الاثنين ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

سجون

بقلم: دينا دراوشة

الشمس تخرق الجدران ورائحة الغرفة المتعفنة من آثار البن والدخان، وهي في حالة ما بين النوم واليقظة تتقلب في فراشها على السرير الذي لم يتوقف عن إصدار أصواته المعتادة التي تزعجها طوال نومها.

الساعة الآن السادسة والنصف صباحاً، وصوت أبيها ينادي: جهزوا الإفطار. وتتذكر ليلة البارحة عندما قال لها: سأعدُ لكِ قبراً إن خرجت للبحث عن عمل.

لا يوجد ما تفعله، الفراغ يمنعها من أن تفتح عيناها. تتساءل في نفسها قائلةً: إلى متى سأبقى محبوسة في هذا القفص؟. السيارات في الخارج تعم المكان، وصوت الحداد الذي يسكن تحتهم يطرق بمطرقته، منذ الفجر تحس أنه يطرق عظامها.

تطل من النافذة لترى عامل النظافة يجوب المكان، تحسده على أنه حر طليق لا ينتظر إذنا من أحد لكي يخرج أو يعمل، ترى الأطفال والبراءة في أعينهم، تراها في تصرفاتهم، البراءة التي فقدتها، أو ربما لم تفقدها ولكن كثرة الشكوك والاتهامات التي حولها جعلت هذا الإحساس يتولد لديها. تتذكر كلام أبيها حين قال: لا يوجد عندنا بنات يخرجن من البيت، ماذا سيقول الناس؟

هذه التساؤلات الكثيرة تضرب أسهماً في جسدها، ها قد دخلت أمها تنادي بصوت عالٍ وتقول: هيا انهضي، لا تستطيعي أن تستيقظي لسهرك طوال الليل. ثم تقول:هيا انهضي فقد جاءت جارتنا لكي تضع ابنها عندك.

نظرت إلى أمها دون أن تتكلم. وقالت في نفسها:ها قد جاءت هذه المرأة وابنها المزعج المدلل الذي يبكي دون سبب، ما ذنب هذا الطفل أن يُحبس معي في هذا في هذا القفص، لا انه سجاني، هذا هو ذنبه أنهم جعلوه سجاني، حتى أطفالهم أصبحوا سجانين لي، وأمه التي تأتي وتذهب كل يوم دون كلمة شكر بل على العكس تؤنبني إن سهوت ولم أطعمه، أو حتى إن أطعمته وبقي يبكي كعادته، أو أن الولد خرج من عندك البارحة مريضاً أو،أو، التي لا تنتهي، فماذا أفعل لها؟

وقول أمي: لقد أصبح عمرك خمسة وعشرون عاما وما زلت لا تعرفين العناية بالأطفال، ولا تحسنين العمل في البيت، فلماذا تصلحين؟ ماذا تعرفين إذاً في الحياة؟ من سيقبل أن يضعك في بيته غداً؟

تبقى صامتة، وتسأل نفسها: هل هذا هو العمل الذي حلمت به بعد كل هذه السنوات من الدراسة؟

تنهض من فراشها، وتغلق الباب خلف والدتها، وتغلق النوافذ وتعود للنوم.

بقلم: دينا دراوشة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى