الثلاثاء ٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩
بقلم محمد متبولي

لقاء عند بوابة السماء

"أسرته عيناها الضيقة، فذهب معها لعالمها المسحور"
هكذا اعتادت والدته أن تجيب عندما تسأل عن أخباره وسبب اختفاءه.

فعندما ذهب لتلك المدينة الصغيرة في أقاصي الصين، صدمته عدة أشياء، فقد كان الشخص الأجنبى الوحيد المقيم بها، وأهل المدينة لا يتحدثون سوى بلغتهم الأم، والتى كتب بها كل شئ بدءا من لافتات الشوارع والطرق وصولا لقوائم الطعام، والمطاعم لا تقدم سوى الأطعمة المحلية المختلفة كليا عن ما طعامه المعتاد، وزاد من تعقد الموقف أنه أكتشف أن كافة تطبيقات الهاتف التى كان سيعتمد عليها فى الترجمة وإيجاد الطرق لا تعمل فى الصين، وأن الشخص الوحيد الذى يمكنه التحدث معه بالإنجليزية لا يقابله إلا فى أوقات العمل أثناء النهار.

هو شاب عشريني، يعمل ممثلا تجاريا لشركة مصرية، وجاء ليوقع بعض العقود نيابة عن شركته.

لكن كل ذلك لم يمنعه من التجول فى المدينة مساء"، محاولا اكتشافها والتعرف على أهلها، فى بادئ الأمر كان يسير متجهما مفسرا نظرات الأهالى له على أنها نظرات عدائية، ومع الوقت تفهم أنهم ينظرون إليه لأنه شخص غريب، غير معتاد تواجد أمثاله فى مدينتهم، فأصبح يبتسم فى وجه المارة فيبتسمون له، لكنه لم يتمكن أبدا من التواصل بشكل مباشر مع أحد بعد ساعات العمل، حتى فى طلب الطعام ومحاولة معرفة ما يناسبه وما لا يناسبه كان الأمر شاقا جدا، وكثير ما كان يفشل فى الحصول على ما يريد، مكتفيا بتناول بعض الخضروات أو الفاكهة.

اعتاد الذهاب لمطاعم المدينة الكبيرة، لعله يجد ما يريد ولكن لم يجدى ذلك أبدا، لذا فقد قرر فى ذلك اليوم الذهاب لمطعم صغير نسبيا، وما إن وصل إلى هنالك حتى التف أغلب العاملون فى المطعم حوله مبتسمين بشكل عفوى، وبعضهم حاول التقاط الصور، لم يفاجئه الموقف، فقد بدأ يتعامل من منطلق أنه الكائن الفضائى الذى نزل فى كوكب صينى، لكن فى هذه المرة كانت الروح مختلفة، فللمرة الأولى يشعر بتقارب كبير بين الناس فى تلك المدينة وبينه، للحظات تخيل على وجه كل واحد منهم وجه شخص يعرفه، ولكن عندما شرع فى الحديث، تراجع الجميع للخلف، وتقدمت هى.

كانت تقف تبتسم من بعيد، مثلها مثل كثيرون ممن قابل متوسطة الطول وعيناها ضيقتين، لكنه عندما نظر لوجهها شعر بطمأنينة غريبة، فقد توقع أنها تتحدث الإنجليزية، إلا أن خيبة الأمل تملكته عندما عرف أنها لا تجيد سوى الصينية، قدمت له قائمة الطعام، لكنه كان ممتعضا وأهم بالمغادرة، ففوجئ بها تبتسم فى وجهه وتشير له بأن يهدأ، ثم فتحت القائمة وأشارت على عدة أطباق، حاول أن يفهمها أنه لا يأكل اللحوم، فأشارت إلى صورة أحد أطباق اللحوم وأفهمته أنها تتفهم الأمر، ثم أخذت تحاول شرح له مكونات كل طبق، مستخدمة الصور فى القائمة، وصور كل مكون منفردة عن طريق البحث عنها على هاتفها الجوال، وعلى الرغم من صعوبة فكرة التواصل عن طريق الإشارة والصور، إلا أنه شعر بسلاسة كبيرة فى ذلك، وكثير ما كان يفهم صينيتها دون أن يحتاج إيضاحات أكثر، وكثير ما كانت تشير له أنها فهمت ما يريد، لينتهي الأمر بمجئ طبق الطعام الذى أراد، وتكون تلك المرة الأولى التى يستطيع أن يطلب فيها طعام بعد وقت العمل ويأتيه كما طلبه.

عندما ذهب للمطعم فى اليوم التالى، استقبلته بحرارة كبيرة، ثم وجدها تجلس بجواره، وتفتح هاتفها الجوال وتكتب عدة كلمات بالصينية وهو لا يفهم ماذا تريد، ثم ضغطت على زر الإدخال، ليجد كلمة مرحبا بك بالإنجليزية قد ظهرت على الشاشة، شئ رغم بساطته لم يخطر على باله، أن يحمل تطبيقا صينيا يترجم للإنجليزية، وهكذا كان يمكنه أن يكتب لها ما يريد وهى تترجمه، فطلب منها أن تحمل له هذا التطبيق على هاتفه، لكن ستبقى مشكلتين، أنه لا يعرف كلمات التطبيق الصينية حتى يمكنه استخدامه، ولن يمكنه الكتابة عليه بالصينية، فوافقت على أن ينتظر معها حتى تنهى عملها ثم تصنع له ما أراد واعدة بأنها ستحل تلك المشاكل البسيطة من وجهة نظرها.

وبينما هو يتناول طعامه أخذ يفكر، فلم يفهم كيف عرفت أنه سيأتى ثانية، ولماذا شغلت بالها بأن تبحث له عن وسيلة تسهل عليه عملية التواصل، والأغرب هو كيف فهمت أنه شخصية متوترة بطبعها، فبينما كان ينتظر وعلى الرغم من طلبات الزبائن المتتالية، كانت بين الحين والآخر تأتيه وتبتسم فى وجهه مشيرة له أنها أوشكت على الانتهاء، ثم تذهب لتكمل عملها، ماذا تريد منه هذه الفتاة؟، سؤال تصاعد إلى رأسه، هل ستطلب منه مبلغا من المال مقابل ما ستقدمه من خدمات؟، أم ربما هى تحيك له مكيدة ما ثم ستوقع به، ترى ما تلك المكيدة، فهو الأجنبى الوحيد فى المدينة ولا يجرؤ أحد على إيذائه، فكر فى أن يقوم ويتركها، لكنه وجدها تقف أمامه وتبلغه بأنها أنهت عملها، ثم طلبت منه أن يذهبا إلى المركز التجارى المجاور، حتى يمكنها تحميل التطبيق له مستخدمة بث شبكة الأنترنت المفتوح المتاح هناك، لاحظ أن وجهها مجهد بعض الشئ فأقترح عليها تأجيل الأمر لليوم التالى، لكنها أخبرته أنها على ما يرام وتفضل الذهاب اليوم، فبدأت الصورة تتضح فى رأسه، ربما ستطلب منه شيئا يشتريه لها فى مقابل ما ستفعل، ومع ذلك فمازالت كل الاحتمالات مفتوحة، لكنه قرر مجاراتها.

جلسا فى المركز التجارى بعد جولة سريعة فيه، حملت له التطبيق، وعلمته كيف يستخدم أزرة الإدخال المكتوبة بالصينية، أما فيما يخص كيف سيكتب الصينية عليه إن أراد، فأعطته رقم هاتفها وأخبرته أنه يمكنه محادثتها فى أى وقت وإعطائها الشخص الذى يتحدث معه، وهي ستفهم منه وتترجم ما يقوله عن طريق التطبيق وسترسله له فى رسالة قصيرة، فلم يكن استخدام برامج المحادثات سهلا داخل الصين بالنسبة للأجانب، كما يمكنه أن يصور لها أى صورة للافتة أو غيرها وهى ستترجمها وترسلها له، وبعد أن أنتهيا حاول أن يدعوها لتناول أى شئ لكنها رفضت، متحججة بأن الوقت قد تأخر، وعليها الذهاب، لم يكن بالمدينة سوى فندق واحد على مقربة ومن البديهي أنه يقيم فيه، فراقها حتى محطة انتظار الحافلة بجواره ووقف معها وهو يتوقع أن تظهر طلباتها فى أى لحظة، لكن ذلك لم يحدث، وما إن استقلت الحافلة، حتى لوحت له وأشارت عليه بأن ينظر فى هاتفه، فوجدها قد أرسلت له رسالة مترجمة:
(لم أرد منك شيئا، فقط أردت أن تمضى الوقت الذي ستقضيه بيننا سعيدا)

تبدل حاله، وأصابه الذهول، لقد فهمت ما يدور فى عقله، لقد كان مكشوفا جدا بالنسبة لها، كيف تخطت عوائق اختلاف العرق واللغة والدين والثقافة لتقفز داخله، وتعرف بماذا يفكر.
وبينما هو يتوجه للفندق، وهو نائم في فراشه، وطيلة اليوم التالى فى العمل، سيطر عليه شعور بوخز الضمير، ولم يشغله سوى الكلمات التى يستخدمها فى الاعتذار لها، فكر فى أن يستشير المترجم الصيني، لكنه تراجع فى النهاية، وعندما حل المساء ذهب للمطعم مبكرا عن موعده، وما إن رآها حتى توقع منها أن تعامله بطريقة جافية، لكنه فوجئ بها تنظر إليه بابتسامتها المعتادة، وقبل أن يحدثها أو يشير إليها أن تقرأ ما كتبه على الهاتف، وجدها تقدم له طبق من الحلوى الصينية، وكتبت له على الهاتف:
(لقد اشتريتها خصيصا لك هذا الصباح، فقد عرفت أنك ستأتي متوترا فأردت أن أهدئك، لا تقلق، لم يحدث شئ)

شعر بالغبطة والدهشة معا، فكيف لها أن تسامحه بهذه البساطة، ثم أخذ وجبته وغادر، ولكنها عندما خرجت من المطعم بعد إنتهاء عملها وجدته ينتظرها وفى يده بالون، تملكها شعور بالسعادة، وافترشت على وجهها ابتسامة كبيرة، وعندما سألته لماذا لم يشترى لها الورود وفضل شراء البالون، أخبرها باعتقاده أنها تفضله عن الورد، وكانت تلك حقيقة.

فى واقع الأمر عندما فهمت من طريقته فى اليوم السابق أنه ظن بها الظنون، شعرت بإهانة كبيرة، فأن يأتى شخص غريب عنك ويهينك فى وطنك فقط لأنه لا يفهمك فهو شئ كبير، خاصة لو كنت تهتم لأمر هذا الشخص وتود أن تسهل عليه الأمور،فهى تشعر بمسئولية تجاهه لا تعرف مصدرها، لذلك تحاول مساعدته، لكنه أهانها إهانة كبيرة لا يمكن أن تقبلها حتى من أقرب الناس إليها، لم تتمالك نفسها فاستغلت أول فرصة ابتعدت فيها عن الأنظار وأخذت تبكى، ثم قررت أن تخبره بعد إنتهاء ورديتها أنها لن تستطيع الذهاب معه للمركز التجارى، وبعدها دخلت المرحاض وعدلت من نفسها حتى لا يلحظ أحد شيئا، لكن بعض الارهاق ظل باديا عليها.

وأثناء تحضيرها لبعض أطعمة الزبائن بدأت تسوق المبررات له لتجد وسيلة تصفح بها عنه، وقرب نهاية ورديتها رقت لحاله، فسألت نفسها كيف ستتركه وحيدا فى تلك المدينة الغريبة عليه، فعليها أن تساعده أولا ثم ليكن ما يكون، فقررت أن تتجاوز عن ما فعل، وتصفح عنه، مكتفية بأن تقول له ما قالت بمجرد إنهاء ما طلبه منها، ولكن بعد أن تركته أمضت الليلة واليوم مثله تفكر فيه، محدثة نفسها أنه لابد وأن شعورا بالذنب سيتملكه، وأنه سيظل متوترا طيلة النهار، وسيأتي لها بالمساء في حال مزرية، فلامت نفسها على ما فعلت، واستعدت للقائه بالطريقة التى لاقته بها، لتقطع عليه طريق الاعتذار أو تأنيب الضمير.

سارا وسط المدينة يتجولان معا، هى تحدثه بالصينية وهى ممسكة البالون، وهو يحدثها بالإنجليزية، ولكن بعد دقائق معدودة سأل نفسه طالما أنها لن تفهم العربية أو الإنجليزية فلماذا لا يحدثها بلغته الأصلية، وتذكر أيضا أنه لم يسألها عن اسمها من قبل وكذلك هى، فتبادلا معرفة الأسماء، ثم أكملا سيرهما، وسط دهشة الأهالي، وكأن الكائن الفضائي الذي حل على المدينة يسير برفقة أحد بناتها وهى تمسك بالون، يتبادلان الابتسامات ويتحدث كل منهما بلغة غير الآخر، ورغم ذلك يفهمان بعضهما البعض، فلم يستخدما تطبيق الهاتف في جولتهما إلا عندما أوصلته إلى الفندق بعد أن عرفته على معالم المدينة الصغيرة، لتتفق معه على تمضية يوم إجازتهما مع بعضهما البعض.

تعتقد الأساطير الصينية أن جبال تيانمن أو بوابة السماء متصلة فعلا بالعوالم السماوية، خاصة مع وجود ذلك الكهف الذي يشبه البوابة أعلى الجبل ويعتبر أحد أجمل الأقواس الطبيعية فى العالم، ولكى يصلا إليه كان عليهما أن يركبا عربة هوائية (تليفريك) لأعلى الجبل، ومن بعدها يصعدان على الأقدام سلم شاهق به تسعمائة وتسعة وتسعين درجة حتى يصلا لبوابة السماء، كان ذلك هو المكان الذي قررت أن تقضى فيه إجازتها معه.

عندما نظر أسفل العربة المعلقة وهى تقف بجواره فيها ومعهما العديد من البشر من كل حدب وصوب حول الدنيا، أصابته حالة من الخوف فقد بديا معلقين فى الهواء على مسافة كبيرة جدا، كان الكثير ممن حولهم يتحدثون الانجليزية، وكان بإمكانه أن يتحدث مع أى منهم ليهدئ نفسه، لكنه لم يحاول، فقط طمأنه الحديث معها والذى لم يكن يفهم منه سوى النذر القليل، وبين حين وآخر كان ينظر الركاب من حولهم لهما فى دهشة، شخصان يتحدثان لغتين مختلفتين ويفهمان بعضهما بسهولة.

كان يسير معها وأسئلة غريبة تدور فى عقله، يقطع آلاف الكيلومترات من مصر للصين، ليركب عربة معلقة فى الهواء لمسافة سبعة آلاف متر، مع امرأة بالكاد ينطق أسمها ولا يفهم أغلب ما تقول، ليصل لجبل يعلو قرابة الألف وخمسمائة متر، ثم يصعد معها درج طويل يوازى ارتفاعه عشرات الطوابق، ليصل لكهف لم يسمع عنه من قبل، لمجرد أن ذلك أمر هى اختارت أن تفعله معه، ومع كل هذا يشعر بالسعادة تغمره.

وما إن وصلا إلى الكهف، حتى وقفا تحت القوس الصخرى ثم أخذا ينظران للسماء، وكأنهما يستعدان للصعود إليها، وبين الحين والآخر كانا ينظران لبعضهما البعض، فى لحظة غلفها الصمت وكأنهما تجمدا مكانهما، لكن حديث صامت دار بين قلبيهما، لم يحكياه لأحد أبدا، ولا حتى لنفسيهما.

قرابة الشهر أمضاها فى تلك المدينة، لكن لكل شئ حتما نهاية، فقد جاء موعد عودته لوطنه، كانت جلسة الوداع، أتفقا أن يظلا على تواصل، وبمجرد وصوله للقاهرة سيحمل بعض التطبيقات التى يمكنه التحدث معها من خلالها، حاولت أن تكون ابتسامتها هى آخر شئ يراه وهى تودعه، وحاول هو الآخر أن يتمالك نفسه وهو يصافحها أثناء مغادرته، لتكون تلك هى المرة الأولى التى يتصافحا فيها، لم يعرف لماذا لم يسلم عليها باليد من قبل، ولماذا لم تحاول هى قط، فى مصر كان يظن أغلب الناس أنه لا يصافح النساء لأسباب دينية، ولكن لم يكن أحد ليعرف أن السبب الحقيقى وراء ذلك أنه يصاب بالتوتر، وهو ما لم يحدث تلك المرة، لكن فى الصين لابد أنها لا تفهم تلك الأسباب الدينية، فكيف عرفت أن لديه هذا النوع من الفوبيا، سؤال حاول أن يفكر فيه حتى وصل للقاهرة، ولم يلحظ أنها أنفجرت بالبكاء بمجرد رحيله.

التاسعة صباحا فى مدينتها هى الرابعة عصرا فى القاهرة، منذ عودته، وكان الحديث اليومى بينهما، شئ أشبه بالمقدس فى ذلك الموعد، دوما ما كانت تحدثه بالصينية، ويرد عليها بالعربية، ثم بعد أن يغلقا تطبيق الهاتف، ترسل إليه ترجمة بأهم ما أرادت قوله وهو يفعل كذلك، حتى جاءت تلك المكالمة التى هزته وظلت عالقة في ذهنه لفترة طويلة، فما إن سمع صوتها حتى باغتته بعربية متكسرة:
(السلام عليكم)
ثم أكملت معه الحديث بالانجليزية، فعلى مدار أشهر كانت تتعلمها، حاولت أن تتعلم العربية لكنها لم تجد سبيل لذلك، فتعلمت الإنجليزية، ومن خلالها تعلمت بعض كلمات العربية، ليكتشف فى تلك اللحظة أن كل مشاكل التواصل تحل واحدة تلو الأخرى، وأنه يجد نفسه معها أكثر بكثير جدا مما يجد نفسه مع أى امرأة أخرى، لكن ستبقى مسألتى الدين والثقافة، فعندما سألها عن دينها ذات مرة شعر بأنه أحرجها بسؤاله، فأجابته أنها تؤمن بأن هناك قوة ما تحرك العالم ولكنها لا تؤمن بعقيدة معينة، إجابة لم تكن جديدة على أذنيه، فأغلب من قابلهم من الشباب الصينى أجابوه بمثلها، فسؤال الدين بالنسبة للصينيين معقد بقدر ما هو محرج، فهناك آلاف الديانات المحلية، وعلاوة على ذلك فأغلب الديانات الآسيوية الكبرى المعروفة كالبوذية وغيرها لا تعتبر دين قدر ما تعتبر أسلوب حياة، لذا فالاجابة يصعب أن يفهمها سوى صينى أو أسيوى مثلها، ولكن هذه الاجابة أيضا فتحت بابا جديدا بالنسبة له، فربما لو صارحها برغبته فى الارتباط بها، سيكون من السهل إقناعها بأن تسلم، أو حتى تعتنق أى ديانة سماوية أخرى وهو ما سيسمح له بالزواج منها دون عوائق دينية على الأقل، أما الثقافة والعادات فمن المؤكد أن ذلك العائق سيكون من السهل تخطيه.

لكنه عندما صارح والدته بكل ما يدور فى عقله، لم تهتم سوى بنقطة واحدة:
 ماذا لو ورث أبناءكما عنها وجهها الأسيوى، فكيف سيتعاملوا مع أبناء عمومتهم ومن حولهم، فلم أرى من قبل مصرى تزوج أسيوية

حديث طويل بين شد وجذب دار بينهما، لكن فى النهاية رضخت والدته لما يريد.
اندفع حينها للهاتف، ليتفق معها كيف سيلتقيان، وفى مخيلته أن يدعوها لقضاء إجازة فى القاهرة، تذكر حينها أنه لم يقل لها من قبل كلمة، (أحبك)، لا بالعربية أو الصينية أو الانجليزية أو أى لغة أخرى، لذا فربما سيقولها لها الان فى الهاتف، أو ربما عندما تأتى للقاهرة يقولها لها عند سفح الهرم، فيكون أجدادها شهود على حوارهما الصامت، وأجداده شهود على حوارهما المسموع، لكنها لم ترد هذه المرة.

مرت الأيام والاتصال بينهما قد أنقطع، والقلق يساوره ويزداد، فربما قررت فى النهاية أن تنهى علاقتهما وأختارت شابا من أبناء وطنها، وربما فكرت كما فكرت والدته، وربما فقط ملت، لكن قلبه كان يخبره بشئ آخر، شئ تملك منه ودفعه للسفر إليها، لتفجعه المفاجئة.

ماتت فى حادثة، وحرق أهلها رفاتها وفقا لمعتقدهم، وحرقوا مع تلك الرفاة قصة حبهم كما ظن، حاول أن يصل إلى مكان ما تبقى منها، لكنه لم يستطع، فى نهاية المطاف سلم بالأمر، وقرر قبل عودته للقاهرة أن يذهب مرة أخرى لجبال تيانمن ويستحضر روحها هناك، فخاض التجربة كاملة لكن وحيدا تلك المرة، وما إن وصل حيث دار حديثهما الصامت حتى أخذ يبكى بحرقة، حينها شعر بيد تطبطب على ظهره، فنظر خلفه ليراها تقف مبتسمة كعادتها، فأمسك بيدها وسارا معا.

ومن حينها ولم يراه أحد أبدا وكلما سئلت عليه والدته تقول:
"أسرته عيناها الضيقة، فذهب معها لعالمها المسحور"

تمت

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى