الاثنين ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم بيانكا ماضية

في تلك الليلة الباردة

بعد مساء من صمت مريع ، وجدت نفسها بقربه على السرير الضيق الذي كان ملاصقاً لأحد جدران غرفته ، وودت في ذاك المساء أن تدخل في ذاك الجدار الذي يحوي نافذة صغيرة كأنها امتداد لنوافذ أخرى متتالية في جدران المبنى ... في تلك النافذة الصغيرة التي لم تدر كيف تسلل إليها نور الصباح ، ودت أن تخرج بكيانها لتجد نفسها خارج الغرفة وخارج المبنى وخارج الزمان والمكان .

كان قد استلقى إلى جانبها من دون أن تنبس شفتاه بكلمة واحدة ... لمستْه فأبعد يدها عن جلد ذراعه الناعم ... ونظر إلى عينيها نظرة استغراب ، وكأن الجسدين لم يكونا في الأمس جسداً واحداً ...

أدارت وجهها إلى الجدار وابتعدت عنه رويداً رويداً ، حتى كاد جسدها يلامس ذاك الجدار البارد .. كانت تدفعه بجسدها علّها تخترقه ، تدخل فيه فتبتعد كثيراً كثيراً ..

أجهشت بالبكاء من دون أن تصدر أنيناً واحداً ، لكن جسدها كان يهتز اهتزازاً قوياً ، وكانت أنفاسها تتقطع ، شعرت بأن هواء الغرفة أصبح ثقيلاً ، كادت تختنق في تلك اللحظة .

شعر باهتزاز السرير وبأنها تبتعد عنه كثيراً ، قرّب جسده من جسدها فابتعدت أكثر ، لمس يدها فسحبتها من يده ، أراد أن يضمها إلى صدره ، ولكنها كانت تود أن يبتلعها ذاك المساء .

في تلك الليلة شعرت باختناق يلج روحها وأنفاسها وكيانها ... وبعد أن غلبها البكاء وهدّ أجزائها ، لم تشعر إلا وهي تستيقظ يكاد هواء الغرفة يقتلها ، كان الاختناق يتسرب إلى رئتيها فيحجب عنها الحياة ، كانت تتنفس بصعوبة بالغة ، وقفزت من فوق السرير إلى النافذة المطلة على الشارع ، فتحتها في تلك الليلة الباردة ووقفت قليلاً لتتنفس بعضاً من الهواء المعربد في الخارج ، سحبت نفساً عميقاً ، لكنه لم يتغلغل إلى أعماقها، كان يتوقف في منطقة ما من رئتيها ليخرج زفيراً معبأ بالأسى .

نظرت إلى الأفق البعيد ، كانت تلوح لها مساحات شاسعة أمام عينيها ..

 ترى هل هذه هي كلها المساحات التي قطعتُها لأصل إليه ؟؟ هل بدأ يملني أم أن هناك امرأة أخرى دخلت حياته وقاسمته هذا السرير ؟! ألم يكن يعلم أنني كنت أنتظره كل هذا الزمن الذي ألفته دهوراً ، أهكذا بعد سنين من الآلام والجراح والتعب والعياء يبعدني عنه ... لماذا ؟

كنت أنتظر أن ينتهي من مشروع اختصاصه في الأمراض السرطانية في إحدى جامعات هذه المدينة الباردة ... وهكذا بعد سنين يبعدني عنه لأتفه الأسباب ؟!

أنا لم أخنه قط ، والرسالة التي أتتني في الأمس عبر هاتفي المحمول هي من صديق عزيز ود أن يطمئن على وصولي بالسلامة إلى أحضان زوجي ... فلماذا يشك بي وأنا التي لم أشك لحظة واحدة في تصرفاته، مع أن الرسائل والهواتف التي تأتيه من النساء لاتتوقف ولاتنتهي!!

كان يغط في حلم تملؤه صور لم تستطع رؤيتها ، كأنه لم يسمع حشرجات الأنين تتقطع بجانبه في تلك الليلة ...

جلست على الكرسي المقابل للسرير وبدأت تنظر إليه ... هل تعود أدراجها إلى أهلها ؟؟ أم أن الدرب ما يزال طويلا، بدايته أمواج من ظلمة لتصل إلى منفذ نور يعيد إليها الطمأنينة التي افتقدتها حين أشاح بوجهه عنها وغط في نوم عميق!!

هل تبقى في مكانها أم ترحل ؟! هل يعود الدفء إليها أم أن تلك الليلة كانت باردة حقاً ؟!!

صالة العرض


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى