الأحد ١١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
بقلم محمد فاضل رضوان

في قضايا الهجرة والاندماج العربيين في كندا

حوار مع الباحث والكاتب الصحفي المغربي المقيم في كندا محمد نبيل

أعادت أحداث الضواحي الفرنسية في الآونة الأخيرة التيمات المرتبطة بالهجرة والاندماج إلى واجهة الأحاديث والنقاشات العامة والخاصة، فقد كانت هذه الأحداث التي تطلبت من بلد الأنوار تدابير قاسية أثارت التساؤلات عما بقي من تراث الثورة الفرنسية إعلانا عن إفلاس النموذج الفرنسي والأوروبي عموما في الإحاطة بتداعيات البلقنة الاجتماعية والثقافية والإثنية التي تفرضها موجة استقبال مهاجرين أجانب، هذا عن فرنسا وأوروبا فكيف تسير الأحوال في أمريكا الشمالية وخصوصا كندا التي تعتبر ظاهرة كمية في استقبال المهاجرين وتجنيسهم؟ وهل تطرح إشكالية الاندماج في كندا بشكل مختلف عما هو الأمر بأوروبا؟ وما مدى جدوائية التراكم المنهجي الذي حققه دارسوا النماذج الأوروبية في قراءة وضعية المهاجر المغربي والعربي بكندا؟ لمحاولة الإحاطة بهذه الإشكالات كان لنا هذا الحوار مع الباحث والكاتب الصحفي المغربي المقيم بكندا محمد نبيل.

تعيد الأحداث التي شهدتها فرنسا وبعض الدول الأوروبية طرح إشكالية اندماج المهاجرين في هذه البلدان، ما هي قراءتكم لهذه الأحداث من موقعكم كباحث وصحافي مهاجر؟

أولا، يجب وضع مفهوم الاندماج أمام المساءلة وإبعاده عن كل توظيف إيديولوجي. فيجب التفريق بين مفاهيم: التذويب، الانصهار assimilation والاندماج intégration فسياسة الاندماج تظل مجرد خطاب سياسي وإيديولوجي بعيدا عن الممارسة اليومية التي تكشف عن الصراع والمقاومة بين مخططات التذويب والانصهار من جهة والمقاومة التي يمارسها المهاجر بأشكال مختلفة ضد هذا التوجه من جهة أخرى، مما يحول العلاقة بين المهاجر والبلد المحتضن إلى صدام ينتج عنه أزمات تتمظهر في أشكال وأعراض مختلفة. وكمثال على ذلك: تضخم الخطاب حول سؤال الهوية. إن ما تقوم به الدول المستقبلة للمهاجرين ـ ولو بأشكال وسيناريوهات مختلفة ـ هو التوجه نحو جر المهاجر لحمل ثقافة البلد المحتضن ولو جزئيا، هذا الأخير يقوم بردود فعل مضادة قد تأخذ أحيانا صور عنف مادي أو رمزي عوضا عن ممارسة الفعل مادام أن المهاجر في وضعية المقاوم اجتماعيا.

من المعروف أن الظروف والشروط المحيطة بالهجرة إلى أمريكا الشمالية وخصوصا كندا مختلفة عما هو متداول في أوروبا هل يساهم هذا الأمر في طرح إشكالية اندماج المهاجرين في هذه البلدان بشكل مختلف؟

الهجرة بكندا وأمريكا لا تختلف عن مثيلاتها بأوروبا إلا في السيناريو السياسي التي تحبكه الدول وصناع القرار للتعامل مع المهاجر. وبالمناسبة سأحكي لكم حكاية تبين وضوح واقع المهاجر بالديار الكندية وقد وقعت بإحدى اللقاءات العلمية حول الهجرة بكيبيك والتي خاطبت فيها وزيرة الهجرة الحاضرين وخاصة المهاجرين منهم قائلة:

يجب علينا اتخاذ تدابير عملية من أجل إدماج المهاجر وعلى الذين هم من أصول كيبيكيةـ نسبة إلى مقاطعة كيبيك الفرنكوفونية ـ أن يتفهموا الأمر.. الخ هذا الخطاب أزعج أحد الأفارقة الذين تجنسوا بعدما قضى أكثر من 15 سنة بكندا ورد على الوزيرة بانفعال شديد: متى ستتوقفون عن تكرار هذا الخطاب الذي يعتبر دائما المهاجر مهاجرا ويميزه عن بقية السكان بالرغم من تجنسه ويعيش بالبلد أكثر من عقد من الزمن؟

هذه الحكاية تلخص نوعا ما وضعية المهاجر الذي يظل غريبا عن البلد المضيف والسياسة الممارسة فيه بالرغم من العيش فيه طيلة زمن طويل. السياسة الرسمية، في عمقها، تهدف إلى ترك المهاجر وحيدا بالرغم من الوصول إلى هدف تحويله وتذويبه مثله مثل بقية السكان الذين يطلقون على تسميتهم ب ـ السكان الأصليين ـ.

بكندا، الوضعية جد خاصة. فتاريخيا، كل السكان هم من المهاجرين بإستثناء الهنود وغيرهم من الذين همشوا بوسائل وبطرق عديدة وعزلوا في مواقع محجوزة لهم لا يؤدون فيها مجموعة من الواجبات كالضرائب وغيرها، والرغبة الرسمية في ذلك هي إقصائهم واللعب على قضيتهم بل وتوظيفها في الحملات الانتخابية. إن سياسة كندا في مجال الهجرة ـ التي بالرغم من أنها تختلف حسب كل مقاطعات ـ تتوخى عزل المهاجر وتمييزه كي يحتضر شيئا فشيئا في إطار ما أسميه بالعنصرية الهادئة أو المقنعة.

ساهمات تراكمات إشكالية اندماج المهاجرين العرب والمغاربة بالدول الأوروبية في صياغة آليات معينة في مقاربتها وتحليلها، هل تصلح في نظركم نفس هذه الآليات لقراءة هذه الإشكالية بكندا؟

قد تختلف المناهج والمقاربات في التعاطي مع إشكالية وضعية المهاجر في بقاع مختلفة من العالم، لكن التصور العام يظل ثابتا، وهو البحث عن أسباب عدم الإندماج سواء في الشق الذاتي المتعلق بالمهاجر أو الشق الموضوعي المرتبط بفشل الحكومات الغربية ـ وأعني بها الدول المستقبلة للمهاجرـ في اعتباره مواطن مثله باقي المواطنين دون تمييز لغوي، اجتماعي، سياسي وغيره. المتغير السوسيولوجي يظل هو ظاهرة الهجرة على الطريقة الكندية التي تختلف عن مواسم الهجرات إلى الشمال الأوروبي لكن الثابت يظل هو معاناة المهاجر، تهميشه بلياقة عالية وحمله على تبني ثقافة البلد المضيف مما يجعل سؤال الهوية بالنسبة للمهاجر أكبر وأخطر عليه وعلى البلد الذي يقيم فيه. انغلاق المهاجر وعدم تفاعله مع الوسط عامل لا ينبغي أن ننساه خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار المستويات الثقافية ومستوى وعي المهاجرين وغيرها من العوامل.

عموما، أوافق رأي من يقول بأن كل سياسات الاندماج في ارويا وأمريكا تعد فاشلة وأسبابها ذاتية وموضوعية ترتبط بالبلدان المضيفة وبالمهاجرين أنفسهم.

تساهم الشروط التنظيمية لملف الهجرة نحو كندا في كون أغلب هؤلاء المهاجرين المغاربة والعرب هم ذوو مستوى تعليمي عالي، هل يساهم هذا خلق حياة ثقافية عربية بكندا؟

الحركة الثقافية بكندا لا تنسجم مع الكم الهائل للمهاجرين العرب الذين بدأ جزء مهم منهم يمثل الجيل الثالث وهذا يوضح بجلاء أن الكيف أفضل بكثير من الكم. الأسباب متعددة وترتبط بطبيعة البلد ووتيرة حركته الاجتماعية المطبوعة بالسرعة والروح الاستهلاكية التي تريد تنميط كل شيء حتى إنسانية الإنسان مما حول الذات إلى آلة لا تفكر وإن فكرت فستظل على هامش الفعل الحقيقي، هذا دون نسيان غياب المبادرة من لدن المهاجرين الذين لا يشكلون ضغطا على أصحاب القرار السياسي لان العمل السياسي لا يمارس بالأحزاب فقط بل بمنطق اللوبيات الضاغطة والمصالح الاقتصادية وهلم جرا. لا أشك في كون لعنة الدولار، انسداد الأفق أمام المهاجر ونظام البلد العام، كلها أسباب تؤدي إلى الفشل والانهيار في صفوف المهاجرين.و نسجل بهذا الخصوص العديد من حالات الانهيارات النفسية في صفوف العديد منهم. فكيف يمكن لمهاجر أن ينتج وهو مازال يفكر في عمل قار واستقرار واندماج؟ كيف يمكن للمهاجر أن يرتاح ويندمج وهو طبيب في بلده وسائق تاكسي في كندا لان قوانين البلد تحرمه من مزاولة مهنته؟

ما الحل في نظركم؟

أولا يجب ممارسة النقد المزدوج كي نوضح بجلاء الحقائق وننفض الغبار عن أشياء عديدة،أي نقد سياسيات التذويب الغربية والتي تحاول قولبة المهاجر في شكل أنماط جاهزة على شاكلة مرغوبة ومصنوعة سلفا، ثانيا، يجب على المهاجر أن يمارس النقد الذاتي حتى يستطيع مراجعة حساباته وطرق تعاطيه مع البلد الذي يقيم فيه مع خلق مسافة بينه وبين ثقافته وتراكماتها التي فيها الغث والسمين حتى يصل إلى جروحه الوجودية والاجتماعية. فهناك هوامش من الحرية بأوروبا وأمريكا فرضتها سياقات تاريخية معينة يجب توظيفها للتفاعل مع هذه المجتمعات التي يعيش بين أحضانها المهاجر. فالهوة بين الشعوب والسياسيات موجودة حتى في أعرق الديموقراطيات. لذلك، فالتغيير الحقيقي يبدأ من داخل هذه المجتمعات المحتضنة ـ بكسر الضاد ـ، وهذا لا يتحقق بالانعزال والانغلاق داخل غيتوهات سكنية وثقافية يحلم فيها المهاجر بالتجانس والاطمئنان النفسي والروحي ويهدف من وراءها إلى الإحساس بالهدوء جنبا إلى جنب من يشاركه الملة أو الدين أو الثقافة أوما شابه ذلك. إن اختراق المجتمعات المضيفة والتفاعل الإيجابي معها يتأتى عن طريق ممارسة تواصل ثقافي متبادل في كل أشكاله وخلق فضاءات للممارسة وللتحاور اليوميين. الهجرة ليست هي الحصول على دبلوم وعمل قار وثابت. إن ما يحتاجه المهاجر هو رؤية جديدة ومخططات واضحة ومغايرة لمناقشة الفاعلين الاجتماعيين والتفاوض معهم بعيدا عن الانفعال وتبادل الأحكام القبلية البعيدة كليا عن الحقيقة الموضوعية.

إذا كانت الهجرة إلى كندا سببا في استنزاف الأدمغة العربية فهل من سبيل ليساهم هؤلاء في تطوير البنى الفكرية والثقافية والاقتصادية من موقعهم بأرض المهجر؟

هجرة الكفاءات والأدمغة إلى كندا يساهم في تطوير البلد المضيف ويعطيه شحنات إضافية للتطور، أما بلداننا العربية ما زالت تئن تحت وطأة التخلف والأمية والاستبداد. الأنظمة غير ديموقراطية، تمتص عرق الشعوب وتستغل سذاجتهم من أجل الاغتناء الفاحش أما النخبة السياسية العربية، جزء كبير منها باع القضية. الديموقراطية ثقافة، قيم وسلوك. حقيقة هجرة الكفاءات والأدمغة يعد نتاج فشل المجتمعات العربية في التطور وتأسيس فعل ديموقراطي يتحمل فيها الكل المسؤولية. فكيف يتحقق ذلك ونصف العرب أميون. المجتمعات العربية لا تنتج من الكتب سنويا مثل ما تنتجه فقط دولة مثل أسبانيا في مجالات عديدة. الحقيقة مرة لكن يجب مواجهتها بممارسة نقذ ذاتي يمارسه المواطن داخل أسرته، داخل الحزب النقابة والمنظمة الأهلية. يجب خلق ثقافة للإنصات ونبتعد عن اللغو. فللنظر إلى المجتمعات الشرقية ولنأخذ مثال الصينيين الذين يعملون في صمت غريب ويهددون الاقتصاد العالمي. فالعديد من الترقبات الإقتصادية تؤكد قوتهم المطلقة سنة 2040. ويكفي أن نقول أن الصين استورد نصف الاسمنت العالمي من أجل بناء البنية التحتية التي تشكو من العجز. هذا مؤشر على انطلاق الآلة الصينية من داخل البلد هذه المرة. تفكيك الذات وتعرية هفواتها بعيدا عن الأنانية وتكرار الخطاب حول التاريخ الذهبي، يعد مدخلا أفضل لبناء المستقبل. فليس بتقمص شخصية الضحية يتحقق حلم المهاجر، لكن بتشريح الأمراض بفضيلة عالية.

حوار مع الباحث والكاتب الصحفي المغربي المقيم في كندا محمد نبيل

مشاركة منتدى

  • يا أخي أنا ألاحض فعلا أن كندا تمارس أسلوب خطير في العمل مع المهاجرين
    فهي تستخدم الدعاية الكاذبة أي أن المعلومات عن كندا وكأنك ذلهب إلى الجنة
    لكن حسب إطلاعي كله غير صحيح أي أنه هناك عنصرية مبطنة وكما قال الدكتور ابراهيم
    الفقي الي وصل الى مراتب عليا في كندا وهذا نادر جدا لانه بدا من الصفر قال ياتي المهاجر
    العربي في ترتيب الوضائف في المرتبة 30 من بين المهاجرين يعني من الاخر المهاجرين هم عبارة
    عن فأران إختبار سوف يكون مقيد بالنسبة لي انا فلسطيني ولا احمل هوية ربما اذهب هناك
    فقط من اجل الحصول على الجنسية .

    • اوافق على بعض ما جاء به الاخ الكريم , فالعبودية و العنصرية موجوده بالعالم كله و لكن باشكال مختلفة , و محاربتها بمثابة محاربة الطبيعة , انا عمرى 27 عام و لى تجارب فى السفر و العمل ببلاد مختلفة بينما كانت كندا تفتح الابواب للجميع كنت من المحظوظين لاننى تعرفت على الواقع قبل البدء باجراءات الهجرة , و هذا ما استطيع ان اقدم من نصحية لاى شاب فى سنى مقبل على تجربة مماثلة ,عليك ان تتعرف على البلد الذى تنوى الهجره اليه و مجال عملك طبائع الناس و مستواهم المعيشى و كل ما تسطيع الحصول عليه و التوقف عن التفكير بانك لا تملك شيئا لتخسره , هى فعلا معادلة صعبة جدا و لكن اذا سالتمونى ساقول عش و اعمل بجانب من تحب ,,,,

  • قد لا يشعر بالتمييز المبطن كبار السن الذين اجبرتهم الحرب على الهجرة ذلك لأنهم لن ينخرطوا في سوق العمل الا نادرا ويبقون بعيدون نسبيا عن الإحتكاك بالتمييز ومعايشته وربما يثنون احيانا على البلد المضيف وربما يبالغون احيانا لما يستفيدون منه من ضمانات صحية لكنهم يقرؤون التمييز في الأجيال الشابة التي جاءت لتعمل وتعيش وتندمج ورغم أن اعملية الإندماج تحتاج لزمن وتتم تدريجيا وتختلف المدة وفقا لثقافة المهاجر ووعيه لكن لا يمكن أن يبقى المهاجر مداحا للبلد المضيف رغم نظافة البلد وعمرانه وطبيعته الجميلة وضماناته الإجتماعية عندما يشاهد أن الطبيب لا يمكنه العمل في البلد المضيف في نفس مهنته واجراءات التعديل تطول وتستطيل هذا ان كان محظوظا جدا وغاليا يتخلى عن مهنته ليعمل ممرضا او سائقا او عاملا نظافة في دور العجزة لأنه يرفض العيش عالة على المجتمع . ولأن قوانين البلد المضيف ترفض او تسوف تعديل مؤهله العلمي . مما يخلق ردود فعل سلبية لدى المهاجر ينعكس بدرجات مختلفة على من يحيطون به من افراد عائلته ومن حوله . من جهة اخرى الإندماج الذي يفهم على أنه نوع من التذويب وفقدان الهوية يواجه برفض ضمني ينعكس في سلوك المهاجر وتعنته في قبول الثقافة الجديدة التي تختلف كليا عن ثقافته فينقلب الى انسان سلبي السلوك في تعامله مع اسرته اولا لانها اضعف الحلقات ليفرغ فيها جام غضبه فنرى ونسمع سلوكيات عنف لم يكن يمارسها المهاجر في بلده . ليفرغ عنفه داخل اسرته زوجته وأطفاله وبتكرار سلوك النعف تلجأ الزوجات الى التفريق وطلب الطلاق مما يزيد المهاجر ضياعا وحيرة وسلبية منقطعة النظير حيال الإندماج . إن سياسة عزل المهاجر واهماله في ركن مهمل والمراوحة في قبول المهاجر وفق امكاناته العلمية تنعكس سلبا على البلد المضيف بالتالي وتخلق وتهيئ اعداد متزايدة من الحقد المبطن الذي ينعكس على تأخير اندماج الجيل الثاني والثالث من المهاجرين الحلول تكمن إما في ارساء الديمقراطية في بلدان العالم الثالث لتنهض الشعوب داخل بلدانها أو البحث الجدي عن اساليب جديدة لتأهيل المهاجرين بهدف تسريع إندماجهم وتحويلهم الى عناصر فاعلة ومنتجة في المجتمع الجديد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى