الخميس ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
بقلم أشرف شهاب

الفريد فرج: علينا أن نخلق حوارا مع العالم عبر المسرح

الكاتب المسرحى الكبير ألفريد فرج واحد من ألمع كتاب المسرح. شارك فى نهضة المسرح المصرى بأعمال خالدة مثل "حلاق بغداد" و"الزير سالم" و"على جناح التبريزى وتابعه قفة". وعلى مدار أكثر من خمسين عاما هى عمر عطاءه الأدبى كان لا بد ان نلتقى به لنستطلع آراؤه فى بعض القضايا الفنية والأدبية التى تشغلنا. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود التقى الكاتب الفريد فرج قبل أكثر من شهر ودار بينهما الحوار التالى:

الفريد فرج
كاتب مسرحى

 ديوان العرب: على مدار العديد من الحوارات التى أجريتها مع عدد كبير من الكتاب والفنانين هناك إجماع على أن المسرح المصرى يمر بأزمة. فما هو تعليقك على ذلك؟

 الفريد فرج: أظن أننى أتفق مع وجهة النظر هذه. وفى الواقع فإن المسرح المصرى يواجه جملة من المشاكل التى جعلته يتحول فى اهتماماته ويحصر هذه الاهتمامات فى مجموعة من القضايا الفجة التى لا تعبر عن الواقع المصرى، وعن واقع القضايا التى تعيشها الأمة العربية فى هذه المرحلة التاريخية الهامة من حياة الأمة.

 ديوان العرب: هناك من يشيرون إلى أن الأزمة فى جوهرها أزمة نصوص، والبعض يلقى بالأزمة فى ملعب الجماهير. فكيف ترى أن الأزمة؟

 الفريد فرج: حصر الأزمة فى عدم وجود نصوص مناسبة هو تبسيط مخل بالحقيقة، وإجحاف لعدد كبير من الكتب المتميزين الموجودين على الساحة والمتميزين فى أسلوبهم ومعالجتهم للقضايا التى يتناولونها. فعلى سبيل المثال هناك يسرى الجندى وأسامة أنور عكاشة وأبو العلا السلامونى ومحمد سلماوى. وغيرهم كثير من الكتاب كلينين الرملى وفاروق جويدة. وهؤلاء يمتلكون مواهب لا تقل عن مواهب كتاب مرحلة الستينيات، بل ويتفوقون على عدد من الكتب العالميين.

 ديوان العرب: دائما تتم الإشارة إلى فترة السيتينيات باعتبارها العصر الذهبى للمسرح المصرى. لماذا؟

 الفريد فرج: لا يساورنى شك فى هذه الحقيقة. لقد كانت فترة الستينيات من هذا القرن علامة فارقة فى تاريخ المسرح المصرى من حيث كمية ونوعية الكتابات المسرحية. وكانت الحركة المسرحية تتمتع بزخم وافر تحظى بدعم كبير من جانب الدولة. وفى بعض الأحيان كنا نرى ما لا يقل عن ثلاثين عرضا مسرحيا فى العام الواحد على مسرح الدولة. وكانت تلك الأعمال تتميز بالجودة، وبتنوع التناول. فكنا نشاهد أعمالا من المسرح العالمى إلى جانب أعمال الكتاب المصريين. وكان لدينا فى تلك الفترة يوسف إدريس وسعد الدين وهبة وميخائيل رومان ورشاد رشدى ونعمان عاشور وغيرهم. ومن هنا فالإشادة بتلك الفترة ليست مجرد إشادة عاطفية بل تعبير عن واقع كنا نعيشه. وأيضا انتقادنا لما يحدث حاليا تعبير عن خوف وقلق على مستقبل المسرح المصرى الذى استطاع أن ينجب فنانين عمالقة من أمثال سميحة أيوب ومحمد عوض ومحمد رضا وأمين الهنيدى.

 ديوان العرب: إذا كنت تنفى التهمة عن الكتاب والفنانون ينفون التهمة عن أنفسهم.. فمن هو المسئول؟ من هو الأب الذى يتحمل مسئولية الأزمة؟

 الفريد فرج: مركز الأزمة ليس فى قلة النصوص الجيدة أو عدم وجود فنانين على المستوى المناسب. ولكن الواقع الذى نعيشه بشكل عام يعانى من مظاهر سوء التخطيط، وإنعدام الإدارة الناجحة، ونقص الميزانيات المخصصة للنهوض بالحركة المسرحية. ولهذا يهرب الممثلون من المسرح لأنه لا يمنحهم سوى قروشا قليلة، فى نفس الوقت الذى تفتح مسارح القطاع الخاص أبوابها لهم، ويوفر لهم التليفزيون والسينما دخولا أعلى. إذا الأزمة الكبرى هى عدم وجود إدراك حقيقى لمشاكل المسرح وإنعدام الإرادة للتدخل لحل هذه الأزمة.

 ديوان العرب: هل يعتبر هذا التفسير تبريرا لسبب هروب الكتاب المسرحيين والنفانين من المسرح إلى التليفزيون وإلى مسرح القطاع الخاص؟

 الفريد فرج: كتاب المسرح بالتحديد بين نارين. بين نار مسرح الدولة البيروقراطى وبين نار القطاع الخاص الذى يطالبهم بكتابة نصوص دون المستوى بحجة أن لهم جمهور خاصا له احتياجات خاصة. وفى نفس الوقت يقدم لهم التليفزيون عددا من المميزات. ومن الطبيعى فى هذه الحالة أن يتزايد الإقبال على التعامل مع التليفزيون.

 ديوان العرب: ما هو السبب فى أن المسرح الجاد لا يحظى باقبال جماهيرى كثيف؟
الفريد فرج: هذه المسألة ترجع إلى انعدام الثقافة المسرحية فى الثقافة العربية. للأسف حتى هذا الوقت لم ينل المسرح الاهتمام الكافى ولا الاحترام الذى يليق بمكانته كفن راق فى مجتمعاتنا. وغالبا ما يتم النظر إلى الثقافة المسرحية على أنها ثقافة النخبة. ولا يقبل على المسرح الجاد إلا القلة من الجمهور المهتم. وأسهم الدور الذى تلعبه مسارح القطاع الخاص فى تعظيم هذه النظرة السلبية للمسرح الجاد. وبالتالى فمن المفترض أن النهضة المسرحية تستلزم أيضا تدريس مادة المسرح للطلاب وتثقيف الشباب بأهمية المسرح ودوره فى تشكيل الوعى والوجدان.

 ديوان العرب: شاهدنا مؤخرا معالجة مسرحية جديدة لمسرحية قديمة من تأليفك هى مسرحية "جواز على ورقة طلاق". فما هى الاعتبارات التى تؤدى إلى إعادة عرض أى مسرحية رغم مرور حوالى ثلاثين عاما على ظهورها لأول مرحة على خشبة المسرح؟

 الفريد فرج: أولا لا يوجد فى المسرح مفهوم يسمى مسرحية قديمة وأخرى جديدة. والمسرحية التى أعيد عرضها مؤخرا تتعرض لواقع قديم ما زال ملموسا فى هذه الأيام. وبالتالى لإغن المعالجة المسرحية للقضية التى تتناولها وهى قضية العلاقة الإنسانية.. قضية الحب الذى يواجه العقبات. وعادة ما تقوم المسارح العالمية والمسارح الكبيرة بمعالجة الأعمال التاريخية لتعيد تقديمها برؤية معاصرة. وعلى سبيل المثال شاهدنا مؤخرا معالجات لمسرحيات لشكسبير كالملك لير على خشبة المسرح القومى وعولجت مسرحية هاملت عشرات المرات. وفى كل مرة كانت المعالجة تتم بشكل مختلف. إذا القضية هنا أنه لا يوجد مسرح قديم أو نص قديم ونص جديد. هناك ما يسمى قضايا إنسانية ثابتة لا تتغير ولا تختلف باختلاف العصر ولا الثقافات. وغذا كان العالم يواجه حالة من الانقسام والقطبية الأحادية فإن مصر كغيرها من دول العالم تواجه نفس الواقع. ومن هنا أقول أن القضايا العالمية صالحة للمسرح المحلى والقضايا المحلية صالحة للمسرح العالمى. والشرط الوحيد هو أسلوب المعالجة، والتقنيات المستخدمة فى العرض المسرحى. ولا يمكننى أن أعتبر أن إعادة عرض مسرحيات آرثر ميللر أو موليير أو هنى إبسن أو تشيكوف تعنى أزمة فى النصوص المسرحية الجديدة.

 ديوان العرب: هل تعتقد أن إعادة معالجة النصوص المسرحية وتقديمها يمكن ان يفيد فى تنمية الثقافة المسرحية؟

 الفريد فرج: طبعا يمكن أن تلعب هذه النصوص والإعمال دورا مهما فى تنمية الوعى الإنسانى بالمسرح وبالتاريخ وبالقضايا التى تطرحها تلك الأعمال. وتقديم هذه الأعمال لا يتعارض مع تقديم الجديد لا تناقض فى هذا المجال. ونحن نحتاج إلى كل الجهود المسرحية والفنية لكى نعيد التعريف بأنفسنا وبثقافاتنا وبمفاهيمنا للعالم حتى نجيب على الأسئلة القلقة بشأننا. العالم الآن أصبح يتهمننا بأننا اصحاب ثقافة إرهابية. ويتهموننا بأننا نعتنق أفكارا انتحارية. وأصبحنا نلحظ هذا الانقسام والتفاوت الفكرى والمفاهيمى بشكل كبير. ما نسكيه مقاومة يسمونه إرهابا وما نسميه فوارق طبقية يسمونه حرية التجارة. وهكذا نحن مهددون ولا مجال أمامنا سوى أن نحمل رايتنا الثقافية على كل المستويات. علينا أن نخلق حوارا مع العالم عبر المسرح. وأن نقدم لهم أنفسنا دون تشنج أو تعصب. ومن خلال مسرحنا سيعرفوننا ويكتشفون أوجه التشابه بيننا وبينهم. ومن هذه النقطة يمكن أن نبدا البناء نحو التفاهم والتناغم العالمى.

 ديوان العرب: هل تعتقد أننا ما زلنا بحاجة للجوء للمسرح رغم المنافسة الحادة لهذا الفن من جانب التليفزيون والسينما والقنوات الفضائية؟

 الفريد فرج: نعم المسرح سيصمد. قالوا هذا الكلام من قل. قالوا أن التليفزيون سيقضى على المسرح ولم يحدث. وقالوا أن السينما ستقضى على المسرح ولم يحدث. الفنون لا تموت. والتنوع فى أشكال التقديم والعرض مطلوب. والمسرح استطاع أن يطور من أدواته ومن أساليبه ويستفيد من التقدم العلمى والتكنولوجى. وبهذا فالمجال ما زال مفتوحا أمام المسرح للتنافس مع بقية الفنون. أنا لا أدعو لسيادة المسرح على أنواع الفنون الأخرى بل أدعو للتنوع والتنافس بينها.


مشاركة منتدى

  • شكراً جزيلاً لديوان العرب على هذا الحوار القيم والذى جعلنا نقترب أكثر من كاتبنا الكبير والتزود من معين فكره ورؤيته الصائبة
    ونتمنى لديواننا الرائع مزيد من التقدم والنجاح

    محمد الجرايحى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى