الاثنين ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

النص الموازي

المصطلح والتطبيق

أولت الأبحاث والدراسات الغربية ولاسيما في مجال السرديات اهتماماً بالغاً بدراسة النص الموازي، أو ما أسماه الناقد الفرنسي جيرار جنيت بالعتبات، أو بهوامش النص كما عند هنري ميتران، أو بالعنوان كما عند شارل كريفل، وقد أثار مصطلح Le Paratexte اضطراباً في الترجمة بين المشرق والمغرب لاعتماد النقاد المترجمين على الترجمة الحرفية للكلمة الفرنسية، فمنهم من أسماه بالمناصصات أو بالمناص كالناقد سعيد يقطين، ومنهم من أسماه النص الموازي كمحمد بنيس، أو المحيط الخارجي كفريد الزاهي، أو الموازي النصي كالباحث التونسي محمد الهادي المطوي، أو النصية الموازية كالمختار حسني، أو الملحقات النصية كالناقد السوري محمد خير البقاعي .

وفي كتاب (أطراس) [1] لجيرار جنيت، وحول هذا المصطلح كتب المختار حسني في ترجمته له ( ويرتبط النص بهذا المعنى بما أسميه نصه الموازي ويمثله العنوان، العنوان الفرعي، العنوان الداخلي، الديباجات، التذييلات، التنبيهات، التصدير، الحواشي الجانبية، الحواشي السفلية، الهوامش المذيلة للعمل، العبارة التوجيهية، الزخرفة، الأشرطة "تزيين يتخذ شكل حزام" الرسوم، نوع الغلاف، وأنواع أخرى من إشارات الملاحق، والمخطوطات الذاتية والغيرية التي تزود النص بحواش مختلفة، وأحياناً بشرح رسمي وغير رسمي) فهو – أي النص الموازي – كما يقول الدكتور جميل حمداوي الناقد المغربي في مقال له نشره في أحد المواقع الإلكترونية : (عبارة عن مجموعة من العتبات المحيطة داخلياً وخارجياً تساهم في إضاءة النص وتوضيحه ... وعلى الرغم من موقعها الهامشي فإنها تقوم بدور كبير في مقاربة النص ووصفه سواء من الداخل أم من الخارج) .

وعلى هذا فإن النص الموازي ليس النص الروائي الإبداعي نفسه، وإنما كل مايجاوره من كلمات ومفردات وصور، إذ هو خطاب مفكر فيه من قبل المبدع، وهو الأمر الذي يواجهه المتلقي قبل ولوجه العمل الروائي إذ يرسم لديه انطباعاً أولياً قد يثير أسئلة مسبقة تجيب عنها الرواية بعد القراءة .

ويعد النص الموازي من المفاهيم النقدية التي اشتغلت عليها الشعرية الغربية ومابعد البنيوية والسيميائيات النصية، وقد كان جيرار جنيت من طرح هذا المصطلح في مشروعه السردي الكبير، فمايهمه ليس النص وحده، وإنما التعالي النصي والتفاعلات الموجودة بين النصوص، وقد عرف جنيت النص الموازي في كتابه (الأطراس) – كما أشار إلى ذلك د. عبد الفتاح الحجمري في كتابه " عتبات النص " الصادر في الدار البيضاء، العام 1996 بأنه ( عبارة عن ملحقات نصية وعتبات نطؤها قبل ولوج أي فضاء داخلي، كالعتبة بالنسبة إلى الباب، أو كما يقول المثل المغربي: أخبار الدار على باب الدار، أو كما قال جنيت نفسه في شكل حكمة : احذروا العتبات !!) .

وعلى هذا فإن للنص الموازي وظائف دلالية وجمالية، فهو يساعد المتلقي على فهم خصوصية العمل الأدبي، ويشير د. حمداوي إلى أن للنص الموازي وظيفتين : وظيفة جمالية تتمثل في تزيين الكتاب وتنميقه، ووظيفة تداولية تكمن في استقطاب القارئ واستغوائه، كما أنه يقسم النص الموازي إلى قسمين : الأول النص الموازي الداخلي، ويقصد به تلك الملحقات النصية والعتبات المتصلة بالنص مباشرة ويشكل كل ماورد محيطاً بالكتاب، والثاني النص الموازي الخارجي، ويقصد به كل نص سوى النوع الأول، ويكون بينه وبين الكتاب بعد فضائي وأحياناً زماني، ويحمل صبغة إعلامية مثل الاستجوابات والمذكرات والشهادات والإعلانات ..

فهذان النوعان للنص الموازي يحيطان بالنص المركزي الرئيس وهو النص الإبداعي ويساعدان على فهمه وتفسيره واستيعابه وتأويله .

وإذا كان النقد الروائي سواء الغربي منه أم العربي، قد أهمل هذا النص لفترة طويلة من الزمن مبحراً في طيات العمل الأدبي نفسه دون التوقف عند تلك العتبات، ومنكباً على تأويل وتحليل وتفسير النص الروائي نفسه، فإن الشعرية La Poetique قد أعادت الاعتبار لهذا النص إذ اعتبرته المدخل الأساس للنص الروائي، ولم تكتف عند هذا الحد، بل اعتبرت كل إقصاء لماهو خارجي يجعل النقد الروائي ناقصاً ومليئاً بالثغرات المنهجية والنواقص السلبية .

ويؤكد الباحث الدكتور شعيب حليفي في مقال له نشر في مجلة الكرمل العدد 1992 أن النص الموازي يهدف إلى تقديم تصور أولي يسعف النظرية النقدية في التحليل وإرساء قواعد جديدة لدراسة الخطاب الروائي ... وأنه يسعى إلى تقشير جيولوجيا المعنى بوعي يحفر في التفاصيل وفي النص الأدبي الذي يحمل في نسيجه تعددية وظلالاً لنصوص أخرى .

وفي مسح غير شامل لما أنجزه الحقل النقدي الروائي، فإننا نجد أن النقاد المغاربة قد استعانوا كثيراً بمنجزات الشعرية الغربية ليطبقوها على النصوص الروائية العربية، وكانوا أن توقفوا كثيراً عند النص الموازي ومايشتمل عليه من دلالات ووظائف، بينما نجد أن النقاد العرب لم يتوسعوا كثيراً في دراسة هذا النص، إذ يرى الكثير منهم أن المهم هو النص الروائي وليس مايوازيه، وأن استجلاء دلالاته وفك رموزه مايشكل إضاءات عليه ... ولهذا لاداعي للوقوف عند مايقوم النص الموازي بتبيانه، فعلى سبيل المثال نقرأ في مجلة الموقف الأدبي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد 413 أيلول 2005، بقلم الدكتور عمار بوساحة من الجزائر مقالاً بعنوان : تحت أنقاض حداثة اليباب.. بحث عن مفقود اسمه المصطلح النقدي العربي ، مايشير إلى هذا الرفض، إذ يقول :(هذه الملفوظات التي اجتهد جيرار جينت في وضعها من موقع هوسه الحداثي الغربي، الذي يبرره مناخه الثقافي، والذي شكل طبعها وذهنه وفكره. هي التي ستكون محل غرابة عندما يتلقفها باحث عربي، ويروح يطبقها على نص عربي مغاير التربة والمناخ، مستنبتاً إياها فيه بشكل قسري، زاعماً أنه يستهدف من ورائها "تحليل شعرية عنوان كتاب الساق على الساق وتفكيكه". إلا أنه في الحقيقة لم يؤد هذه الوظيفة إلا من منطلق الترحال بها من درجة الصفر ووصولاً بها إلى نقاط أصفار تحديثية متتالية، هي أمارة لاستحالة تجديد الدم العربي بالدم الغربي ضمن التمادي في حركة التجريب التي لا تنتهي إخفاقاتها على وقع التأويل والتخريج والافتراض، حيث الارتحال المعجمي كما هو الأمر هنا، يصل إلى نقطة الإشباع ..) .

ولكن المسألة هنا وفي هذه المساحة الضيقة لاتتيح مناقشة هذا الرأي بالحجج التي أولها اعتماد النقد العربي على المدارس والمناهج الغربية ومفاهيمها وما أفرزته في هذا المضمار وتطبيق ذلك على النص العربي، إلا أن السؤال هو : ألم يحن بالنقد الروائي العربي، الوقوف عند كل ما يمس النص الإبداعي سواء أكان داخلياً أم خارجياً "؟ أم أن الموضوع سيتحول إلى اهتمام بالشكل دون المضمون، مع العلم أن كليهما يشكلان وحدة كاملة غير منفصلة ؟؟!!

المصطلح والتطبيق

[1الأطراس مفرده طرس وهو الصحيفة التي محيت ثم كتب عليها ... كما يجمع على طروس .


مشاركة منتدى

  • هذه المقدمة قراتها في دراسة للكاتب المغربي جميل حمداوي بعنوان لماذا النص الموازي ؟ نرجو الامانة في النقل

  • عرض جميل وقدتناول أهم الإشكالات التي طرحها مصطلح العتبات...لكني أود مساعدتكم رجاء هل يمكنني الاعتماد على هذا المقال والإحالة إليه،.

  • شكرا جزيلا للكاتب المحترم الذي انار لنا المساحة الثقافية المظلمة في طبيعة الفرق بين النقد العربي والغربي اذ تتقارع هذين النقدين بين النشأة والجدة والحداثة وخاصة فيما يتعلق بطبيعة الثقافة الغربية وتحولاتها بعد الحرب العالمية الثانية وظهور نزعات ما بعد الحداثة التي اضفت بظلالها على الطروحات والنظريات التي ناقشت خارج المؤلف او حسب ما يطلق عليه بارت موته وتفكيكه دريدياً لكشف حفرياته الفوكوية وبالتالي تشضى خارجه وموته ليتهاوى في نقداً ثقافياً يعمل على تصفير العلاقة بين الدال والمدلول ( صفرية العلاقة ) من هذه المقدمة السريعة المقتضبة نستطيع ان نقّول النص وخارجه او ما يوازيه من معرفة لمتلقي يعي طبيعة الثقافة وصفرية العلاقة في خضم آراء وتطلعات الرؤى المعاصرة اذن هذه الصفرية التي تتفق مع ما يوازي النص تتشضى وتتناوب بين قارئ الى آخر ليضمن ذاتيته لا موضوعيته .
    انظر كتاب اشكالية التلقي والتأويل في النص المعاصر النص المسرحي انموذجا للكاتب مصطفى جلال مصطفى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى