الخميس ٢٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم يحيى الشامخي

لم قبلت عينيك ؟

أحب جنونها، عشق صراحتها، لكن لم يعجبه ذلك الخوف الكامن خلف جنونها. قال لها يوما " لوأنك أزلت هذا الخوف لصرت أجمل امرأة في العالم …"

عفوية إلى درجة السذاجة،نادرا ما تكف عن الكلام وإن كفت فإن عينيها تستمران في خلق حكاية ما، كذلك تفعل بأصابعها إن أغمضت عينيها…تدرس الموسيقى وتعزف على آلة القيثارة، هي لم تكن تعزف جيدا غير أن صفتها كفنانة اكتسبتها من موهبتها في الغناء وعفويتها القريبة من القلب..أما هوفشاعر حالم يعشق المسرح والقيثارة أيضا..علمته أبجديات العزف فوهب لقيثارته اسمها ومنحها كثيرا من أحلامه...

’ أريد أن أعزف دما ينزف من جرحي، أحس حرارته تتسربل بروحي الهائمة... إنه العزف الذي يحرمني مني ويسافر بي إلى عينيك...هل هوالبحث عن اليقين أم أن جنوني الطفولي انتفض من غفوته يريد مني التحرر من قيد آن له أن يكسر الآن؟ تمنيت لوأني عرفتك مند أمد بعيد حتى أشعر بطعم الجنون يتشبع بالحرية فيصير له طعم قطعة سكر على لسان طفل صغير…بطعم شعري يعذبني أياما وليالي فما تهدأ الخيول الصاهلة في رأسي حتى اقذف ما جوفي امن أحاسيس قد نضجت على مهل …

لم قلقت لما أحسست بفارق العمر بيننا ؟!

هوالخوف لا محالة من مستقبل لا نملكه حتى نخاف منه ؟!

قلت لك : " لوأنك أزلت هدا الخوف الذي يسكن عينيك الجميلتين كما يسكن أصابعك فأشعر بارتهازات تجعلك تضطربين أمامي،فتحاولين الفرار، فتعرضين عن النظر إلي مخافة أن ألومك...لن ألومك بل سأقول لك لوأنك تجاوزت هذا الخوف لصرت أحلى وأجمل امرأة عرفتها … "
كانت تدخن معه....وتسافر معه في سحابة سيجارتيهما في أزقة الحي الذي تقطن فيه... يمسك يدها... يحاول
عصرها،تنظر إليه مثل قطة تلوم صاحبها لما يقسوعليها، يحضنها بحنو،يقبل شعرها المنسدل على كتفيها برفق،يتنفس عميقا يريد أن يملأ رئتيه برائحتها الممتزجة برائحة الليل الندي ذات يوم شتوي بارد...رائحة الياسمين التي تضوع من رقبتها تسكره، تجوب به عالما من الحلم والعشق الجميل حيث أغنية شهيرة لبرا ين أدامس’كل شي افعله، أفعله من أجلك’ فيسافر بخياله وتتراءى له قصيدة ..

تتملى وجهه، تعضه من أنفه عضة خفيفة يتظاهر إثرها بالالم حتى يراها تقبل أنفه فيحس بالنشوة تغمره، فتمسح عذاباته وتطهر روحه التي تدنست منذ أتى الى العاصمة، قادما من بلدة ريفبة علمته كيف يحب، كيف يحس بالهواء يعبر كل مسامات جسده... علمته أن يحب روايات حنا مينة وعبد الرحمان منيف وأشعار أدونيس ومحمود درويش…علمته أن يحس الآن بتفاهته عندما نسي أوتناسى ذلك الوقع الجميل لكلمات ليست كالكلمات، تبث من الراديوصباح كل يوم جديد…بصوت فيروز وصوت المذيع يقرأ لأبي القاسم ألشابي ’ ألا انهض وسر في سبيل الحياة فمن نام لم تنتظره الحياة ’.

أحس أني عاجزة عن التوقف عن عشقك، أنت المجنون الذي أوقف حركة المرور لما أصر على تقبيلي وسط طريق مزدحم بالسيارات المسرعة. أقول لك إنها أجمل قبلة لا يزال إلى الآن عطرها يتضوع لما أتذكر قبلك أوعندما أمر من ذلك الطريق...

سأسألك يوما " هل ابتغيت الموت تلك الليلة أثناء تلك القبلة ؟"

أما أنا، فقد تمنيت الرحيل معك تلك اللحظة، حتى أشعر حقا أني عشقت يوما.. تقول لي لأني أخاف من المجهول.. ربما أنت على صواب، لكنني أحس أنني بلغت سعادة أخاف إثرها أن أعود إلى تعاسة لم تفارقني منذ أمد غير بعيد...أسمع روحي تتأوه لفراقك،تحثني على مهاتفتك أين سأراك غدا وأين بعد غد؟’ غير أني خائفة.. أقول لك إني أبكي كل ليلة.. أنيني يفيق القطط التي تؤنسني بموائها كما لم يؤنسني أبي وأمي وإخوتي.. أكرههم جميعا.. لا.. لا تقل لي إن مثلي لا يجوز له أن يكره بل يحب... نعم، إني أبغضهم لأنهم وضعوني في زنزانة من عذاب..أكرههم..تخيل، مرضت يوما بالحمى أقعدتني في الفراش ثلاثة أيام لم أسمع خلالها ’ربنا يشفيك. إلا من الطبيب الذي أتوا به لعيادتي ومن القطط التي أنت وبكت ولم تستطع أن تنام وأنا على تلك الحالة من المرض واليأس والبكاء..أسمعها تبكي من أجلي وتدعوالله أن يشفيني ويشفي قلبي الذي أحسست به يتهشم، وأعصابي التي تتمزق وروحي التي تتألم ثم تعود فتوقف نزفها...حتى أتيت أنت...

"لم أتيت؟"

قد تعودت على ملوحة الدموع على لساني.. لم أتيت؟ أخاف على نفسي من عشقك.. أخاف على نفسي من نفسي أن تتعود على عينيك وأصابعي تتخلل شعرك أن تتعود على الدفء بين يديك...قد أصبح للغناء معنى آخر غير النواح..أحس صوتى ينبعث من جوفي بطيء الحركة لذيذ الطعم، كل حرف له معاني متعددة، كل صوت له قط يشده يمططه ويحركه مثلما يشاء.. يتلاعب به، يعبث معه...

طيفى.. روحي.. جسدي.. صوتي.. كلها مفردات أحسست أنها تمتلك لحنا خفي الرموز، معنى جميلا جمال البحر فى ذلك اليوم الفيروزي...‘

في ذلك اليوم ركبا القطار باتجاه مدينة تفيق على هدير الموج وترقد على همس العشاق، وعندما وصلا نزل الليل معهما وأسمعهما البحر أنشودة ترحب بقدومهما..

كان الطقس خريفيا معتدلا، النسيم بارد وضوء أخضر ينبعث من الميناء القريب جعلهما يشعران بالنشوة...تجولا على شاطئ البحر وبدآ يتقافزان هربا من موجة عاتية تكسرت على الرمال الندية...

وضعت يدها على خصره... لمح عينيها من خلال الضوء الأخضر... أحست بقبلته تسكرها.. آقتربت منه أكثر حتى تسمع صوت البحر متناغما مع أنفاسه ينادبها للسفر،للرحيل إليه بلا شراع ولا جواز سفر. هذه القبلة فحسب منحتها الإذن بالرحيل واللاعودة إلى ذكرياتها التالفة...

’ قد رميت بأحزاني إليك يا بحر، فلا تعدها إلي عبر موجة غاضبة، ولا تغضب مني إن منحتك بعضا من حزني فأنت منذ قديم الأزل مقبرة الأحزان...لا حزن بعد اليوم ولا ألم ولا بكاء ولا أنين...قبلني أرجوك حتى أحس بحرارة أنفاسك تشعل الدم فى عروقى، قبلني حتى يعلم البحر أني عاشقة، حتى يخفت لمعان النجوم، حتى ترقص ذرات الرمل، حتى أثمل بلا خمر، حتى أدخن بلا سجائر تحرق رئتي، قبلني حتى الذوبان حتى الاختناق، حتى الموت...

ضع كفك على وجهي، امسح آلامي وطهر مآقي من الدموع فأعود بوداعة طفلة لم تعرف البكاء والألم..أعد إلي أنوثتي ، فرحي وابتسامتي البريئة... دعني أقفز حتى أقطف لك نجمة من السماء تضعها بين كفيك...دع جنوني يتحرر من كبتي. أنا التي وصفتها بالمجنونة... تنفس عشقي لك وسأتنفس نبض قلبك، رومانسيتك، عشقك لجنوني وخوفك من خوفي...لا تحرمني منك فأموت عطشا وكمدا...اجعلني قصيدة أوبيتا شعريا ونم على فخذي حتى أغمرك دفئا، حتى يغير البحر
مني، حتى أقبلك إلى درجة الارتواء منك يا دمي...’

ولد الآن لحن، وتبلورت القصيدة التي خالجته مذ قبلها وعيناه تلمحان انعكاس الضوء الأخضر على الموج المتكسر على الشاطئ.. لم يدخنا ذلك اليوم بل ملآ رئتيهما بهواء البحر الممتزج بالندى وعزف القيثارة، بلحن لقصيدة زهرية معطرة برائحة العشب البحري والياسمين...

ثناولت قيثارثه السوداء، قبلتها وعانقثها.. سقطت دمعة حراء... قبلته... ابتعدت عنه... اقتربت منه... وضعت كفه على خدها... عضت إصبعه برفق... ابتعد عنها... تأمل البحر النائم فى سكينة... شعر بآلامها....إنها ليلة للنسيان، للفرار من الماضي، لمحوذكريات أليمة تعودت على التعايش معها حتى ألفتها واستأنست بها.. أما بالنسبة له، فهي عودة الروح الى جسده... عودة الدماء النقية الى عروقه... هورجوع الجمال الى نفسه وفرار من البشاعة التى ركبها على ملامحه حتى أنه أنكر نفسه لما نظر الى وجهه فى المرآة ذلك اليوم...كانت تبكي وحيدة جالسة على كرسي أمام قاعة السينما، فضوله دفعه إلى التوقف والانشغال عن رفاقه بالنظر الى هذه الفتاة الجميلة الباكية وغير المكترثة بما حولها وبالمارة الذين يصفونها بالمجنونة.. جلس قربها.. نظرت إليه واجمة متسائلة... لم ينبس بحرف... بقي يتأمل دموعها وهى تساقط من عينيها السوداوين حتى قامت فمسحت سواد الكحل الذي سال على وجهها...ابتعدت عنه ونظرت اليه قبل أن تبتلعها قاعة السينما... أراد اللحاق بها غير أنه تسمر فى مكانه ولم يوقظه من سهومه غير نداء رفاقه...

’ عرفتك حزينة باكية القلب منشغلة عما حولك بعالمك الداخلي، ومنذ ذلك اليوم أحببت البكاء ثم عشقت دموعك لما تذوقت ملوحتها، غير أني لا أريدك أن تتألمي.. ابك فرحا... ابك عشقا ولكن لا تبك لأنك تتعذبين... بكيت معك ذلك اليوم. أقسم لك أني بكيت لما تركت رفاقي وعدت الى المنزل. ليس بكائي حينها شفقة عليك بل لأني أحسست بأن لبكائك

لأني رأيتني أبكي في ذلك اليوم...لأن نظرتك توغلت في، سبرت أعماقي، عرت ذلك الزيف الذي ألبسه أوهكذا أنا أحسست وأنا أنظر إليك وأنت تبكي غير عابئة بنظرات الاستهجان والسخرية....

لماذا لم أبك قبل أن أعرفك، قبل أن تلمس شفتي دموعك وأصابعي شعرك ؟
لم بكيت لما وهبتني تلك القبلة الدافئة ؟ هل لأنها سافرت بي الى ماضي الجميل؟ الى براءتي؟ إلى حبي لأمي وأبي وإخوتي؟ لأني رميت ذلك القناع الذي صنعته بنفسي فأعجبني فلبسته؟ لم قبلت عينيك بعدئذ؟

جبنت أن تري ضعفي وأن تتأملي الهزيمة مرسومة على ملامحي. أرجوك، اعزفي لي إن هدير البحر يبكيني وصوت الماضي في داخلي يعذبني ... اعزفي الآن لكن قبل ذلك قبليني حتى أحس بالدم يغلي في وجنتي،حتى أقتل ذلك القناع وأمسح تفاصيله من ذاكرتي، مرري أصابعك على شعري... أغمضي لي عيني حتى أراك...

امسحي وجهي بكفك فأقبل أصابعك، ضعي رأسي فوق فخذيك وقبليني حتى تسقط ذؤابات شعرك على وجهي فأستنشق أنوثتك حتى أسكر... ضميني إلى صدرك فأسمع قلبك يهتف باسمي... قبليني، إني أحب السفر... قبليني، إني أحب القيثارة... قبليني، إني أعشق البحر... امنحيني قبلا بعدد الأيام التي لم أعرفك فيها... عضي أنفي حتى أتألم... نعم أنا ماز وشي... اقتربي مني أكثر..اهصريني..قبليني من جديد. إن مذاق قبلتك يتجدد في كل التقاء محموم للشفاه... انزعي عني هذا الثقل الذي فوق جسدي وسأحررك أنا من هذه القيود...دعيني أبعد شعرك حتى أقبل عنقك،حتى أعضها فتصير بنفسجية اللون...حتى تعلمي أني صادي أيضا.. دعيني أقبل حلمتيك، لقد أعدت لي طفولتي الضائعة. قبليني وخرمشي بأصابعك ظهري، آن للقيح أن ينفقئ..امسحي ماضيك في صدري وابك ان أحببت فالحب بلا بكاء لا يعترف به البحر... ماباله صاخبا مزمجرا تعلوأمواجه وتنزل... انظري إليه مليا واستنشقي هذه السخونة التي تنبعث من أعماقه وتلذذي باصطخابه العنيف... قبليني أكثر وأكثر سأعضك بعنف، لا تتألمي ولا تتركي ظهري ينزف بقوة... دعيني أجرب ملمس الرمال الندية لعل جروحي تلتئم... ارتهازات جسدك تنشيني.. هل تلتذين بخنقي أم أنه الشبق ؟..’

ارتميا فوق الرمال المبتلة بندى البحر... قبل شعرها وأمسك بكفها ثم سرح بخياله نحوذلك الضوء الأخضر حيث ارتأت له صور من الماضي، انتشى فتناول القيثارة وبد أ يعزف عزفا متعثرا هادئا وأضفى عليه صوت الموج مسحة من جمال أما هي فقد انشغلت بفكرة ما... نظر إليها وهويعزف...

’ أحب طريقتك النهمة في التدخين غير أني لا أريدك أن تدخني بعد الآن، لا تحرقي أنوثتك أرجوك... أحب جنونك، أعشق تقبيل روحك، عناق طيفك نسف عذابي وآنهزاماتي، محوانكساراتي، تجفيف دموعي بشعرك، الجري على الشاطئ والقفز معك خوفا من موجة غيورة... أرغب في نثر الرمل بساقي وتقبيل يديك على ضوء القمر..أتمنى ألا أرى نظرة الكره تغلف عينيك ولا خوفا يحيط بشفتيك فترتجفان لما تحتسبن قهوة ممزوجة بقطرات من ماء الورد أولما تدخنين سيجارة.. السيجارة تشتعل.. هل أن النار تعشق التدخين ام أن السيجارة تلتذ لما تحترق؟’


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى