الجمعة ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم عبد الحكيم أبو جاموس

زناد الخصر - القسم الثالث والأخير

قَصائد

 
[شَقاوَةْ]
 
فَضاءٌ فَسيحٌ،
تَحفُّ بِه أعْيُنِ السّاهِماتْ
ثَمَّةَ بلّورٌ
يُزَيِّنُ أرْضَ الحَدائِقِ،
يَعْبَقُ بِالْوَرْدْ
يُلَوِّحُ بِالْعَيْنِ،
يَكْشِفُ عَمّا يُخَبَّأُ
مِن زيْنَةِ الفاتِناتْ
فَيَسْكُنُ القَلْبُ هَيْبَةً
في مِعْطَفِ الشَّهدْ
وَيَبْقَى النَّسيمُ
يُداعِبُ طَيْفَ الشَّقاوَةِ في الأُمْسِياتْ
****
[اشْتِياق]
 
مَساءٌ كَلَوْنِ البَهاءِ،
يُخَيِّمُ دونَ الأَوانْ
يَغْرَقُ في لُجَّةِ المُشْتَهَى،
وَطولِ الأَرَقْ
زادَهُ الشَّوْقُ لَوْعَةً
فَصارَ يُراقِصُ رُوحَ الحَياةِ،
وَظِلَّ الشَّفَقْ
مَساءٌ كَنافِذَةٍ لَيْسَ يَدْنو مَداها
بِغَيْرِ انْبِلاجِ الضِّياءِ،
وَفَجْرِ الغَسَقْ
****
[حَسناء]
 
كانتْ تَتَمَطّى في بَحْرٍ أَخْضَرْ
ذاتَ ظَهيْرَةْ
كانتْ تَسْكَرُ دونَ شَرابٍ،
فيما كُنّا نَسْتَعِرُ بِنارِ القَهْر
وَاليَدُّ قَصيْرَةْ
كانتْ تَنْشُرُ أشْرِعَةً لِلْمَوْجِ،
شَلاّلاً مِن ذَهَبٍ
نَظْلِمُه حينَ نُسَمّيهِ ضَفيْرَةْ
****
[حُرّيّة]
 
بِلادٌ
كُلُّ ما فيها مُتاحْ
تَرَى الأبْوابَ مُشْرَعَةً
وَلَيْسَ عَلَيْكَ في شَيءٍ
جُناحْ
كَمِثْلِ اللَّيْلِ لِلصّوّامِ
يَغْدو المَرْءُ في رَفَثٍ مُباحْ
****
أدنبرة – اسكتلندا
تموز 2005
 

فصلُ الرِّثاء

 

بُكائيّات

 

غابَ الفارسُ البطلُ

 
في رثاء الزعيم الخالد ياسر عرفات أبو عمار
 
قَدْ هَزَّنا الرّيحُ، وَيْحي أيُّها الجَبَلُ
وَأُثْخِنَتْ بِالدِّما، والأَدْمُعِ المُقَلُ
 
لَمّا قَضَيْتَ غَدَوْنا يُتَّماً غَرِقوا
في لُجَّةِ البَحْرِ، لا حَظٌّ وَلا أَمَلُ
 
فَأَيُّ عيْدٍ، بِلا (كوفيَّةٍ) شَمَخَتْ ؟!
عَلى الزَّمانِ، وهابَتْ ظِلَّها الدُّوَلُ؟!
 
تَقَطَّعَتْ مِنْ نِياطِ القَلْبِ أوْرِدَةٌ
يَوْمَ الرَّحيلِ، وَغَابَ الفارِسُ البَطَلُ
 
يا أيُّها الرَّمْزُ، هلْ مِنْ شُعْلَةٍ قَبَسٌ
يُضيءُ في المَسْجِدِ الأقْصى وَيَشْتَعِلُ؟!
 
تَمْضي وَحيداً فَما جُنْدٌ تُوَدِّعُهُمْ
وَنَحْنُ بَعْدَكَ قَدْ ضَلَّتْ بِنا السُّبُلُ
 
يا قائِدَ الرَّكْبِ، مَنْ لِلْقُدْسِ يَغْمُرُها
بِالحُبِّ والعَطْفِ، حينَ الرّوحُ تنتقلُ
 
نَبكي عَليْكَ وَنَرْثي حالَنا كَمَداً
والحُزْنُ فيكَ جِراحٌ لَيْسَ تَنْدَمِلُ
 
يا أُمَّةً جُمِعَتْ في خافِقٍ لَجِبٍ
لَقَدْ قَضَيْتَ كَلَمْحٍ أيُّها الرَّجُلُ
 
وَفي (فَرَنسا) تَهادى النَّعْشُ في شَرَفٍ
تُتْلى عَلَيْهِ مَراسيمُ الدُّجى الأُوَلُ
 
(شيراكُ) أنْعِمْ بِه مِنْ قائِدٍ سَنَدٍ
بِمِثْلِ مَوْقِفِهِ فَليُضْرَب المَثَلُ
 
وَفي (الكِنانَةِ) قدْ أوتيْتَ مَكْرُمَةً
تَليقُ فيكَ فَنِعْمَ القَوْمُ ما فَعَلوا
 
حَبَتْكَ (مِصْرُ) حَناناً مِنْ مَحَبَّتِها
أَيا زَعيْماً لَه تُسْتَمْطَرُ القُبَلُ
 
أَنْتَ المنارَةُ، تَهدي التّائِهينَ إلى
بَرِّ الأَمانِ، فَلا خَوْفٌ ولا وَجَلُ
 
قَدْ كُنْتَ أَوْفى عِبادِ اللهِ قاطِبَةً
وَكُنْتَ تَسْطَعُ، فيما القَومُ قَدْ أَفِلوا
هَلَّتْ عَلَيْكَ جُموعُ الثّائِرينَ ضُحَىً
كَيْما تَزفّكَ، طابَ المَرْقدُ النُّزُلُ
 
هَبَطْتَ في ساحَةِ الأَحْرارِ مُنْتَصِراً
على الحِصارِ، فَرِفْقاً أيُّها الأَجَلُ
 
وَكُنْتَ فَوْقَ عُبابِ الشَّعْبِ مُرْتَفِعاً
تَرْنو إلى المجْدِ، في العَلياءِ تَبْتَهِلُ
 
غَطّوا (المُقاطَعَةَ) الثَّكْلَى وَأَسْطُحَها
كأنَّهُم مَطَرٌ مِنْ مُزْنَةٍ هَطَلوا
 
فَنَمْ قَريراً، فَقَدْ خَلَّفْتَ قافِلَةً
مِنَ الأَشاوسِ، ما ضَنّوا وَما بَخِلوا
إلَيْكَ تُرْفَعُ فَخْرَاً كُلُّ أَلْوِيَةٍ
فَكَيْفَ طِقْتَ (وَداعَاً أيُّها الرَّجُلُ)؟
 
رام الله - 13/11/2004
غيابٌ ثقيل
 
إلى روح العزيز الراحل الروائي عزت الغزاوي:
 
******
يَعزُّ عَلَيْنا،
فراقُ الأحبّةِ
يا نَفْسُ طيبي
مع الخالِدينْ
 
****
ثقيلٌ ..
غِيابُكَ هذا ..
أبا جاد !
إنّا لَبَعدَكَ،
كالحائِرينْ
 
****
رَحَلْتَ سَريعاً ..
وَدونَ وَداعٍ،
سَلامٌ عَلَيكَ
أبا الطيَّبينْ
 
وَخَلَّفْتَنا
بعدَ روحِكَ،
صَرْعى ..
نُداوي جِراحَ الأَسى،
والحَنينْ !
****
فَهَلْ بِِتَّ تُدْرِكُ
أنّا نُحِبُّكَ ..
في الأوَّلينَ
وفي الآخِرينْ !
 
****
 
سَلامٌ،
على روحِكَ الطّاهِرةْ
على طيبةٍ ..
رافَقَتْكَ،
إلى حَظْوَةِ الأَوْجُهِ النّاضِرَةْ !
أبا الشُّهَدَاءِ ..
رَقَدْتَ
عَلى وَقْعِ آلامِنا ..
تَرْقُبُ الفَجْرَ،
يَطْلعُ مِنْ بَيْنِ نَهْرَيْن !
لَعَلَّ طُيورَ الفُراتِ،
تُغَرِّدُ بالنّصْرِ يَوْماً
ولكنْ ..!
خَذلناكَ ..!
 
بَلْ، خَذَلوكَ !
هِيَ الحِكْمَةُ المُصْطَفاةُ،
لِكَيْ لا تَعيْشَ
زَمانَ انْكِسارٍ مُهينٍ
لأُمَّتِنا القاصِرَةْ !
****
 
أَخانا
إذا ما ادْلَهَمَّ الظَّلامُ
نَراكَ عَلى قَبْرِ رامي
تُحَلِّقُ
والقَلْبُ تَخْنُقُه الذِّكْرَيات
يَدٌ تَقْرَأُ الفاتِحَةْ
وأُخْرَى
تُعَبّئُ للثّائِريْنَ رَصاصَ البَنادِقِ
والأُمْنِياتْ
وَقَفْتَ عَلى شُرْفَةِ الحَيّ
تَرْقُبُ صُبْحاً سَيُزهِرُ
بِالفُلِّ والياسَمينْ
تُحَرِّضُنا
كَيْ نُواصِلَ هذا النَّشيدَ
ولا نَسْتَكينْ
إذا ما شَرِبْنا المَماتَ بماءِ الحَياةْ
فيا نَفْسُ زيْدي
وُعودي
وَجودي
فَغَيْرُكِ جَادَ
وَما عَادَ ضَيْفَ المَحافِلِ
والأُمْسِياتْ.
******
 
رام الله – 15/4/2003
 
رِثاءُ الشَّيْخِ [1]
 
هَيِّئي مَقْعدَ الأَميرِ الجَديدِ
واحْتَفي يا جِنانَ خُلدِ الشَّهيدِ
 
زارَكِ الطّيْبُ في ثِيابِ إباءٍ
يَرْكَبُ المَجْدَ صَهْوَةً مِنْ صُمودِ
 
هُوَ كالنَّخْلِ سامِقٌ في الأَعالي
طائِلٌ في سَماءِ أصْلٍ تَليدِ
 
طاهِرُ الذَّيْلِ لَيْسَ يَخْشى مَلاماً
رافِعُ الهامِ مِثلَ خَفْقِ البُنودِ
 
أيُّها الشَّيْخُ يا شَريْفَ المُحَيّا
قائِدَ الجَمْعِ في ثَباتِ عَقيدِ
 
يا لَيْومٍ نَعاكَ فيه بَيانٌ
فيْهِ ضَجَّتْ جِراحُنا بالصَّديدِ
 
غَرِقَتْ في الأَسى دُموعُ عُيوني
يا لَحُزْنٍ مُرافِقٍ لِقَصيدي
 
يا ابْنَ تِلْفيتَ قَدْ طُعِنّا بِظَهْرٍ
وَرُزِئْنا بِخافِقٍ وَوَريْدِ
 
يا صَديْقي رُميْتَ غَدْراً بِسَهْمٍ
طاشَ راميه في قِفارِ العَبيدِ
 
قَدْ فَقَدْناكَ فارِسَاً لا يُجَارى
غالَكَ النَّذْلُ في غِيابِ الأُسودِ
 
وَعَرَفْناكَ مُنْذُ كُنّا صِغاراً
واثِقَ الرّوْحِ جُلْمُداً كَالْحَديْدِ
 
فَالْمَنايا مُسَطَّراتٌ بِحِقْدٍ
مِـنْ سَفيْهٍ مُشَرَّدٍ وَطَريدِ
 
إلى روح أمير الشهداء أبي جهاد [2]
 
قَسَماتُ وَجْهِكَ تُشْعِلُ الأَنْوارا
وَتُحيلُ لَيْــلَ الظّالِمينَ دَمَـارا
 
فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أنْ تَكونَ مُتَيَّماً
بِسِوى بِلادِكَ مَوْطِنَاً وَفَخَارا
 
ما كُلُّ نَفْسٍ عُرْضَةً لِمَهالِكٍ
إلاّ رؤوسـاً لا تُطيقُ صَغَـارا
 
غَالَتْكَ أيْدي الغَدْرِ شُلَّتْ مِنْ يَدٍ
قَـدْ طَوَّقَتْـكَ فَأَحْكَمَتْكَ حِصـارا
 
ظَنّوا بِمَوْتِكَ فُرْصَةً لِخَلاصِهِمْ
فَتَشَتَّتَتْ أَوْهـامُـهُمْ أَشْطارا
 
هذيْ (كَتائِبُكَ) المَجيدَةُ خَلَّدَتْ
ذِكْراكَ فَانْتَفَضَ الشَّبابُ وَثارا
 
وَغَدَتْ (سَراياكَ) الأَبِيَّةُ مَعْلَمَاً
بَلْ أَصْـبَحَتْ لِلثّائِرينَ شِعَارا
 
يا ابْـنَ الوَزيرِ تَفاقَمَتْ أَحْوالُنا
وَبَدَتْ رُبـوعُ العَامِراتِ قِفَارا
 
حَرَقوا البُيوتَ وَدَمَّروا أَرْكانَها
واسْتَخْدَموا الجَنْزيرَ وَالجَرّارا
 
لـكِنَّنـا لا نَسْتَـكـينُ لِمُعْتَـــدٍ
مِنْ عَزْمِ روحِكَ نَسْتَقي الإِصْرارا
 
نَحْنُ الصِّعَابُ فَلا صِعَابُ تُضيرُنا
فَاحْمِلْ حِجَارَكَ وَاقْذِف الأَشْرارا
 
لا صَوْتَ يَعْلو فَوْقَ نورِ سَمائِنا
يا أيُّها الموليتوفُ كُنْ إِعْصارا
 
إلى روح الشهيد أحمد غندور
 
يا بَهِيَّ الطَّلْعَةِ الْيَوْمَ نُجَدِّدْ
بَيْعَةَ الدَّمِّ وَفاءً لَكَ أحْمَدْ
 
نَحْنُ ماضونَ بِعَزْمٍ في دُروبٍ
شَقَّها الغَندورُ يا مَوْلايَ فَاشْهَدْ
 
رَجُلٌ خاضَ غِمارَ الحَرْبِ شِبْلاً
وَقَضى في ساحَةِ الفَخْرِ مُمَجَّدْ
 
يا رِياحَاً بِشَذى الرُّضوانِ هبِّي
لتفوحَ الروحُ ريحاناً فيسعدْ
 
رَحْمَةُ اللهِ على روحِكَ تَتْـرى
كُلَّما الطَّيْرُ على ذِكْرِكَ غَـرَّدْ
 
وامْتَطَى الثُّوّارُ صَهْواتِ سَماءٍ
لَيْلُها أَبْرَقَ نيرانَاً وَأَرْعَدْ
 
قَدْ سَما نَجْمُكَ في مَطْلَعِ سَعْدٍ
كيفَ يا أحرارُ هذا السيفُ يُغْمَدْ
 
نظمت هذه القصيدة في الذكرى الأولى لرحيله
 

مروان! [3]

 
مروانُ،
يا أبا مُحمّدٍ !
ترحلُ هادئاً ..
كما النّسيمِ
تَشُقُّ دَربَكَ الطّويلَ
هانِئاً،
في ساعَةِ الغَسَقِ
بِرِقَّةِ الأطفالِ
وَهَيبَةِ الرّجالِ
يا رَوْعَةَ النَّسَقِ !
وَنَحْنُ،
نَبكيكَ أو نَرثيكَ!
لكنّنا، برغم كلِّ شيء ..
لن نوفيكَ حقّاً،
تَفَجَّرَ من قوافيكَ الجَميلة
أبانا!
أيا شَيْخاً،
تَتلمذْنا على إيقاعِ نَهْجِك
حاضراً .. غائباً،
يأكُلُنا الشّوقُ إليكَ!
كيف لا ؟!
ونحنُ حُروفٌ في ناصِيَتِك!
مَنْ سَيُهاتِفُنا من غَزّةَ بعدَ اليوم؟!
مَنْ يَفْقِدُنا أو يُهدينا أَلَقَ البَحر؟!
مَنْ يُذكي فينا روحاً
ظَلّتْ تَذْكُرنا
تَحضُننا
من سَيُوزّعُ لِصِغارِكَ حُصَّتَهُم
مِن عَبَقِ الوَرد؟!
يا راعي نوّارَ حَدائِقِنا
نَمْ في مَملكةِ الشّعرِ
أَميراً
طِفلاً
وَاخْلَعْ مِن أرْدانِكَ،
أعْباءَ الزّوجةِ وَالْوِلدْ
وَارْقُدْ أبَدِيّاً
في حضْنِ المَجدْ
لَنْ تَحْجِبَ نورَ بهائكَ عنّا
ظلمةُ لحدْ!
إلى روح المرحوم أبو جلال
 
ثوبُ المنيّةِ منسوج ٌمن الألمِ
قد حاكَه في دواعي الحُزنِ خَيطُ دمِ
****
فليسَ ينفعُ رتقٌ في أواصِره
إذا الجراحُ أحاطتْ مجمعَ الكَلمِ
****
عليكَ رحمةُ إحسانٍ ومغفرةٍ
تفيضُ من بركاتِ الله كالدِّيمِ
****
أبا جلالٍ أيا شمساً لنا غَربتْ
ويا شُعاعاً من الأخلاقِ والكَرمِ
****
في الطّيباتِ له باعٌ مُطوّلةٌ
وفي الثّنايا له إطلالةُ العلمِ
 

ما أجْمَلَك

 
(إلى روحِ الفَتى أحمد أنور زكريا)
****
أخي أنور،
رَأَيْتُكَ في صَمْتٍ
تُناجي تُفاحَةََ القَلْبِ
لَمّا أُريقتْ دِماهَا
وَذابَتْ نُحولا
كَأَنَّكَ كُنتَ تَقولُ:
أَيْ بُنَيّ
يُشْفقُ المَوتُ عَلى عُودِكَ الغَضِّ
يَسْتأذِنُ مِنكَ الرَّحيلا
ثَمَّّةَ غولٌ يَعصرُ زَهرَةَ روحِكْ
يَنْهَشُ في لُجَّةِ اللَحْمِ دَمَكْ
أيُّها الأحْمَدُ
ما أَجْمَلَكْ
في عِزِّ نيسانَ يَخْبو رَبيعُكْ
وَيَذبلُ وَردُ بَهائِكْ
تُغْمِضُ العَيْنَين عَلى وَجَعٍ أخْفى بَصَرَكْ
قاتِلٌ هذا الأَلَمْ
وَالسَّنا في وَجْهِكَ الوَضّاءٍ
قَدْ أَضْحَى قَتيلا
فَاسْتَرِحْ يا بُنَيّ
فَجْرُكَ الرّاحِلُ يَنْزِفُ
وَالرَّدَى لَحْنَكَ يَعْزِفُ
وَأَنا مُذْ هَوَى صَرْحُكَ
خَانَني النَّوْمُ وَأَعْياني البُكاءْ
فَاطْلُبْ لِيَ الصّفْحَ
وَاجْعَلْ طَيْفَ خَيالِكَ
لا يَبْرَحُ خاصِرَةِ البابْ
إِنّي أَسْكَنْتُكَ في وادٍ
يَرْعَاهُ الإِخْوَةُ والأَحْبابْ
يا أَحْمَدُ
قَدَرٌ جَمَّعَنا
قَدَرٌ فَرَّقَنا
فاخْلُدْ مَرْضِيّاً
إِنّا بَعْدَكَ مَجْبولونَ
بِطيْنِ خُطاكَ
وَحُسْنِ نَدَاكَ
وَطيْبِ هَوَاكْ
 
****
 

حُسامٌ لَيْسَ يُغْمَدُ في انْحِناءٍ [4]

 
****
 
شَرِبنا حَسْرَةَ الأَخَوَيْنِ لَمّا
قَضَى الأَخَوانِ مَغْدورَيْنِ ظُهْرا
 
كَريْمَا مَنْبَتٍ رَحَلا سَريعاً
كَذا الفُرسانُ، إذْ تُغْتالُ غَدْرا
 
إذا حَضَرا تَهادى الطِّيبُ فَخْراً
وإن ذُكِرا يَفوْحُ المِسْكُ عِطْرا
 
عَلِيٌ يا أبا الحَسَنِ المُفَدّى
أميرَ السِّجنِ والأحْداثُ تَتْرَى
 
أيا بَطَلاً لَه في المَجْدِ باعٌ
طَويلٌ، صاغَهُ أدَباً وَفِكْرا
 
غَدَوتَ مُعلّماً، وزَعيمَ قَومٍ
كَدَأبِ الثّائرِ المَجبولِ فَخْرا
 
بِذِكْرِكَ تُرْفَعُ الهاماتُ دَوْماً
وَتُكتبُ فيكَ أمْجادٌ وتُقْرا
 
صُمودُكَ ذاعَ في الآفاقِ صيْتَاً
وبدَّل عُسْرَةَ التَّحْقيقِ يُسْرا
 
بَقيْتَ عَلى المَبادِئِ في ثَباتٍ
وَمِثْلكَ لَيسَ بالأموالِ يُشْرَى
 
حُسامٌ، لَيْسَ يُغْمَدُ في انْحِناءٍ
شُجاعٌ، يَمْخُرُ الأَهْوالَ مَخْرا
 
أبا عُمَرٍ، أخا الشُّهَداءِ مَهْلاً
فَشَرُّ المارِقينَ يُرَدُّ شَرّا
 
رَماكَ بِحِقْدِه نَذْلٌ جَبانٌ
عميلٌ، باعنا شِبْراً فَشِبْرا
 
وَيَبْقَى الأَكْرَمونَ فَخارَ شَعْبٍ
يُحَلِّقُ طَيْرُهُمْ في الجَوِّ نَسْرا
 
شَهيدا واجبٍ، بِهِما تَجَلّتْ
رُبى الفِرْدَوْسِ، طَابَتْ مُسْتَقَرا
 
وَفي فَقْدِ الأَحِبَّةِ قدْ غَدَونا
نُداري جُرْحَنا ألَماً وَقَهْرا
 
وأَظْلَمَت السَّماءُ لِما اعْتَراها
فَلَيْسَ تُطيْقُ بَعْدَ الْيَوْمِ صَبْرا
 
مُصابٌ مُؤلمٌ وَأَسَىً وَحُزْنٌ
وَوَجْهُ الشَّمْسِ أضْحى مُكْفَهِرا
 
عَزائي فيكُما شَيْخٌ مَشيْبٌ
تَصيرُ النائِباتُ لَدَيْهِ نَصْرا
 
يُكَفْكِفُ دَمْعَنا وَيَبُثُّ فينا
دِماءُ الحُرِّ لَيْسَ تَضيعُ هَدْرا
 
إلى الرَّحْمنِ في جَنّاتِ عَدْنٍ
وَمْثلُكُما بِها أَوْلَى وَأَحْرَى
 

الأشيبُ المستريح

 
(إلى الشاعر "الجوّال" محمد القيسي في ذكرى رحيله)
 
مُضاءٌ بِحُزنكَ،
أيُّها الأَشْيَبُ، المُسْتَريحُ،
بِمَسَرّاتِكَ المَيِّتَةْ!
تَهْفو صَداقَةُ ريْحِكَ
نَحْوَ الهَواءِ المُقَنَّعْ
ثَمَّةَ بَياضٌ يُرْخي ذِراعَيْهِ
في غُرَّةِ الشّعْر
فَيَبْكي نَدى الشّاعِرِ اللا مُقيم
على وَقْعِ ذاكِرَةٍ من تُرابْ
 
****
تَرْحَلُ الفِكْرَةُ في قَلَقٍ دائمٍ
حينَ تَشْدو القَوافي لَحْنَ "حَمْدَةْ"
يا مُحَمّدْ!
أيُّها الغارِقُ في سِفْرِ الغِيابْ
 
****
أُمُّكَ الثَّكْلى تَخَطَّتْ أَلَمَ البُعْدِ
وَنارَ الغُرْبَةِ الحارِقَةْ
وَتَباريحَ الضّبابْ
 
****
يا مُحمّدْ
أينَ "ماءُ القلب"؟!
أينَ مِنْكَ "ثُريا" و "سُليْمى" و "ربابْ"؟!
****
يَسْألُ الحُبُّ:
عَن الفارسِ المُخْتَفي،
عَن الرّوحِ التي سَكَنَتْ
خاصِرَةَ المُخَيّم،
وَجابَتْ بِحارَ اللُجوءِ
وَخاضَتْ غِمارَ اليَبابْ
 

الغلاف الأخير – صورة شخصية

 
يداهُ تُشعلانِ غابةَ السّماءِ
وَتُرْعِبانِ قَبْضَةَ الرَّدى
سَناءُ وجهِهِ كَطَلْعَةِ الضّياءِ
وَبَيْنَ راحَتَيْهِ يَرْقُدُ الْمُخَيَّمُ
وَيَسْجُدُ النَّدى
عَلى ظِلالِ قَبْرِهِ.
***
يُعانِقُ الرَّحيقَ في دِمائِهِ
يُكَفْكِفُ الجِراحَ والنَّحيبْ
حِكايَةٌ تُطَرّزُ الدموعَ
في رَتَابَةٍ
وَتُشْعِلُ الشّموعَ
في مَهابَةٍ
لِيَحْتَفي بِنَصْرِهِ المُقاوِمُ
وَتَنْطَوي رِوايَةُ العِدا
بِضَغْطَةٍ
على زِنادِ خَصْرِهِ.

الشاعر في سطور:

 عبد الحكيم محمد سالم أبو جاموس.
 من مواليد قرية جوريش جنوب شرق نابلس عام 1966.
 حائز على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها – جامعة الخليل 1989.
 يعمل رئيساً لقسم النشرات والدوريات في وزارة التربية والتعليم العالي منذ عام 1998.
 يعمل محرراً صحفياً في صحيفة (الحياة الجديدة) منذ عام 1996 وعمل لسنتين محرراً للصفحة الثقافية.
 صدر له ديوان شعر (فراشة في سماء راعفة) عن مركز أوغاريت الثقافي في رام الله 2001.
 نُشرت له العديد من القصائد الشعرية والقراءات النقدية والمقالات والتقارير في العديد من الصحف الفلسطينية والعربية وعلى الشبكة الإلكترونية.
 عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين.
 Alhakeem66@hotmail.com
 alhakeem66@yahoo.com


[1إلى روح الشهيد الشيخ طايل فرج (أبو القسام) كلما هبت نسمة ريح على شجرة ظللت قبره، أو غرد طائر قربها، إليه أخاً وصديقاً ومصاباً أثقل الكاهل وهدّ الأركان

[2نظمت هذه القصيدة في الذكرى الأولى لرحيل أمير الشهداء، بتاريخ: 16/4/1989 والكتائب والسرايا، اسمان لوحدتين في الجهاز الضارب الفلسطيني زمن الانتفاضة الشعبية الأولى.

[3ختطف الموت صباح الأربعاء الثامن من تشرين الأول / أكتوبر، الصديق الشاعر: مروان برزق، فرحل عنّا صديق وأخ عزيز سنظل نفتقده

[4إلى روحي الشهيدين القائدين علي وحسام فرج)
عرفتهما منذ أن كنّا صغاراً، صديقين حميمين، وأخوين كريمين، رضعا لبانَ الثورةِ والثوار، وامتشقا السلاح، ولم يخطّ لهما شاربان بعد، ونذرا نفسيهما للوطن، غير عابئين بسجن أو موت، عليهما رحمة الله ورضوانه. عزائي فيهما أبٌ، يُبكيني صبرُه وجلدُه وثباتُه، وأخشى عليه من حملٍ تنوءُ به الجبال. لهما البقاء، وللخونة مزابلُ التاريخ والفناء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى