الاثنين ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم راوية رياض الصمادي

مجموعة «المعلمة» لصالح القاسم

شأنه في هذه المجموعة شأن أي فلسطيني أو عربي مازال يحمل هم الوطن ويحاول تشخيص الواقع وتسليط الضوء على مكنونات وخلجات وحياة المواطن الفلسطيني خاصة في بلاد الشتات.

يصور القاص في مجموعته الصراع الداخلي للمواطن وصراع الأضداد: الشقة أو الوطن، الفدائي أو الإرهابي، ولهفة المواطن للوطن، وكذلك هموم الحياة العادية التي تغرق النفس البشرية في تفاصيلها. يحاول صالح، وبأسلوب سلس، لملمة أطراف شقاء الإنسان، وبخاصة الفلسطيني، في مكان واحد. ففي قصة المعلمة يحكي عن رحلة شقاء المرأة في المخيمات الفلسطينية ما بين العمل في البيت و رعاية شؤون المنزل، الى انتظار الباصات للحاق بدوامها في قرية بعيدة جدا، فيما تعاني أثناء ذلك ما يصيبها من تعليقات زوجها الساخرة، وبحلقات الرجال بها في مواقف الباصات، إلى زجر المديرة لها ومعاقبتها بسبب تأخرها المتكرر عن المدرسة، ناهيك عن البرد القارص في الشتاء، والحر في الصيف: "ترتحلين مسافات طويلة جداً تبدلين سيارة بأخرى حتى تصلي إلى مدرستك. تنتظرين باص المخيم الساعة السادسة قبل أن ينبلج ضوء النهار: ليقلك إلى السوق تنزلين في شارع الهاشمي، ثم تمشين حتى سرفيس مجمع عمان، وهناك.. تتكورين بكمد وسط الرياح القارة مثل الثلج تتوحوحين وسط العيون الجائعة، تنتظرين أن يَهلّ باص المفرق الذي ما أن يراه الركاب حتى يهرعوا إليه كل منهم يريد حجز مقعد قبل الآخر، قبل أن يطفح بالبشر".

لكن ذلك لا يوهن من عزيمتها، مواظبة على الشقاء، وكأنه أمر عادي جدا، ماضية في مسيرتها دون كلل: 

"تبلعين غضبك، وبؤسك، آلالام تتجمع على شفتيك وتتوقف. تسمعين رقصة شفاهك وإصطكاك أسنانك تشعرين بسكاكين برد ثوبك المبلول وأنت صامتة ".

أما قصة ثلاثة دنانير، فهي عن العلاقات بين الفلسطينيين غرب النهر، وشرق النهر، فكلاهما في هم واحد، كل مشتاق للآخر، وكل منهما يريد مساعدة الآخر، ولكنهما يعيشان الفاقة نفسها، والمعاناة من شظف الحياة. ولكن القصة، تحكي في الوقت نفسه، تفكك العلاقات الاجتماعية بين الأقارب، فبطل القصة يحاول أن يستدين ثلاثة دنانير من أقاربه، لكنه يفشل لعدم توفر هذه الدنانير احيانا، وأحيانا لعدم رغبة الطرف الآخر بمد يد المساعدة رغم توفر هذا المبلغ البسيط:

"كلما قرعت باب أحدهم لأستدين ثلاثة دنانير صفعتني إجابة النفي بحذاء مهترئ قبيح رائح. أخطو إلى الخلف، أبتعد عن الباب مجروح الفؤاد أتقيأ الحزن والأسى." 
في قصة "شقة بدلا من وطن"، تتساءل الشخصية: هل تحولت القضية من هَمّ وطني إلى هم إيجاد شقة تنسيه ـ ليس فلسطين وحسب ـ ولكن نفسه المشغولة بسداد أقساطها:

"كيف أستبدل كلمة سكن بوطن؟ شقة أقساط ثمنها سوف تَهـدُّ حيل أولاد أولادي، وأرضي في فلسطين لا تجد من (يعاقرها) لتحبل بالخضار والياسمين"
ويعصر روحَه ما يحيط وما يلم بالقضية الفلسطينية:

"حقوقنا بأقلام الكتاب لم تعد حقوقنا. عكا، وحيفا، وأجزم، وأم الزينات، والطيرة، والطنطورة، وأم الفحم، وعين غزال، وكل فلسطين تبين أنها ليست لنا يا أبي، هل كنت تكذب عليّ يا أبي؟ هل كنت؟، لماذا نفخت كل هذه الوطنية والقومية في صدري؟ البالون المملوء بالهواء النضالي الساخن داخل صدري لا يفقع فأموت يا أبي وأرتاح مما أرى، ولا الصحف ووسائل الإعلام يا أبي عادت تجرؤ على ذكر فلسطين. وكتاباتي يا أبي يقولون عنها حادة ومتهورة، عليّ أن أشذبها وأقلمها من كل ما له علاقة بالوطنية والقومية، ومن كل ما هو عدائي للسامية. حتى زوجتي يا أبي صارت تقول عني أنني أحمل السلم بالعرض، وكأن الدنيا لا يزال فيها طول وعرض."كيف يا أبي أستبدل كلمة فدائي بإرهابي؟"

لا يخفى على قارئ المجموعة القصصية التي ضمت المعلمة والنشرة الجوية، و الفلسطيني الصغير، و الملجأ، و ثلاثة دنانير، البعد الإنساني والاجتماعي، والهم الوطني الذي يسكن فلسطينيي الشتات، وحلمهم بالعودة والحياة الكريمة.
وقد ابتعد الكاتب عن دور المُنظر للحلول والعظات الوطنية "المؤدلجة"، ولكنه لم يوصد باب الأمل بغد أفضل. 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى