الجمعة ١٨ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم إدريس ولد القابلة

محاكمات الإرهاب بالمغرب ـ الحلقة الأولى

إن محاكمات الإرهاب التي عرفها المغرب سنة 2003 ساهمت بشكل كبير في الكشف عن الوجه الحقيقي للإرهاب في هدا القطر العربي, اد أن المنفذين لم يكونوا إلا مجرد أدوات لشبكات أصولية انتشرت و تغلغلت في الأحياء الهامشية مستغلة الفقر المدقع و تفاحش المشاكل الاجتماعية بها.

و عموما تعتبر العمليات الانتحارية/الاستشهادية حسب منفذيها, هي حديثة العهد كما أنها سلاح الضعيف في مواجهة القوي و خصوصا في لحظات اليأس. و كان أول من استعملها هم الكاميكاز, الطيارون اليابانيون في أواخر الحرب العالمية الثانية ضد البوارج الحربية الأمريكية.

و لعل أول عملية من هدا النوع في حالة السلم هي العملية المتعلقة بالفتاة السيخية التي فجرت نفسها في وجه رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي في منتصف ثمانينات القرن الماضي. و بعد دلك دخلت العمليات الانتحارية/الاستشهادية في تراث الانتفاضة الفلسطينية و المقاومة اللبنانية في الجنوب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.

و حين شرع بوش في حربه ضد العراق مدعيا القضاء على الإرهاب أعلن أكثر من صوت أن حرب أمريكا ضد بلد النهرين ستساهم بشكل ملحوظ في تنامي الإرهاب على الصعيد العالمي و ليس العكس كما ادعى الأمريكان. و دلك لأن الإرهابيين و الحركات المتطرفة في العالم ستجد آلاف الشباب الساخطين و الغاضبين لتوظيفهم للقيام بأعمال إرهابية انتقامية يائسة سعيا وراء الحد من تعنت أمريكا و حلفائها على العالم. علما أنه لابد من التذكر دوما أن الحركات الإرهابية كانت في الأصل وليد لدعم كبير من طرف الغرب و على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية للوقوف في وجه الشيوعية أولا ثم الإسلام ثانيا.

ولم يعرف المغرب في السابق مثل تلد العمليات التي كانت الدار البيضاء مسرحا لها ليلة 16 مايو 2003. و حتى في ظل الاحتلال الفرنسي و الاسباني و في أوج المقاومة ضد الاستعمار لم يشاهد المغرب إلا عمليتين قد تقارب في بعض أوجهها العمليات الانتحارية. و يتعلق الأمر باستشهاد المقاوم محمد الزرقطوني و المقاوم علال بن عبد الله. فالأول تجرع السم بمحض إرادته حين اعتقاله من طرف مصالح الأمن الاستعمارية خوفا من الاضطرار للوشاية برفاقه أو تسليم معلومات للمستعمر تحت التعذيب الذي كان ينتظره. و الثاني هجم في واضحة النهار و على مرأى العيان وسط المشور ) ساحة القصر الملكي بالرباط( على بن عرفة السلطان المعين من طرف السلطات الاستعمارية بعد نفي السلطان الشرعي محمد الخامس. و قد قام المقاوم علال بن عبد الله بعمليته الانتحارية تعبيرا عن عدم قبوله و رفضه للأمر الواقع و دفاعا على الشرعية اعتبارا لروحه الوطنية العالية, إلا أنه أغتيل من مصالح الأمن الفرنسي قبل النيل من بن عرفة.

و قد أكدت جملة من التحاليل و الدراسات السوسيولوجية أن الدين انتحروا بتفجير أنفسهم بالدار البيضاء ليلة الجمعة 16 مايو 2003 هم من الشباب الفقراء المنتمين لأحياء مهمشة و محرومة من شروط الحياة الإنسانية الكريمة حتى في حدها الأدنى. شباب طوقهم اليأس من جراء آليات الفقر و التفقير الممنهج و انعدام الشغل و استشراء الحاجة و انسداد الأفق و عدم التمكن من وجود مكان تحت شمس الوطن. و هكذا تجلت بوضوح إحدى جوانب الواقع الاجتماعي المساعدة لبروز العنف كوليد للقهر الاجتماعي و فقدان أدنى بصيص من الأمل في المستقبل القريب و البعيد.
و قد كانت عمليات الدار البيضاء الدامية ليلة 16 مايو 2003 مجرد بداية ضمن سلسلة من التفجيرات المبرمجة في عدة مدن مغربية أخرى, من ضمنها مراكش و أكادير و طنجة و الصويرة و المحمدية و سلا و الرباط و شفشاون و فاس, اد تم تجنيد لها انتحاريين احتياطيين لتنفيذها. و قد صرح وزير العدل المغربي أكثر من مرة بعيد الأحداث أن خطر الإرهاب لا يزال قائما, و أن هناك العديد من الأشخاص الدين وردت أسماؤهم خلال التحقيقات لم يعتقلوا أو لم يتم التعرف عليهم بعد.

مسلسل العمليات الانتحارية

كانت مدينة الدار البيضاء – العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية- ليلة الجمعة 16 مايو 2003 مسرحا لعمليات إرهابية استهدفت 5 مواقع نفدها 14 انتحاريا منهم 12 لقوا حتفهم بعد تفجيرهم لأنفسهم, بينما نجا اثنين منهم بعد عدولهما عن الفكرة من جراء معاينتهما بأم أعينهما ما حل بزملائهم و هم أضحوا أشلاء متناثرة على قارعة الطريق.
و قد كان أول بلاغ هو الذي أصدرته وكالة المغرب العربي للأنباء و جاء فيه ما يلي :

نفدت أربعة انفجارات مساء يوم الجمعة16 مايو 2003, ثلاثة منها بالسيارات المفخخة و الرابعة بقنبلة. و قد انفجرت ثلاث سيارات مفخخة على التوالي قرب قنصلية بلجيكا و فندق فرح و نادي الرابطة اليهودية, فيما انفجرت قنبلة قرب دار اسبانيا. و قد تم اعتقال ثلاثة أشخاص مشتبه فيهم.

و بعد مرور الوقت أتضح أن الأمر لا يتعلق بتفجير سيارات مفخخة و إنما بقنابل بشرية تابعة لخلية مكونة من 14 عضوا موزعة على خمس مجموعات استهدفت فندق فرح و مقهى/مطعم دار اسبانيا و مقر الرابطة اليهودية و مطعم متخصص في الطبخ الايطالي و مقبرة يهودية قديمة. و حين حدوث الانفجارات لحقت أضرار بليغة بمقر القنصلية البلجيكية الكائنة أمام المطعم الإيطالي المستهدف و الذي يملكه يهودي, و لم تكن القنصلية المذكورة من الأماكن المستهدفة من طرف الإرهابيين.

إن الأماكن التي استهدفتها العمليات الإرهابية بمدينة الدار البيضاء كانت تعتبر في عرف المخططين لها بأوكار الفساد و علاقتها باليهود. فالمقبرة الكائنة بالمدينة القديمة هي مقبرة اليهود, و النادي هو مقر الرابطة اليهودية بالمغرب, و المطعم الإيطالي يملكه يهودي. أما فندق فرح فقد سبق أن استضاف مسؤولين اسرائيليين أثناء احتضان المغرب لأحد المؤتمرات الدولية. و بخصوص مقهى/مطعم دار اسبانيا فكان ينعت في عرف الانتحاريين بوكر من أوكار الفساد البين بمدينة الدار البيضاء.
و للحفاظ على السرية لجأ رؤوس الإرهاب إلى تجنيد ضحاياهم من الانتحاريين داخل الأحياء المهمشة التي يكاد ينعدم فيها تواجد مصالح الأمن الوطني, و من ضمنها حي سيدي مومن الذي كان يقطنه جل الانتحاريين 14 .

و لم يتطلب إعدادهم إلا فترة قصيرة ما بين شهرين و خمسة أشهر على أكبر تقدير. و هكذا كان التخطيط لهجومات الدار البيضاء قائما على مبدأ السرية التامة و الاعتماد على الإمكانيات المحلية و الدانية لتفادي انكشاف الخطة الموضوعة.
و بخصوص الدعم الذي قدمته القاعدة إلى منفذي التعدي على العاصمة الاقتصادية المغربية, فإنها وفرت أولا الفتوى, و هي شرط لضمان الغطاء الشرعي المزعوم, و وفرت كذلك الخبرة في صنع المتفجرات, و ربما ساهمت بشكل مباشر في تغطية المصاريف اللازمة.

و لقد كان مخططا أن تتزامن تفجيرات الدار البيضاء بالمغرب مع تلك التي شهدتها مدينة الرياض بالمملكة السعودية إلا أنها أرجئت إلى تاريخ لاحق لعدم توفر المواد اللازمة لتفخيخ الانتحاريين في حينها. علما أن المتفجرات المستعملة كانت من صنع محلي . و قد أكدت مختلف التحريات و جملة من تصريحات المتهمين أن المدعو مول السباط هو العقل المدبر المحلي و الرئيسي للعمليات, و هو الذي أعطى الضوء الأخضر لتنفيذها بعد تحديد توقيتها. كما كشف المتهمون الرئيسيون أثناء التحقيق و المحاكمات عن الخطة التي الإعداد لها لتنفيذ العمليات الإرهابية ليلة الجمعة 16 مايو 2003. و تبين من خلال تصريحاتهم أن أمير الانتحاريين المحلي, عبد الفتاح بوليقضان, هو من كان وراء اقتناء المواد المتفجرة و تركيبها و إعدادها و توزيعها على الانتحاريين.

و قد دامت الاستعدادات كلها سنة ونيف تم خلالها استقطاب الانتحاريين و إعدادهم لمدة ثلاثة أشهر للتحضير النهائي للعمليات التي كان من المقرر تنفيذها يوم الجمعة 9 مايو 2003.
و حسب بعض المصادر فان الهجومات الإرهابية بالدار البيضاء وقعت بعد ساعات قليلة و معدودة من تحذير الولايات المتحدة الأمريكية من أن تنظيم القاعدة على وشك أن تضرب ثانية. كما اكتشفت اعترافات الانتحاري الناجي من الموت, رشيد خليل, عن تدقيقات في جوانب الإعداد للعمليات الانتحارية بالمغرب. لقد اعترف قائلا أن عناصر المجموعة 14 تعرفوا على بعضهم قبل الموعد المعلوم لوقوع الانفجارات بحوالي ثلاثة أشهر, و قاموا جميعا بقضاء ليلة الخميس, قبل الانفجارات, بمنزل محمد العمري, و لم يغادروه إلا مساء يوم الجمعة الموالي للتوجه إلى الأماكن المستهدفة.

كما صرح أن كلا من محمد مهني و عبد الفتاح بوليقضان هما اللذان تكلفا بالمتفجرات و بإعدادها و وضعها بالحقائب قبل توزيعها على الانتحاريين. و كان عددها 14 حقيبة كل واحدة منها تزن مابين 2 و3 كيلوغلرامات, و بالتالي فان مجموع كمية المتفجرات المستعملة في تفجير فندق فرح و مقر الرابطة اليهودية و المقبرة اليهودية و مطعم بوزيطانو الإيطالي و دار اسبانيا تبلغ حوالي 30 كيلوغراما.

ادن قضى الانتحاريون 14 آخر يوم من حياتهم بمنزل محمد العمري و لم يغادروه إلا بعد صلاة المغرب و العشاء جمعا ليلة الجمعة 16 مايو 2003 ثم توجهوا إلى أماكن حتفهم لاقتراف الجريمة الشنعاء التي لم تكن متوقعة في حجمها و في كيفية تنفيذها, اد لم يكن أحد بالمغرب يظن أن شبابا مغاربة يقبلون تحويل أبدانهم إلى قنابل موقوتة تقتل أبر مسالمين بدون سبب. و لم يكن أحد يتوقع أن مدينة الدار البيضاء ليست وحدها المستهدفة, بل كانت أعمال إرهابية أخرى أكثر عنفا و دمارا مبرمجة تنتظر التنفيذ في جملة من المدن المغربية, مراكش و الرباط و سلا و المحمدية و فاس و أكادير و الصويرة و أسفي و طنجة و غيرها.

مساء يوم الجمعة 16 مايو 2003 استقلت كل مجموعة سيارة أجرة, نزلت مجموعة عبد الفتاح بوليقضان بالقرب من فندق فرح و ذكر هدا الأخير المجموعة بالخطة التي تقضي بأن يلج محمد العمري إلى داخل الفندق, فيما يعمد الآخرون إلى ذبح الحارس حتى يتمكنوا من الدخول, و بعد دلك سيضغط الجميع دفعة واحدة على زر المتفجرات. و إن لم يحدث الانفجار, فهناك خطة بديلة و هي التي كانت تقضي بإشعال الفتيل بولاعة.

توجه كل من عبد الفتاح بوليقضان و محمد العمري و محمد الأسمر راجلين نحو مدخل الفندق بعد أن حدث ما لم يكن في الحسبان, اد أن الانتحاري الرابع في هده المجموعة, حسن الطاوسي, انسحب من المجموعة قبل ركوب سيارة الأجرة و فر هاربا. واصل الثلاثة مسيرهم نحو باب الفندق, و عند اقترابهم إليه أمر عبد الفتاح بوليقضان محمد العمري بالولوج أولا, و بعد مراوغة الحارس تمكن العمري من الدخول بعد انسلاله جريا, إلا أنه تخلص من حقيبة المتفجرات حين سمع انفجارا مدويا وراءه, ثم ارتمى أرضا و أصيب بجروح و غاب عن وعيه لبرهة قصيرة دامت بعض الثواني قبل أن يحاول الفرار, لكن تبعه بعض الأشخاص و قبضوا عليه خارج الفندق بعد أن تمكن كل من عبد الفتاح بوليقضان و محمد الأسمر من تفجير نفسيهما عندما منعهما الحارس من الولوج اد ارتمى عليهما فاضطرا إلى الضغط على الزر قبل الأوان المقرر.
اهتزت المنطقة المحيطة بالفندق و أصيب الجميع بالذهول من وقع المفاجأة... شظايا و أشلاء متناثرة... دماء على الأرض... جثت متفحمة...

بعد الانفجار اضطر محمد العمري, الذي كان ينوي تفجير نفسه هو كذلك, إلى ترك حقيبة المتفجرات على الأرض تحت جثث سقطت بالقرب منه و فر في اتجاه الرصيف المقابل لمدخل الفندق إلى أن حاصره الحاضرون بالمكان.

انشغل الجميع متناسين القنبلة التي لم تنفجر, حتى الكلاب المدربة ظلت تبحث لكنها لم تتوصل إلى نتيجة رغم عمليات التمشيط المتكررة. ظلت حقيبة محمد العمري ملقاة على الأرض تواريها إحدى الجثث. و أخيرا تم العثور عليها و تطلبت عملية إبطال مفعولها وقتا طويلا, اد أمر الجميع بمغادرة الفندق و الابتعاد من كل الجهات الأربع حوالي 100 متر على الأقل.
و مع اقتراب بزوغ شمس يوم السبت 17 مايو 2003 بدأت تظهر المعالم الأولى لتفكيك القنبلة. خيم صمت رهيب على المنطقة و على الوجوه, و ما هي إلا لحظات حتى دوى انفجار قوي, و هكذا أبعد الخطر نهائيا.

أما مجموعة رشيد خليل, التي ضمت محمد مهني و خالد ثائب, فتوجهت إلى مقر الرابطة اليهودية. أسرعا محمد و خالد نحو المدخل و اقتحما الباب و توارى رشيد الذي عاين انفجارهما, فتراجع و وضع حقيبته بين سيارتين قابعتين على حافة الطريق و انصرف دون أن يلاحظه أحد.

توجه رشيد خليل إلى حي بعيد عن مكان الانفجار قضى الليلة بمنطقة خالية بحي سيدي مومن بالدار البيضاء رفقة أحد رفاقه الملتحين إلى حين القبض عليهما.

لقد فجر محمد مهني و خالد ثائب نفسيهما على مرأى من رشيد وتطايرت أشلاء جثتهما بالقرب من مقر الرابطة اليهودية الذي كان خاويا على عروشه, اد لم يكن يوجد به أحد آنذاك ما عدا الحارس.

و اتجهت مجموعة خالد بنموسى, التي ضمت لعروسي محمد و محمد الغرباوي و محمد حسونة, إلى نادي دار اسبانيا الذي كان غاصا بالزوار. و هناك تفوق الانتحار يون في تنفيذ الخطة المرسومة بحذافيرها. اد قاموا بدبح الحارس و ولجوا مقر النادي ثم فجروا أنفسهم دفعة واحدة, و هدا ما يفسر ارتفاع حصيلة الضحايا بهذا الموقع. تطايرت أشلاء الجثث في كل مكان و وصل بعضها إلى طوابق العمارات المجاورة.

و توجهت المجموعة الثالثة إلى مطعم بوزيطانو الايطالي, و كانت تضم ثلاثة شبان, استوقفهم الحارس قبل الوصول إلى المدخل على بعد مترين تقريبا. و أمام إصراره على منعهم من الدخول قاموا بتفجير أنفسهم خارج المطعم الذي كان غاصا الزبناء آنذاك. و لولا يقظة الحارس و شجاعته لكانت حصيلة الضحايا مهولة.
إضافة لهده الانفجارات حدث انفجار آخر بالقرب من المقبرة اليهودية القديمة الكائنة بحي شعبي
يقطنه مواطنون متواضعون, في غالبيتهم الساحقة فقراء. و ظل هدا الانفجار لغزا بدون توضيح, و لم يفهم أحد دواعي استهداف مقبرة ليلا كانت خالية من الزوار, علما أن تلك المقبرة لم تكن مسطرة ضمن الأماكن المستهدفة.

و ادا كان الانتحاري محمد العمري – مجموعة فندق فرح- أول الإرهابيين الملقى عليهم القبض, و الذي كشف جملة من خيوط القضية, فانه لم يكن من السهل وضع اليد على حسن الطاوسي المحسوب على نفس المجموعة و الذي تخلى في آخر لحظة قبل الصعود إلى سيارة الأجرة التي أقلت رفاقه إلى مكان الانفجار.
قضى حسن الطاوسي تلك الليلة بمسجد رفقة محمد مهم, و في الصباح طلب منه مرافقته إلى مدينة القنيطرة, إلا أنه تخلى عن دلك مخافة من وقوعه بين أيدي الشرطة. لدلك توجه رفقة بعض رفاقه إلى مدينة برشيد ثم إلى مدينة الكارة بحثا عن المال. و بعد أيام قضوها هنا و هناك اقترح عليهم محمد مهم الفرار إلى الجزائر. فطلب حسن الطاوسي من عبد الفتاح الريدي بيع عربته للحصول على المال ثم توجه الجميع إلى مدينة وجدة بشرق المملكة و منها إلى مدينة السعيدية الواقعة على الحدود المغربية الجزائرية, إلا أنهم لم يتمكنوا من التسلل إلى الجزائر فعادوا إلى مدينة الدار البيضاء و هناك ألقي عليهم القبض.

أجواء قبيل و بعيد انفجارات الدار البيضاء

قبل انفجارات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، و في شهر مارس من نفس السنة ثم عقد اجتماع طارئ على المستوى الأجهزة المغربية بعد الكشف عن مخطط كان يستهدف القيام بأعمال تخريبية بالمغرب، و ربما بالدار البيضاء. اد أن المعلومات المتوفرة آنذاك لدى الأجهزة كانت تشير أن مركب – ميكاراما- بالدار البيضاء الذي يضم عدة قاعات عرض سينمائي كان مستهدفا, لذلك تم تشديد الحراسة عليه الشيء الذي ربما أفشل خطة الإرهابيين لاستهدافه.

كما أشارت بعض الأخبار أنه قبل أحداث الدار البيضاء بستة أيام نزلت جماعة من الأصوليين و عددهم11 شخصا من بينهم أميرهم و هو بريطاني الجنسية, باكستاني الأصل, بمدينة أسفي و أقاموا بمسجد بها لكن السلطات طالبتهم بمغادرة المغرب.

آنذاك كان ملف الخلية النائمة يشغل بال الرأي العام, علما أن التحريات اللاحقة لم تظهر أية علاقة بين أحداث الدار البيضاء و تلك الخلية. كما أكدت أنه لم يأت ذكر السعوديين المرتبطين بملف الخلية النائمة للقاعدة في أي تصريح من تصريحات المتهمين في ملفات الانفجارات الأخيرة بالدار البيضاء التي عرضت على أنظار المحاكم المغربية في غضون سنة 2003. علما أنه تم إصدار حكم بعشر سنوات سجنا نافذا على المتورطين في ملف الخلية النائمة.

و كانت أحداث ليلة 16 مايو 2003 قد فاجأت الجميع وطنيا و مغاربيا و عربيا و عالميا. و كانت ردود الفعل سريعة من جميع أنحاء العالم. و قد أشارت الخارجية الأمريكية أنها تلقت عدة تقارير من السفارات الأمريكية في المنطقة العربية في أعقاب أحداث الدار البيضاء أفادت أن هناك تقارير لدى المصالح الأمنية الأمريكية معطيات عن احتمال وقوع أعمال كبيرة يجري التخطيط و الإعداد لها، و أن حركات الإرهابيين أضحت غير معروفة لأن الاتصالات التي يتم رصدها على مدى أسابيع توقفت مند أحداث الدار البيضاء، مما يعني أن الإرهابيين اكتشفوا الشفرة الأمريكية التي كانت تلتقط اتصالاتهم، أو أنهم دخلوا في مراحل الإعداد الفعلي لتلك العمليات الجديدة. كما أشار التقرير إلى أن تنظيم القاعدة لم يعد هو الوحيد على الساحة الدولية و إنما هناك تنظيمات انتحارية سوف يستمر لفترة قادمة. كما أكد التقرير أن السنوات القادمة ستشهد محاولة صبغ الحرب مع أمريكا بصبغة دينية مما سيمثل خطرا حقيقيا عليها و على مصالحها عبر العالم، مشيرا إلى أن واشنطن لن تستطيع متابعة أكثر من مليار مسلم يكنون لها العداء، لا سيما و أن الاستشهاد يين يتميزون بروح استشهادية غريبة و لا يخشون على حياتهم، و أنهم يعتقدون بقناعة راسخة أن الأفعال الإرهابية التي يقترفونها أكثر أهمية من الحياة الفردية ذاتها. و بدلك يكونون أصعب عدو يمكن مواجهته. و هدا بالتحديد ما يجب أن يدفع أمريكا إلى ضرورة البحث المستفيض و العميق في كيفية تغيير مفاهيم العالم العربي و الإسلامي بما يخدم مصالحها. لدالك لا يجب اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة المعادية للمصالح الأمريكية لأن هدا سيولد المزيد من الفشل في مواجهة و التصدي الأعمال الإرهابية.

و أشار هدا التقرير كذلك إلى أنة الخبراء أمريكيين توجهوا خلال فترة ما بين فبراير و يوليو من سنة 2003 إلى 13 دولة عربية للقيام بأنشطة سرية للغاية تحت غطاء تنفيذ برنامج أمريكي لتنمية التعليم الوطني بتعاون مع جامعيين و مثقفين عرب بهدف تطوير المناهج التعليمية بما يخدم الثقافة الأمريكية. و يرى التقرير أنه من المهم جدا في الفترة المقبلة تحويل الصراع بين الإرهابيين و المتطرفين الدينيين من جهة و بين أمريكا من جهة أخرى إلى صراع داخلي في المجتمعات الإسلامية و العربية ذاتها. كما يقول التقرير أن على الحكومات أن تلتزم بمصادرة كافة الكتب الدينية التي يمتد وجودها لمئات السنين لأن القضاء على منابع تلك الثقافة من شأن المساهمة في القضاء على التطرف، ما دامت تلك الحكومات مطالبة حاليا بإحلال ثقافة الغرب محل الثقافة التي تشجع على العنف و الإرهاب و كما عليها العمل لأعداد الدعاة الإسلاميين المتفهمين للثقافة الغربية.
و كان رد فعل مختلف الحكومات و رؤساء الدول و مختلف الهيئات يتمثل في التنديد الشديد بالأعمال الإرهابية التي استهدفت الدار البيضاء.

كما أن مختلف الهيئات السياسية المغربية و الفاعلين الجمعويين اعتبروها جرائم وحشية في حق الإنسانية جمعاء. كما أن الناطقين باسم جماعة العدل و الإحسان (عبد السلام ياسين ) أبدوا في أكثر من مناسبة موقفهم المخالف لمواقف و رؤية تنظيم القاعدة و كدا السلفية الجهادية. و أدان قياديو حزب التنمية و العدالة المغربي اعتداءات الدار البيضاء معتبرين أنها جريمة إرهابية وحشية، كما أدانوا مرتكبيها و الدين يقفون وراءهم.

و ظل الموقف الرسمي المغربي هو القائل أن اعتداءات الدار البيضاء لن تؤثر في الإصلاحات الديمقراطية و في المسار الذي اختاره المغرب لأن اختياراته لا رجعية فيها.
و كانت حصيلة انفجارات الدار البيضاء ثقيلة جدا في مدلولها، 45 قتيلا و أكثر من 100 جريح. و كان من بين القتلى 12 انتحاريا و بعض أفراد مصالح الأمن و المواطنين الأبرياء أنها حصيلة ثقيلة مهما كان الأمر، علما أن شجاعة بعض المواطنين العاديين و الحراس و رجال الأمن، و سذاجة بعض الانتحاريين قد ساهمت بشكل كبير في عدم سقوط ضحايا أكثر من دلك، لا سيما و أن الانتحاريين قد ساهمت بشكل كبير في عدم سقوط ضحايا أكثر من دالك، لا سيما أن الانتحاريين منعوا من ولوج فندق فرح و المطعم الإيطالي و أن مقر الرابطة اليهودية كان فارغا تلك الليلة و إلا لكانت الحصيلة أثقل.

على اثر هده الأحداث الدامية تشكلت لجنة تحضيرية لتنظيم مسيرة ضد الإرهاب، ضمت حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب الاستقلال و حزب التجمع الوطني للأحرار و حزب الحركة الوطنية الشعبية و حزب الاتحاد الديمقراطي و حزب التقدم و الاشتراكية و حزب الاشتراكي الديمقراطي و حزب العهد.

و كانت مسيرة يوم الأحد 25 مايو 2003 أضخم تظاهرة يشهدها المغرب، حيت ضمت أكثر من مليوني شخص اصطفوا على طول ثلاثة كيلومترات مرددين شعار موحد " لا للإرهاب... لا للكراهية"، و كانت مناسبة للتعبير عن الإجماع الوطني على رفض الإرهاب و التطرف. و شاركت فيها مختلف الهيئات السياسية و النقابية و الحقوقية و جمعيات المجتمع المدني و حشود من المواطنين توافدوا على مدينة الدار البيضاء من مختلف مناطق المغرب لتأكيد شجبهم و تنديدهم بالإرهاب. و كان على رأس المسيرة عائلات ضحايا الأحداث الإرهابية، وقد انطلقت من أمام فندق فرح أحد الأماكن المستهدفة ليلة 15 مايو 2003 الدامية و لم يشارك في هده المسيرة الإسلاميون بايعاز من السلطة. كما ثم تنظيم العديد من المهرجانات و الوقفات في مختلف المدن المغربية للتأكيد على استنكار الإرهاب و التنديد به.

لقد همت الاعتقالات ما يناهز 950 شخصا, من ضمنهم أجانب قلائل و مغاربة مقيمين بالخارج. كما ظل البحث قائما على أشخاص مطلوبين للعدالة متواجدين بالمغرب و [ألمانيا و ايطاليا و اسبانيا. و أفاد أكثر من مصدر أن عددا كبيرا من أئمة المساجد بالدار البيضاء خضعوا للاستنطاق و التحقيق خاصة بعمالة عين السبع الحي المحمدي باعتبار أن جل الانتحاريين ينحدرون من هذه العمالة.

و أغلب المعتقلين الذين كانت لهم علاقة بشكل أو بآخر بأحداث الدار البيضاء الدامية نقلوا إلى مدينة تمارة قرب العاصمة الرباط للخضوع للتحقيقات و الاستنطاق. و أكثر من 250 شخص قدموا للعدالة في الدار البيضاء و الرباط و طنجة و فاس و القنيطرة.

و لم تكن عمليات إلقاء القبض على المشتبه فيهم عمليات اعتقال عادية, بل إن بعضها كان محفوفا بخطورة كبيرة كما كان الحال في نواحي مدينة الراشيدية بجنوب المغرب مثلا. إذ أن مصالح مراقبة التراب الوطني مصحوبة بفرقة من الأمن و الدرك الملكي داهمت يوم السبت 28 يوليو 2003 منزلا بقرية مولاي محمد و منزلا آخر بقرية تيمزوغين للبحث عن مشتبه في انتمائهم لجماعات أصولية متطرفة. و قد خلفت المداهمة اعتقال خمسة أشخاص من نفس البيت و من عائلة واحدة و ذلك بعدما حال أفراد الأسرة دون اعتقال أحد المتهمين و أبدوا مقاومة شديدة لمصالح الأمن دامت أكثر من نصف ساعة, مما أدى إلى تدخل فرقة خاصة للأمن. و قد وصل عدد الموقوفين بمدينة الراشيدية 23 شخصا اثر ذلك الحدث. كما أنه بمدينة فاس اضطرت مصالح الأمن لاطلاق النار لاصابة أحد زعماء إحدى الجماعات الأصولية المتطرفة و الذي تمترس وراء النساء و الأطفال رفقة بعض رفاقه في أحد المنازل.

و قد كانت لحملة البحث عن المتهمين بعض الانعكاسات استاء إليها البعض لما نالوا من مضايقات و تحملوا من تصرفات لم يقبلوا استساغتها. ومن هؤلاء عجوز تجاوز من العمر الخامسة و السبعين, اشتعل رأسه شيبا و غارت عيناه و بدت التجاعيد على وجهه و جوارحه. بعد أحداث الدار البيضاء قرع بيته بشدة في ليلة حالكة, فتح الباب مذعورا فإذا برجال الأمن يقتحمون بيته و يسوقونه إلى المخفر. و هناك بدأ التحقيق معه و زفت إليه الاتهامات, و بعد ساعتين قيد إلى غرفة حقيرة فيه كرسيان فقط لا ثالث لهما, أحدهما فارغ و الثاني يجلس عليه رجل ضخم الجثة يحمل بيده مقصا و موسى حلاقة. أجلسوا العجوز على الكرسي الفارغ و تكلف صاحب الجثة الضخمة بحلق لحيته البيضاء رغما عنه و دون موافقته و رغم رفضه المستميت. و بعد الافراج عنه اعتكف ببيته إلى أن قرع بابه جاره الذي أتى يتفقد أحواله نظرا لغيابه عن المسجد الذي اعتاد أداء الصلوات الخمس به مند مدة. و عندما فتح الباب فإذا به يكتشف أن جاره هو كذلك فقد لحيته, إذ كان هو كذلك ضمن جملة من الشيوخ الذين حلقت لحاهم رغما عنهم.

و لم تنج إدارة الأمن الوطني هي كذلك من انعكاسات أحداث الدار البيضاء, حيث أكدت مصادر مطلعة أن الإدارة العامة للأمن الوطني أقدمت على توقيف ضابط بالدائرة الثانية للأمن بالدار البيضاء و ذلك بسبب التقصير في العمل. كما تم تعيين الجنرال حميدو العنكري, رئيس إدارة المحافظة على التراب الوطني (المخابرات المغربية) مديرا عاما للأمن الوطني و ذلك لتحديث المؤسسات الأمنية و تجديد المهام فيها. و قد اعتبرت التغييرات في أجهزة الأمن و الإدارة المركزية لوزارة الداخلية الأهم من نوعها منذ إقالة وزير الداخلية السابق إدريس البصري. كما أن وزير العدل المغربي صرح لجريدة مغرب اليوم الصادرة بالفرنسية بالمغرب أن الأحداث الدامية لمدينة الدار البيضاء دفعت المغرب للتأكيد على إعادة النظر في مجموعة من المجالات و على رأسها المجال الأمني.

و كانت أحداث الدار البيضاء السبب الرئيسي في تسليط الأضواء الكاشفة على حي سيدي مومن المهمش منذ عدة سنين خلت, و هو الحي الذي جاء معظم منفذي اعتداءات يوم الجمعة 16 مايو.

كما كانت السبب الرئيسي لإعادة النظر في التعامل مع إشكالية السكن غير اللائق بالبلاد و غيرها من المشاكل الاجتماعية العويصة.
علاوة على أن أحداث الدار البيضاء سهلت بدرجة كبيرة للإفراج على قانون مكافحة الإرهاب من المحاصرة التي كانت تطوقه بمجلس النواب اعتبارا للانتقادات العديدة و المتعددة التي أثاره. و بذلك تمت المصادقة عليه بسرعة غير مسبوقة و دخل حيز التنفيذ يوم 29 مايو 2003. و بمقتضاه أصبحت محكمة الاستئناف بالرباط هي المختصة بمحاكمة المتورطين في القضايا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى