الاثنين ١١ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم علي دهيني

سناء...

كان فجراً ربيعياً ، والشمس تقرب من الشروق.. أرمشت عينيها تطرد النعاس منهما، فانحدرت ابتسامة رقيقة هادئة تعبّر عن رضى في نفسها.

إلى كلّ صبي وصبية.. إلى كلّ فتاة وشاب.. إلى كلّ جدّ وجدّة.. إلى كلّ ثكْلى غيّب الغدر والإرهاب رفيق الدّرب في غزّة... أهدي هذه القصة من واقع الحياة..

***
كان فجراً ربيعياً ، والشمس تقرب من الشروق.. أرمشت عينيها تطرد النعاس منهما، فانحدرت ابتسامة رقيقة هادئة تعبّر عن رضى في نفسها.

كان يلف ذراعه حولها متأبطاً بها كأنه يخاف أن تترك فاصلاً بينه وبينها، فكان يحرّك من جسده المُمدّد الى جانبها، قسمات وجهه فقط خوفاً أن توقظها حركته... جذبت يده نحوها وتأبطت بها وعادت لتغمض عينيها مطمئنة تأوي لهذا الدّثار من الحنان الذي يحوط بها.

ثمّة أصوات تأتي بين الفينة والأخرى تذكرهما بأن الصباح فرش بساطه الأبيض وزقزقة العصافير تعزف ترانيم الصباح الربيعية محمولة مع النسمات الناعمة تقبل وجهيهما وتلتف من حولهما تربت على الخدود أن تستيقض.

***
ارتدى ملابسه وجلس قربها باعثاً بشفتيه فوق صحن خدها.

ـ حبيبي.. لم تقل لي متى ستعود؟

ـ (مبتسما) متى تريدين أن أعود؟

ـ أنا ... أنا حتى لا أريدك أن تذهب... لم يمض على زوجنا سوى شهر واحد.. وها أنت بدأ غيابك شبه الدائم عن البيت. أمس عدت بعد غياب أسبوع.. وها أنت تسارع للخروج ولا أدري متى تعود؟

كانت تردد كل هذه الكلمات على سمعه دون أن يتوقف عن تقبيلها حيث أمكن لشفتيه أن تطال منها موضعا.

ـ آه.. نسيت أن أخبرك أمس.. جاءت والدتك تسال عنك لأمر هام.. وأن أحد رفاقك استعجلها بالسؤال عنك هنا.. لكنك لم تكن عدت بعد.!

ـ علمت حبيبتي .. قابلته في الطريق.. وما خروجي اليوم إلاّ بسبب ذلك..سنترافق أنا وهو في عمل خاص بنا.

ـ لكن والدتك كانت تضرب كفاً بكف حين ذكرت اسمه وكأنها تخشى أمراً مّا؟

ـ لا عليك حبيبتي.. هي قلقة دائماً.. إنها الأم؟.. لا تنسي أنك ستكونين كذلك .. أما ً .. هاه..

كانت هذه نهاية الحوار وهو ينسحب الى الخارج..

***
وقفت تشيعه على عتبة البيت وهو يبتعد شيئاً فشيئاً عن ناظريها..
سمعت صوتاً يناديها من فناء البيت.. " سناء.. أين أنت..؟ هل ذهب أحمد ؟.. " ولما أجابتها بنعم تململت أم أحمد ولوت عائدة حيث أتت.. وقد تركت في سر زوجة إبنها سؤالاً لم تعط سناء الإجابة عليه .. هي تعرف أن العروس دائماً يسألونها هل بدأ حملها أم بعد..؟ أما سناء لم ترد أن تعطي جواباً إيجابياً لوالدة زوجها.. لكن لديها شعور بأنها حامل.. لأن وقت دورتها الشهرية مضى منذ أكثر من أسبوع.

سناء لم تكن مرتاحة لغياب زوجها.. هو غامض بكل حركاته.. حتى أصدقاؤه غامضون .. الجميع يتحدث همساً والكل يسكت حين يقترب منهم أحداً وهم يرسمون بعض الخرائط.

تذكر في بداية تعرّفها به كيف كانت تتبختر أمامه في الجانب الآخر من الطريق المطلّ على بيت أهله.. وكيف كانت تتذرع بحجج بسيطة كي تذهب الى قطاف الزيتون في الكرم القريب من كرمهم ... كان يلتف إلى الجانب الآخر من الطريق ليلقاها ويسرقا بعض كلمات تتلفظ بها وهي مطأطئة الرأس حياءً ..

***
ينقضي ذلك اليوم وتبيت شقيقتها عندها لأن أحمد ليس معروفاً متى يعود.. هو يقول لها أنه يذهب الى بيروت ويعمل في مجال الطباعة ويأتي في آخر الأسبوع ، لكنه ولا لمرة واحدة يحمل إليها شيئاً يدل على عمله.. ابن جيرانهم يحضر معه كل أسبوع أكوام من المجلات والكتب... حاولت بعض المرات أن تفهمه هذا لكنه كان يؤكد لها أن مكان عمله يختلف وممنوع عليه إخراج أي شيء.. لم تشأ مجادلته .

أوت الى الفراش مع شقيقتها ولم تنس الفرق بين يد شقيقتها ويد أحمد.. تذكرت يوم العرس.. تذكرت الساعات الطوال هي وإياه يتبادلان الأحاديث دون ترتيب، فقط كان همهما أنهما معاً، يتهامسان، يضحكان، يبنيان الأحلام للمستقبل...

***
فجأة يضج المكان بأصوات الطائرات الإسرائيلية تعصف بسماء الجنوب تستيقظ القرية كلها لشدة الأصداء التي يتركها صوت الغارات الجوية والقنابل المضيئة..

تتأبط سناء بأختها وكذلك أختها بها.. يطل شقيقها الأكبر مسرعاً.. "لا تخافو.. تعوّدنا على هذا.. لعلّ شباب المقاومة قد وُفقوا بضربة أليمة للإسرائليين.. كي يشنوا هذه الغارات..

ـ عماد ( سناء تخاطب شقيقها) لا أدري..! أنا خائفة أكثر من أي مرة.. لم أعتد الخوف من الطائرات.. حتى أني أيام الإجتياح قاومتهم الى جانب أحمد..؟

تنتبه فجأة الى هذه الكلمة.. تتأبط بصدر أخيها..

ـ عماد أحمد .. أحمد.. لا يعمل في بيروت.. أحمد لا يعمل في المطبعة..(تركض في زوايا الغرفة ) عماد.. أحمد هو...
جلست سناء تعيد شريط علاقات أحمد واجتماعاته في البيت وصمته الذي لم تعرف يوماً ما سببه...

ساعات ويرتفع صوت المؤذن للصلاة.. دخلت للوضوء وكان أخيها قد تهيأ عند بدء الأذان صلىّ ركعتي الفجر .. وعاد صوت المؤذن من جديد .. وقف الجميع يصغون ، فهذا يعني أمراً هاماً.. كبـّر ثلاث مرات ثم أدلى ببيان صادر عن قيادة المنطقة للمقاومة معلناً فيه استشهاد ثلاثة من المقاومين وقتل أكثر من خمسة إسرائليين وإعطاب آليات للعدو... عدد أسماء شهداء المجموعة ... وكانت بقيادة "الأخ أحمد".. خرّت سناء مغشياً عليها.. حين استفاقت، كان كل الأهل من حولها.. ويملأ سمعها صوت شقيقتها: "ها أنت زوجة الشهيد".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى