الاثنين ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
بقلم حازم خيري

ليس لدى ما أكتبه!..

الكتابة يعيد المرء بها اكتشاف ذاته، بل يعيد اكتشاف قدرته على المقاومة!.. شعور مهيب ان يجد المرء نفسه خاويا، ليس لديه ما يكتبه، وكأنه سكب آخر قطرات مخزونه الابداعي ولم يتبق لديه منه شيء. شعور مهيب أن يتنفس المرء الخواء، وأن تغادره الثقة بالنفس، وأن يجاهد لاستعادة نفسه وقد ضُرب عليها التيه. فالاستسلام للتيه موت بطيء، أما المقاومة والتحكم بالنفس فذلك انتصار عظيم.

المقاومة هي كلمة السر، فيها تكمن كل معاني القوة والرجاء. في مقالة مبكرة لي بعنوان "بناء الذات الأنسنية" تحدثت عن الأنسني وعن البناء الفكرى له. أراني في حاجة لتدبرها، في محاولتي ترميم ما أصاب تخوم نفسي من خواء وتيه شرسين.

ولتكن البداية الايمان بنفسي وبفكري الأنسني، على خلاف ما يفرضه التيه من تهوين من قدر الذات واستهانة بكل ملكاتها الحياتية. المسألة ليست هينة، فالتيه والخواء يضربان في أساس الشخصية، ويعمدان إلى تدميرها وانهاء استقلاليتها.

يرتبط بالايمان بالنفس وبالفكر الأنسني الايمان بعقيدة أخلاقية راقية تساعد النفس على السمو والتعالي على كل تدني وانحطاط. الأخلاق للأنسني ليست ترفا بل هي ضرورة لتوازن النفس وصحتها. ليس معنى ذلك أن الأنسني لا يخطيء بل المعنى أنه يراجع ذاته بصورة دائمة، ويغادر كل نقيصة كلما انحدرت قدمه في اتجاهها.

أيضا وفي الاطار نفسه يُناط بالمرء تقوية قدرته على الصمود في وجه مجتمع لاأنسني، لضمان عدم تكرار التصدع والانهيار إزاء كل مشكلة يواجهها الأنسني. فالصمود يزيد مساحة الثقة بالنفس ويجرد الآخر من مداومة لوم الأنسني وضعفه.

النهوض من بين ركام الانهيار والتصدع فريضة، أما الاستسلام للانهيار والتصدع فخطيئة. خذ مثلا إدوارد سعيد وقد هاجمه مرض السرطان وعلم بدنو النهاية، لم ينهار أو يتخل عن أفكاره ومدرسته الفكرية، بل ظل حتى اللحظة الأخيرة مصرا على الصمود في وجه المرض والموت. نموذج فذ كإدوارد سعيد ـ رحمه الله ـ من شأنه أن يلهمنا معنى المقاومة والصمود حتى النهاية في وجه المرض والموت..

قراءة مثل هذه النماذج الرائدة وتدبرها من شأنه المساعدة على اعادة بناء الثقة بالنفس، وتحدي الظروف القاهرة، وامتلاك الأمل في التغلب على المحن مهما اشتدت. المثل الأعلى ضرورة في رحلة بناء الثقة بالنفس، من خلاله يرتاد المرء آفاقا أرحب وأخصب.. المثل الأعلى يخبرك أن السائر ليس وحده في الطريق! المثل الأعلى يبدد وحشة الطريق، ويربت على كتفيك، كلما ثقل الطريق وطال!

ليس لدى ما أكتبه! شعور مهيب بالخواء والتيه، على المرء مقاومته والتصدى له.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى