الأربعاء ٢٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

صفحات مهجرية

كتاب يفتح نافذة على الوطن وأعلامه الكبار ... وحلب أول الغيث

إن مصطلح أدب المهجر مصطلح قديم جداً يعود بنشأته إلى زمن هجرة الأدباء العرب إلى الشمال والجنوب الأمريكيين، وهو يشير إلى تلك الأعمال الأدبية التي مر كتابها بمرحلة تحول ثقافي وأدبي أثروا من خلاله الآداب العربية والأجنبية.

وقد اتخذ هذا الأدب ضروباً متنوعة من الأدب كتلك التي نتلمسها في أدب كل من إيليا أبو ماضي والمعالفة والشاعر القروي وإلياس فرحات ونسيب عريضة وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وأضرابهم من مبدعي الأدب المهجري، وقد كانت الموهبة الفطرية عند كل منهم اللغز الذي شكل ذاك الأدب وامتاز بخصائصه ومقوماته الأدبية.‏

ولكن هل انتهى هذا المصطلح عند أدب هؤلاء الشعراء والكتاب؟ أم أننا لانزال نلمس آثاره في أدب من هاجروا بعد تلك الحقبة؟

ولعل ماتطالعنا به المواقع الإلكترونية من مجلات وصحف عربية صادرة عن المهجر تشير بصورة لايمكن إغفالها عن استمرار هذا الأدب وسعيه إلى أن يحفر له موطئ قدم على ساحة الأدب العربي.‏

صفحات مهجرية

دليل على استمرار العطاء‏

منذ أيام وصلتني مجلة (صفحات مهجرية) في عددها الخامس عشر، هذه المجلة الصادرة في أمريكا عن رابطة القلم العربية الأمريكية والتي ترأسها الأديبة الشاعرة الحلبية إباء إسماعيل، وقد تصدرت الغلاف صورة فنية بعنوان (رحيل) للمخرج الكبير مصطفى العقاد بريشة الفنان حيدر الياسري، لتشير تلك المجلة إلى أنها تحتفي بالوطن وبأبنائه وأعلامه الكبار، فتفتح نافذة على مدنه تطل من خلالها وعبر تقنيات أدبية متنوعة، أقلام شعرية تنفرد بمساحة كبيرة تتسع للنوستالجيا والحنين إلى الجذور.. أما لوحة الغلاف الأخير والتي كانت بعنوان (رقصة) فكانت للفنانة مي السعد.‏

في افتتاحية العدد نقرأ بقلم الدكتور عدنان مكي مقالاً بعنوان (حلب عاصمة الحضارة والحوار) ليشير إلى عظمة هذه المدينة وعراقتها واختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، وإلى دورها الحضاري والثقافي كونها مركزاً للحوار والتسامح الديني والعرقي والذي يدحض مقولة صراع الحضارات التي نادى بها هنتنغتون.‏

وفي تلك الافتتاحية نقرأ أيضاً تحية إلى حلب من رابطة القلم العربية الأمريكية التي تفخر بانتمائها إلى هذه الحضارة العربية الإسلامية المشرقة، إذ يقول الدكتور مكي :‏

إن هذا المشهد الحضاري اليوم والذي تطل من خلاله مدينة حلب العربية السورية، يدحض مقولة دعاة صراع الحضارات وعلى رأسهم صموئيل هنتنغتون، لأن الحضارات امتداد وتواصل وليست صراعاً وتناحراً، لأن الصراع نقيض الحضارة.‏

حلب اليوم قصد كل مبدع خلاق، فإلى حلب وقاصديها... تحية من رابطة القلم العربية الأمريكية التي تفخر بانتمائها إلى هذه الحضارة العربية الإسلامية المشرقة.‏

فكما أن من معاني كلمة حلب العطاء وكذلك التلاقي والاجتماع، فإننا نأمل ونحن في بلاد الاغتراب، أن يصل هذا المد الحضاري إلى مدن عربية أخرى لنثبت لعالم زيف مقولة هنتنغتون ومن يردد مقولته، ونحن - في زمن القوة والجبروت - نحفظ الحقيقة كما هي ; لأن الحقيقة كالشمس وإن طال الليل وادلهم، فلابد لها من أن تشرق مبشرة بيوم جديد).‏

وفي هذا العدد وتحت عنوان (مشاهد من ذاكرة شاعرة) تتوالى الأسئلة التي تقدم بها غير صحفي وشاعر وأديب إلى الشاعرة إباء إسماعيل، وهي أسئلة تدور حول نظرة الشاعرة الإنسانية للحياة المعاصرة وعن مفهوم الأخلاق في الغرب، وعن الغربة ودورها في حجب ملامح الوطن، وعن دور المثقف العربي.‏

ومما لفت نظري في تلك الأسئلة ذاك السؤال الذي يحوم حول الغربة، وفي جواب الشاعرة نقرأ الآتي :‏

(هزمتني أقنعة الغربة حين حجبت عن وطني ملامحي وحجبت عني ملامح وطني، لم أعد أعرفه، ولم يعد يعرفني، اقتربنا وأنا القريبة ولست بقريبة وابتعدنا وأنا البعيدة ولست ببعيدة، انفصل جسدانا، وتوحدت روحانا وبقينا صديقين، كتبته برموش روحي الدامعة وتنفسته رؤى ورأيته حلماً كامناً فيّ كالبحر في إيقاعه اللامتناهي).‏

وتنفرد أبواب المجلة للمقالات والآفاق النثرية، ففي هذا الباب نقرأ للدكتور تيسير الناشف مقالاً بعنوان (المرآة العربية) ولأيمن بارودي مقالاً بعنوان (إرادة الوعي) ولمحمد المصري مقالاً بعنوان (الدكتور داهش الأديب والفيلسوف) ولسعاد شقير مقالاً بعنوان (قبل الرحيل)...‏

وفي باب الأصوات الأدبية الشابة نقرأ لعمر سليمان من سورية نصاً بعنوان (شرود في ازدحام خريفي) ولريم العلوي من المغرب نصاً بعنوان (شلالات نياغارا)..‏

الأعلام الأدبية العربية في ذاكرة الوطن‏

أما في باب (في ذاكرة الوطن) فنقرأ لكل من الأديبة الشاعرة إباء إسماعيل في حديث عن مصطفى العقاد، ولميلاد فايزة الشاعر والصحفي التونسي في حديث عن نجيب محفوظ، ولسليمى محجوب شاعرتنا وأديبتنا الحلبية في حديث عن نزار قباني والإبداع الأنيق.‏

وهكذا تتوالى الأبواب في هذه المجلة لنقرأ الآفاق الشعرية والقصصية والبصمات الطفولية والإصدارات الجديدة لأدباء المهجر الأمريكي ومن هؤلاء الأدباء : نشأت المندوي، د. علي عجمي، وعادل سالم، والدكاترة لطفي حداد وقيصر عفيف وتيسير الناشف، وعبد الرزاق بيضون، ولنقرأ أيضاً عن الندوات الثقافية والمراسلات الأدبية والحوارات.‏

إن العدد حافل بالنصوص الجميلة التي تعبر عن حنين المرء إلى وطنه، وعن أدب هؤلاء الذين ابتعدوا عن أوطانهم جسداً ولكنهم لم يبتعدوا عنه روحاً وأدباً.‏


كلمة أخيرة‏

وهكذا نرى أن أدب المهجر لا يزال يطل علينا بنصوصه المشرقة التي تعبر عن إبداع فني وتجربة عميقة حقيقيين وخير دليل على قولنا هذا ما تطالعنا به الأديبة إباء إسماعيل في دواوينها ونصوصها التي تشرق بها سطور صفحات مهجرية وسائر المواقع الالكترونية الحافلة ببعض نتاجها ولعل ديوانها (اشتعالات مغتربة) الصادر حديثاً عن دار المرساة للطباعة والنشر والتوزيع في اللاذقية ما يعبر عن هذا الحنين في أدب المهجر.‏

نتمنى لهذه المجلة أو هذا الكتاب الصادر عن رابطة القلم العربية الأمريكية دوام الازدهار والتقدم لما فيه من سطور مشرقة يطلع من خلالها المرء على نتاج أدباء مبدعين، تفخر الأمة العربية بانتسابهم إليها هوية وانتماء وأدباً، كما نتمنى أن يدوم التواصل بين أبناء المهجر وبيننا، لأن من خلال هذا التواصل نمد جسراً من المحبة والتعاون والإخلاص لمافيه خير للأدب والأدباء والثقافة بشكل عام.‏

كتاب يفتح نافذة على الوطن وأعلامه الكبار ... وحلب أول الغيث

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى