الخميس ٨ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم رشا السرميطي

كل عيد ونحن لله ساجدين معاً

بريد الوفاء

مهلاً أيَّتها المبراة، وترفقي نحتاً بالقلم، تتسابق أفكاري وشفاهي حبراً يتدفق في جذر الكلم، تسقط زخات عذبة تبلل الورق، تحيي أسطر الأرق، فتشع من مقلتي نوراً ماسياً، والدَّمع يتموَّج بأملٍ، يسرع النَّبض في دورتي التاريخية، وترتعش أناملي مضطربة لأجل أقدس قضية، وإرادتي فيك فلسطينيَّة. أنفاسي تحمل عطر الشَّوق مسافراً في رسالتي إليك، على فقراتٍ من الحرية، تناضل لأجلك بمحطات قدريَّة، وفي خاطري لم تزل أنت الأمنيَّة !

اليوم عيد صديقي، وآذار يشهد ميلاد سعادتي الأبديَّة. لبيّك يا ربيعاً وُلد من رحم شتاء العمر القارص، ووحدة الروح في سجن الرغبائية، هناك خلف الغيم، وقبل أن نلتقي، وتشرق شمس عيناك على جسدي، وتنبت مسام جلدي أوراقاً نديَّة، تفوح أنفاساً شذيَّةً، أنت الفصل الخالد في موسم حياتي الدنيَّويَّة.

ماذا أهديك اليوم يا حبيبي، ومشاعري متعاركة، متعانقة، في لحظة حميمية من الحب والحنان، لا ينفعها النُّطق، ولا يكفيها الكلام. دعني أسكن في حضن عينيك الليلة، لأنَّ عيدك عيدي، و لأنثويَّتي طقوس خاصة في التهنئة، ملؤها الحنين، وعنوانها الصَّبر والإيمان. سوف أعلن الليل بدراً محتفياً بأجمل كتاباتي إليك، مأدبتي شهيَّةٌ أطباقها، وحاضري لذيذٌ بقربك، حلوٌ بطعم الوفاء لعهود بيننا، وكؤوس الإخلاص صارت ممتلئة، لنستَّعدَّ ونشربها معاً، لنستقبل عامنا الجديد وكلانا لم يزل يقف بجانب الآخر، ونساند بعضنا كما كنَّا، لنتعاضد كي نقوى على الدنيَّا، حتى نبلغ آمالنا وندرك أمانينا، التي لم نزل نرجو من الله أن يحققها: اللهم أرزقنا فرح الدنيَّا، وأمنن علينا بلؤلؤة في الفردوس نسكن فيها معاً وللأبد برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.

لقد رويتُ ظمأ الماضي بك، وأُضيأت شمعة عمري القادم بيديك، شفتيك التي أشعلت أحلامي مازلت أذكر همس الصَّمت ولغة تفردت بهما، لم أستعِد ذاكرتي التَّائهة إلاَّ بعد أن عرفتك، وعرَّفتني على نفسي يا نفسي. وما عاد في خاصرتي خنجر من وجع الماضي، وألم الأمس المنتهي، الجرح في قلبي بجانبك بدأ يبرأ، بين ضفتي أفراحنا وأحزاننا التي يتموج بينها قضاؤنا، أنصت لنورس حكايتنا ومقطوعة من روحي التي تعزفها أناملي على شاطئ عمرينا، دو.. دو.. دو.. حا.. ني.. ني.. كل عام وأنت حبيبي.

هنيئاً للعيد مجيؤك ومحياك بثغره الباسم، ناسجاً الكلمات للقرَّاء كـشال حرير يتعطَّر بزهو أنفاس حضورك المخمليّ، يلتف حول عنقي فيحميني برد الأوقات الموحشة بعيدةً عنك، وكلَّما ذكرت اسمك، تنساب أبجديتي برقة كنسمات ليالٍ صيفيَّةٍ، عذبة تهزُّ الورد؛ كي يفوح عبيرك المتفرِّد قطرات دمويَّة، تسكب البوح صادقاً على جبيني قبلة أخوية، وتترك حروف يومك في ذاكرة الأصدقاء، ذكرى عشقيَّة. أنقشها على أكفِّ الأطفال براءة لحسن الخلق وجمال الرُّوح، من روض داخلك الطَّاهر.

وما بعد كل هبوب لعاصفة الرَّحيل، نعود في مركب الشوق على ذات المقعد متجاورين، وإذا ما أحزنني الواقع الذي قرَّبنا، أستعصم بحبك، أناجي الله فيك، وأقف على باب فؤادك باقية، متيقنة، فتشرِّع لي أضلعك جميعاً وتضمني، تغمرني بحنانك، فيرجع الحنين بنا واثقين، كما كنَّا في البداية، والصدق يلتَّف أمانينا بحنوّ أمّ مشاعرنا الصادقة. إليك خفق القلب كله يا شاغلاً لأفكارهم، ومثيراً لفضولهم، نحو كشف سرِّك، بل سرِّي، كم يتمنَّى العابرون والمقيمون في دنياي قطفك من عظمي ولحمي، وإقصائي عن تلك الحقيقة النقيَّة ! وكم سوف يسألونني بعد الآن، من هذا الصديق؟ لن أخبرهم من أنت، وكل عام ونحن كما شئنا وشاء الله أن نكون، ما بعد الكاف والنون سنكون !

أهديك باقة تناثر فيها التوليب الأحمر، وبضعاً من خضرة المستقبل الذي ينتظرنا، لا نحن من ننتظره، أعترف بأنك أدهشتني ! سحرتْ عقلي طفولتك الشَّابة، كالبلبل تغرِّد حين تحدِّثني، تنشد حكاية الأمل غضة، وتصحبني بطموحك، مشيِّداً لي قصر شاب من الأمراء هو سكني ! أتأمله فوق الغيم، وأخشى مخاصمة بساط الإيمان، فأهوي أرضاً لـواقع المجتمع العلني، وأحجية الترَّقب بتفاؤل الحاشية. أسرارنا مؤصدة الأبواب، ولو هزَّها عاتي الظَّرف ما عُرفت، كاللؤلؤ محارنا باهظ الثمن، وقعنا في شبكة صيد قدر واحد، يا صادقاً في الكذب كالبشر لا تغرق، تخشى الله ملجأ ومهرباً، عرفتك رجلاً تملك الذَّات قائداً واثباً جريئاً، تحرِّك أحجار شطرنج أحلامك باحتراف، ليس كمثلك قوي، وكم يزداد إعجابي بك حين أراك تحترق وتوقد من رماد خسائرك شعلة، تمضي واثقاً، وتزيِّف الهدوء بكبرياء نفسك الشريفة. أفتخر بك دائماً، يا من علمتني كيف نصبر والدمع متأجج في مآقينا، يتوارى محتاجاً لوطنٍ في المنفى، رغبةً في كتمان الهوى، لا عجزاً وحرماناً.

حبك كنبع مجنون، غيور أنت يا أخي، كالياسمين رقيق المشاعر في أنامل الإناث، ومتكبر على الأغصان، تتوق لتكون العاشق، ويسكتك خوفك وعقلك بل حدسك أحياناً. أستمع غالباً لصمتك، وعصي الإنصات لضجيج عصفك، زلزال تحكم أقفال نطقك، والرمزية مخرجاً يقلل خسارتي. نفيس السمات أنت، وعقلاني بسيط لمن سكنك، تشرع أبواب العطاء بكرم حاتم الطَّائي وأكثر، كل عام وأنت رفيقي المختلف !

لم أحظى من قبل بجوهرة تعادل الجزء من عشر تكوينك، بدَّلت مني الكثير سلباً وإيجاباً للأفضل، كنت برفقتي حاضراً وغائباً، أذكر البداية، وأتوغل في بحر الرواية، لأن حدسي مبصراً لمرفئ جزرك السعيدة، حتماً سوف تنتهي الرحلة، ونحط قريبا كي نتصافح، فليس أجمل من العثور على صديق حقيقي، وأنت صديقي.

كل عام والدَّرب أوحد، صرنا نعلمه، وفي عمرك المديد جدد الآمال، ولنعجز أبجديات الهوى، ونحيك التهنئة أسطوريَّة - الحدث عظيم - عيد ميلادك مناسبة خاصة، والزَّمن قدير. كل عام وأنت في العلا تسمو نجاحاً متوسماً حب الآخرين، صديقي، أكنُّ إليك خيراً، ودعواتٍ كثيرة، لتغدو فرِحاً في الدنيا، ولا تنسى جسر العبور والدَّار الآخرة خلوداً لمن يحب الله ورسوله، فاعمل لحياتك بعضاً، وتمتع بسُكَّر الدنيا، لكن، اجعل الفردوس غايتنا، وأرفع أكفك معي في كل يوم من هذا العام الجديد، ولنقل: اللَّهم دبِّر لنا فإنَّنا لا نُحسن التَّدبير، واختر لنا فإنَّنا لا نُحسن الإختيار، ارزقنا الرضا في الدنيا، وأمنن علينا برضا الآخرة يا الله. كل عام ونحن أتقياء أكثر، اللهم أطعمنا العمرة والحجة في رمضاننا القادم.

أجهض أحزانك معي، وارتوي من نبع هوانا الأبيض، لننير قناديل عقولنا وقلوبنا، ولتتزين سماء أيامنا أنجماً أنت البدر فيها، فلا يسرقنا الدرب ترفاً لأننا لن ننال إلا ما كتب في صحائفنا وتقدَّر، فلماذا نتذمَّر ؟ لنعش ما شئنا من اللَّحظات حباً وكرهاً، فكل شيء من الله لنتذكر ! أجراس البقاء تقرع، ومناديل استحالة اللقاء طويت، حُزمت أمتعة حروفي مهرولة نحو دفتي ملاذ يقين، لست المذنبة في تأخره، وبالصفح سأَتجمل قارئة لذهنك، واثقة بحبك، مؤمنة بلطف الله فينا وقدرته على كل شيء. أستبشر خيراً وابتسم، لأنَّ ابتسامتك بلسم شفائي، تمهَّل، فرجائي الأخير رعايتك لذاتك في ظل والدتك الحبيبة، أتمنى إليك الحظ السعيد. لنبل أخلاقك، أنحني، وقبعتي مرفوعة بتحية احترام. كل عام وأنت أجمل مالديَّ بهذه الدنيا، برباعية الخاتمة أنت !
هات يدك واصطحبني.. لتصلحني وأصلحك، وتعلمني فأعلمك، لنكن خير صحبٍ في الدنيا و الآخرة اجتمعوا حباً في الله، يا نقاء الغيم، وغيثي الذي أشتاق هطوله، كي أروي ظمئي الشديد. عشرون عيداً والسعادة في قلبي تكبر، لاشيء سوى الأمل يُغذِّي براعم أحلامنا الصغيرة والكبيرة، والإيمان طهارة رعرعت ذاك الشعور الصادق بيننا، سنصبر حتى نُعجز الصَّبر منَّا، وللهزيمة الإنسانيَّة أبداً ما حيينا لن ننتمي.

كل عيد ونحن لله ساجدين معاً

من مذكرات أبو حنين وأم حنين

بريد الوفاء

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى