الجمعة ١٥ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم سامر مسعود

الهندي الأحمر لايزال يرقص

الشمس تغمض عينيها باستحياء ذات مساء، تعانق غسقا داميا يعنون لترجُّل نهار اخر في ملحمة كونية. وفي لحظة صمت يبدأ الهندي الأحمر رقصته الأبدية على إيقاعات طبول وترانيم شجية. يزداد توتر الجسد صعودا بانسجام فريد مع الأشياء من حوله. يتدثر المساء بتواشيح معتقة موغلة في القدم تذكرك ببكائيات طللية لشعراء مضَوْا. في زاوية(ما) تتيح لك تأمل طقوس المشهد بكل جوانبه، تلمح رجلا مستغرقا في تأمله... كان في عقده الخمسين، يتوسل بنظَّارات سميكة لقراءة ما حوله من تفاصيل، وقََّّع الزمان مروره على أسنانه فخسر منها الكثير، واكتفى بسفع شعره فتحول إلى شموع بيضاء تتمايل مع خيوط نار بدأت بالاشتعال.

يقترب منك على مهل هامسا بعربية واضحة:

 "ابن زريق مايزال يرقص..." وغرق في قهقهة باتساع المساء...
تجتاحك دهشة راعشة؛ إذ لم تتوقع جَمَلاً شارداً في هذه الديار...تحاول التخلص من وقع الصدمة هامسا:

 "... يتألم..." ترددها شاكياً.
 "... يعقد الصفقات..." أجاب كمن ينكأُ جرحاً.
 ... يقاتل..." تمد الصوت ليصل المعنى بوضوح.
 "... إخوته..." قالها باستهزاء.
 ... اخر "الحلول" الكي" . تحاول أن تصف الخنجر وكأنه زهرة يانعة، على الأقل هذا ما فكرت به لحظة سماع الكلمة، ولكنك لم تتجرأ على البوح لأن في ذلك نوعا من الخيانة.
 ... أين المشكلة؟!
 "... ألا تشعر بخازوق الحلبي؟! إنه وشم القبيلة بين القبائل..." تقولها بانفعال حاد.
 ... سيارتي "الكاديلاك" مريحة ومكيفة على مدار العام...
 "... والد فاسد..." تقولها بما يشبه الشتيمة. " أليس لك أبناء؟! " تغلف كلماتك بنبرة توبيخ ظاهرة.
 "... يزرعون أرض النخيل بعيدان ثخينة مدببة، ليجدوا ظلهم تحت خمسين نجمة... أقصد إحدى وخمسين..." قالها بنشوة المنتصر.
 "ما اسمك؟!" تتساءل بشعور من وقع في خطأ فادح.
 عبد الحميد...
 هل أنت متأكد؟!
 هل أنت غبي؟!
 اعذرني يا صديقي، فالحلبي أصابني في عقلي هذه المرَّة..." تتغابى حتى لا تتهم بالجنون.
تتظاهر بالتماسك، تبتلع أساك، تنتظر وقع سياط كلامه القادم، تتأخر السياط، تتعجلها هاتفا باسمه، تسمع صدى صوتك يتردد في جوف المساء، تشعر بعريك الكامل، تتألم باكيا بينما كان الهندي الأحمر يواصل رقصته على وقع الطبول والترانيم الحزينة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى