الخميس ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٥
بقلم تركي بني خالد

كلام في الجمال

خطر ببالي في لحظة ملل أن أفتح قاموسي الإنجليزي- صديقي الدائم- على كلمة beauty، فوجدت ما يفيد بأن الجمال "هو تلك الصفة التي تبعث السعادة أو المتعة في الحواس". ثم قادني هذا التعريف إلى التساؤل: ما هي تلك الصفات التي تبعث السعادة أو المتعة في حواس الإنسان؟

هناك أشياء كثيرة في هذه الحياة تسرنا وبطرق مختلفة. لكن السؤال يبقى: هل كل ما يسعدنا هو جميل بالضرورة؟ ولماذا ربط الشعور بالسعادة بإرضاء الحواس؟

يبحث الناس بطبيعتهم عن الأشياء التي تدخل السرور إلى نفوسهم وترضي حاجاتهم، فهل الجمال مرهون بتلك الأشياء التي تبهجنا؟ هل الجمال مثل الطعام والشراب؟ وهل يمكن اعتبار الصداقة والمعرفة والصحة أشياء جميلة؟ وهل الجمال مقصور على ما يشبع حاجاتنا الجسمية والنفسية؟ هل شرط الإشباع أو الامتلاك ضروري ليكون الشيء جميلا؟ وهل يجب أن يكون الشيء الجميل مرئيا أو مسموعا أو محسوسا بطريقة ما؟

أنا شخصيا أرى أن الشيء الجميل يكون جميلا في ذاته، سواء شعرنا بالرغبة في امتلاكه أو التمتع به من خلال حواسنا أو لم نشعر. لكن أتساءل أيضا: هل الجمال في عين المشاهد أو إنه في طبيعة الشيء نفسه؟ هل من الضروري أن نقطف الوردة أو نشمها أو نجلسها في مزهرية حتى نحكم عليها أنها جميلة؟ أليست الوردة جميلة سواء "شعرنا" بوجودها أو لم نشعر؟ وهل تحتاج الوردة شهادة منا نحن البشر المتطفلين لكي تححق صفة الجمال؟

كيف نتوصل إلى الحكم على الأشياء بأنها جميلة أو غير ذلك؟ هل يحتاج الجمال إلى خبراء لكي يحددوا موازينه ومقاييسه، أم أن الجمال في عين كل مشاهد أو أذنه أو روحه؟

وهناك تساؤل آخر، هل الجمال مرهون بقدرة الإنسان على التذوق؟ ألا يستطيع كل شخص بمفرده أن يتمتع بالجمال حتى لو كان ذوقه فاسدا في نظر الآخرين؟ وهل تفقد الأشياء الجميلة شيئا من جمالها إذا فسد ذوق الجمهور؟

يقولون إن أسمى أنواع الجمال جمال الروح، ماذا يعني هذا؟
هل يمكن ترجمة الإحساس بجمال الروح إلى أعمال سلوكية؟ كيف تكون الروح جميلة؟ وهل نحن من العارفين بطبيعة الروح نفسها؟

أليس الله جميلا يحب الجمال. ألم يودع سبحانه وتعالى سر جماله في جمال مخلوقاته؟ أليس الكون كله تناغم جميل في كل أنظمته من الخلية إلى المجموعة الشمسية؟

أليست الحياة حلوة؟ ما الذي يجعلها كذلك؟ الصحة والجسم السليم؟ لماذا نسافر الكون بحثا عن الجمال في حين أن الجمال والمتعة موجودان في أقرب الأماكن إلينا؟

الجمال يعلن نفسه في كل مكان، وليس في حاجة إلى من يقول عنه أنه كذلك!
يقول جبران خليل جبران: "إن الجمال ليس في الوجه، إنه ضوء في القلب". والجمال كما يقول الشاعر الإنجليزي حون كيتس: "متعة دائمة لا يمكن أن تنضب".

الجمال في الكلمات العذبة، في القصيدة أو الخاطرة، في الأغنية التي تداعب القلب والروح، فلا مكان للقبح في هذه الحياة، إلا في عيون أولئك الذين لا يرون الوجود. الجمال في اتساق الأشياء، وتناغم العناصر.

ألا يوجد في قلب كل منا وتر واحد على الأقل يعزف طربا لنداء الجمال؟ أم أن الجمال في العقل الذي يتدخل في تحديد معنى الأشياء؟ ربما تكمن عذوبة الجمال أنه شيء غامض ونسبي، فالعذب من الأشياء هي التي يشعر بها القلب وليس الحواس.

مثلما الأزهار الجميلة في كل مكان، تعلن عن نفسها صراحة، وتنتظر من يكتشفها، فإن الجمال في كل الأرجاء، لكن لا يراه إلا أولئك الذين يكلفون أنفسهم الانتباه إليه.

وربما الأشياء الجميلة هي تلك الأشياء التي لا قيمة مادية لها، كالأزهار البرية وكالعصافير التي تشدو في كل مكان دون أن نكترث لها.

في زماننا الذي نعيب- وربما العيب فينا- أشياء قبيحة كثيرة، لكن الشيء الوحيد الذي يجب أن نفعله احتجاجا على القبح هو الجمال. هل يمكن أن نمارس الجمال؟ الجمال هو النقوش التي جعلها الخالق في أشيائه، في كل وجه جميل، وفي كل سماء صافية، وفي كل حبة مطر تعانق أرضا مشتاقة. الجمال في نظري هو هدية الله لمخلوقاته الجميلة، والجمال طاقة كامنة في الأشياء تبعث الإلهام في نفوس المبدعين الذين يستجيبون لنداءات الإلهام رسما ولحنا وشعرا، وأشياء أخرى كثيرة في فنون التعبير.

وفي اعتقادي إن العقل وجد يبحث عن الحقيقة في حين أن القلب وجد ليهتف طربا لمعزوفة الجمال. لكن ألسنا نحن الذين نتصور الجمال في الأشياء؟ أليس الجمال انعكاسا لما يمليه علينا العقل؟ ألسنا نحن الذين نقول "القرد في عين أمه غزال"؟ فتبدو صفة الجمال نسبية تماما، فلا يمكن أن يتفق فيها إثنان على رؤية الشيء الجميل بالطريقة نفسها، بل هناك من يعتقد أن الجمال شيء غير موجود في أرض الواقع، بل هو اختراع بشري يعكس طبيعة الخبرات التي نمر بها. فلكل شيء جميل عين خاصة ينظر بها إليه.

المهم أن لا نفقد إحساسنا بالجمال، فالشعور بالجمال هو أحد أسرار السعادة التي يبحث عنها الجميع، ولحسن الحظ فإن الجمال متوفر بكثرة من حولنا، فدعونا نقرأ قصيدة أو نتأمل صوره كل يوم.

دعونا نشارك في حملة البحث عن الجمال. فدونه تفقد الحياة معناها الحقيقي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى