الخميس ٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٥
بقلم زينب خليل عودة

لقاء خاص مع الكاتبة غانية الوناس

من الجزائر، وتحديدا من قلب الأوراس، حيث نبتت ثورة التحرير الكبرى، وأينعت فجر الاستقلال ذات جيل، من نبض شعب الأمازيغ العريق، ومن خلال كاتبة شابة، تمثل جيلا جديداً، جيلا يحلم بالكثير، ويتخذ من الكتابة طريقة ومنهاجا لتحقيق ما يطمح إليه. جمعنا هذا الحوار مع كاتبة جزائرية تشق طريقها بهدوء، نحو عالم الأدب، وسحر الكلمة.

وكان هذا اللقاء ، هي: غانية أحمد عمر الوناس مواليد 4 أكتوبر/تشرين الأول، من بلدية وادي الطاقة.مدينة باتنة شرق الجزائر. منطقة الأوراس، وهي مهد الثورة التحريرية الكبرى، عاصمة الأمازيغ، وموطن الملكة الأمازيغية ديهيا.....

*هل لك أن تقدمى نفسك للقراء؟

حين أقدم نفسي أحب دائماً أن أقول بأني شخصية إنسانية بالدرجة الأولى، لأني أعتقد أن الإنسانية هي أسمى شيء في الوجود، وهو ما نحتاجه حقا في مسيرتنا كبشر.

أنا بالأساس مهندسة معمارية، أمارس الكتابة كنوع من تحقيق الذات، وتقديم نموذج إنساني، وأيضا للوصول إلى هدف أسمى وهو: الدخول إلى قلوب القراء، من خلال تقديم أدب يحترم عقولهم، ويساعدهم في حياتهم.

مهووسة جدا بالكتابة، ولدي عقدة لازمتني منذ الطفولة، وهي عقدة التميز، يعني أن أكون متميزة دائما عن الآخرين، ليس من باب الغرور أو التكبر، ولكن من باب ألا أشبه أحداً، وأن اقدم نفسي دائما بطريقة تختلف عما هو سائد في محيطي ومجتمعي، وأعتقد أن الكتابة تمنحني لذلك، وقادرة عن منحي الكثير أيضاً.

*المسابقة التي فزت فيها فى المرتبة الأولى على مستوى الوطن العربى فى القصة القصيرة نرجو الحديث عنها :

المسابقة كانت خاصة بمجلة همسة الفنية في مصر، التظاهرة كانت عبارة عن مهرجان للفنون والآداب، تنظمه مجلة همسة المصرية، باشراف الأستاذ فتحي الحصري، يقام المهرجان كل سنة، وتحمل كل طبعة اسم كاتب أو أديب من الكتاب والأدباء العرب، طبعة هذا العام حملت اسم الكاتب : سعد الدين وهبة.

*أنا شاركت في مسابقة القصة القصيرة، وفزت فيها بالمركز الأول، عن قصتي " زرفة عروس السماء"، القصة تتناول موضوع زواج القاصرات، في مجتمع أمازيغي في أحدى قرى الأوراس، شرق الجزائر.

هي قصة طفلة يتيمة، يرغمونها بذريعة الأفضل لها، من شخص يكبرها بجيلين أو ثلاث، ولأنها طفلة شكل ذلك صدمة لها، لم تجد ما تقاوم به ذلك الحكم الذي أصدروها بحق طفولتها، فجاء موتها خاتمة حزينةً، لكنها برأيي كانت عادلة جداً، هم سرقوا منها طفولتها وبهجتها وفرحها، فاختارت روحها أن تذهب إلى حيث ستستعيد كلّ ذلك.

*بالنسبة لمشاركتك في المسابقة ماهى ظروفها ؟:

جاءت عن طريق الصدفة، وكانت هذه هي مشاركتي الأولى في هكذا نوع من المسابقات بكل صراحة توقعت أن تفوز قصتي بإحدى الجوائز، أو ربما كنت أمني نفسي بذلك، حين جائني خبر فوزي بالجائزة شعرت بفرحة كبيرة جداً، شعرت بطعم النجاح حين يكونُ مؤسساً بجهد وتعب وصبر كبير، ولأني وضعت لنفسي مجموعة أهداف لسنة 2015 ، وقد كان الفوز بجائزة هو إحدى هذه الأهداف، شعرت بالفخرِ لأني استطعت أن أفي لنفسي بوعدي بتحقيق هدف من أهدافي.

كانت بكل بساطة فرحة تشد أزر الروح، وتفتح شهيتي لتحقيق أشياء أكبر من هذه. *لحظة استلامي للجائزة فكرت في أشياء كثيرة، فكرت في عائلتي التي كانت تنتظر ذلك بكل فخر، فكرت في أصدقائي الذين كانوا دائما يشجعونني على الكتابة، فكرت في غانية وما كانت ترسمه لنفسها دائما. في تلك اللحظة قلت لنفسي إن أمامي الكثير يجب علي تحقيقه، هذه خطوة، يجب المضي حتى النهاية.

المهندسة الشابة الكاتبة ماذا *بالنسبة لطموحاتها:

بكل أمانة بالنسبة لي سقف طموحاتي لا حدود له، أطمح إلى الكثير من الأشياء التي أسعى إلى تحقيقها، أنا من بيئة أمازيغية محافظة، ويمكن القول إنها تخضع في كثير من الأمور إلى قيود العادات والتقاليد، في بيئة كهذه الكتابة بحد ذاتها هي تحدي كبير جداً، لذلك يشكل الأمر بالنسبة لي تحديا شخصيا، أحاول أن أثبت بأنه بإمكان الفتاة أيا يكن المجتمع الذي تعيش فيه أن تحقق ما تطمح إليه، أحاول أن أقدم نموذج يختلف عن النماذج المتعارف عليها في مجتمعي وبيئتي، أحاول أن أجعل الناس يقتنعون بأن الأنوثة ليست عائقا، وأن المرأة كالرجل تماما بإمكانها أن تصنع لنفسها نجاحا وأن تقدم نفسها للآخرين عن طريق الكتابة، وأن تؤسس لنظرة مختلفة اتجاهها، لربما يغير المجتمع من أحكامه المجحفة بحق المرأة.

أطمح أيضا أن أقدم نموذجاً أدبياً متميزا، وأن أصنع لنفسي اسما في عالم الكتابة، وأن يقرأني الناس بصدق، ويجدوا فيما أكتبه شيئا ما يلمس قلوبهم ودواخلهم، وربما مآسيهم وآلامهم.

* الكتابة ماذا تعني لي:

لا أبالغ إن قلت إنها تماما كالهواء والماء، حين نتعلق بشيء منذ الطفولة، فإنه يصبح شيئا مرتبطا بالروح بشكل مباشر، ما أتذكره دائماً بأني منذ طفولتي تعلقت بالكتابة، كنت أعشق حصة الإنشاء والتعبير الكتابي، وكان لدي هاجس أن يكون موضوعي هو الأفضل والأحسن دائماً، بمرور سنوات الدراسة، أصبح الأمر أكثر وضوحاً، أصبحت أكتب خواطراً وشعراً، وكنتُ أعبر بشكل أفضل في أي موضوع نتناوله أثناء الدراسة، بعد نهاية دراستي الجامعية أصبحت أكتب بشكل أكثر، واتجهت بشكل أكبر باتجاه كتابة القصص القصيرة والنصوص والمقالات.

ببساطة الكتابة بالنسبة لي، هي تلك المساحة التي حضيتُ بها، وأشعر بكثير من الفخر لأني أمتلك هذا الشيء، وأعتبره في الوقت ذاته مسؤولية، وأتمنى أن أكون قادرة على تحملها كما يجب.

* فيما يتعلق بالقراءة ماذا تقولين ؟:

أحب أن أسمي نفسي دودة كتب، أحب القراءة جداً، أتذكر جيداً أول كتاب استهواني، كان كتابا في النحو العربي، من كتب والدي الذي كان مدرساً للغة العربية، الكتاب كان فيه مجموعة نصوص أدبية، جذبتني بشكل كبير، ومن بين تلك النصوص نص لعلي الطنطاوي، ونص آخر للمنفلوطي، رغم كوني في تلك المرحلة المتقدمة كان هناك بعض الكلمات والمفردات التي ربما لصغر سني يصعب علي فهمها، لكن الأسلوب كان بمفعول السحر لدي، لدرجة أني أتذكر بعض الجمل من هذه النصوص إلى الآن بعد كل هذه السنوات.

*أقرأ بشكل دائم تقريباً، ربما ليس بشكل منتظم، لكن القراءة بالنسبة لي هي من طقوس حياتي اليومية، أجد نفسي كثيرا لحظة أمسك بكتاب، أشعر أني أنعزل عن العالم بشكل كامل، وأتحد مع الكاتب وشخصياته.أنا ممن يؤمنون بأن القراءة هي أسلوب حياة أكثر منها هواية أو ترفيه عن النفس.

* أقرأ للكثيرين من الكتاب القدامى والجدد أيضاً، ليس لدي مشكلة في اقتناء كتاب بغض النظر عن اسم الكاتب، الأولوية لدي دائما هي نوعية الكتاب، وجمال محتواه حتى ولو كان لكاتب مبتدئ.

على سبيل الذكر مثلاً ممن قرأت لهم، وأقرأ لهم :مصطفى صادق الرفاعي، المنفلوطي، طه حسين، نجيب محفوظ، جبران خليل، ميخائيل نعيمة، واسيني الأعرج، أحلام مستغانمي، محمود درويش، ابراهيم نصر الله، مريد البرغوثي، رضوى عاشور، أقرأ أيضا في الأدب المترجم: باولو كويلو مثلا، ماركيز وفي الأدب الأفغاني والإيراني أيضاً. والكثير أيضا من الكتاب الجدد الذين أعتقد شخصيا بأنهم يقدمون أدباً جيداُ.

* بالنسبة لزيارتك مصر:

هي زيارتي الأولى لأم الدنيا، في الواقع أعتقد اعتقادا راسخاً أنه ما من شخص إلا ولديه رغبة كامنة في داخله لزيارة مصر، حين نقول أن الدينا، فالمعنى كامل ومقصود بدون شك، أول ما شاهدت النيل من الطائرة شعرت بشعور رائع، في داخلي أحسست بأني ممتنة جدا لهذا القدر الذي جعلني أحقق أمنية زيارة هذا البلد الجميل.

طوال فترة تواجدي في مصر، أحببتها جداً، ربما كنت أحبها سابقا لكني حين عشت فيها، تعلقت بها كثيراً، أحببت أناسها، أحببت حبهم وتمسكهم بالحياة رغم كل الظروف التي مرت وتمر بها مصر، أحببت روحهم التي لا تعرف سوى أن تبتسم وتضحك مهما كانت الصعوبات التي يواجهونها كل يوم، في مصر تعلمت كثيرا من الأشياء، والأهم أني اكتسبت عائلة كبيرة، ووطن جميل أفخر جدا بأن أصرح لكل من أعرفهم ومن لا أعرفهم بأني أحب هذا الوطن، وأحن إليه كثيراً، وأتوق للعودة هناك من جديد.

* الثقافة في الوطن العربي من وجهةنظرك :

دعيني أتحدث بشكل أكثر تحديداً، عن الثقافة في بلدي الجزائر، بشكل أو بآخر أعتقد أن الثقافة تعاني من أزمة، إضافة إلى الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ربما لا ندرك جيدا أن أي حضارة طريقها الأوحد يأتي عن طريق الفن والثقافة، وحين تكون الثقافة في أزمة، فذلك ينعكس على كل شيء، حين يعامل الكاتب والمثقف العربي بشكل أقل من المغني والمطرب، ويعاني تهميشاً مقارنة بالفنانين، فذلك يعني أن الثقافة تعاني من مشكلة، حين تصبح الحفلات الغنائية أكثر رواجا من معارض الكتب والفنون والرسم، فذلك يعني أن الثقافة تمشي بخطى عرجاء، نحن للأسف في مجتمعاتنا العربية نربط الثقافة بشكل مباشر مع الغناء والسينما والدراما، بينما نهمل الجانب الفكري المتعلق بالقراءة والكتب والفن بأنواعه المختلفة.شئنا أن أبينا نظرتنا الثقافية نصف عمياء إن صح التعبير.ربما نعاني من نقص التوعية والتوجيه، ونحتاج برأيي إلى ثورة ثقافية، نحتاج إلى توعية أكثر، وإلى إعادة نظر في تعريفنا لمفهوم الثقافة.

*كونك مهندسة هل احسستى باى رابط بين الكتابة والهندسة:

في الواقع العلاقة بين شيئين مختلفين دائما تبدو علاقة غريبة، أنا منذ البداية كانت ميولي واضحة، في سن مبكرة جدا بدأت بالقراءة، حتى في كتب لم أكن افهمها جيدا، ولاحقا بدأت أكتب، أما الهندسة فقد جاءت دراستي لها بالصدفة، وجدت نفسي أمارس الهندسة كوظيفة، لكني لم أتخلى يوما عن ميولي الأدبية، ربما كونتُ بين الاثنين رابطة قوية، بحكم ممارستي لهما في آن واحد، وقد يكون كون كلاهما يعتبر فنا فذلك قد عزز من قوة الترابط بينهما، في الحقيقة أنا بطبعي أنحاز للكتابة أكثر ولا أخفي ذلك، لكن الهندسة علمتني أن أكون منصفة أكثر. الهندسة أيضا تربي لدينا الذوق العام، وتجعل من التواصل مع الآخرين أسهل، وفي ذلك تحديدا تشترك مع الكتابة.

دائما أقول إن الهندسة تضعني في طريق مستقيم، أما الكتابة فتجعلني أحلق. وأنا من هواة التحليق. وربما أكون محظوظة جدا لأني أمتلك الاثنين معا.

غانية الوناس ماذا تتمنى ؟؟

.أريدُ لنفسي أمنيةً ملحةً جداً، أن أبلغ ذات يومٍ أبعد نقطةٍ في سقفِ الطموح، لألتفت لحظةً للوراء وأردد بكلّ فخر: أحسنتِ يا غانية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى