الثلاثاء ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم خالد محمد غازي

كتب محفوظ لا توزع!

هل كان يتوقع الأديب العالمي نجيب محفوظ أن يدق باب بيته (محضر)!! العارفون بتكوين الرجل يتفقون على أنه ملتزم، إن لم يكن هو الالتزام بعينه، وهو النموذج الذي لا يشرد عن الشرعية مهما كانت تداعياتها مؤلمة•

"المحضر" كان يحمل إعلانا بدعوى قضائية رفعها ضده ناشره السابق "أمير سعيد السحار" أحد ورثة (مكتبة مصر) التي نشرت لمحفوظ مؤلفاته منذ عقود تخطت الأربعة•• الدعوى تطالب الأستاذ بالمثول أمام المحكمة ويطالب رافعها بتعويض قدره خمسة ملايين جنيه!!

ولم يكن الكاتب الكبير نجيب محفوظ يتوقع يوماً ما أن ناشره سوف يجرجره إلى ساحات المحاكم، لأنه استخدم حقه الطبيعي والشرعي في الانتقال إلى ناشر آخر، من خلال خطاب يقطر أدباً ومودة، رغم ما اقترفه الناشر في حق كاتب كبير بقيمة نجيب محفوظ، عندما صرح الناشر في إحدى الصحف الكبرى بأن صاحب نوبل لا يوزع ليحتل هذا العنوان "المانشيت" الرئيسي لتصريح على لسان أمير سعيد السحار (صاحب دار النشر) فلم يكن من " محفوظ " سوى مخاطبته للناشر يخطره بالتوقف عن إعادة طبع مؤلفاته، ومنحه مهلة لمدة ستة أشهر لبيع النسخ الموجودة في حوزته، إلا أن هذا الخطاب لم يعجب الناشر، واعتقد أن الأستاذ لا يحق له اتخاذ مثل هذا التصرف القانوني، مما دفعه لمقاضاته أمام محكمة شمال القاهرة في الدعوى رقم 7508 لسنة 2005 أمام الدائرة 25، ليصيب هذا التصرف الأوساط الأدبية والرأي العام بصدمة كبرى•

وربما وقع الناشر في فهم خاطئ لبنود عقد النشر المبرم ما بين صاحب نوبل ودار النشر - بأنه عقد احتكار - لأنه عقد غير محدد المدة!

على الرغم من أنه لم ينص في أحد بنوده على احتكار أعمال نجيب محفوظ إلى الأبد، وهو الأمر الذي دفعه إلى الانتقال بأعماله ومؤلفاته إلى دار الشروق ليوقع عقداً جديداً مع إبراهيم المعلم صاحب الدار ليتولى نشر أعماله، ومن جانبه اتخذ المعلم الإجراءات القانونية في مواجهة مكتبة مصر، وأخطر ا لقائمين عليها بالتوقف عن إعادة أي طبعات جديدة من كتب نجيب محفوظ بعد منحه مهلة لمدة ستة أشهر لتصريف ا لكتب الموجودة لدى المكتبة، وهو الأمر الذي دفع مكتبة مصر لإغراق شوارع القاهرة بطبعات شعبية من مؤلفات نجيب محفوظ قبل انتهاء المهلة، ليكشف هذا التصرف غير المحسوب من قبل الناشر أن كل ما يهمه في الحقيقة هو تحقيق أكبر قدر من المكاسب ولو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ، أو حتى على حساب صاحب نوبل •

أما أشد ما يحزن صاحب نوبل ويؤلمه هو التصريح غير المسئول الذي أطلقه أمير السحار ابن شقيق رفيق عمره عبد الحميد جوده السحار بأن أعماله لا توزع!

وبصدد هذا التصريح هناك سؤال يطرح نفسه، فإنه عقب إخطار الأستاذ لمكتبة مصر بوقف التعامل معها، أصاب الإخطار >أمير< بحالة من الهوس التي تكاد تصل إلى حد الجنون عندما علم بموقف الأستاذ•• وهو الأمر الذي دفعه إلى طباعة نسخ شعبية ليغرق بها القاهرة وجميع أنحاء الجمهورية قبل أن تنتهي المهلة التي منحها له الكاتب الكبير لتصفية ما لديه من روايات•

والسؤال هو: لماذا أقدم السحار الصغير على هذه الخطوة إذا كانت أعمال الأستاذ لا توزع ؟!

المرارة التي يستشعرها الكبير نجيب محفوظ أنه عقب فوزه بنوبل لم يفكر لحظة في تغيير ناشره ورفيق عمره عبد الحميد جودة السحار، فلم تفلح إغراءات كبرى دور النشر معه، فهو لم يسع لحظة لجمع المال ولم يناقش أبدًا هذه الأمور مع ناشره،ولم يضع شروطًا لنشر كتبه لتحقق له الثروة، كما يفعل آخرون وإن كان هذا حقه فقد تنازل عنه عن طيب خاطر، لأنه يحفظ الجميل لرفيق عمره، والذي مد له يده في بداية الطريق، وعندما نسترجع سويًا الناشرين الذين تعامل معهم نجيب محفوظ نجد أن سلامة موسى نشر له أول كتاب ترجمه عن مصر القديمة، وبعدها رواية >عبث الأقدار< ولم يحصل منها على مقابل مادي، فقط منحه سلامة موسى 500 نسخة أودعها محفوظ مكتبة اسمها الوفد نظير حصوله على خمسة جنيهات•• أي أن النسخة الواحدة بيعت بقرش صاغ واحد!!•

لينشر له موسى عدة روايات بعد ذلك ولينتقل محفوظ فيما بعد إلى ناشره عبد الحميد جودة السحار، والذي نشر له العمل الأول بدون مقابل وكانت رواية >كفاح طيبة< ليتقاضى عنها محفوظ عشرة جنيهات! ليفتح بذلك عمدة الروائيين الباب لأبناء جيله في عالم النشر، وإذا كان السحار كان يطبع في ذلك الوقت لمحفوظ حوالي 3 آلاف نسخة تقريبًا لكل رواية، فإن النقلة الحقيقية في حياته جاءت من خلال الكتاب الذهبي، والذي طبع له 15ألف نسخة لتهبط عليه ثروة قدرها 65 جنيها من طباعة أول أعماله لدى مؤسسة روز اليوسف عبر الكاتب الذهبي، لتحقق له هذه الخطوة الانتشار والانفتاح على الجمهور•• وأيضًا كان الانفتاح على الجمهور من خلال جريدة الأهرام والتي دعاه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لنشر رواياته من خلال حلقات في الأهرام، لينتقل محفوظ بروايته المنشورة في الأهرام إلى ناشره السحار لطبعها في كتب•

وفي هذه المرحلة وصلت طباعة أعماله ما بين 20 - 30 ألف نسخة من روايات أولاد حارتنا، ميرامار، والسمان والخريف وغيرها من الروايات•• أما ما استشعره الكبير محفوظ عندما صرح الصغير السحار بأن صاحب نوبل لا يوزع، فكانت الرسالة التي وصلته عبر هذه التصريح والذي سبقه سوء المعاملة لعمدة الأدب العربي - فكانت الرسالة التي وصلته أن يبحث محفوظ عن ناشر جديد لأعماله مما دفعه لنقل طباعة مؤلفاته إلى دار الشروق لدى إبراهيم المعلم•


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى