الثلاثاء ١٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم خالد الخراز

الكذاب

أنا أدعى”محمد”ويفضل أصدقائي أن ينادوني”سي محمد”تميزا لي عن زميلي”محمد”والذي ينادونه”سيمو”، أنا إنسان صادق.. عكس ما يظنه الكثيرون، أعيش مطمئن البال مرتاح الضمير، إلا أن في شخصيتي عيبا خطيرا حسب مقاييس هذا العصر، ليس الكذب طبعا ولكنه شيء يقترب منه ولا يطابقه!

تسألني سعاد زميلتي في الصف – والباحثة دوما عن الإطراء -:
كيف تجدني اليوم؟

أجدك جميلة.

حقا؟

نعم، وما الذي ينقصك؟

لا شيء، طبعا أنا جميلة، وإنما أردت أن أسأل فقط.

أحول اهتمامي إلى زميلي”سيمو”الذي يلقي عرضا، أتدخل بعد إنصات وتمعن مستفيض في عناصر العرض لأثمن قيمة المعلومات التي جاء بها وأنوه بالمجهود الذي قام به، أمام نظرات الدهشة والاستغراب من أستاذي، ليس لأن ما قلته غير صحيح، حاشا وكلا، فأنا إنسان صادق، بل – فقط – لأني لم أعتد التدخل في مثل هذه المواقف، وحقيقة فأنا قل ما أتكلم في الفصل الدراسي.

تسألني سعاد مرة أخرى:

ما رأيك في”سيمو”؟

ولد لطيف ومؤدب وله ثقافة واسعة.

لقد أخبرني أنه يملك سيارة، هل هذا صحيح؟

لا أعلم بالضبط، ولكن”سيمو”لا يكذب

وتنتهي الحصة، ونغادر الفصل، زملائي يصرخون ويتصايحون أما أنا.. فأخرج هادئا، فلا أرى سببا يدعوني للصياح مثلهم، يقبل”سيمو”علي مبتسما: أشكرك على تدخلك، أنت الوحيد الذي دافع عني.
عفوا، لم أقل غير الحقيقة.

أودعه، وأتوجه إلى بيتي، وحتى أكون صادقا لست متوجها إلى بيت أسرتي بالضبط، فبيتنا يوجد في المدينة المجاورة، وهي رغم جمالها الطبيعي وتوفرها على النقل والماء والكهرباء والهاتف إلا أنها لا تتوفر للأسف على ثانوية، لذا فأنا أسكن في الداخلية، ولست كاذبا إن قلت بيتي، فهي مكان لطيف، الأكل فيها جيد ومتوفر والغرف نظيفة

والمعاملة طيبة، وهذا ما أكدت عليه أمام المدير حين نظم زملائي إضرابا عن الطعام، لم أفهم لماذا يفضلون الجوع والطعام متوفر؟!
وحتى أكون صادقا فهو في الحقيقة سؤال المدير، سؤال استنكاري طبعا، وأنا أشاركه هذا التساؤل.
يغضب مني زملائي ويقاطعونني، وهذا طبيعي فالصدق والصراحة مرفوضة في هذا العالم. لم تعد سعاد تسألني عن رأيي في (مكياجها) وقصة شعرها

ولم يعد سيمو يكلمني في الساحة.
حقيقة أنا شخص طيب واجتماعي وصادق، وأكثر ما أكرهه هو الوحدة والعزلة.. والكذب.

حاولت أن أفهم لماذا أعاقب هذا العقاب القاسي، رغم أني أحاول إرضاء الجميع، واكتشفت أن العيب يكمن في كوني صادقا زيادة على اللزوم، فسعاد في الحقيقة ليست جميلة وفق مقاييس الجمال المتعارف عليها، ولا سيمو مثقف، ولا أنا صادق حسب معايير الصدق الحقة، ورغم صراحتي المطلقة هاته، لازلت لا أفهم لماذا ينعتونني بالكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذاب...؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى