الاثنين ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٥
بقلم إباء اسماعيل

لا تنسَ إنانا ياجلجامش!

صباحاتي دائماً تبدأ بكلمات وهمسات أرسلها مع أفق الكون الداخل في شرايين العشق الملتحِف بروح الطفولة.. أسافر معها كي نصل إليك.. كم بعيدةٌ هي المسافات.. وخوفنا من الزمن المبعثَر في سطحيَّته اللاشيئيّة يكبر يوماً بعد يوم.. لكننا دائماً نريدُ أن نقطف اللحظات الجميلة من أرض الماضي ونزرعها في الحاضر.. أما المستقبل فليتبعثر ما شاء في أفقنا القادم فلن نعبأ به إلاّ بوسع وجودنا و عمق إيماننا الأثيري بشَفق السرِّ الغامض لنور الجاذبية السابحة في خيالات المحبّة.. المهم أن يبقى أمامنا -لاوراءنا-

قهوتي الصباحية المرة في ارتعاشها الدّاكن الحارق أرتشفُها مع مَن؟!..لاأحد.. حسناً.. الأيام تمر والعمر يمر نقطفه أويقطفنا.. نخرج منه.. نأتي إليه.. يصرخ في وجوهنا.. يعانقنا.. يسخط علينا.. يغضب.. يستمد منا إنسانيّتنا رغم وحشيته.

جلجامش أيُّها الوحشُ الجميل المزدهر بغيابه الحاضر.. و حضوره الغائب..
قل لي ماذا تفعل بسِفْر أحلامي وجنوني في هذة اللحظة الغارقة في سِحْرِ الآن؟!

يا لخيالي الذي يأخذني مني ويعيدني دائماً إليك.. موشّحةً برائحة الدخان والعطور و الغربة اللامحدودة الإشعاعات.. أنت صفراويّ المزاج هذه الأيّام.. وغاضِب.. غاضِب على طفلتك اللاهية عنك إليك.. عاقبني إن شئت.. إفعل ماتشاء!

ليس لديَّ خبرة بعد عن الطرق الممكنة التي يمكن أن يعاقب فيها جلجامش مَنْ....!

أتساءل أحياناً ، هل إنانا هي واقع أمْ حلم، هل هي نعمة أم نقمة، روح لاتعرفُ أسرار الجسد، أم جسد مقفل في صندوق، والصندوق مخبّأ في سفينة وسط البحر.. والبحر آه البحر.. إنّهُ الكائن الأكثر تعذيباً لي لماذا؟! لأنني أحبّه بجنون لكأنّي عروسه البحريّة المجنّحة في اندماجها فيه.. ويخيفني حتى مابعد الموت من الحياة، أو مابعد الحياة من الموت!

إنانا لم تُخلَق لكي تتفلسف يا جلجامش.. ولكنَّ الحياة في الموت هي التي تنبش فيها هذه اللغة المتراكمة من زمن حواء ومريم وفاطمة والخنساء أيضاً! ولاعجب!..لاعجب أن تتراكم روح العصور الأنثويّة في روح
إنانا.. هي ليست استثناءً..ربّما هي خطأ مطبعي جميل وجدتَهُ يوماُ على مكتبك الغارق في عَبثيَّته منذ قرون.. مكتبك الذي يحبُّ المُعاصَرة الجارفة في غَوغائيّتها المكوّنة من ذرّات و أشياء و مادِّيّات و حَواس غير محسوسة في الروح.. لكَ أن تشطبه من الذّاكرة إنْ شئت.. ولكَ أنْ تمارس معهُ لعبة الصدق اللامتناهي الذي قد يتجلّى في أفلاطونيّةٍ معطَّرة ببراءة جميل و بثينة و عروة و عفراء و روميو وجولييت هذا.. إن كانت لديك القدرة الجلجاميشيّة على البقاء مع هكذا خطأ جميل!.. هل تستطيع أن تتحمّل مصائر أخطائك؟! أنا لاأتحدّث عن الأخطاء المدمّرة لأنّ فيها أرواحاً شيطانيّة.. أنا أتحدّث عن الأخطاء الجميلة!..

شعاري الصمت هذا اليوم.. رغم كل ماكتبت و ما نثَرَتْ روحي الخفية من أثقالٍ وراء انسجامها مع السّحب الأيّاريّة-يوم ولدت- التي مرَّ عليها عشرات السنين من حليب الولادة السخيِّ في تباشيره الهادئة الوادعة.. النّقيّة في لا محدوديّة أفقها الأثيري.. لكني أفقْتُ لتوّي لأراك من تعب الحكايا الرجوليّة استهديتَ أخيراً إلى وهج انطفاءات البلّور الخاسرة معركة الجسد في تواريه عن شِفْرات الروح الخالدة..

جلجامش.. ها قد أصبحتَ أخيراً ملك اللغة العريقة.. تتأرجحُ أحرفاً من نور العرش الرهيف في قصائد الغد اللامنسية!!!


مشاركة منتدى

  • الى اباء اسماعيل التي لازالت كالنهر المتدفق يغذي ديوان العرب وادب العرب بالمواضيع الواقعة على القلب وهذا الابداع اللامتناهي من اباء اسماعيل .. مع سلامي

    • إنّ هذه الروح التي حملت أحرفك الندية إليّ زادت أمواج كلماتي اشتعالاً ، فخرجتُ منكم وإليكم أرتدي عرش الماء و نقاء الحريّة وشمس المحبة . سأتوهّج فيكم أبداً طالما أنّ الشمس تزرع فيّ طفولتها الحارقة ، وطالما أنّ الثلج يزيدني اشتعالاً في نقائه الخصب .. وأنا هنا وهناك, بعيدةٌ جداً و أقرب من الظلّ إلى الظل ، ومن المحبة إلى الله و من الفرح إلى دموعه البيضاء.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى