … أريد أن تستبيحها لي … ماضيك وحاضرك.
  أنتِ الماضي والواقع والمستقبل … أنت الحياة التي عشتها وسأعيشها.
  ولكني أريد معرفتك انت منك .
  سوف أحكي لك فصدقي ما شئت واتركي ما تريدين … أنت تعرفين … تعرفين قبلي أن أمي ماتت في طفولتي وفي ذاكرتي وإن كانت هذه السيدة العظيمة كانت صدر الأم الذي فقدته … كانت تمنحني الحب والحنان لكنه كما قلت لك تمنحني ولم تقدمه كواجب عليها … لم أستطيع أن أكون صورة لأمي لأنهم لم يخبروني سوى أنها ماتت وأنا صغير وحفظوني اسمها مريم …
لا يستطيع الإنسان أن يهجر ماضيه … فالماضي هو أساس الحاضر والمستقبل ولا تنسي أن هذا الحاضر وهذه الثواني ستصبح ماضيا والمستقبل حاضراً ويسير ليصبح ماضيا فهل ننسى كل هذه اللحظات والثواني التي نعيشها … لا فالماضي هو كل الحياة … ومن يعيش بلا ماض كالذي يسكن الصحراء لا ماء ولا طعام ولا مسكن …
تصوري أيتها الغالية إنساناً لا يجد طعاماً يأكل أو ماءً يشرب ولا شجرة خضراء تقيه حر الشمس ويقول إنه سعيد في تلك الصحراء … عرفت خلال دراستي وغربتي ثلاث نساء.
قالت ساخرة:
  ثلاثا فقط!.
وعينيك الجميلتين وذكرى أمي إن ما أقوله حقيقة … فصدقي ما شئت واتركي ما تشائين، كانت إحداهن يهودية تعمل بالصحافة … كان اسمها سيراندا، والثانية تدرس اللغات الشرقية ، والثالثة موظفة بنك، .
  احك لي عن اليهودية أولاً.
  لا سأتركها وسأحكي لك عن طالبة اللغات.
دعاني صديقي لحضور محاضرة له عن الخمرة والمرأة في الشعر العربي، برع فيها صديقي بالحديث عن الشعر العربي وكان الحوار بيني وبين المحاضر طويلاً استطعت أن أثير الانتباه فيه … وكانت تجلس بقربي فتاة في العشرين من عمرها وكانت تنظر إليّ بإعجاب –هي قالت لي ذلك- وكانت تبتسم … وقالت لي:
عرفتني بنفسها وقالت:
  أدرس اللغات القديمة وأحب الشرق وحياته البسيطة …
ودعتني إلى فنجان قهوة.
وقالت لي:
- أريد أن أريك شيئاً في شقتي يتعلق بحضارة الشرق.
  وهل ذهبت؟
  نعم، ذهبت … ذهبنا مشياً على الأقدام … كانت رائحة جسدها تشدني بسرعة إلى البيت وكانت في الطريق تحدثني عن حضارتنا وعن شرقنا المليء بالذاكرة والأمكنة والحكايات …
  كانت اليهودية تحب الشرق … كانت تتحدث وتتحدث وأنا مشغول بلون شفتيها ورائحة شعرها … دخلت بيتها فأجلستني وأحضرت كأسين وشربنا معاً.
  شربت؟!
  علمتني الشرب الصحافية اليهودية… هي التي سقتني أول كأس ولكني أقسم بعيون أمي أني تركتها … وشعرت بالخمرة تلعب برأسي … ورأيتها عارية وقالت:
  هيت لك ملكتك نفسي لحظة واحدة … هيا اقترب … لا تتردد … لا أريد منك إلا أنت … أنت أيها العربي … فأنتم أقوياء وشعب كريم.
تقدمت نحوها وشعرت بأنفاسها الحارة … وشفتيها المنفرجتين تنتظران مني الاقتراب وكدت أقبلها … وبلحظة قوة … أو ضعف لا أدري ما هي دفعتها للخلف.
كانت موظفة البنك قبل أن أقتلها تقول:
أنهم شعب الله المختار.
وهذه طالبة اللغات الشرقية تقول أنهم شعب الله المختار و تقول: انتم العرب شعب الله المختار.
أشعلت سيجارتي وأشعلت معها ذاكرة جسدي الميتة … لماذا أنا بالذات؟ لماذا اختارتني؟ لأني عربي؟ … وأخبرتها أني أعيش لامرأة واحدة سخرت مني وقالت:
  تريد أن تعيش حياتك لامرأة واحدة؟ هذا جنون … اقتربت مني وقالت:
  هيا أيها العربي امتلك هذه اللحظات واستغلها فإن كنت اليوم معك فلن تجدني غداً … ألست عربي؟ هيا اغتلني أيها الصحراوي … أحرقني بنار صحرائكم الملتهبة.
وضحكت بصوت عال مزعج لون صمتي حتى كدت أن أقتلها كما قتلت الألمانية … والتي سأخبرك عنها.
وقالت:
أحببتك من خلال صوتك وأنت منفعل في حوارك … رأيت في صوتك رمال صحرائكم الكبرى وبحاركم الصغرى رأيتك تركب جملاً وتسير باحثاً عن واحة لشرب الماء وكلما رأيت وكلما اقتربت وجدتها سراباً …
عرفتك اليوم ولم أسلم نفسي وجسدي لأحد بسهولة وأسلمتك نفسي ودعوتك إلى بيتي وترفضني أيوجد عربي واحد لا يحب النساء؟!
كان بيتها كهفا عصريا وغرفة نومها من ألف ليلة وليلة … أضواءها الخافتة وروائحها الشرقية وأرضها المفروشة بثلاثة جلود لثلاثة نمور ورثتها عن جدها عند ما كان تاجر رقيق … كانت تشبه غرفة نوم اليهودية سيراندا.
قالت:
أعشق الصحراء وأعشق شرقكم الغامض، تمنيت لو كنت امرأة فقيرة ترعى الإبل في الصحراء العربية أو جارية لأحد ملوككم.
وتقدمت نحوي وأنا أمد جسدي على السرير وألصقت شفتاها بخدي تريد تقبيلي … دفعتها للخلف فنهضت وطردتني وقد تحولت الشهوة إلى غضب غربي تجاه الشرق …
وشتمتني …
عربي … أحمق … متخلف … جلف … صحراء … رعاة إبل.
نزلت إلى الشارع أتمشى ثم خطر ببالي أكتب لك رسالة اعتذار … وأخرجت منديلك من جيبي ووضعته أمامي وكتبت لك …
حبيبتي … أيتها القريبة … أتذكرين تلك الرسالة؟
  وهل أنا قريبة.
  لم تكوني يوماً بعيدة. سأحدثك عن اليهودية.
اشتهيك … وأتمنى يوم زواجي … أنت خطيبتي لا ذاكرتي … الناس في عمان في حركة مستمرة …ذاكرة عمان لا تموت وجسدها يحتضن آلاف المدن …ونساء عمان جميلات … هاتان المرأتان شركسيتان … أعرفهما من لباسهما.
 دكتور أين أصبحت؟ إن عمان يسكنها الشركس والشوام …
  وتسكنينها أنت.
  هل تعلمين إن شاعر الأردن عرار تغنى بالشركسيات وقال:
لقد كان لي قلب شغوف وأدته
فواره من ليل التباريح غيهب
فلا ظبية الوادي تعن بباله
ولا وده بالقصر لماء تخطب
وإني نسيت اليوم أمسي فلم أعد
لتطرق طيف الشركسيات أطرب
قالت سناء:
  وقال أيضاً:
خليلي ما انفك الفؤاد العذب
وراء التصابي والصبابات يدأب
وما انعكست النفس التي قد عرفتما
لتطراق طيف الشركسيات تطرب
  وقال:
تعالي نشربها فلون حبابها
ذهب كشعر الشركسيات أشقر
  سأحك لك قصتي مع اليهودية
  أريد أن أعرف عن موظفة البنك وكيف قتلتها.
  سأرويها فيما بعد لأنها أثرت في حياتي.
  كانت يهودية فرنسية تعمل في الصحافة، كانت صحفية محترفة قاتلة والظن توكيد … امرأة يهودية تعرف اللعب بالأرقام والألوان … كانت تدعي أنها تحبني … وكنت أريد قتلها كما قتلت الألمانية … كانت في سكري تتهمني العربي … قالت لي مرة وهي تكتب مقالها الأسبوعي عن اليهود والوطن الذي يحلم به اليهود … قالت أنها تزوجت من رجل دون أن تعرفه … زوجها والدها دون علمها وبررت فعلة والدها لأجل اليهود وقضيتهم
  …وكانت تقول:
  أن كل شيء مباح من أجل الوطن حتى الجسد …
  كان الشهود مزيفون … ووالدها وكيلها استلم مهرها نصف القضية بيد وباليد الأخرى استلم أقراص مخدرة …
  وقالت :
  أن أباها يتلذذ بابتلاع الحبوب المخدرة في الحمام … نطرق باب الحمام ليخرج فيضربنا ونحن نريد الدخول للضرورة … وكانت تحكم عليّ بالجنون وأنا أوافقها …
  وهي محترفة في الصحافة والتخدير … وفي لحظة ضياع كان عقلي يعيش فيها وتحتضنه …
كنت وحيداً أبحث عن أم حنونة عن حبيبة عن شمس تدفئني … تضمني بأهدابها الذهبية … شمس لا تغيب …
وكنت قبل ضياع عقلي أحب الحياة والناس والورد وكان العالم في قلبي صافياً نقياً …
0وكنت أحلم بأمي وحنان أمي وعيون أمي … كانت كل شيء … الهواء الذي اتنفسه … وطعامي وحبي للمسرات …
لكنه الأفيون والخمرة الذي جعلني أرى دموع أمي وهي تفارق طفلاً لم يتجاوز الخمس سنوات.
صحفية يهودية لم ترى ولا مرة واحدة شروق الشمس في الصحراء لم تراها وهي تشرق بين الخيام والأطفال يبكون جوعاً وبرداً.
حدثتني عن وقوعها بأيدي الجيش السري الفرنسي أل (أو. آي. أس) وقالت:
أدخلوني إلى مكتب العقيد مدير الفرع وبدأ يستجوبني ويريد أن أبوح له بكل ما أعلم … وقررت أن أقدم له جسداً يستبيحه علّه يتركني … وقالت تركها مع إغلاق ملفها.
كانت تخبرني كل شيء ، وتسكب لي الخمرة ، وأنا أحلم عبثاً وأشرب الكأس الثانية وأبحث عن أنهار حب في صدر أمي وبحار أمان في عيون أمي التي لا أعرف لها صورة سوى بالأحلام …
كنت أحلم بشمس لا تغيب … أبحث عن وطن.
  ولكن مسقط رأسك هو وطنك.
  عبثاً تقولين … تقولي مسقط رأسي وفيها مقطع رأسي ولساني والإنجليز يحكمون علينا بالإعدام .
  كيف عرفتها؟
  في السينما … كنت أجلس مع صديقي وكانت بقربنا … وكنا نتحدث بالعربية فأزعجناها.
  لطفاً يا سادة جئنا لنشاهد الفيلم لا لنسمع لغتكم.
شعرت بالإهانة لي ولصديقي وللغتي ولعروبتي … ساعات أو دقائق … لحظات طويلة مرت لم أدري ماذا أفعل …كان اللون أسوداً وكنت أشعر بالعتمة تحاصرني وفجأة أضيئت الأنوار … أنوار ليست لنا وخرجنا من جسدنا … تبعتها ولكنها كانت كأنما تهرب مني … ركبت الباص وانطلقت … وكنت أنت … نعم أنت منقذتي في وحدتي وغربتي …وسندي.
قال صديقي:
  لم تهنك ولم تذكر عروبتك أو لغتك بسوء وكل ما أرادته أن تسمع الفيلم لا لغتنا.
  كانت ساخرة.
ومرت الأيام نسيت فيها تلك الحادثة فالذاكرة هرمة عجوز … وفي أحد المرات كنت أتنزه وأذ بها تجلس هناك … حاول صديقي منعي … اقتربت منها وقلت:
  هل تذكريني؟
نظرت إليّ باستغراب وتجاهلت سؤالي … وكررت سؤالي، فقالت:
  نعم … ماذا تريد.
  أريدك!!
  ماذا؟
  أريد أن تعتذري عن كلامك الساخر في السينما.
قالت تريد التخلص مني وكانت تقرأ في كتاب:
  حسناً أنا آسفة ..أيكفي هذا لتتركني اكمل قراءتي.
جلست على مقعدها الخشبي وقالت:
  أرجوك إني مشغولة.
  إنها حديقة عامة.
  إجلس على مقعد آخر.
ونهضت متخلصة مني … ثم عادت وقالت:
  أنت الذي يجب أن يذهب … أنا هنا قبلك.
رأيت شفتيها تتحركان بعصبية كشفاه موظفة البنك، كانت موظفة بنك في الثلاثين من عمرها. نظرت إليّ وأنا أنظر إلى عينيها … ابتسمت ثم ضحكت وقالت:
  أنت لطيف.
وأضافت:
  اسمي أنا صحفية وأنت؟
  طالب في كلية الطب.
  عربي.
  أردني عربي.
وفي ذات صباح بعد فترة تزيد عن الشهر وأمام شقتي رأيتها.
  مفاجأة.
  سعيدة.
  قررت اليوم دعوتك للعشاء في شقتي.
وكانت شقتها صغيرة … جلسنا نسمع موسيقا هادئة … أحضرت مشروب فرفضت … لم تصر وشربت وحدها حتى سكرت … نهضت وغيرت الموسيقا إلى صاخبة ورقصت … حركت شعرها وأطرافها … ثم خلعت ملابسها قطعة قطعة ورمتها إليّ … لكن صدقيني لم أفعل شيء … ظلت ترقص حتى رأت ملامحي تغيرت فتوقفت وجاءتني بكأس فرفضتها وأصرت بجلوسها على فخذي …فشعرت بطراوة هذا الجسد الأوروبي … ثم قبلتني فلم أقاوم وقلت:
  كأس واحدة فقط.
وشعرت بأمعائي تتقطع فجاءتني بالثانية … هززت رأسي رافضاً فوضعت رأسي على صدرها العاري فشربت الثانية والثالثة حتى فقدت وعيي ولم اصحو إلا والشمس تملأ الغرفة وأنا على الأريكة ممدد … لم أجدها بحثت عنها فوجدت ورقة كتبت فيها … تناول فطورك وغادر … ذهبت أول الليل لأن عملي اليوم يبدأ في أول الليل … كنت رائعاً…
نظرت إلى الطاولة … يوجد كأسين فارغين … هل شربت؟ … لا لم أشرب … وهذه الرائحة التي تخرج من فمي … وكانت هذه الليلة أول نصر عليّ أنا الشرقي … بل إنه نصر للغرب كله.
  انتصرت عليك لأنك لم تمسها.
  لا … لو كنت أريد الجنس لوجدته في كل مكان.
ولكنه التحدي … المواجهة بيني أنا الشرقي المسلم وهي الغربية اليهودية … هذا التحدي الذي بدأ منذ زمن بعيد ولن ينتهي ولن يكون له نهاية بين شرقنا وغربهم … كانت موظفة البنك … كانت امرأة تتقد شهوة وكانت تطلب المزيد وتراني ألة ما جئت إلا لإشباع رغباتها … وقالت ذات يوم وهي ثملة …
إن ذبح اليهود ظلم والمفروض ذبحكم أنتم …
وضحكت فأثارت احتجاجي وتأججت العصبية العربية في رأسي وأردت أن أصيح يا بني عبس يا بني عدنان ولكن لا حياة لمن تنادي … ولكني أملك سيفاً قاتلاً .
كنا في لقائنا نشرب فقط … وندخن … وكانت تقول أنها تريد أن تعيش حياة المرأة البدوية …
ولكنها تريد سرقة عروبتي وشرقيتي.

قلت لصديقي أريد شرب فنجان قهوة في مقهى حمدان … جلسنا قليلاً فقال صديقي:
  إن هذا المقهى مليء بالسياسيين الذي يتحدثون عن الثورات العربية ضد الاحتلال والاستعمار … يتحدثون فقط … هيا نذهب إلى مقهى المحروم فهناك الراوي نسمع منه قصة عنترة وعبلة.
ارتفع صوت التصفيق للحكواتي الذي قال بعد أن لبس نظارته:
يا سادة يا كرام ويا أهل العلا والمقام … حديثنا لهذه الليلة نكمل به قصة عنترة بن شداد البطل المقدام …
صاح أحد الجالسين في المقعد الأخير من المقهى :
يعيش عنترة البطل الذي لا يقهر … ناصر المظلوم وحامي الأرض والعرض.
قال الحكواتي:
قال الراوي يا سادة يا كرام إن عنترة لّما وقع بالأسر بعد أن غدر به عمارة بن الربيع وأخوته ووضعوا له المخدر في الشراب اتفقوا مع عمه مالك وابنه على تزويج عبلة من عمارة ثم يقتلون عنترة … كل هذا وعنترة يستمع لحوارهم، فقال عم عنترة بل نقتله قبل الزواج.
واتجهوا إلى الخيمة المربوط فيها عنترة بسلاسل من حديد وسيوفهم مشحونة بالغضب والانتقام لقتل هذا البطل الهام.
وقف رجل سمين يجلس في الصف الأول من المقهى وصاح بوجه الراوي:
 اخرج عنترة من السجن وإلا حطمت رأسك.
فأجابه رجل آخر يجلس في الجهة الأخرى من المقهى:
 لن يخرجه وعبلة تحب عمارة ولا تريد هذا العبد الأسود.
وامتلأت عيون الرجل السمين بالغضب وحمل المقعد الذي يجلس عليه وصاح:
 أنا عنترة … أنا عنترة.
امتلأ قلب الراوي بالخوف وقال:
-وعندما دخلوا إلى عنترة وجدوه قطع رباطه وحمل سيفه وهرب.
قال الرجل السمين:
-إن عنترة لا يهرب.
فردت عليه جماعة تؤيده:
-نعم إن عنترة لا يهرب.
قال الراوي:
 التف عنترة عليهم من الخلف وعمل فيهم بسيفه فقتل من قتل واسر من اسر وجاءت إليه عبلة وقالت له:
  اسمع يا ابن العم … أنا لا أريد … أريد أن أتزوج من عمارة.
  ألم يكن بيننا حب ووعد؟
  كان زمان.
قال الراوي:
 رمى عنترة سيفه والدموع تملأ عينيه.
قال الرجل السمين وهو يبكي:
-هذا ظلم لقد وعدته … ولا يهمك يا أبا العناتر أتركها واختر غيرها من بنات العشيرة.
رد عليه رجل آخر:
 إنه أسود ولن تقبل به أي امرأة.
ودارت المعركة وارتفعت الكراسي عالية، نصف الجالسين مع عنترة والنصف الآخر ضده.
جلست أنا وصديقي نتسامر بكل شيء، فمرة نضحك ومرة نبكي ومرة أخرى نحكي عن العشق والعشاق وقصصهم ومغامراتهم،
قال صديقي
  عمان مدينة الحب والعشاق.
  صنع منها سكانها غير الأصليين مدينة رومانسية شاعرية.
قال صديقي ساخراً:
  من تقصد … أفصح؟
  عندما جاءها الشراكسة وجدوها مدينة بكر فتزوجوها وأصبحت أغلب المناطق في عمان تسمى بأسمائهم … لأنها ولادة شرعية لزواجها منهم.
  لا تنس الشوام.
  الشوام أصحاب تجارة وسياسة ولهم دور فاعل في عمان … عمان يا صديقي العاشق عاصمة النهضة العربية عاصمة لكل العرب قدم إليها العرب من جميع الأقطار فاستقبلتهم بين أحضانها كالأم التي تحتضن طفلها المصاب بالحمى … أنت جربت حضن أمك وأنت مريض … وعشت هذه اللحظات الرائعة التي يلتصق فيها جسدان معاً كأنهما جسد واحد يحاول الجسد الكبير أن يحمي الصغير ويستبيح نفسه من أجل بسمة صغيرة طفولية …
  وأنت ألم تجد الحضن الدافئ؟
  مع أن زوجة أبي كانت كأمي … إلا أنها لم تعوضني ولو طلقة ولادة واحدة هي أخبرتني بذلك ،لم تعوضني لحظة وداع طفل يذهب في أول يوم مدرسي إلى مدرسته محملاً بالكتب والدفاتر والأقلام …
  هذه اللحظة يا صديقي مضى عليها أكثر من عشرين عاماً وما زالت في مخيلتي … فكل أطفال الجيران كانت أمهاتهم تودعهم أمام الأبواب إلا أنا فكانت أبوابي مغلقة تحتاج إلى جسد أمي لفتحها …
كل الأطفال يمرضون ويشفون بسرعة إلا أنا كان مرضي طويلا دام لسنوات كنت خلاله أظن أن أمي ميتة فكنت أعشق المرض الذي سيوصلني إلى أمي … نعم كنت أرغب بالمرض طريقاً إلى الموت الذي سيجمعني بأمي … وهل نستطيع بطفولتنا مجابهة الموت أو طلب العون منه؟
  والآن … هل تعشق المرض؟!
  الآن أعشق النهار … أريد أن يظل يومي نهاراً فالليل يبعدني عن حضن تمنيته طويلاً…
 أترى هذا المدرج الروماني … كم تتوقع عمره … آلاف السنين انظر إليه كم هو قوي أترى بناه الرومان من أجل تخليد حضارتهم؟ … أم من أجل أن يستعملوه في تلك اللحظات كمسرح فقط؟.
  هذا المدرج وإن سمي باسم الرومان فإنه عربي حجارته عربية وترابه عربي والذين بنوه عرب …
  الرومان طلبوا منهم بناء مدرج وتركوا الأمر للعقل العربي …
  العقل العربي يعشق الفن … المهندسون العرب هم من رسم هذا البناء كما فعلوا في البتراء وبعد مئات السنين بنوا الأندلس والعمال العرب هم من حمل حجارته وصفّوها بصورة منظمة وقوية قاومت الزمن… هل تعلم يا صديقي لماذا حجارته كبيرة؟

أرادها العمال العرب كبيرة لتظل تذكرنا بعظمتهم وقوة فكرهم وذاكرتهم وأجسادهم … أجسادهم التي استباحها المحتل الروماني … كل حجر يا صديقي يحكي قصة عامل عربي حمله أو شارك في حمله أو شارك في بنائه.. إن هذه الحجارة تنطق كل يوم عظماء أولئك العرب البناءون الحكماء … والفلاسفة العمال الذين أتقنوا صنعها حتى قاومت كل الظروف والعوامل وستبقى تذكرهم إلى آخر يوم في دنيا الحجارة ودنيا الأجساد المستباحة.
قال صديقي ساخراً:
  إنها فلسفة جديدة واكتشاف علمي يجب تسجيله باسمك…
  لا يا صديقي ليست فلسفة من أجل التفلسف أو اكتشاف علمي كما تريد أن تسخر … إنها حقيقة يجب على الجميع معرفتها فأرضنا وحجارتنا لا تستجيب إلا لأهلها ولأبنائها …
سأتحدث إليك بمنطق ، عندما جاء الرومان إلى بلادنا جاءوا جنود و قادة وليس معهم مهندسون أو بناءون وقبل أن يستقروا بأرضنا وتصبح مدناً لهم كانت عربية اللون واللغة والذاكرة والجسد والحجارة والإنسان فأرادوا بناء المؤسسات والمدن لكي يستقروا فيها مع عائلاتهم فكانت الأوامر للبناءين العرب إنشاء المدن والمسارح والحدائق والشوارع والأرصفة المزينة بالأعمدة … هل اقتنعت يا صديقي؟.
هز صديقي رأسه مستنكراً.
قلت له:
  إن الروم يا صديقي هم آخر مرحلة من مراحل الإمبراطورية الرومانية التي كان اسمها إمبراطورية المدن العشر.
قاطعني صديقي وقال:
  لا تقل إنها إمبراطورية عربية.
  تسع مدن من مدنها العشر المهمة عربية مثل جرش وبصرى وبعلبك وتدمر وآخر مدينة بنيت وأحدثها هي روما.
  أنت تناقض نفسك.
  هل تعلم أن عدد الأباطرة الروم من أصل سوري يصل إلى سبعة عشر إمبراطورا.
سألني صديقي:
  متى ستتزوج؟ … وهل ستعود إلى القرية حيث أمك؟
  نعم سأعود إلى القرية أعمل فيها وأتزوج منها وأعيش في حضن أمي … هل تعلم أنني قررت أن أنام ليلي في حضنها … أريد أن أعيش الأيام والسنوات الضائعة مني …
أريدها كل صباح تودعني عند خروجي من البيت إلى عملي … أريدها أن تظل أمام باب الدار حتى أغيب عن نظرها …
أتمنى أن أعيش ألم المرض وأرى خوف أمي وسهرها علي أريد أن أشعر بلمسة يدها تخفف عني ألمي وتبلل رأسي بدموعها.
  وسناء؟!!
  سناء! … انتهت … وأنت تعلم أمرها قبلي … كلكم كنتم تعلمون إلا أنا أريد امرأة توافقني على كل ما أرغب فيه.
  ولكن لا ذنب لها.
  سأختار من تحبني وتكون زوجتي وأم أولادي وتعيش الشوق لأمي أكثر مني.
  كنت أظنك تقسو على أمك.
  قست عليها الأيام بما فيه الكفاية … وأمي لا ذنب لها.
  تستطيع أن تغير من خطة حياتك مع أمك. اسمح لها أن تعيش أمومتها مع أطفالك.
  أنت مخطئ يا صديقي … أطفالي لهم أم تمنحهم الحب والحنان … أنا من يريد الأم … أنا من ينتظر هذه اللحظات ويتمناها.
  متى ستتزوج؟
  لا أدري ولكن الموعد ليس قريب … أريد أمي أولاً.
  هل يرضى والدك بحضور أمك زواجك؟
  والدي لا يعلم بأمري مع أمي لهذه اللحظات … يظن أنني ما زلت أعيش الوهم الذي فرضه علي حقداً على أمي … ولكني لن أتخلى عنها سأعمل ما أستطيع أن أصلح بينهما … فالأيام تنسي كل شيء … حتى ذاكرتنا الجمعية تجعلنا نعيش في غير سطورها وتغيرها كيفما تشاء …
  أبي ضحى من أجلي وقدم لي الكثير ولكنها أمي …
  أمي يا صديقي التي حرمت منها وكنت أحلم برغيف خبزها وكأس شاي أو فنجان قهوة من يدها … كنت أحلم بها ترفع الكتاب عن عيوني وأنا أغفو وتغطيني … كنت أراها في ساعات الفجر توقظني لأكمل دراستي ككل الأمهات …
  إنها أمي ولن أسمح لأي مخلوق في الدنيا أن يبعدني عنها.
*****
لم أجلس مع سناء بعد عودتي ولا مرة واحدة … لم اسمع منها شيئاً … أنت ترى دموعي يا صديقي عندما أتحدث عنها تراها تبلل لحيتي التي طالت بشكل ملفت للنظر … لا … لا تعتقد أنه موت فأنا كنت سابقاً أحب الموت لأرى أمي … ولكنه قدري أن لا يكون في حياتي إلا امرأة واحدة … وحضن واحد …
قلت لك إني أرغب بزوجة كسناء تفهم أحزاني وأفراحي …
وقلت لك أنني سأعيش في حضن أمي …
والآن أقول لك إن سناء تبكيني كما ترى وتجعل عيني تنزف دمعاً …
لا أدري ما السبب الذي جعلها تتركني … أهو الحب؟ أم الانتقام مني بسبب آخر جلسة حدثتها فيها بصراحة؟ …
الصراحة غير مطلوبة ولكنها أصرت أن تعرف كل شيء عني وعن نسائي…
ولكنه الغرب الذي كلما حاولنا أن نقهره في معركة قهرنا في أيامنا وأزواجنا وعشقنا وشجرنا وحجارتنا …
إنه الغرب الذي سمم هواءنا ودموعنا ونبضات قلوبنا …
كيف نقهره … كيف تستقل دموعنا وذاكرتنا منه … إنه سؤال يدور في الرؤوس المتعبة والتي لا تجد جواباً …
الغرب دمر قصتي مع سناء وقتل الحب في صدرها …
  إنها صراحتك الغبية وليس الغرب … إننا نحمل الغرب كل فشلنا ودمارنا لأنفسنا!
  لا يا صديقي … الغرب مسؤول عن كل شيء في حياتنا مسؤول عن ذاكرتنا المسممة وعن أجسادنا المستعبدة والمستباحة من قبل ذوي القربى … لا قربى لهم ولا ذمة … المستباحة من كل شيء في حياتنا. أول حرف يتعلمه أطفال الصفوف الأولى في غربهم … (الشرق قادم لا محالة)
  ويعدون له كل شيء.
  أنت تهذي يا صديقي … أنت تهذي.
  أترى عمان كم هي جميلة … أتحبها أنا أحبها لأن فيها عشقي الأول…
  وطفولتك؟!!
  لا ليست عمان مكان طفولتي ولن تكون مكان موتي … في الرمثا ولدت وفيها أموت وفي عمان ولد حبي وعشقي الأول وفيها مات … سناء كانت حبي الأول.
المكان الذي نولد فيه نموت فيه .
  لن تنتهي الدنيا … فالدنيا ليست امرأة.
  الدنيا ليست امرأة!! وقد تكون امرأة لأنك إذا عشقت امرأة كسناء فإنك تحب الحجارة المجاورة لبيتها وتهوى الهوى المار من حيهم.
ليل عمان مختلف يشعرك بالأمان والأحلام … في ليل عمان عشت سنوات طويلة كنت أعيش أغلبها في ذكر أمي … أمي مريم ماذا تفعل الآن؟ يجب أن أعود إليها أحضرها تعيش معي، أو أعيش معها … أسكنها كما هي تسكنني وأعشش فيها بذاكرتي وجسدي


مشاركة منتدى

  • تحية وبعد
    قرات رواية الجسد المستباح وقد شعر باني اعيش تلك الاجواء الاجتماعية والسياسية في ذاك الزمن العربي وخاصة الاردن بدايات القرن الماضي
    نتمنى الاستمرار والنجاح للموقع وللكاتب السلمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى