الأحد ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم محمد السموري

إشكاليات التوظيف البصري للتراث

1- مدخل تمهيدي

نشأ -على صعيد المسرح -ما يعرف بمسرح الصورة حيث يتخذ المسرح من الصورة بعداً جوهرياً في خطابه المسرحي، اذ يتم استثمار فضائها الجمالي والشفافي لأقصى حدّ، وشحنها بالدلالات التعبيرية ، وقد سعى مسرح الصورة –برأي حسين السلطاني- إلى النأي بعالم الصورة وفتح مدياتها الدلالية عبر إعادة هندستها التي تجنح نحو التجريد والغرائبية، متخذة من الخيال مجالاً حيوياً يدفع بالصورة لبلوغ هذه التخوم، حتى لكأن هذا النأي والإرغام يحدث كرد ّفعل لإيجاد تمايز واختلاف بين الصورة المسرحية في مسرح الصورة وبينها في غيره من الاتجاهات والأساليب، وبموجب هذا النأي والتحوير والتخليق أصبحت للصورة دلالة جديدة ومحمول ثقافي جديد يفتح مدياتها التعبيرية ومفهوماتها الدلالية عبر تغميضها واقسارها على لعب دور جديد يتساوق والمنطلقات الفكرية لمسرح الصورة ويتماهى مع نظمها النظرية. عندها لم تعد الصورة بعد أن مرت بكل عمليات التفعيل متطابقة مع مضمونها الأولي، المضمون السائد في الاتجاهات المسرحية الأخرى، بل غدت وبفعل انقلابها على ذاتها نقيضاً لنفسها، فها هنا قد أصبحنا إزاء صورة جديدة بالمرّة تحمل تاريخ أعبائها ، ومن أبرز ما يؤخذ على مسرح الصورة : الغموض، واتهمت عروض الصورة بتعطيل العقل.

لقد كان الفيلسوف الألماني فيورباخ قد أعلن في القرن التاسع عشر ( بأن العالم المعاصر يفضل الصورة على الشيء والنسخة على الأصل ، ويقدّس الوهم على الواقع ) وهذه الحقيقة النبوءة لفيورباخ تدعونا إلى التفكير في خلق متصورات جديدة لبلاغة الصورة أو جماليات الخطاب البصري في ضوء مستحدثات تكنولوجية الصورة التي تستطيع أن تتشكل في خطاب الحقيقة التي تقدمها الصورة وأن تخدع المتلقي وتزيف الواقع أمام عينيه فهي تراهن على البعد الأيقوني للواقع فتستدعي الموضوعات المجردة واللامعقولة لتحوّلها إلى علامات ايقونية يتجلى فيها الواقع مع الصورة الخيالية التي أضفت عليها القوى الخلاقة للإنسان سمات أسطورية وسحرية، نقول هذا استناداً لما يرتسم في مخيلتنا من انطباعات وأحاسيس متفرقة لقاء مشاهدة صورة ما لكل منا على حدة.بما أن لكل صورة لغتها وخطابها ،وهذا الرأي المختلف لخطاب الصورة يدعمه مفهوم رواية الواقعية الرقمية حيث تتبدد الأوهام والتصورات المختلقة والمتناقضات البدئية لكل قارئ لعمل روائي وتوفر الجهد والوقت المهدور بين بدء قراءة الرواية واستقامة التصور النهائي لشخوص الرواية وأحداثها وزمكانيتها ، كما تغني الرواية الرقمية عن جهد إضافي يبذله الكاتب في التعريف والوصف والاسترسال لخلق متصورات لدى القارئ.

2- اشكاليات استلهام التراث :

آ- إشكالية المصداقية :

يطرح هذا المبحث عدّة أسئلة مفتاحية لكنها بمثابة المعالجة النظرية لإشكالية المفهوم ومن هذه الأسئلة : ما هي حدود المبدع في الخروج على المادة التراثية ؟ وكيف يخرج منها من خلال الخطاب الفني الذي يطرحه وهامش المادة التراثية التي يمكن أن يعمل خلالها المبدع ؟ وما هو جوهر الصدق في الإبداع الفني ؟هل الكاتب مقيد بشخصيات التراث أم يمكن تضمين هذه الشخصيات في صور معاصر؟ وهل الكاتب ملزم بنقل تفاصيل الحكاية التاريخية أو الشعبية ؟ وهل استلهام التراث لابد أن يكون مبررا بين إحساس الموروث والكاتب ؟ وهل الكاتب ملتزم بالتراث كما هو ،أم أن له الحق في رؤية التراث كما يناسب تفكيره؟

يرى عبد الفتاح قلعجي (1) أن مصداقية استلهام التراث تتحقق ليس فقط في ارتباطها بالمتغير السياسي والاجتماعي ولكن أيضا في ارتباطها بالقيم الكبرى مثل القلق والموت،وعلى ذلك فالمبدع ليس محققا أو مصنفا للتراث أو ناقلا للمادة التراثية . ويعتقد الباحث كمال الدين حسين أننا لو تعاملنا مع العناصر التراثية بوصفها رموزا لها دلالتها في الوجدان الشعبي من أجل إيصال خطاب يعبّر عن هذه الدلالة فيكون من حقنا التعامل مع هذا الرمز بدلالته لأنه على سبيل المثال لو كانت الشخصية الدرامية تتحدد بأبعاد ثلاثة هي البعد النفسي ، والفيزيقي ، والاجتماعي فإن هذه الشخصية يضاف لها بعد رابع هو البعد التراثي ،وهو الذي يدفع المبدع لاستلهامه أو توظيفه في عمل درامي معاصر يطرح من خلاله رؤاه في قضية معاصرة، لقد دأبت جل الأعمال الدرامية على التوظيف النمطي لشخصية الإنسان الريفي فبدا من خلال هذه الأعمال بصورة الساذج والبسيط والمغفل وقد استخدمته بعض الأعمال الدرامية مادة للكوميديا والإضحاك المجاني غير الهادف مما يعكس حالة الاختلاف التاريخية بين سكان الريف والمدينة ، ففي الوقت الذي ينظر فيه أهل المدينة إلى الريفيين بهذه الصورة يرى الريفيون أهل المدينة هم من أبناء جلدتهم لكنهم انسلخوا عنهم ولتعويض بعض النقص اتجاههم خلقوا ردة فعل سلبية اتجاههم ، ولتحقيق مصداقية التراث لابد أن يكون المبدع في حالة وعي تام باللحظة التاريخية التي أبدع فيها العمل الذاتي من جهة ،والعمل الفني من جهة أخرى مع الإيمان بأن هناك واقعية لإبداع العنصر الذاتي في أي من أشكاله المرتبطة بالأزمنة، أو اللحظات التاريخية. (2)إن إشكالية المصداقية تبدو أكثر وضوحا في النُصب التذكارية التي يُتوخى منها الاستحواذ على بصيرة المشاهد، فمع الديمومة والألفة البصرية للشكل المتخيل يتم الاستحواذ وفي المقابل تنتفى الأشكال المتخيلة المرتبطة بالتصورات الفردية .

ب- إشكالية التأصيل‏

لقد واجهت إشكالية التأصيل في المسرح العربي مجموعة من التحديات ارتبطت بها منذ بداية تفتح الوعي القومي والسياسي في نهاية القرن الماضي أهمها الإحساس بالضعف أمام التقدم الغربي.ويرى الدكتور حمدي موصللي أننا لا نتعامل مع التراث من وجهة نظر سكونية مصدرها الماضي الذي انتهت وظيفته، وإنما نتعامل معه من موقف حركي مستمر يساهم في تطور التاريخ وتغيّره،فالفكر الإنساني هو خليط من موروثات تراثية منتخبة والتي فرضت وجودها انطلاقاً من جدلية (التأثر والتأثير) وعلى هذا الأساس كل تراث لا يؤكد وجوده وقدرته على الاستمرارية في حركة التاريخ لا يعتبر أصيلاً (3)إنّ مادة التراث كانت ولازالت مصدراً من مصادر الأدب العربي والإسلامي منذ بداية النهضة وبروز دعوة إحياء القديم وربطه بالحديث، ومهما اختلفت المذاهب بين القديم والحديث، أو بين المعاصرة والأصالة، اعتدالاً أو تطرفاً فإنّ الأدب بفنونه الموروثة والمستحدثة حرص في كل الأحوال على أن ينتخب مادته الأولية من التراث الذي اجتمعت ملامحه لدى كتابنا ومن مصادره المختلفة، التاريخ المدون ،والأساطير والقصص، والسير الشعبية.

ج- إشكالية اللغة :

في حين يزعم (جاك بيرك) أن اللغة العربية الكلاسيكية بجزالتها وفخامتها لاتصلح للحوار الدرامي ولا تنسجم مع مستويات التواصل في الخطاب المسرحي، ولجوء كتاب المسرح إلى الترجمة والاقتباس من المسرح الغربي حيث أنهم اختلفوا في استعمال اللغة لترجمة هذه النصوص المسرحية الأوربية. ولهذا حاول رواد المسرح العربي تأسيس هوية هذا المسرح المتميز عن الأخر الأوربي من خلال رجوعهم إلى توظيف التراث الشعبي واستعمال اللغة الثالثة لأنها لغة مسرحية شعبية نابعة من احتفالاتنا وفنوننا التقليدية، وقريبة من الوجدان الشعبي المحلي. كما أن تراثنا الشعبي الشفاهي يحتوي على لغة شعبية عاميّة يستلزم استعمالها في الأعمال المسرحية من أجل التأسيس والتأصيل،وذلك لتأسيس لغة مسرحية نابعة من ثقافة الشعب العربي ومعبّرة عن هويته وتراثه لكي يتميز هذا المسرح عن الشكل المسرحي الأوربي.

وهذا الاستسهال للغة الشعبية وتقديمها على إنها اللغة التراثية خلق إشكالية كبيرة هي بحد ذاتها تعبيرعن الإشكالية اللغوية التاريخية بين الفصحى والعاميّة،ونحن نرى أن الحديث باللغة الوحشية يفقد العمل الدرامي شعبيته وجماهيريته وكذلك الاعتماد كليا على اللفظ العامي للغة في العمل الدرامي يضر باللغة في الوقت الذي لا يؤدي أي خدمة للمتلقي فيجب الاكتفاء ببعض الشخصيات التراثية الضرورية أثناء الحديث بالعاميّة . كما لا يجب التلاعب بالمثل الشعبي كمحاولة تفصيحه لأن ذلك قد يؤدي إلى إيجاد مثل جديد وتشويه المثل التراثي. ‏فهذه الأمثال جاءت إلينا على طبق من ذهب من واقع تجارب إنسانية سابقة ومن عقول ناضجة متسعة الآفاق لدرجة أن بعض الأمثال تحوّلت إلى مسائل فقهية وقانونية وأعراف تعزز القيم الاجتماعية حيث رسخت في الوجدان الجمعي ،واستمرت في ميدان الحياة المعاصرة بقوة وثبات، فلا يجوز تحريفها بزعم التفصيح والتهذيب والتشذيب .

3- أشكال التوظيف البصري للتراث

إن عملية استلهام الموروثات الشعبية تخضع في حد ذاتها لقدرات الفنان الخاصّة في استلهام موضوعه ،ومسؤولية الفنان الذي يقتبس عناصر أو موضوعات من المأثورات الشعبية لابد وأن تكون محددة في مدى استخدامه هذه العناصر استخداما جيدا أو صحيحا تبعا لوظيفتها الأساسية في الإبداع الشعبي،لذلك كان من الضروري أن ينتبه الفنان الذي يستخدم هذه المادة ويقتبسها إلى مدى أصالتها في الإبداع الشعبي ، كما أنه من الضروري أيضا أن يتعرف على معنى دلالات وخلفية الموضوعات الشعبية التي يتناولها في أعماله الفنية المحدثة حتى لا يدفعه حماسه وانفعاله الفني إلى استخدام عناصر وموضوعات شعبية هي في حقيقتها إبداع شعبي أصيل ولكن استخدامها في غير موضعها وموضوعها ، يقلل من قيمتها أو يغير من دلالتها أو يفسد من وظيفتها ، بل قد يسبب هذا الاستخدام الخاطئ رغم أصالتها في الإساءة إلى المجتمع نفسه مع مراعاة أن كل عنصر من عناصر الإبداع الشعبي مرتبط بغيره ، وكل مادة من مواد الموروثات الشعبية متصلة بغيرها رغم تميُّزها .(4)

ومن ضروب التوظيف البصري :

أ- الفن التشكليلي

ينقسم النقاد والدارسون في مجال الفن التشكيلي حول جدوى استلهام التراث بين مؤيد ومعارض ويرى المؤيدون أن الإنسان لابد أن لا يتخلى عن عبق الماضي مع اصطحابه إلى الحاضر، ليظل موجوداً في المستقبل، وبدفاعية هؤلاء المؤيدين يظل التراث واقفاً صامداً لأجيال كثيرة قادمة والفريق الآخر يرى أنه لابد أيضاً من تقديم التراث الحديث متضافراً مع نسيج الحياة المعاصرة بكل ما فيها من أحداث نعيش فيها لتكون بمثابة الشواهد التراثية الحديثة للأجيال القادمة وأنهم صانعو تراث المستقبل وليسوا مستهلكين لأحداث وتاريخ الماضي السحيق

يرى أ. د. أحمد عبد الكريم أستاذ أسس التصميم الإسلامي كلية التربية الفنية - جامعة الملك سعود(5) أن التراث، وإن كان لابد من استلهامه فلا بد أيضاً من إعادة قراءته ليس فقط للنقل والتقليد بل لدفعه إلى الأمام من خلال قنوات للاستلهام يحملها الفنان المعاصر بكل ما لديه من خبرات حياتية وفلسفية وتقنية، الأمر الذي يضمن له استمرارية روح التراث مع واقعه الحاضر المعاش، وكثير من الفنانين قد يقعون داخل حلقة التراث ويظل الواحد منهم سجيناً له كثقل حضاري لا يستطيع الفكاك منه إلا إذا استطاع استلهام روحانية التراث كفكر فلسفي له جذوره التي تستطيع استيعاب المناخ الحضاري الجديد، فينبت منه إرث ثقافي جديد. وقد استطاع المفكر والفيلسوف (زكي نجيب محمود- ومحمد عمارة) وغيرهما إنتاج تلخيص بليغ يحمي المفكرين والفنانين والشعراء المتعاملين مع التراث من مغبة الوقوع على أعتاب التراث الثقافي مستسلمين له دون عناء.

ب- المسرح- السينما – التلفزيون :

علاقة المسرح بالتراث قديمة منذ أرسطو،ومرورا بشكسبير،وتوفيق الحكيم وسعد الله ونوس ،وألفريد فرج وغيرهم،. ذلك لأن المسرح هو أحد الفنون الأدبية الأدائية الذي يعتمد أساسا على ترسيخ الأفكار وطرحها أمام الجمهور في ظرف زمني محدد يستند العرض المسرحي إلى توظيف السينوغرافية التراثية وتقنياتها الإحالية ومكوناتها الجمالية والاستعانة بالمستنسخات التناصية التي ترجعنا إلى أجواء الماضي في تقاطعاتها مع الحاضر والمستقبل. وتحضر الذاكرة بأشكالها الفطرية وظواهرها الدرامية واللعبية التي تشكل ماقبل المسرح لتؤشر على التواصل بين الأجيال الغابرة والأجيال الحاضرة.(6) المخرج الألماني/ برخت /عالج عبر منهجه الملحمي الواقعة التاريخية في غلاف من الواقع الذي كان يعيش فيه معتمدا كسر تداولها التقليدي في استفزاز واستنهاض وإيقاظ ذهنية المتلقي ،إن صياغة هذا الموروث الشعبي صياغة فنية يجب أن لا تطمس معالمه ولا تفرغه من محتواه الرئيسي في نفس الوقت الذي لا يقف به إلا لحظة زمنية لم يقف بها هو أصلا من قبل وعلى ذلك فالمسرح الشعبي الذي نستهدفه هو ذلك المسرح المتفجّر من ذات النبع الذي تفجّرت منه كافة موروثاتنا الشعبية ، وما زالت تتفجر تبع الوجدان الشعبي، ومستهدفا التأثير بالإيجاب في العقلية الشعبية ، مسرح يعي المعاش ويسعى لتغييره(7) وبالرغم من تعدد كتَّابنا المسرحيين الذين تعاملوا مع التراث ومادته وصوره المختلفة فإن المرء لا يستطيع أن يغفل أن ثمة خصائص وعلامات في النص المسرحي تميّز بين كاتب وآخر ، فهناك من يتعامل مع الموروث الشعبي كمادة تاريخية ساكنة تفتقد ديناميكية الأحداث وفاعلية التأثير ، وهناك من يتعامل مع هذه المادة كمواقف وحركة مستمرة تساهم في تطوير التاريخ وتغييره ، (8)وركز المخرج الإنكليزي بيتر بروك على ثقافات الشعوب البدائية وممارساتها الاحتفالية في تأسيس منطلقات مسرحية حاول من خلالها تأكيد المسرح كلغة يمكن أن يتشارك في فهمها أناس من أجناس مختلفة ،إن قراءة واستلهام الموروث الشعبي لما فيه من أشكال ومظاهر تحقق لها خصوصية تتفرد بها في إطار البحث عن الوسائل التي تخصخص شكلا يستثمر الظواهر الجوهرية في الحياة الإنسانية مستبعدا ماهو شكلي أو سطحي مركزا على مقومات تفرزها حياة الشعب فتشكل ممارسات وأفكارا وأوضاعا توحي بنقلة اجتماعية مميزة عن الفترة التي سبقتها (9). وانطلاقا مما تحمله صور الماضي ذات التفاعلات الاجتماعية يمكن أن تصاغ برؤية مسرحية تكون مصدر انبعاث لقراءات تتماثل مع المتعارف عليه في معادلة العرض لاحتوائها على مكان العرض ومتفرج يتلقى المادة على الرغم من أنها تفسر موروثات الشعب وتمنحها ملامح جمالية فضلا عن المعاني التي تبث من خلالها كالتحريض ومحاولة التغير أو الوعظ والإرشاد وهنا تبرز الحاجة لتسليط الضوء عليها وذاكرة التاريخ العربي حافله بها .

ومنها

آ - المقامة

وهي في أصلها أدب تمثيلي يؤديه ممثل فرد ويعتمد على حضور الجماعة في مكان ما وتحمل غالبا عناصر المحاكاة وتعرض موضوعاتها في أسلوب الحوار وفي كل مقامة قصة لها بداية وتطور الذروة والحل فيها (10)

ب- الحكاية الشعبية

وهي ( عالم قائم بحد ذاته يمتاز بسحره الخاص وله قوانينه الخاصة يمتزج فيه الحاضر بالماضي وفيه تلتقي حضارات عصور مختلفة ومفاهيم أزمنة متباعدة ) (12) بما يحقق النقل الآني لها الخاضع لعوامل التلقي وظرفية المكان في إيصال المضمون مضافا إلية الروح الجديدة التي يسبغها عليها ناقلها وليس في أثارتها للمتعة والترفيه غاية أساسية بل تأخذ وظيفة أخرى ، فهي مرآة تعكس أفكار الشعب وحكمته لنضج الحياة وما يطفو عليها من دروس تصلح أن تكون موضوعا للعبرة والاعتبار والتذكر) (13)فهي في ضوء ذلك درس أخلاقي يفسّر سلوك وحركة الماضي وتشكل مادة تواصلية يكتسبها الأفراد تعاقبيا وموضوعها يستقى من التاريخ نمن أخباره، وأحداثه الواقعية، والخرافية ،من الأبطال الأسطوريين لأجل العبرة والفائدة، يجد الحاكي فيها ( الشخصيات المقنعة وغذاء للخيال من جن وأساطير وخرافات ويلعب فيها الخيال دورا فيخرجها عن الحدود الملزمة بحدود الواقع ).

ج-السير الشعبية:

والتي تصوّر بطولات ومغامرات وتطلعات أفراد صُوروا بقدرات خيالية وإمكانية في تحقيق طموحاتهم التي يرومون الحصول عليها،والذي يميز الحكاية الشعبية والسيرة الشعبية عن غيرها من الموروثات أن (ليس لها مؤلف معروف ولكن رواتها أنفسهم يشتركون في الإضافة عليها دون الإخلال بالتسلسل الأصلي لحوادثها (14)

د-الطقوس الشعبية

:وهي ممارسات الفئات الشعبية في المناسبات وما يرافقها من تقاليد ومعارف وممارسات وأهازيج ورقص ،كالأعياد ، والخطوبة، والزفاف، والعراضات،والطهور،والوفاة،والحصاد ،وطقوس الصوفية كالمولوية، وسواها التي تعكس ثقافة الشعب.وهذا ما يعرف بالمسرح الشعبي.

هـ - التراث الغنائي :

كالموشحات ، والقدود ، والموليا ، والعتابا، والنايل، والسويحلي،والميجنا، وأغاني الرباب،والحداء ،وغيرها. على أن تراعى الاختلافات الموضوعية في الأداء واللفظ والإيقاع لهذه الفنون بين البيئات الجغرافية . من جهة وبين فئات ألوان الطيف الاجتماعي من جهة أخرى.
أما في السينما والتلفزيون فالمجال أرحب بما يتوفر فيهما من إمكانات وقدرات فنية،فيمكن توظيف الحكاية والأسطورة ، والطقوس الشعبية،والسير الذاتية ، وانتاج الأفلام التسجيلية والوثائقية، وتظل إشكالية التوظيف في هذا المجال أكثر تعقيدا إن لم نقل تختصر كل إشكاليات المسرح ومنها أفلام (الفانتازيا التاريخية ) التي لا تنتمي إلى التراث بأي شكل من الأشكال،كما تبرز هنا إشكالية جديدة مصدرها الصورة المرئية وتأثيرها على الخيال - وهو ما بدأنا به في مطلع بحثنا .

- 4- نتائج البحث

1- العودة إلى موضوعات التراث اللامادي وأشكاله وفنونه ليس بالنقل الحرفي أو التكرار وإنما بتوظيفها بما يخدم قضايا الحاضر. أي باستلهام الدروس والعبر منها .

2- استلهام التراث اللامادي في الفنون التعبيرية لا يعني توثيقه.

3- نقل الخطاب التراثي دون تحوير ومراعاة اختلاف البيئات الجغرافية خشية تشويهه وتحريفه .

4- تفصيح المثل الشعبي ، يعني ابتكار مثل جديد ، لا ينتمي إليه .

5- توثيق التراث اللامادي عبراستقصاءه وتصويره وتسجيله بواسطة لجان مختصّة وبمعاونة فنيين وحفظه بقصد إعداد سجل وطني للتراث اللامادي في سورية.

6- إحداث مركز لدراسات التراث العربي ،وتوسيع لجنة التراث اللامادي.

7- إصدار مجلة شهرية تعنى بالتراث اللامادي .

8- إقامة مهرجان سنوي للتراث اللامادي في كل مدينة .

9- إدراج عبارة( أسبوع ثقافي تراثي ) في خطط أنشطة المراكز الثقافية

10- لحظ المفاهيم التراثية في المناهج المدرسية .

11- إقامة نصب تذكارية للشخصيات التاريخية في أماكن موطنهم أو وفياتهم .

12- إنشاء متاحف للفلكلور الشعبي ،أومعارض دائمة تتبع لمعاهد الثقافة الشعبية تعنى بجمع الأدوات التراثية وحفظها .

5- الخاتمة

:إن قضية استلهام التراث وتوظيفه بصريا لا تقف عند حدود الوسائل التقليدية في التوظيف بل تتعداها إلى مجالات قد تكون أرحب وأكثر ديمومة ففي العمارة مثلا تبرز قضية استلهام التراث المعماري العربي والإسلامي لتخليد الطراز المعماري للحارة العربية والبيت العربي،والحرف اليدوية والصناعات التقليدية ، كالخزف الزجاجيات والمشربيات وسواها ، كما يشمل التوظيف اللباس والهيئة الشخصية،والأثاث المنزلي،وأدوات العمل ، وكل ما يعبّرعن خصوصية الهوية والذات العربية في مواجهة الزحف الحضاري ،والغزو الثقافي. وبالتالي إضفاء السمة التراثية على النشاط الفني بواسطة استلهام الموروث الثقافي والأدبي والفني وتخليد المنجز الحضاري،وما النصب التذكارية للشخصيات التاريخية سوى ضرب من هذا التوظيف البصري،كما يهدف استلهام التراث وتوظيفه بصريا إلى ربط الأجيال بواصل قيمي في مواجهة الزحف العولمي ومواجهة ظواهر التقليد والتبعية والتشويه الثقافي الذي تتعرض له الأمة في ظل انفلات المعايير، وبالتالي تحقيق التثاقف الذاتي بين الأجيال ، وبما يحقق الخصوصية الحضارية والثقافية ومنحها سمة الديمومة،وإعادة قراءة التراث العربي بصورة معاصرة ،وتنقية التراث الثقافي من كل دخيل ومشوّه .وما الإشكاليات التي يتعرض لها توظيف التراث إلا مدارس ورؤى مختلفة لطرائق التوظيف وهي حالة صحية وايجابية تعطي مؤشرات مشجعة وواعدة .

والله من وراء القصد

* هذا البحث هو نص ورقة العمل التي قدمنا ها في ندوة الدلالات المشتركة بين التراث المادي واللامادي ( الحرف اليدوية أنموذجا) التي أقامها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية – وزارة التعليم العالي دمشق 9-11-12/2007 وقد شارك بهذه الندوة كل من الباحثين الاساتذة : أ.صفاء قدور قدور - د. محمد حسن عبد االمحسن- د. يوسف إسماعيل - د. ممدوح خسارة - رشيد بوثلجة - د. عبد الرحمن البيطار - د. مهجة الباشا - د. هناء قزاز - د. صايل سلوم - أ.عبد القا ق- أ.منير كيال - إلياس بولاد - د. عبد الناصر كعيدان - أ.مصطفى قرنة - د. عفيف البهنسي - د. محمد علي حسن زينهم - أ.محمد فياض الفياض ... وغيرهم

6- المراجع والمصادر

1سعد أردش – ندوة التراث الشعبي والمسرح – منشورات ملتقى القاهرة العلمي لعروض المسرح العربي الأول 1994)
2المرجع السابق

3 - التراث وإشكالية التأصيل في المسرح العربي د. حمدي موصلي www.masraheon.com/a108.htm

4- http://www.anhaar.com/vb/showthread.php?t=21226 مجلة أنهار الأدبية بقلم : صادق ابراهيم صادق 9/3/2007

5 متوفر في : http://pr.sv.net/aw/2006/September2006/arabic/pages058.htm

6 - محاضرة الدكتور عبد المجيد شكير يوم السبت 12ماي2007م في مهرجان المسرح الأمازيغي الاحترافي بالدار البيضاء الذي نظمته جمعية تافوگت .
7-متوفر في : http://www.doroob.com/?p=17644lj،tv - د. جميل حمداوي

8- د / مصطفى رمضان .. توظيف التراث ـ إشكالية التأصيل في المسرح العربي .. عالم الفكر .. المجلد 17 .. العدد 4 ..وزارة الإعلام .. الكويت 1967

9 د / عز الدين إسماعيل ..توظيف التراث في المسرح ..مجلة فصول ..مجلد 1 .. العدد الأول .. اكتوبر 80 الهيئة العامة للكتاب 1980

10ـ فاضل خليل : أسباب غياب الخصوصية في المسرح العربي ، مجلة فن ، العدد 1 ، بغداد ، ب . ت .

11ـ فائق مصطفى : في ذاكرة المسرح العربي ، مجلة آفاق عربية ، ط 1 ، بغداد ( دار الشؤون الثقافية العامة ) 1990 .

12 علي الراعي : المسرح في الوطن العربي ، الكويت ، مطابع اليقظة ( سلسلة عالم المعرفة – العدد 25لعام 1978)
13 شوكت عبدالكريم ألبياتي : تطور فن الحكواتي في التراث العربي وأثره في المسرح العربي المعاصر ، بغداد ( دار الشؤون الثقافية العامة ، 1989 ) .

14 قراء ة الموروث الشعبي في العروض المسرحية الأستاذ ماهر عبدالجبار الكتيباني و الأستاذ عبداللطيف هاشم الكعبي- متوفر في http://www.basracity.net/pather/report/49.html


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى