الأحد ١٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
بقلم رشا السرميطي

ليس شعرًا ما قرأته

في الاصدار الثاني عشر لماجد أبو غوش، هذا الكتاب الذي صدر بدعم من وكالة الأنباء وطن عام 2013/ رام الله. حيث حمل عنوان: " عصيان" وقد صنِّف كديوان شعر، بحثت عن الشِّعر فيه، فلم أجده.

غلاف الكتاب اتخذ اللون الأحمر، بدلالاته الثوريَّة والعاطفيَّة، وعن سياق الأحمر في باب الفنون، يمكننا اعتبار استخدام اللون صافيًا بلا درجات تشاركه من الأصفر والبرتقالي أنَّ صاحبه صوَّب سهام قلمه نحو ذروة الحالة، سواء كانت: الاحتراق، الغروب، تفتح الجوري، الدَّم والموت ربَّما..، لكن في القطع الخلفي منه، يومئ لقارئه عن مستقبل قاتم، يستعيره بدلاً من خرق الذل والهوان التي يتصدق بها الوالي وحاشيته من الفاسدين على عامة الناس والبسطاء الذي كان منهم، كما كتب خلال نصوصه.

للوهلة الأولى يجتذب ماجد أبو غوش قارئه، ليتعرف على ذاك العصيان، الذي يعتقد القارئ بأنَّ الشاعر وصل إليه فكتبه قبل غيره، يبدأ الكاتب اهداءه إلى ليلى.. الفراشة.. الملكة.. وبذلك رمزيَّة للحب سواء باستخدام الاسم ليلى، أم بوصفها بالفراشة والملكة، مما يحيِّر قارئه، ليتساءل إن كان الكتاب شعرًا عاطفيًا أم وطنيًّا، ومابينهما يحسن الانصات لصوت الكلمات التي لا شفاه لها.

نصَّه الأول – عصيان – يدعو صديقته التي انتظرها سنوات حتَّى تعتق نبيذ الوقت على مشهد من الذل والهوان، ورغيف متآكل بقي منه الفتات لعصافير استشهدت أشجارها في ليل محتل، فجأة يظهر في النَّص الضَّبع والبغل والغربان وكذلك الثَّعلب مما يضعف شاعريَّة الكلمة ويفسد مقامها، رغم استناده لرمزيَّة واضحة باستعارة هذه الأسماء للحيوانات، لكنني لم أرى ذلك محكمًا لبناء شعري وشاعري، يليق على الأقل في حضرة الفراشة (الملكة). ممَّا أفسد موسيقى النَّص، والأصل بالشعر أن يترك لقارئه موسيقى تحفر ترانيمها في طرقات القلب والفكر معًا.

يتابع أبو غوش مشواره مصطحبًا القارئ للشام، التي يراها كتف حيفا، في نثريات ممزوجة بالياسمين والقمر، أمام بحر ملأته الورود والبارود وقيدت حقول موجه سنابل لم تكن خضراء. أما في نص "أحب" يبدأ بالمثبت ليكون المضمون نفيًا، يحرر به القمر عن الورق، ويدوي بزمجرة المجاز، فيكسر الفكرة تمامًا ليموت على فمها. ونص "ارتجال" لم يكن أكثر من بعثرات مباشرة، رغم مناداة ماجد أبو غوش بنهجه للرمزية والمجاز.

أحمد سعادات، محمود درويش، وضاح زقطان، جورج حاوي، وغيرهم من الأسماء التي تطرق لها ماجد أبو غوش حاملاً فأس أفكاره يحفر في أرض الفكرة الراحلة، ربما ليقتلعها، أو يزرع فكرة أخرى بجانبها، بدا واضحًا في أفكاره، عمد للمباشرة، والتصريح الواضح بكثير من القضايا، الحب، الوطن، السلطة، القهر، الذل، الحرمان، الفقر، التشرد، اللوعة، الرغبَّة، مستنجدًا بالفراشة، النحلة، الغزالة، وغيرها من الحيوانات، مفسرًا ذلك بعودة لسيرته الأولى حيث الطبيعة.

ومع ذلك خاطرة انتظار رغم قصرها، لكنَّها حملت سمة الموجز الكافي، يقول:" ناديت حورية البحر/ أن تأتي إلي/ انتظرت عند الحاجز/ موج البحر/ يحملها إلي!.."

قيَّد ماجد أبو غوش قلمه بكلمات محددة وكررها عبر نصوصه كافة مما أضعف الكثير منها، وجعلها مبتذلة، وهذا لم أقبله كقارئة، حيث يعتبر هذا الاصدار الثاني عشر للكاتب، أعتقد كان حريًّا به تنقيح النصوص، بمعانيها، ومفرداتها، أيضًا هناك بعض الأخطاء في الطباعة من حيث الإملاء والنحو.

ممَّا أعجبني ما كتبه لناصر آغا:" عيناك أم القلب/ الذي رأى/ دع الفرشاة تمضي لحالها/ ورق الرَّسم يفضل/ عرق أصابعك!/ هذا الصَّباح ماطر/ وحلب تصحو/ على ضرب فرشاتك!/ أصحبها يومًا/ إلى حيفا". حيفا تلك المدينة التي وقع ماجد أبو غوش أسيرًا في حبِّها خلال معظم نصوصه، لينتقل منها ليافا وعكا في كتاب – عصيان، على ذات الوزن من المستحيل.
النَّبيذ " كمفردة" متكررة خلال الكتاب بأكثر من خمسين مرة، أذكر منها " النبيذ، الخمر، القدح، العرق، الكأس، .. وغيرها، لم يكتف بذلك ماجد أبو غوش بل تتربع مفردة " نبيذ" في خاطرة مستقلة صفحة (37) ورغم اتجاه كثيرين لذكر النبيذ في أشعارهم وخواطرهم إلا أنَّ ماجد فرط وأفرط في بناء المعنى مما بلغ به الحد للمساواة بين العناق والعواء، في صورة مشمئزة لقارئه، ومنفرة في آن، أعتقد بأنَّ الكتابة عن الحب والعناق لها مفرداتها الناعمة والرقيقة والشرسة أحيانًا لكن لها لغة خاصة وسامية أيضًا.

يرجع ماجد أبو غوش لحالة الثَّمالة، ليأخذنا في نص " يوميات حانة المغارة" مستخدمًا ذات المفردات: شهوة، فمي، قبلة، نبيذ، نساء، رغبة، حب خمسيني حاد، ينادي على غسان كنفاني ليعلمه بأن أم سعد رجعت في تموز، ماذا يقصد ماجد: هل رجعت لرام الله لتبكي على حالها؟ البيرة، النبيذ، الرقص، أجد نفسي كقارئة أثري قاموسي اللغوي بعد هذا الكتاب بمفردات لا تشبهنا، مغتربة عن مجتمعنا وعاداتنا، للحظة أرسم ملامح ذاك الكاتب المهترئ في حانة مهملة يشرب ليلاً ويكتب بالزجاج المكسر نصوصه الجارحة والمؤلمة، وهنا ينبت التساؤل الأخضر: لماذا كل هذا التكثيف بالاستخدام للحانة والخمر في كتاب عصيان؟ أهي الوحدة التي نبأ بها الكاتب في نص " لا أحد" أم أنَّه التيه بحثًا عن العدل والانسانيَّة، في غابة يعيش بها الكاتب؟

يتابع ماجد أبو غوش منتقدًا الوزيرة والعاملين في مبنى الوزارة في صفحة (39) برسائل مباشرة يشكو قلة الاهتمام بالشعراء ونشر موادهم في الصفحات الثقافيَّة في رام الله المحتلة.

الومضة عن ناصر شعث محكمة من حيث البناء اللغوي، يقول" ماذا يفعل البدوي/ في بلاد الثلج/ يبحث عن حدود/ لا تسأله جواز سفر/ يبحث عن موطئ/ لحقيبته وقدميه/ عن أغنيَّة/ انسابت بين يديه/ يبحث عن وسادة/ من عشب ورمل". أمَّا ومضة "هوى" فكانت أكثر جمالاً، إذ وصف بها -ماجد أبو غوش- الليل بالأغنية، والغيم طريقً للحالمين بالمطر، والقمر أثر قبلة بين عاشقين، واختتمها ليقول لمحبوبته: وأنت كل ذلك.

يتمنَّى الكاتب متوجعًا في نص " يا ليتني" وعن الحبِّ يكمل في صفحة (55) ليعود للمطر والعناق والاشتياق، في حالة يسلم بها قلبه للمحبوبة، يستسلم، وينام. ثمَّ يقرر العودة لسيرته الأولى هاربًا للطبيعة من البشر، لاعنًا محاولات الفشل، يشكو، ويشكو، .. للملكة فقط. محاولات لنصوص عديدة للنسيان وعدم التذكر على شواطئ البحر، حيفا، يافا، وكثيرة الأماكن المائية التي اصطادت قلم ماجد أبو غوش ليكتب عنها معلنًا عصيانه على نفسه وذاته وأفكاره ربما، التي لم تتمازج مع حيز الواقع الذي وجد به في هذه المرحلة الفكريَّة والعمريَّة أيضًا.

الوحدة نهر رافده الجنون هذا ما استخلصه بعد قراءة –عصيان- لماجد أبو غوش، في البعد والفراق والحيرة يفقد الانسان اتزانه، يغيب عقله متخليًا عن جنون القلب، ومهاتراته بما لا يستحق، ومن لا يستحق ربما.. حتَّى يعلن كاتبنا تعبه الصَّريح صفحة (108) يقول: الآن/ نعم الآن/ .. توقف أيها القطار لقد وصلت".


مشاركة منتدى

  • أشير إلى بعض المفردات الإملائية الخاطئة التي ذُكرت في نص الكاتبة رشا وهي بين قوسين:

     وكثيرة الأماكن المائية التي (اصطادت) قلم ماجد أبو غوش...
     ورغم اتجاه كثيرين لذكر النبيذ في أشعارهم وخواطرهم (إلاَ) أنّ ماجد فرط وأفرط في بناء المعنى...

    تقبلوا مروري ولكاتبتنا كل التقدير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى