الأحد ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم توفيق الحاج

ليلة القبض على 43..!!

لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يكذب ما رأيته بعيني..في ليلة فلسطينية ليلاء اجتمع فيها الحزن والفرح والألم والتاريخ والظلمة والألعاب النارية والرصاص والهراوات والموت..!!

ليلة انغرست عميقا في الذاكرة بأنياب المفارقة الحادة..واللامتوقع..عبر متواليات لأحداث حقيقية سجلتها كاميرتي الخاصة المثبتة في الرأس والتي لا يمكن إتلاف شريطها إلا بإتلاف أنسجة وخلايا حية .!!

هذا هو السيناريو الخاص لليلة القبض على راية أعرضه على القراء بكل تجرد وحيادية، فمن شاء فليصدق ومن شاء فليكذب..كل حسب ما يحلو له من التأويل والتعليل لحقيقة عشتها وعاشها معي الكثيرون

4:50

أنصت وركاب السيارة العائدة.. إلى أذان صلاة المغرب ..ثم سألني السائق الفتحاوي عن سبب انقباضي..فهمست متنهدا: يا رب هالليلة تمر على خير..!! فقال الجميع بنبره وحدة وطنية عفوية..يا رب..!!
تذكرت ما حدث البارحة مع العائلة في المخيم حيث داهمت قوات مسلحة ملثمة وسافرة البيوت لالقاء القبض على الرايات الصفراء..وللمفارقة المؤلمة بل الصاعقة أن يكون المهاجمون والمدافعون من نفس العائلة..!!
وكان من نتائج هذه الغزوة العظيمة المباركة أن أصيب أخي بكدمات بسبب رفضه تفتيش المنازل على الطريقة الإسرائيلية وحرصا على الحريم..!!

كنت لا أزال تحت تأثير صدمة..أن تهاجم بيوتنا ويهتك ستر نساءنا وتطلق النار على أقدامنا ممن كنا نعتبرهم قبل لحظات ابناء وأقرباء وجيران وأصدقاء..!!

5:-

بلغني أن أحداثا صعبة جديدة تدور الآن في الحارة..فانطلقت مسرعا ووصلت موقع الحدث لأجد أن مداهمة ثانية أعنف وأشد قد تمت ، وقد أطلق المهاجمون النار فاصيب فتى في فخذه واعتقلوا أربعة شبان مستعينين على ذلك بتقنية "المرشد الملثم" ..!! وأن ابن أخى الذي لم يتحمل منظر الاعتداء على أبيه فدافع عنه غريزيا بقبضته قد تلقى بالمقابل ضربا تعاونيا مبرحا من خمسة أشاوس ..ليفر بمعجزة وبفضل تغطية عفوية من نساء و حجارة الحارة ...!!

حاولت تهدئة الوضع بطلب المزيد من الصبر أحيانا وبالنكتة أحيانا أخرى ..فعائلتنا الخاملة قد ظهرت أخيرا على الشريط الإخباري..!!

6:-

غادرت المكان ..لألحق بصلاة العشاء..ثم توجهت بعدها إلى دكان الفواكه والخضار فاشتريت على عجل وباصرار غريب كوكتيلا وحدويا من الفلفل الأصفر والباذنجان الأسود والفجل الأحمر والبصل الأخضر لزوم الاحتفال ب"الحمصيص" الوطني الفلسطيني..!!

6:25

في طريقي إلى البيت انطلقت فجأة الألعاب النارية لتبدد الظلام من حولي ..واندلعت تهاليل وهتافات وزغاريد وأغان وطنية..وعندما وصلت تقاطع مبنى الهلال مخترقا جمهرة من المحتفلين وإذا بمن حولي يفرون فجأة وقبل أن أدرك حقيقة ما جرى كانت جيبات التدخل السريع قد اقتحمت المكان وانزلق بخفة الفهود من بداخلها بخوذهم وعتادهم الكامل وسط إطلاق نار كثيف..

لا أدري لم خطرت ببالي في تلك اللحظة صورة "رامبو" وصور المقتحمين من لواء جولاني ..!!

ما أشبه الليلة بالبارحة..!!

قبل سنوات عديدة ..وفي نفس الليلة..وفي نفس المكان ورغم منع التجول عشنا نفس اللحظة..!!

لفني الخوف. رصاصة تئز قرب أذني..تشهدت.. هاتف داخلي قال لي : كن طبيعيا ..سر كما أنت ..اقرأ أية الكرسي .. ذهبت فيما يشبه الغيبوبة وأنا لا أزال أسمع أصوات وقع الهراوات ومؤخرة السلاح على رؤوس وأجساد من أمسكوا بهم ..سمعت صوت عظام تتكسر وصرخة مكتومة..
أحسست بلكزة قوية تخترق ظهري يتبعها صرخة"خذ يا بن الكلب "..!!
توقف تنفسي ..تنهدت عميقا..نظرت إلى أمام..

هناك على الطرف المقابل من الشارع هتف الأطفال المتحفزون:شيعة..شيعة..!!

كانت لحظات مفزعة .ثقيلة..بطيئة..مرت على عنقي.. خطواتي تتراخى وتطأ شيئا لزجا.. انحنيت..تحسست بأصابعي ..شممت..فهمت..أني عشت مذبحة صغيرة وقد كتب الله لي عمرا جديد .. فحمدت الله وحمدته أكثر لأن وحدة الخضار الوطنية معي لازالت بخير..!!

6:35

واصلت طريقي..هدأت أنفاسي قليلا..وجدتنى أسير دون أن انتبه بين صفين من الشموع وبعض الشباب يتهامسون.. سالت منى دمعة نافرة ..مسحتها بيدي..يبدو أن منظر الشموع يوحي بالحزن والأمل معا..
ضحكت بمرارة وأنا اسمع صوتين متعاركين في عمارة واحدة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى